مما لا شك فيه أن تنصيب أمير حسين عبد اللهيان وزيرا للخارجية، بتأييد من جميع أعضاء لجنة الأمن والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي، اعتبارا من يوم 25 أغسطس 2021م، جاء متسقا مع حسابات النظام الإيراني التي أفضت إلى تصعيد التيار الأصولي المتشدد إلى قمة سلطات الدولة ومؤسساتها المختلفة، وربما تتويجا لجهود رجل رأى فيه صانع القرار أنه رجل المرحلة المناسب، خاصة أنه يحمل دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة طهران، وأمضى سني عمره في خدمة الثورة وتحقيق أهدافها الميدانية.

وإذا أردنا تحليل اختيار المرشد الأعلى، بحكم الدستور، لأمير عبد اللهيان لهذه الوزارة السيادية، فعلينا أن ندرك للوهلة الأولى أنه اختيار حمل كثيرا كم الرسائل الضمنية للمجتمع الدولي أهمها التوافق الأصولي بين وزارة الخارجية والحرس الثوري على إدارة العمل الخارجي تحقيقا لأهداف إيران وحماية مصالحها، واستخلاص أفضل النتائج لها من جميع القضايا التي تديرها على المستويين الإقليمي والدولي.

دواعي اختياره

يتمتع أمير حسين عبد اللهيان بسمات شخصية أهلته لنيل ثقة النظام، والتعويل عليه في إدارة توجيه “الخطوة الثانية” التي رسم المرشد الأعلى ملامحها العامة للمرحلة القادمة، والتي تقوم على ترسيخ ثلاث مبادئ أساسية هي “الكرامة والحكمة والمصلحة” ومن ثم التخلي تدريجيا عن سياسة الصبر الاستراتيجي دوليا، وانتهاج الصرامة حيال بعض الملفات الإقليمية. ولعل من بين هذه السمات:

  • كان أحد كوادر “الدبلوماسية الثورية” التي تبناها الحرس الثوري لإدارة العمل الخارجي، وراوحت أدواتها بين استخدام القوة الناعمة تارة والقوة الخشنة تارة، وتبدلت لها الأدوار وتغيرت فيها لغة الخطاب، حتى نجحت في تكوين عمق استراتيجي لإيران بمنطقة الشرق الأوسط ورسخت ركائز محور المقاومة وأدارت تفاعلاته الإقليمية. مثل فيها عبد اللهيان الوجه الدبلوماسي الناعم المقابل للوجه العسكري الذي كان يمثله الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس.
  • لديه قدرة على فهم البيئة الإقليمية وأبعاد التفاعلات البينية بها وبالأخص فيما يتعلق بمحور المقاومة على امتداد رقعته الجغرافية.
  • لديه دراية كاملة بتفاصيل المفاوضات التي تجريها إيران على المستوى الإقليمي والدولي، بل كان مشرفا بالكامل على معظمها.

تاريخه الوظيفي

تتكرس خبرات أمير عبد اللهيان الدبلوماسية في الدراية الكافية بقضايا المنطقة العربية وشمال أفريقيا، الأمر الذي يعكس نوايا النظام الإيراني في المرحلة القادمة؛ خاصة أنه قضى حياته بالسلك الدبلوماسي، منذ عام 1997م، متدرجا في شغل المهام التالية:

  • خبير مختص بسفارة جمهورية إيران الإسلامية لدى بغداد (1997 ـ 2001م)
  • نائب رئيس دائرة الخليج العربي والشرق الأوسط بوزارة الخارجية
  • نائب مساعد مدير وحدة الشئون العراقية الخاصة بوزارة الخارجية، والقائم بأعمال السفارة الإيرانية ببغداد
  • نائب مدير عام دائرة الخليج العربي والشرق الأوسط بوزارة الخارجية
  • رئيس اللجنة الخاصة بالشئون العراقية الخاصة بوزارة الخارجية.
  • سفير جمهورية إيران الإسلامية لدى البحرين أثناء تولي منوچهر متکی وزارة الخارجية
  • مدير عام دائرة الخليج العربي والشرق الأوسط بوزارة الخارجية
  • نائب وزير الخارجية للشئون العربية والأفريقية، أثناء تولي علي أكبر صالحي ومحمد جواد ظريف وزارة الخارجية
  • مستشار وزير الخارجية
  • المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي ومدير عام إدارة الشؤون الدولية بالمجلس المذكور.

والحقيقة أنه إذا اعتبرنا أن عبد اللهيان كان المنسق الخاص للمساعي الدبلوماسية مع الحرس الثوري، فعلينا أن ندرك أيضا أنه اتخذ مواقف قوية حيال بعض القضايا الإقليمية حفاظاً على أمن إيران القومي ورعاية لمصالحها الوطنية، فأدار الدبلوماسية الإيرانية حيال تطورات الأزمة في سوريا بوصفها خط المواجهة الأول لإيران على المستويات كافة، وشارك بالمحادثات التي جرت بشأنها نيابة عن وزير الخارجية، وفعل كل ما في وسعه لدعم محور المقاومة. الأمر الذي أدى إلى تفاقم التوتر بين إيران ومحيطها الإقليمي؛ حتى باتت إقالته من منصبه نائبا لوزير الخارجية للشئون العربية والأفريقية عام 2016م ضرورية لتخفيف حدة هذا التوتر، والتعبير عن جهد أوسع لتحسين العلاقات مع دول الجوار وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. غير أن التيار الأصولي رأى أن هذه الإقالة كانت تمثل إضعافا لمحور للمقاومة؛ نظرا للمسؤوليات التي كان يأخذها عبد اللهيان على عاتقة في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن. وبالتالي فإن عودته من باب قيادة الجهاز الدبلوماسي الإيراني بالكامل يكشف نوايا إيران الجادة للبدء في الخطوة التالية لتعزيز عمقها الاستراتيجي، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، وانسحابها المحتمل من العراق.

حسين أمير عبد اللهيان – أرشيفية

توجهاته المحتملة

يمكن لنا استشراف توجهات عبد اللهيان، عبر فهم وتحليل بعض التصريحات التي أدلى بها في أوقات سابقة، منها:

  • إيمانه بوجود مؤشرات ملموسة لمدى تأثير الثورة الإسلامية على دول شمال إفريقيا، ومنطقة الخليج العربي، وفي المناطق ذات الصلة والمناطق المجاورة، التي يمكن البناء عليها، واستكمال جهود التغلغل فيها.
  • اعتقاده بأن التطورات في المنطقة تسير على طريق الصحوة الإسلامية وتتأثر بخطاب الثورة الإيرانية بوصفها جوهرا لهذه الصحوة، وأنها سوف تتغير لها أدواتها التقليدية، التي بدأت استخدم شرائط الكاسيت، إلى استخدام تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، استنادا إلى دورها المهم والمؤثر على التطورات الإقليمية في المرحلة القادمة.
  • إدراكه أن أمريكا وحلفائها الإقليميين، يسعون لتقليص عمق إيران الاستراتيجي، ينبئ بأنه سيولي اهتماما كبيرا بهذا العمق، وسيسعى لأن تتمتع السياسة الخارجية بفاعلة ومنطقية وتتبنى خطابا قويا يخدم مصالح إيران في كل المجالات
  • يعتقد أن المفاوض الإيراني لم يصل بعد، خلال مفاوضات فيينا، إلى مرحلة تأمين مصالح الشعب الإيراني. وهو الأمر الذي يعكس نواياه على تحقيق الأهداف الإيرانية، استغلالا للمتغيرات الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وتفاقم الخلافات بينها وبين الصين وروسيا الاتحادية.
  • يشترط عدم إدراج القضايا الإقليمية أو الصاروخية على طاولة المفاوضات الجارية بفيينا، والاكتفاء بالتركيز على الاتفاق النووي والالتزام بالعودة إليه، لدخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ.
  • يعلم أن المفاوضات تعد جزءا من العمل الدبلوماسي بشكل عام، ولكنه لن يجعل أداء وزارة الخارجية رهن بالاتفاق النووي، وهذا ما يعكس نيته إدخال سياسة التوجه شرقا حيز التنفيذ، وتعزيز أوجه التعاون الشامل مع كل من الصين والهند وروسيا، خاصة فيما يتعلق بمجال الطاقة وطرق العبور، هذا على المستوى الدولي. أما على المستوى الإقليمي، فيبدو أن عبد اللهيان سوف يعمل على إزالة معوقات ترسيخ عمق إيران الاستراتيجي الممتد من العراق وصولا إلى لبنان مرورا بسوريا، فضلا عن اليمن، والبدء في تنفيذ المرحلة الثانية المكملة لهذا العمق، استغلالا للانسحاب الأمريكي من أفغانستان والعراق.
  • يشير تأكيده على أنه خصص ٤٠% من برنامج عمل وزارة الخارجية لما أسماه دبلوماسية الاقتصاد والتجارة الدولية، إلى احتمال أن قيامه بتعزيز السفارات والممثليات الإيرانية بالخارج، سيما التي تقع ضمن دوائر اهتمامها، بعناصر منتقاة من المختصين في الاقتصاد والتجارة؛ بغرض في فتح أفاق جديدة أمام الصادرات الإيرانية، والتي في الغالب هي من إنتاج مصانع وشركات الحرس الثوري والاستخبارات، وهو الأمر الذي يعني محاولة اختراق الدول والمجتمعات المستهدفة عبر شهبندر التجار.

أجندة عمله المحتملة

من المرجح أن يكرس أمير حسين عبد اللهيان جهده على جميع الأصعدة، في المرحلة القادمة على انجاز أربعة ملفات مهمة، هي:

أولا: العمل على رفع العقوبات

وهو الأمر الذي يرتهن كليا بالتوصل إلى اتفاق بين إيران والأطراف الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) خاصة أن المفاوضات الجارية في فيينا بشأنه تجابهها تعقيدات عديدة، يتمثل أهمها في أن إيران لديها اعتقاد أن هذه المفاوضات قد ابتعدت عن نقطة التوازن بينها وبين هذه الأطراف، لا سيما أنها أبدت ضمنيًا رغبتها في العودة إلى الاقتصاد العالمي ورفع العقوبات التي فرضت عليها، خاصة التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق ترامب. في حين أن الولايات المتحدة تعتقد أن مجرد إحياء هذا الاتفاق الذي تم إبرامه في 14 يوليو 2015م، لم يعد أمرا كافيا، وتشترط امتثال إيران مرة أخرى بكامل التزاماتها النووية، وتمهد الطريق لمفاوضات مكملة حول نفوذها الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية. بل إنها مددت حظر الأسلحة المفروض على إيران بموجب الأمر التنفيذي 13949، في 21 سبتمبر 2020م، والذي لم تسفر مفاوضات فيينا عن أي حل بشأنه.

ومن ناحية أخرى يشكك بعض الخبراء الإيرانيين في قدرة عبد اللهيان على تحقيق أي نجاح في المفاوضات الجارية؛ استنادا إلى أنه شخصيا يفتقر للخبرة الكافية للتعامل مع العالم الغربي، كما أنه لا يجيد اللغة الإنجليزية مثل سلفه. وبناء عليه يرون أن إيران لن تحقق لنفسها نتيجة تُذكر في ظل توليه وزارة الخارجية، خاصة أن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن تتبنى مسألة احترام إيران لحقوق الإنسان، وتشترط عليها إعادة هندسة برنامجها للصواريخ الباليستية وفق الضوابط التي حددتها، وتدعوها إلى عدم التدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة، ناهيك عن الكف عن دعم الجماعات الموالية لها في المنطقة.

وبناء عليه، يسود اعتقاد في إيران أن مهمة وزير الخارجية الجديد لرفع العقوبات تزداد تعقيدا، خاصة أن كثيرا من المطالب الإيرانية يصعب تحقيقها، في ظل توجهه لتبني مواقف صارمة حيال أنشطة بلاده النووية والصاروخية وبعض الملفات الإقليمية المختلف عليها. ومن بين هذه المطالب التي تشدد عليها إيران، وفقا لما ذكره الباحث المقرب من النظام “هادي خسروشاهين”:

  • إلغاء أو تعليق قانون كاتسا الذي سبق أن أقره الكونجرس، عام 2017م، لمكافحة أنشطة إيران المدمرة، في حين أن واشنطن أبدت عدم استعدادها للتعاون في هذا الموضوع حاليا. على الرغم من أنه شمل فرض إجراءات صارمة على برنامج إيران المتعلق بالصواريخ الباليستية وأسلحة الدمار الشامل، وبيع أو نقل المعدات العسكرية إليها أو تقديم المساعدة التقنية أو المالية ذات الصلة بها، وأجاز للرئيس الأمريكي فرض عقوبات على المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، بينما أجاز له أيضا أن يتنازل مؤقتا عن فرض هذه العقوبات أو استمرارها في ظروف محددة.
  • إلغاء أو تعليق العقوبات المفروضة على ستة قطاعات اقتصادية رئيسية هي الطاقة والبتروكيماويات والمصارف والسيارات والشحن والتأمين.
  • رفع 748 كيانا واسمًا من على قوائم العقوبات الأمريكية، وعلى رأسها البنك المركزي الإيراني (تم إدراجه على هذه القوائم، منذ سبتمبر 2019م) والحرس الثوري (منذ أبريل 2019م) وهيئة استغلال وتطوير المناجم (منذ مايو 2019م)
  • رفع العقوبات عن 480 كيانًا مدرجة على هذه القوائم، ترفض واشنطن التفاوض بشأنها في الوقت الحالي، وتضم: 70 عقوبة تخص المجال السيبراني، و100 في مجال حقوق الإنسان، و108 تخص مجال الطيران، و100 تتعلق بوحدات وعناصر تابعة للحرس الثوري، و20 في مجال صناعة الصواريخ، و14 مؤسسة اقتصادية كبرى مثل المؤسسة التعاونية، وهيئة تنمية وتطوير المناجم.
العلاقات الإيرانية – الأمريكية – صورة أرشيفية

ثانيا: دعم سياسة إيران بشأن التوجه شرقا

إذ من المحتمل أن يعطي أمير عبد اللهيان دفعة لسياسة «التوجه إلى الشرق» التي طالما نادى بها كبار مستشاري المرشد الأعلى للثورة من أمثال وزيري الخارجية السابقين: على أكبر ولايتي وكمال خرازي، والتي تتبنى فيها إيران، في ظل توتر علاقاتها مع الغرب واستمرار نزاعها مع الولايات المتحدة، مقاربة برجماتية في تعريفها لأهدافها الاستراتيجية وسبل تحقيق مصالحها الوطنية العليا، ووضعت تصوراتها للسياق المحلي والإقليمي والدولي الذي يمكن أن يكون قائما لدى تفاعلها مع امتدادها الآسيوي. خاصة أن إيران قد خطت خطوات هذا التوجه الأولى بتوقيع اتفاقية برنامج التعاون الشامل مع الصين بتاريخ 37 مارس 2021م (للاطلاع على مزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى موضوع: اتفاقيةبرنامج التعاون الشامل بين الصين وإيران)

ثالثا: تعظيم مصالح إيران الاقتصادية في الخارج

يشير تصريح عبد اللهيان بأن ٤٠% من برنامج عمل وزارته سيقوم على دبلوماسية الاقتصاد والتجارة الدولية، إلى أن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة، والدول ذات الاقتصاديات الناشئة، سوف يتصدر قائمة أولوياته في المرحلة القادمة، ليس لأن ذلك يمثل لها جانبا مهما من سياسة اقتصاد المقاومة، التي تهدف إلى الالتفاف على العقوبات الدولية، ولكن تعزيزا لنفوذها الإقليمي أيضا من هذا الباب المهم داخل ثلاث دوائر مهمة هي: دائرة دول غرب آسيا وعلى رأسها دول محور المقاومة، ودائرة دول شرق آسيا وعلى رأسها الصين والهند وباكستان، ودائرة دول شمال أفريقيا.

غير أن تعظيم مصالح إيران الاقتصادية وتنشيط حركتها التجارية مع هذه الدوائر يتطلب قيام الحكومة الإيرانية بالإجراءات التالية:

  1. العمل على سرعة ايجاد حل لمسألة العقوبات البنكية، أو توفير بدائل مناسبة في حال عدم التوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي والصاروخي واستمرار العقوبات. خاصة أن إيران مدرجة على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولية، منذ 2020م،ومن ثم تقلص قدراتها على الارتباط بشبكة البنوك الرئيسية في الصين وروسيا، فضلا عن البنوك الصغيرة أخرى. الأمر الذي أدى إلى حرمانها من الحصول على الخدمات البنكية، ورفع تكلفة نقل الدولار من وإلى اقتصادها. وهو ما ساعد، بجانب العوامل الأخرى، إلى انكماش حجم الإنتاج القومي السنوي
  2. العمل على تذليل العقبات السياسية والانتهاء من الإجراءات الفنية لإكساب إيران عضوية منظمة شنغهاي للتعاون الكاملة التي تقودها الصين، ولعل هذا ما يدعو وزير الخارجية الجديد إلى بحث هذا الأمر مع كل من طاجيكستان وأوزبكستان، خاصة أنها عارضتا انضمام بلاده إلى المنظمة. فضلا عن تشجيع الصين على تأييد الطلب الإيراني، خاصة أنها لا تريد الاقتراب مما يعرضها للعقوبات لا سيما في ظل تفاقم التوتر بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية.
  3. : العمل على ازالة المعوقات أمام عمليات نقل وتصدير المنتجات المختلفة وعلى رأسها المنتجات البتروكيماوية التي تتصدر أولويات التصدير، وإجراء تعديلات ناجعة على القوانين المنظمة لحركة التجارة، واعتماد نظام موحد لتنظيم حركة التجارة الخارجية، ناهيك عن تعزيز شبكة الكهرباء وربطها إقليميا، خاصة أن الخطط الموجودة تطمح لتحويل إيران إلى هب إقليمي للطاقة الكهربائية.
  4. العمل على تعزيز حركة التجارة والتعاون الصناعي بين إيران ودول محور المقاومة من خلال تفعيل الاتفاقات الموقعة بينها وبين سوريا والعراق في هذا الشأن، وإنشاء قنوات اتصال برية وجوية وبحرية معها، وعلى رأسها خط سكة حديد خرمشهر -البصرة -اللاذقية، ليكون محور عبور استراتيجي للصادرات الإيرانية وغير الإيرانية إلى الأسواق العراقية والسورية واللبنانية، وربما الوصول لأسواق شمال أفريقيا وأوروبا في وقت لاحق.
  5. التغلب على معوقات زيادة الصادرات الإيرانية لأفغانستان، وزيادة التبادل التجاري مع باكستان خلال المرحلة المقبلة، خاصة في ظل اهتمام الصين بأن تصبح إيران، بموجب اتفاقية التعاون بينهما، جسراً بين شرق آسيا والبحر المتوسط. وقد دشنت طهران لهذا الغرض خط سكة حديد (خواف ــــ هرات) مع أفغانستان، وافتتحت المعبر البري الثاني مع باكستان 2020م

رابعا: مواصلة الاستحواذ الإقليمي

حسين أمير عبد اللهيان – صورة أرشيفية

يبدو أن الانسحاب الأمريكي من المنطقة، إلى جانب المخرجات المنتظرة من المفاوضات الجارية حول البرنامج النووي، ناهيك عن الاهتمام الصيني بتعزيز مكانة إيران في مبادرة الحزام والطريق، سوف تمثل منطلقات لعبد اللهيان لإدخال تغيير على قواعد التحرك الخارجي. ومن ثم فمن المرجح أن تنصب جهوده بالتعاون مع الحرس الثوري في اتخاذ المسارات التالية:

مسار الحفاظ على عمق إيران الاستراتيجي، الذي حققته بمنطقة غرب آسيا (محور المقاومة) وتخومها الشرقية (أفغانستان وباكستان) ومن ثم الاحتفاظ بأوراق القوة التي تمكنها من القيام بدور الدولة المركزية التي فرضت لنفسها هيكل سياسي -أمني جديد بالمنطقة، وتسعى من خلاله لتقليص السطوة الأمريكية على المنطقة، فضلا عن مجابهة خصومها ومنافسيها. وفي هذا الصدد من المرجح أن تتضافر مساعي الخارجية والحرس الثوري للعمل على:

  • ممارسة ضغوط مختلفة على الحكومة العراقية لإثنائها عن العودة إلى الحاضنة العربية، والعمل على إضعاف المساعي الرامية لبناء المشروع العربي الذي شكلت مصر والأردن والعراق نواته الأولى، خاصة أنه يستهدف عدم إبقاء العراق مجرد دولة تابعة لإيران.
  • مواصلة تقديم الدعم السياسي للميليشيات والجماعات الموالية لإيران بالعراق وسوريا واليمن للتحول إلى كيانات سياسية وحزبية قوية تكون جزءا أصيلا ومؤثرا في الحياة السياسية في هذه الدول مستقبلا، خاصة بعد أن تحققت أهداف إيران المرحلية فيها.
  • التعاون مع نظام طالبان بأفغانستان بهدف صيانة المصالح الإيرانية، وحماية المكتسبات التي حققتها للأقلية الشيعية هناك.
  • تعزيز التعاون مع كل من روسيا والصين والهند وباكستان للحيلولة دون تحول أفغانستان إلى بؤرة صراع تهدد مصالح الجميع.
  • الاستخدام الأمثل لقوى إيران الناعمة ولوسائل التواصل الاجتماعي الموجه على أوسع نطاق إلى جميع دول المنطقة، بغرض استعادة القاعدة الجماهيرية المساندة لها، التي تقلصت بعد أن تكشفت ممارساتها العدوانية تجاه الشعوب العربية.
  • طرق الأبواب المغلقة نسبيا مع مصر ودول شمال أفريقيا، نظرا لأن لديه طموح كبير لاستمالة مصر بهدف إضعاف الموقف الخليجي لصالحها، وزيادة فرص فتح آفاق العالم العربي أمامها من باب الدولة العربية الأكبر حجما والأكثر تأثيرا ونفوذا.

مسار الحوار مع الأطراف والقوى الإقليمية، وهو حوار ربما لا يكون فيه طرف كاسب أو خاسر ولكن جميع الأطراف كاسبة. إلا أنه من المرجح أن يستعين عبد اللهيان، في ذات الوقت، بأدوات مبتكرة تحقق رغبة إيران في تحييد منافسيها وخصومها. خاصة أنه يعتقد بأن هذا الحوار يأتي من مركز قوة؛ ومن المرجح أن يكتنف هذا الحوار شعور إيراني متعال على أطرافه الأخرى، خاصة عقب ابرام الاتفاق النووي. ومن المحتمل أيضا أن يتخلى أمير عبد اللهيان تدريجيا عن سياسة الصبر الاستراتيجي التي انتهجتها بلاده خلال المرحلة الماضية، ولكن مع مراعاة المصالح الوطنية بوصفها هدفا طبيعيا لوزارة الخارجية.

مسار التقارب مع مصر، إذ من المرجح أن يولي عبد اللهيان، خلال المرحلة القادمة، اهتماما كبير بتحسين العلاقات مع مصر، خاصة أنه كان مسئولا بشكل مباشر عن متابعة الخارجية الإيرانية للتطورات التي شهدتها القاهرة، منذ عام 2011م، والتقى بالوفود الشبابية التي تتابعت زيارتها لطهران، في ذروة هذه التطورات، واستطلع أراءها وأدرك رؤاها في كل لقاءته بها. وقد تناول شخصيا تلك الآراء باستفاضة ضمن تحليله لعمق إيران الاستراتيجي، انطلاقا من اعتقاده أن مصر بدأت تسير، في ظل التحركات الإخوانية، على طريق الصحوة الإسلامية متأثرة بخطاب الثورة الإسلامية الإيرانية. وكما بدا له أن شاب مصر لديهم كثير من المفاهيم المغلوطة عن إيران، والتي يتعين تصحيحها. فذكر أنه سمع مباشرة من الشباب المصري في ذلك الوقت أن:

  • هناك جيلا مصريا عاصر الثورة في عقدها الأول، ورأى أن رسالتها لم تكن سوى الحرب وسفك الدماء، لأنه لم يُسمح له بفهم الحقائق عن هذه الثورة.
  • ثم ظهر جيل تابع تطورات الحرب العراقية الإيرانية، ورأى أنها كانت بسبب طموح النظام البعثي وأن إيران كانت تدافع عن نفسها، إلا أن الفكر الذي انتجته الثورة الإيرانية لم يكن سوى تجسيد للتخلف الفكري والتحجر العقلي.
  • أما الجيل الثالث الذي فتحت له وسائل الإعلام والفضاء الإلكتروني آفاقا جديدة من الوعي، فقد بدأ يرى أن إيران لديها تجارب مهمة في مجال الفضاء والطيران، وتشهد تقدمًا علميًا في مجال علم الوراثة. وأنها، التي كان يشاع عنها إنها دولة متخلفة وغير قادرة على فعل شيء، قد أحرزت تقدمًا ملموسا في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ناهيك عن أنها تقف ندا للولايات المتحدة وخصما لإسرائيل، وداعمة لمحور المقاومة وللقضية الفلسطينية.

كما أنه حضر مراسم تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتاريخ 9 يونيو 2014م، نيابة عن الرئيس روحاني الذي كانت القاهرة قد وجهت إليه دعوة بهذا الشأن. وصرح خلال مؤتمر صحفي في ختام زيارته، بإن حضور وفد بلاده هذه المراسم يشكل أبلغ رسالة دعم لمصر في هذا التوقيت، مؤكدا استعداد بلاده لتقديم كل أشكال الدعم الذي تحتاج إليه، منوها بأن هذه الرسالة أبلغها إلي الرئيس السيسي خلال الحديث القصير الذي دار بينهما أثناء التقائه به وإبلاغه تهنئة الرئيس روحاني.

وبناء عليه، وفي ظل معتقداته، من المحتمل أن يقود عبد اللهيان تحركات للتقارب مع مصر، تتضمن تفاهمات وربما تنازلات سياسية ومواقف مرنة مع مصر بشأن العراق ولبنان، ناهيك عن العروض الاقتصادية السخية ممثلة في ضخ استثمارات كبيرة في السوق المصرية، سواء في مجال التصنيع المشترك، أو إقامة منطقة صناعية إيرانية في مشروع شرق بور سعيد، أو تصدير المنتجات والسلع والمواد الخام بأسعار تنافسية … إلخ. وربما تعرض شراء حصص بنك مصر إيران بعرض سخي، ناهيك عن تشجيع حركة السياحة باتجاه المقاصد السياحية المصرية.

شاركها.

تعليق واحد

  1. عامر سلطان on

    استشراف مفيد للغاية لتوجه السياسة الخارجية الايرانية. وعرض فاهم وواع يضع سياسة ايران الخارجية في سياق توجه نظام الحكم في الداخل.
    اتمنى ان نقرا ، لنقل بعد عام، مراجعة لسياسة ايران الخارجية.

اترك تعليقاً

Exit mobile version