الباحث: علي عبد المقصود الحاجري

يشير الموقف الإيراني إلى تناقضات كبيرة بين ما هو معلن وما هو عملي، حيث يتعامل الموقف الإيراني ببرجماتية، وفقاً لتطور الأحداث، إلا أنه يمكن تحليلهما من خلال عدة محاور: المحددات والدوافع، والاهداف، وحدود هذا الدور الداعم للحركات المناهضة لإسرائيل، والمواجهة الإيرانية المباشرة معها.

الموقف الاول: يتأكد الموقف الإيراني الدبلوماسي تجاه الأحداث في غزة مراراً على لسان وزير خارجيتها متجسدا في تحذيراته المتكررة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالحفاظ على عدم خروج المنطقة عن السيطرة  واحتمالية المواجهة المباشرة معها إذا لم توقف إسرائيل هجماتها على قطاع غزة، وأن يظل رد الفعل الإسرائيلي في إطاره المحدود، لتشكل احداث غزة إحدى حلقات الصراع الإيراني- الأمريكي الإسرائيلي، حيث تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على مصالحها في إعادة التمركز في منطقة الشرق الأوسط وفق أليات جديدة، تتجسد في عمليات دمج إسرائيل بالمنطقة، عبر الإتفاق الإبراهيمي، واتفاقات التطبيع مع دول الخليج، إضافة إلي القواعد الأمريكية في الخليج، والتي تتعارض مع المصالح الإيرانية، حيث تعتبر إيران إسرائيل العدو المركزي لها في الشرق الأوسط.

كما يأتي الموقف الإيراني في الدعم اللامحدود للفصائل المسلحة في الشرق الأوسط والتي تحيط بإسرائيل سواء من الشمال والشرق في حزب الله بلبنان وسوريا، وقوات الحشد الشعبي والجماعات الإسلامية المسلحة الموالية لإيران في العراق ،والحوثيين في اليمن، وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين من الجنوب، التي تعتبر أذرع إيران في المنطقة، وقدعكفت طهران على تمويل وتدريب وكلاء لها في المنطقة، والتي علي استعداد دائم لمهاجمة المصالح الأمريكية، حيث اعترضت المدمرة الأمريكية “يو اس اس كارني” ثلاثة صواريخ وعددا من الطائرات المسيرة تم إطلاقها من اليمن عبر جماعة الحوثي المدعومة من إيران تجاه اهداف إسرائيلية، كما تعرضت القوات الأمريكية في القواعد العسكرية التابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة للاستهداف بهجمات بطائرات مسيرة وهجمات صاروخية،  في العراق ١٢ مرة، وسوريا  ٤ مرات ، وذلك في إشارة عملية لتأكيد الموقف الإيراني المحذر عبر التلويح من إمكانية انفلات المنطقة من خلال وكلاء إيران رغم اختلافهم وتوسيع دائرة الصراع ليشمل مناطق جغرافية اكثر، حيث يأتي ذلك في إطار عقيدة إيرانية مفادها “الدفاع الامامي”، والتي ترتكز على أنه من الأفضل لإيران مواجهة خصومها خارج حدودها من خلال وكلاء مسلحين موالين لها.

ورغم التحذيرات الإيرانية شديدة اللهجة، إلا أن طهران تحرص على  عدم خروج ذلك الصراع عن السيطرة،  وذلك في ضوء الاعتبارات التالية :

١- ادراك إيران جيداً قوتها مقابل قوة الولايات المتحدة، لا سيما وأنها تعلم أن إسرائيل تستغل الفرصة من أجل تدمير ما يمكن تدميره من القدرات العسكرية الإيرانية.

٢- سعي الولايات المتحدة لاستخدام إيران كفزاعة لدول الخليج العربي، حيث ينعكس ذلك على مبيعات الأسلحة الأمريكية للمنطقة.

٣-  حرص إيران على المحافظة على النتائج التي حققتها العملية العسكرية “طوفان الاقصى” من اختراق للمنظومة الأمنية الإسرائيلية والأمريكية ولما له من تداعيات سياسية واقتصادية، وإن اي تقدم إسرائيلي من شأنه أن يضر بمصالحها في المنطقة، ٥- كما أنه يرتبط التصعيد الإيراني بمحاولة إسرائيل الضغط على المقاومة واحداث تغيير جوهري في الوضع السكاني بغزة عبر مواصلة قصف المدنيين.

وتستهدف إيران من تشجيع وكلائها على القيام بهجمات بطائرات مسيرة وهجمات صاروخية،  محاولة كسب تعاطف العرب وتغيير وجهة الدول العربية المعتدلة وابعادها عن فلك الولايات المتحدة، وتعطيل وإفشال مشروع دمج إسرائيل في المنطقة عبر الاتفاق الإبراهيمي، واتفاقات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، والذي تمخض عنه مشروع “الممر الاقتصادي”، حيث سيفقد إيران بعض الميزة النسبية للأهمية الجيواقتصادية كونها ممرا ومعبرا للنقل للسلع والخدمات، بالإضافة إلى إفشال الولايات المتحدة الأمريكية المنحاز دائما لإسرائيل، مقابل إفساح المجال لقوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا للعب دور الوسيط

على الرغم من جهود إيران في نفي علمها بهجوم حماس على إسرائيل، إلا أنه بالنظر للتوقيت الذي يصب في المصالح الإيرانية والتي تسعي لإظهار القوة والنفوذ امام إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تسعى إيران للضغط على إسرائيل وتشتيتها، في إطار استراتيجية تهدف لإضعاف إسرائيل سياسياً وعسكرياً ودبلوماسيا ونفسياً على المدى الطويل.

استهدفت إيران ردع الولايات المتحدة وإسرائيل عبر تفعيل مسار استهداف المصالح العسكرية الأمريكية والاسرائيلية في المنطقة بشكل اوسع وقد ظهر هذا في تدخل حزب الله بشكل محسوب  على خط المواجهة حين وجهت الحركة ٣ صواريخ علي قواعد إسرائيلية في لبنان على الحدود اللبنانية، لتوجيه رسالة ردع مفادها باحتمالية فتح جبهات جديدة في الشمال والشرق وحرب إقليمية في حال تمادت إسرائيل في اجتياح غزة بريا وتدخلت واشنطن بقوات على الارض.

حدود الدعم الإيراني لحماس:

تقف إيران بين خيارين، ليشكل معضلة علي المستوي الاستراتيجي، إذ أن اي توسع لنطاق الحرب يجعل إيران أمام إسرائيل مباشرة، ما يجعل أي هجوم إيراني ضد إسرائيل يكلفها خسائر فادحة وغضبا شعبيا ضد النظام في ظل ظروف اقتصادية خانقة، كما أن أي تخاذل عن دعم حركتي حماس وحزب الله سيضعف صورتها أمام الحلفاء ويقوض استراتيجيتها المتبعة منذ ٤٠ عاما، إلا أن الموقف الإيراني حتى الآن يفضي الي محاولة حصر المواجهات بشكل محدود، لذا تسعى إيران للموازنة بين الحفاظ على استراتيجيتها وتجنب الخسائر المحتملة.

كما لا يمكن لإيران أن تدعم حماس في حرب طويلة الأجل تستنزف إيران علي حساب الدعم المقدم لحزب الله ومكاسبها في لبنان، ما يجعل تدخل حزب الله في الصراع محسوب إلى الآن، بشكل لا يرتقي مع مستويات العنف بحق الفلسطينيين والمعارك مع حماس، على الرغم من امتلاكه القدرات العسكرية اللازمة لإلحاق الضرر بإسرائيل، خاصة مع تزايد الضغوط الداخلية الرامية لعدم الانخراط في عمليات عسكرية لاتخدم المصالح الإيرانية المباشرة ، مع مطالبة النظام بخفض التصعيد مع كل من اسرائيل والولايات المتحدة الحيلولة دون التأثير على استقرار الاوضاع الداخلية ، وإضعاف مكانة طهران الإقليمية .

المراجع

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version