في صباح يوم ٢٦ يوليو ٢٠٢٣، قاد الجنرال عبد الرحمن تياني انقلابًا داخل دولة النيجر على الرئيس المنتخب محمد بازوم، بدأ الانقلاب عندما قبضت وحدة الحرس الرئاسي التي يقودها تياني على زعيم البلاد، ويُعتبر هذا الانقلاب تحطيمًا لأول انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة في النيجر منذ استقلالها عام ١٩٦٠، حيث  نددت الكتلة الإقليمية لغرب أفريقيا إيكواس التي تضم ١٥ دولة أفريقية بهذا الانقلاب، واشتعلت الأزمة بشكل كبير بعد اعتزام السلطة الجديدة محاكمة بازوم بتهمة الخيانة العظمى وتعريض البلاد للتدخل الخارجي، وهددت إيكواس بالتدخل العسكري وبدأت في التخطيط لنشر قوة عسكرية تصل إلى ٢٥ ألف عسكري بهدف التدخل العسكري المحتمل في النيجر.

بعد مرور أكثر من شهر على انقلاب النيجر، يري البعض أن الانقلاب العسكري في النيجر أصبح واقعًا جديدًا لا يمكن تجاوزه، نظرًا للتضامن الشعبي الكبير في الداخل، حيث رحب المواطنون في النيجر بالانقلاب وقاموا بالهتاف ضد فرنسا، التي تعد حليفًا قويًا للرئيس بازوم، كما رفعوا الأعلام الروسية وتضامنت بعض دول الجوار مثل بوركينا فاسو ومالي، اللتان تعارضان أي تدخل عسكري محتمل، بالإضافة إلى عدد من القيادات الدينية والاجتماعية في نيجيريا.

وقد تمثلت أهم الأسباب المعلنة للانقلاب في النيجر في الآتي:-

  • ارتفاع تكلفة المعيشة: تعاني الدولة من ارتفاع تكاليف المعيشة، مما أثر على الظروف المعيشية للمواطنين وزاد من الضغوط الاقتصادية.
  • عدم كفاءة الحكومة: هناك انتقادات بشأن عدم كفاءة الحكومة في التعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وعجزها عن تحقيق تحسن ملموس في حياة المواطنين.
  • الفساد: يُعد الفساد مشكلة كبيرة في النيجر، حيث يؤثر على الثقة في الحكومة ويقوض النظام السياسي والاقتصادي.
  • الفقر: يُعد النيجر واحدة من أفقر الدول في العالم، ويعاني السكان من نقص الفرص الاقتصادية والنمو البطيء، مما أدي  إلى زيادة التوترات والاضطرابات.
  • الصراعات السياسية: هناك صراعات داخلية على السلطة والنفوذ في الدولة العميقة، وهذا أدي إلى توترات سياسية وعسكرية وشجع بعض الجماعات على مواصلة الاضطرابات كوسيلة للحفاظ على المصالح الشخصية.
  • الوضع الأمني والجماعات الجهادية: يواجه النيجر تحديات أمنية كبيرة، بما في ذلك التهديدات الإرهابية والعنف المنظم الذي ينشط في بعض المناطق، ويعتبر بعض العسكريين أن الانقلاب هو وسيلة لتعزيز الأمن واستعادة الاستقرار.
  • دوافع شخصية: كذلك قد يكون للجنرال/ عبد الرحمن تياني دوافع شخصية مرتبطة بخشية فقدان منصبه بسبب خلافاته مع الرئيس المنتخب، ويشير بعض المقربين من الرئيس/ بازوم إلى أنه كان يعتزم إقالة تياني من منصبه.

موقف المؤسسات الداخلية في النيجر من الانقلاب:

أعلن قائد الجيش في النيجر، أنه يؤيد انقلاب القوات التي أعلنت استيلاءها على السلطة في البلاد بعد اعتقالها الرئيس المنتخب محمد بازوم وقال بيان وقعه رئيس أركان القوات المسلحة في النيجر، عبده صديقو عيسى، إن “القيادة العسكرية للقوات المسلحة في النيجر قررت الموافقة على إعلان قوات الدفاع والأمن من أجل تجنب مواجهة دامية بين مختلف القوات

بعد تلويح المجلس العسكري في النيجر بعزمه محاكمة الرئيس /بازوم، ندد  وزير خارجية النيجر والقائم بأعمال رئيس الحكومة المعزولة/ حاسومي ماسودو بتلك الإجراءات، واعتبر أن الانقلابيين يريدون إعادة البلاد للعصر الحجري بمحاكمة رهائنهم، كما رأى أن هذا التصرف محزن ومؤسف، واختتم   في تغريدة على حسابه في تويتر متسائلًا: «كيف يمكن للصوص محاكمة رهائنهم»، في إشارة إلى قادة المجلس العسكري الذين نفذوا أواخر الشهر الماضي انقلابًا في البلاد، وعزلوا الرئيس واعتقلوه في منزله المحاصر.

ردود الفعل داخل إفريقيا علي انقلاب النيجر ؟

ويمكن ذكر أهم ردود الفعل داخل إفريقيا على انقلاب النيجر سواء من جانب المجتمع الدولي أوالدول الإفريقية علي النحو التالي:-

  • تلويح المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس/ محمد بازوم إلى السلطة حيث استنكرت الانقلاب، وعبّر مفوض السلام والأمن لـ”إيكواس”، عبد الفتاح موسى، عن استيائه من سلوك المجلس العسكري في النيجر واتهمه بمحاولة تبرير الانقلاب، وأشار إلى أن التدخل العسكري من قوات إيكواس أصبح وشيكًا لاستعادة الأوضاع في البلاد.
  • رفض دولتي مالي وبوركينا فاسو التدخل العسكري في النيجر، واعتبرتا ذلك تهديدًا لهما وإعلان حرب، كما رفضت المعارضة الغانية التدخل العسكري في النيجر.
  • تحذير الجزائر من تداعيات التدخل العسكري الأجنبي وأعربت عن تمسكها بالعودة إلى النظام الدستوري في النيجر، وأكد رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول/ السعيد شنقريحة، رفض بلاده للتدخل العسكري ودعمها للحلول السلمية للأزمة.
  • إتسام ردود الفعل داخل إفريقيا بالتباين بين دعم الرئيس المعزول والدعوة إلى العودة إلى النظام الديمقراطي، وبين التحذير من التدخل العسكري الخارجي، وضرورة التوصل إلى حل سلمي للأزمة.
  • دعوة مجلس الأمن الدولي إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرئيس/ بازوم، معرباً عن دعمه لموقف مجموعة “إيكواس” في مواجهة التغييرات غير الدستورية في النيجر.
  • إدانة فرنسا بشدة أي محاولة لتولي الحكم بالقوة في النيجر، حيث أكدت الخارجية أن باريس لا تعترف برئيس المجلس الانتقالي في النيجر، وترى ان الرئيس الوحيد في النيجر هو الرئيس/ محمد بازوم، حيث علق الرئيس الفرنسي / إيمانويل ماكرون أن انقلاب النيجر ضد الرئيس/ محمد بازوم خطير على النيجر والمنطقة بأسرها، كما دعا للإفراج عنه.
  • إدانة كل من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي الانقلاب في النيجر، وأعلن الاتحاد الأوروبي عن وقف كافة أشكال الدعم المالي للنيجر وتجميد التعاون الأمني معه بسبب الانقلاب.
  • دعوة وزير الخارجية الأميركي أيضًا إلى الإفراج الفوري عن الرئيس/ بازوم مؤكداً دعم الولايات المتحدة له داعيًا للعودة الكاملة للنظام الديمقراطي في النيجر .
  • تعليق البيت الأبيض على إعلان المجلس العسكري في النيجر بمحاكمة الرئيس/ بازوم بتهمة “الخيانة العظمى”، معربًا عن قلقه إزاء الوضع ودعا إلى حماية حقوق الإنسان والحفاظ على الاستقرار في النيجر.
  • تأكيد وزارة الخارجية الروسية على عدم وجود تدخل روسي في الأزمة في النيجر وأنه يجب تسوية الوضع بأسرع وقت ممكن، وأعرب وزير الخارجية الإيطالي عن رغبته في تفادي أي تدخل عسكري غربي في النيجر .
  • دعوة ألمانيا الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على قادة الانقلاب العسكري في النيجر.

وبصفة عامة، تظهر ردود الفعل المذكورة أن هناك تباينًا في وجهات النظر بين الدول والجهات الدولية المختلفة بشأن الانقلاب في النيجر، ويتضح من المواقف الأقليمية والدولية المختلفة  أن هناك توجهًا عامًا لرفض التدخل العسكري الخارجي والدعوة إلى تسوية الأزمة بشكل سلمي وسريع، مع التأكيد على أهمية استقرار الوضع في المنطقة وحماية النظام الديمقراطي في النيجر.

موقف مصر من انقلاب النيجر 

في بيان رسمي لوزارة الخارجية المصرية، أعلنت عن تضامنها الكامل مع شعب النيجر، وشددت مصر علي حرصها علي سلامة واستقرارجمهورية النيجر والحفاظ على النظام الدستوري والديمقراطي في البلاد، وتابعت مصر بقلق بالغ تطورات الأوضاع في النيجر، ودعت إلى تغليب المصلحة العليا للوطن والحفاظ على سلامة المواطنين

بعد موقفها البارز تجاه أزمة انقلاب النيجر.. من هي مجموعة إيكواس ؟

تأسست المجموعة في عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين أعضائها الـ15، وتدخلت منذ إنشائها في عدد من صراعات القارة الأفريقية، وتضم المجموعة، ومقرها العاصمة النيجيرية أبوجا كلا من: بنين، وبوركينا فاسو، وغينيا، وساحل العاج، مالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو، وجميعها تتحدث الفرنسية، إلى جانب غامبيا، الناطقة بالإنجليزية، وغانا، وليبيريا، ونيجيريا، وسيراليون، وعضوان ناطقان بالبرتغالية، وهما الرأس الأخضر وغينيا بيساو، وكما كانت موريتانيا البلد العربي الوحيد في المجموعة لكنها انسحبت منها عام 2001 .

تدخل إيكواس في الصراعات والأزمات في المنطقة يهدف إلى حل النزاعات والحفاظ على الاستقرار والأمن، قد تستخدم المجموعة وسائل دبلوماسية وعسكرية للتدخل في الأزمات، مثل إرسال قوات حفظ السلام لتأمين المناطق المتضررة والتوسط في المفاوضات السياسية، وتمارس إيكواس دورا كبيرا في أزمة انقلاب النيجر بخلاف أزمات سابقة في سيراليون وبوركينا فاسو وليبيريا وغيرها من دول غرب إفريقيا

نتائج انقلاب النيجر علي المجتمع الدولي وعلي القارة الأفريقية ؟

وبتقييم التاثيرات المحتملة لانقلاب النيجر والتدخل العسكري المحتمل في النيجر لاستعادة الأوضاع، يتضح ما يلي:-

  • اسيطرة حالة من عدم الاستقرار الداخلي: قد يتسبب التدخل العسكري في زيادة حدة الصراعات العرقية والقبلية داخل النيجر، مما يؤدي إلى تفاقم الانقسامات والعنف وعدم الاستقرار في البلاد.
  • تزايد احتمالات انتقال التوترات والصراعات إلى الدول المجاورة مثل نيجيريا وبنين وبوركينا فاسو ومالي وليبيا وتشاد، وقد يتسبب ذلك في تفاقم الصراعات في هذه الدول وتهديد أمن المنطقة بشكل عام.
  • تداعيات اقتصادية وطاقة: قد يؤدي التدخل العسكري إلى تعطيل الاقتصاد وقطاع الطاقة الواعد في النيجر، وقد يحدث انقطاع في إمدادات اليورانيوم وزيادة أسعار الذهب عالميًا، كما قد يؤثر التوتر الأمني علي عملية الاقتصاد والتجارة في المنطقة .
  • تهديد الأمن العالمي: قد يزيد التدخل العسكري في النيجر من خطر الإرهاب وتهديد الأمن العالمي، فقد يستغل المتطرفون والجماعات الإرهابية الفراغ الأمني والاضطرابات لزعزعة الاستقرار وتنفيذ هجمات داخل النيجر وخارجها.
  • إمكانية انقسام داخلي وانقسامات إقليمية: قد يتسبب التدخل العسكري في انقسامات داخل النيجر وبين الدول في المنطقة، وقد تنشأ تحالفات وانقسامات فيما بين الدول المجاورة فيما يتعلق بموقفها من النظام الجديد في النيجر، مما قد يؤدي إلى تعقيد الوضع السياسي والأمني في المنطقة.

 

وفي ضوء ما سبق، يُعتبر انقلاب النيجر أزمة كبرى ومأزقًا لجميع الأطراف المعنية على مستوى القارة الأفريقية والدول الغربية وحتى داخل النيجر نفسها، فهو يشكل تحديًا كبيرًا للقوى الغربية وخاصةً فرنسا، ربنا سيضع قادة المجتمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في مأزق، سواء إذا قرروا المضي قدمًا في قرار التدخل العسكري، فإن ذلك سيشكل خطرًا كبيرًا على القارة وخارجها، أو إذا ترددوا في اتخاذ القرار، فسيكون هناك صمت بالنسبة لدعم أحد أعضاء إيكواس وهو الرئيس المنتخب/ بازوم، في حين يواجه الجيش نظروفًا صعبة وحصارًا من القوى الغربية التي فرضت عقوبات كبيرة، بالإضافة إلى حصار من الاتحاد الأفريقي وإيكواس، ربما يعكس في مجمله العديد من التداعيات علي مختلف المستويات، إلا أن التأثير الأكبر والملفت هو ما كشف عنه  الانقلاب من تراجع واضح للدور الفرنسي في منطقتي الساحل الصحراوي والغرب الأفريقي بصفة عامة، لا سيما مع التنديد الشعبي بالدور الفرنسي وممارسات باريس خلال العقود الأخيرة، الأمر الذي سيتم تناوله تفصيلياً خلال المقال القادم .

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version