تطورات متسارعة تشهدها الساحة السياسية فى الصومال، دخلت بموجبها البلاد فى أزمة دستورية وسياسية، بعدما انتهت ولاية الرئيس الصومالى “محمد عبد الله فرماجو” فى فبراير 2021، وانتهاء مدة البرلمان الصومالى فى نوفمبر 2020، وهو ما تسبَّب فى تصاعد التوترات السياسية بين الرئيس وقوى المعارضة، لاسيما عقب تمديد مجلس النواب ولاية الرئيس لمدة عامين فى 14 أبريل2021، واعتراض مجلس الشيوخ الذى وصف هذا القرار بغير الدستورى، وأنه سيقود البلاد إلى عدم استقرار سياسى.
وفى ظل ما يشهده الشارع الصومالى من اضطرابات وأعمال عنف بين القوات الفيدرالية وميلشيات “العشائر”، وتحت الضغوط الدولية الرافضة لقرار تمديد ولاية الرئيس، أعلن الرئيس الصومالى التنازل عن قرار تمديد ولايته فى 1 مايو 2021، وتكليف رئيس الحكومة ببدء التحضيرات لإجراء انتخابات رئاسية  فى أكتوبر المقبل .
وعلى الرغم من  الإعلان عن إقامة الانتخابات لكن لايزال الوضع فى الصومال معقدًا فى ظل تزايد العنف، فما هى العوامل التى عزّزت من اندلاع تلك التوترات ودخول البلاد فى موجة عنف، وما هى السيناريوهات المحتملة للأزمة السياسية الصومالية وتداعياتها على أمن واستقرار البلاد.
مشهد معقد
عوامل متعددة أدت إلى تعقيد المشهد السياسى والأمنى فى الصومال، وكانت بمثابة الوقود الحى لدخول البلاد فى أزمات سياسية وأمنية كالتى تعانى منها حاليًا، ويمكن توضيحها على النحو التالي:
التمسك بالسلطة
الصومال
“فرماجو” – المصدر/ الصومال اليوم
أعلنت الرئاسة الصومالية أن الرئيس “فرماجو” وقع قانونًا يسمح له بالاستمرار فى السلطة لمدة عامين إضافيين، بعد انتهاء فترة ولايته الرئاسية التى استمرت أربع سنوات، وذلك بعد ساعات من إقرار هذا القانون من قبل البرلمان، لكن هناك اتهامات واسعة ترجح أن مكتب الرئيس هو الذى خطط وقاد عملية التصويت داخل البرلمان.
وقد وقع “فرماجو” على تمديد التفويض ليسمح له بالبقاء فى السلطة، على الرغم من أن القرار لم يعرض على مجلس الشيوخ، وهو ما تمخض عنه إدانة قوية من الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء الدوليين، باعتبار أن هذه الخطوة تمثل انتزاعًا للسلطة باستخدام القوة، وتقوض من الجهود الدولية لحلحلة الأزمة الصومالية المتعثرة، ونتيجة لتلك الضغوطات أعلن فرماجو فى ١ مايو تنازله عن تمديد فترة رئاسته و التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية، وعلي الرغم من ذلك لا يبدو أن فرماجو سيتنازل عن السلطة بسهولة ما ينبأ بدخول الصومال فى سلسلة من العنف مرة أخرى إذا ظل متمسكاً بالسلطة .
قلق دولى وأممى
رئيس وزراء الصومال “روبلى” – أرشيفية
ثمة قلق دولى وأممى متصاعد إزاء الأوضاع الحرجة التى تعانى منها الصومال، فكان هناك شبه اتفاق محلى ودولى على رفض الخطوة الأخيرة التى أقدم عليها الرئيس الصومالى بتمديد ولايته فقد رفضت قوى المعارضة والأحزاب السياسية وبعض القبائل الرئيسية فى البلاد، مثل قبيلة الهوية، قرار التمديد للرئيس فرماجو والبرلمان الفيدرالى، لدرجة مخاطبة منتدى الإنقاذ الوطنى الصومالى، وهو ائتلاف يضم رئيس مجلس الشيوخ الصومالى وزعماء المعارضة ورؤساء بعض الولايات الإقليمية لحث مجلس الأمن الدولى على رفض التمديد، وعقب اندلاع المواجهات العسكرية فى العاصمة مقديشيو، دعت ولايتا جلمدغ وهيرشبيلى إلى إلغاء قرار التمديد، وهو ما وافق عليه رئيس الوزراء الصومالى محمد حسين روبلى.
 ويعد ذلك القرار هو السيناريو الأسوأ بالنسبة للشركاء الدوليين والأمم المتحدة، بعد سنوات من الجهود والأموال التى تم إنفاقها لتحقيق الاستقرار فى الصومال، وهو ما تجسد فى البيانات الصادرة عن أربع منظمات دولية (الاتحاد الأفريقى، والاتحاد الأوروبى، والأمم المتحدة، والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)) فى الـ9 من أبريل 2021 ، والتى طالبت بإجراء الانتخابات فى أسرع وقت، وضمان عدم اتخاذ أى إجراءات من شأنها تقويض استقرار الصومال، وتلك الضغوطات هى التى أجبرت فرماجو بالتراجع، ولكن لايزال هناك قلق دولى وأممى من حدوث عنف خلال الانتخابات يدخل البلاد فى نفق الحرب الأهلية .
نظام سياسى هش
العشائر الصومالية – أرشيفية
يقوم النظام السياسى الصومالى على تقاسم السلطة بين العشائر الأربع الرئيسية وهى (الهوية، دارود، دير، الرحانوين)، وفقًا لنظام 4.5 الذى يُنظِّم التمثيل المؤسسى للعشائر الأربع وفقًا لمخرجات مؤتمر السلام الوطنى الصومالى المنعقد فى جيبوتى عام 2000، من خلال قيام العشائر باختيار ممثليها فى البرلمان ذى الـ 275 مقعد، بينما تنتخب مجالس الولايات الفيدرالية 54 عضوًا فى مجلس الشيوخ، على أن يتولى المجلسين (النواب، والشيوخ) بشكل مشترك اختيار رئيس البلاد.
ما سبق أدى إلى إطلاق يد العشائر الأربع فى إدارة وتسيير شئون البلاد وفقًا لتوجهاتها العشائرية، وفتح الباب أمام تغليب المصلحة العشائرية على المصلحة الوطنية، والانتماء للعشيرة على الانتماء الوطنى الصومالى، وتفاقم الصراع العشائرى ووصولاً لممارسة العنف، بدلًا من السعى لبناء وترسيخ مؤسسات الدولة، وهو ما يفسر حالة التوتر التى شهدتها الصومال حاليًا.
فقد حاول الرئيس الصومالى فرماجو استبدال نظام التصويت غير المباشر المعروف بـ 4.5، بالاقتراع العام المباشر، بالتوقيع على قانون انتخابى جديد فى فبراير 2020، تنفيذًا لوعوده الانتخابية فى عام 2016 من جانب، وانصياعًا لإملاءات شركاء الصومال الذين يرون أن هذا النظام أقل توافقًا مع معايير الديمقراطية من جانب آخر.
لكن مشروع القانون لقى معارضة واسعة من القوى السياسية المختلفة، التى اتهمته باستخدام مشروع القانون الانتخابى لتأخير التصويت وتمديد فترة ولايته، وتعزيز من فرصه للتدخل فى الانتخابات المحلية للولايات عبر تنصيب الموالين له.
فى نهاية المطاف، توصّل الرئيس الصومالى فرماجو والقوى المعارضة فى سبتمبر 2020 إلى اتفاق سياسى جديد، تم بموجبه العودة إلى نظام التصويت غير المباشر مع إدخال بعض التعديلات، ولكن ضيق الوقت لم يسمح بعقد الانتخابات البرلمانية فى نوفمبر أو ديسمبر 2020.
فراغ أمنى
مع استعداد بعثة الاتحاد الأفريقى للسلام “أميصوم” للانسحاب العسكرى من الصومال، إلى جانب إنهاء الولايات المتحدة وجودها العسكرى مع نهاية ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، مما يخلق حالة فراغ أمنى، أصبحت المواجهة مع “حركة الشباب”  أمرا مفصليا، وكذلك زيادة نشاط الحركات الإرهابية مستغلة حالة الفوضى والفراغ الأمنى، فضلًا عن إعلان الجيش الأمريكى أن الرئيس جو بايدن علق ضربات الطائرات بدون طيار فى الصومال، وأوقف الهجمات العسكرية فى الدول التى لا تشارك فيها الولايات المتحدة عسكريًّا.
لذلك فإنه من الضرورى معالجة الفراغ الأمنى المترتب على انسحاب قوات حفظ السلام والقوات الأميركية، ويجب ألا تكون هذه المعالجة من قبل قوى إقليمية مجاورة للصومال، مثل إثيوبيا، التى تحولت إلى جزء من المشكلة.
الإشكاليات المحتملة
نذر الحرب الأهلية
التوتر الأمنى فى مقديشو – أرشيفية
نتيجة لقرار التمديد شكل خصوم فرماجو فى ولاياتى جوبالاند وبونتلاند تحالفاً مع قوى معارضة وبعض الطامحين بالرئاسة فى العاصمة مقديشو ومن بينهم رئيسان سابقان ورئيس مجلس الشيوخ الحالى واتجهت بعض قوى المعارضة إلى استخدام القوة فى مواجهة مع الجيش الوطنى حيث تمكن مسلحون موالون للمعارضة من السيطرة على عدد من الأحياء فى العاصمة وأغلق المسلحون المنافذ إلى بعض الأحياء، وتبادلوا إطلاق النار مع قوات الجيش ما أسفر عن مقتل ما يقرب من عشرين مواطناً، مع قيام قوات الشرطة بمحاولات لقمع المعارضة ومنع الاحتجاجات الرافضة لاستمرار فرماجو والقيام ببعض المداهمات للفنادق التى تجتمع فيها قوى المعارضة، كما حدثت بعض الانشقاقات البارزة، فقد أقيل قائد شرطة مقديشو بعد محاولته إغلاق البرلمان قبل التصويت على الولاية الجديدة لفرماجو وإعلانه فى خطاب عام أن فرماجو سرق السلطة.
 وعلى الجانب الآخر عاش سكان العاصمة مقديشو فى حالة من الخوف الشديد بعد اندلاع الاقتتال بين عناصر من المعارضة وقوات الجيش الوطني واتجه بعض السكان إلى الهروب والنزوح من المدينة.
المنافسات العشائرية
دخل الرئيس الصومالى فى مفاوضات مع القوى المعارضة، وذلك لضمان إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال عام 2021، والسماح بانتقال سلمى للسلطة، لكن لا تزال البلاد تعانى من توترات ترفع من مخاطر حدوث تصعيد عنيف للأزمة الانتخابية الصومالية، لاسيما فى ظل تفاقم المنافسات العشائرية، ووجود بعض المخاوف بعدم تخلى عشيرة “دارود” عن الرئاسة بسهولة، بعدما وردت تقارير تُشير إلى تخطيط الحكومة المركزية لدمج منطقتى “جيدو” و”باكول” لإضعاف القوى المعارضة وتعزيز قاعدتها الانتخابية، ما سبق يفتح الباب أمام تفاقم التوترات بين العشائر.
زيادة نشاط الحركات الإرهابية
حركة الشباب فى الصومال – أرشيفية
على الجانب الآخر، استغلت «حركة الشباب» المتطرفة الأزمة السياسية فكثفت من عملياتها، وكان آخر هذه العمليات فى 28 إبريل الماضى واستهدفت مقر الشرطة فى مقديشو، وكانت الحركة قامت بأكثر من عشر هجمات انتحارية فى مقديشو خلال النصف الثانى من عام 2020، أى أكثر من ضعف الهجمات التى شهدتها الأشهر الستة الأولى من عام 2020، وواصلت حركة الشباب شن هجمات بارزة ضد القوات الحكومية والقوات الدولية فى معظم أنحاء وسط وجنوب الصومال، واغتيال حاكمى منطقتى نوجال ومودوغ فى هجومين انتحاريين بسيارات مفخخة فى ولاية بونتلاند.
 كما أن ما حققته الحكومة من مكاسب ميدانية محدودة تتمثل فى استعادة مدينة جانالى فى مارس 2020، لم يمنع الحركة من إعادة تنظيم صفوفها وإنشاء معسكرات تدريب مؤقتة جديدة، وشن هجمات على العاصمة مقديشو، بل إنها تمكنت من استغلال الجائحة لتعزيز انخراطها المجتمعى وتكوين كيان شبية بالدولة يقدم الخدمات فى المناطق الخاضعة لسيطرتها، ويُوفِّر السلع الأساسية للسكان المحليين، ويجمع ضرائب نظير ما تقدمه من خدمات، يعادل، تقريبًا مجمل ما تُحصِّله الحكومة الصومالية.
السيناريوهات المحتملة
هناك أربع سيناريوهات محتملة لمستقبل الأزمة السياسية الصومالية:
أولًا: إعادة انتخاب فرماجو لولاية ثانية
فى خطوة لم تشهدها الصومال منذ عام 2009، قد يسعى الرئيس الصومالى المنتهية ولايته حاليًا إلى إعادة انتخابه مرة أخرى، خاصة بعد رفضه دخول البلاد فى حالة من الفوضى والتراجع عن قرار التمديد ليظهر بغير الطامع فى السلطة واستغلاله لمشاعر الصوماليين الرافضين لأى تدخل خارجى  فبذلك قد يعيد الثقة فى شعبيته مرة أخرى .
ولكن لقى ذلك فى السابق معارضة ورفض واسع من قبل القوى المعارضة، فى ظل استعداد العديد من القادة لخلافة فرماجو، الأمر الذى يُضعِف من احتمالية ترجمة هذا المسار، لكنه يُنذر بتصاعد التوترات السياسية والأمنية، خاصة المندلعة بين حكومة مقديشو وولاية جوبالاند.
ثانيًا: عقد الانتخابات فى مناطق محدّدة تقع تحت نفوذ الحكومة المركزية
حيث يتبنّى الرئيس فرماجو هذا الخيار بحسب القانون الذى تم توقيعه مؤخراً، وفحوى هذا السيناريو هو عقد الانتخابات فى المناطق التى تستطيع الحكومة أن تؤمّنها، ويضمن هذا الخيار للحكومة عودتها إلى السلطة فى فترة انتخابية جديدة، لكن قوى المعارضة تقف بشدة ضدّ هذا الخيار، ونؤيد ذلك السيناريو للأسباب الآتية ..
اشتباك الحكومة المركزية عسكرياً مع ولاية جوبالاند وعدم اعترافها بعملية الانتخابات هناك وممارستها التصعيد مع كينيا، يُضعف احتمالات مشاركة الإقليم وسكانه فى التصويت فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفق شروط قانون الانتخابات الجديد فى ظل القطيعة التامة بين الطرفين.
نجاح الحكومة المركزية فى إحكام قبضتها على إقليمين مهمين: ولاية “غلمدغ” وسط الصومال بعد نجاحها فى هزيمة تنظيم أهل السنة والجماعة واستسلام قادته، وولاية “بيدوا” جنوب غرب الصومال من خلال تدشين مشاريع تنموية وتوطيد العلاقة مع شيوخ العشائر هناك لتكون منطلقاً لحملته الرئاسية.
ثالثًا: تمديد ولاية الرئيس الصومالى
من الممكن إعادة طرح سيناريو تمديد الرئيس الصومالى ولايته إلى أجل غير مسمى، وهو ما يُمهِّد الطريق أمام تشكيل حكومة وحدة انتقالية، وذلك من خلال وضع عقبات لسير العملية الانتخابية و افتعال أحداث لتوتر الأمن ولكن ذلك السيناريو سيلقى رفضًا واسعًا من قبل القوى المعارضة، ومستبعد لرفض القوى الدولية والمحلية فى الصومال قرار التمديد .
رابعًا: فوز المعارضة وبدء عهد جديد
قوى المعارضة التى تشمل ولايتى بونتلاند و جوبالاند، والمرشحين للانتخابات الرئاسية فيما يبدو حسمت موقفها، و ترى أن مجريات الأمور تصب لصالحها وأن أيام الرئيس محمد عبد الله فرماجو باتت معدودة، وبالتالى تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة وإرساء معادلة سياسية لا تسمح للرئيس وتحالفه بأى دور سياسى فى المرحلة المقبلة.
ومع معارضة المجتمع الدولى لقرار التمديد تتعاظم قوة للمعارضة للإطاحة بنظام فرماجو وبدء عهد جديد، ويُعد ذلك السيناريو الأكثر ترجيحًا فى ظل المعطيات الموجودة ولكنه سيؤدى إلى دخول البلاد فى موجه من العنف مرة أخرى .
فى النهاية تمر الصومال بمرحلة فاصلة، ربما تعيدها إلى مستنقع الحرب الأهلية من جديد، وعلى الرغم من أن قرار الرئيس فرماجو بالعودة إلى الانتخابات ووقف تمديد ولايته قد أسهم فى استعادة الهدوء النسبى للعاصمة والمدن الصومالية، فإن إجراء الانتخابات العامة والرئاسية فى الصومال لا يزال مرهوناً بتحقيق العديد من المتطلبات، أهمها: وجود رغبة حقيقية لدى كافة الأطراف الداخلية للعودة للحوار، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة لحسم المعركة السياسية؛ حيث لا تزال قوى المعارضة متمركزة فى المواقع التى استولت عليها فى العاصمة مقديشو.
 مما يتطلب تفعيل الجهود الدولية والإقليمية لمنع الخروج عن مسار الاستقرار، حيث تتنافس العديد من العشائر على السلطة والموارد، وممارسة الضغوط الخارجية لمنع كافة الأطراف المنخرطة فى العملية الانتخابية من استخدام القوة لتحقيق نجاحات سياسية.
جمهورية الصومال الفيدرالية – فيس بوك

https://www.facebook.com/Somali

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version