1 – احتشد آلاف الإسرائيليين خلال شهر أكتوبر الحالي في جميع أنحاء إسرائيل، لمطالبة رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” بالاستقالة والرحيل عن الحكم، داعين القضاء الإسرائيلي لمحاسبته على ملفات الفساد التي تلاحقه، وذلك وسط اشتباكات عنيفة وقعت بين المتظاهرين المعارضين من جهة وأنصار نتنياهو من جهة أخرى، حيث أطلقوا شعارات تطالب باستقالة نتنياهو بسبب لوائح الاتهامات في ثلاث قضايا فساد، معتبرين أنه فشل في التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد.وقد اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس” الشرطة الإسرائيلية بالتقصير في حماية المتظاهرين، مطالباً وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي “أمير أوحانا”  ببذل الجهود من أجل منع أعمال العنف ضد المتظاهرين، مع الأخذ بعين الاعتبار تطبيق أنظمة الإغلاق الصحي في ظل انتشار وباء كورونا المستجد.

2- يتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاتهامات بالفساد وذلك بعد أن قضى 15 عاما في الحكم،  منها 11 عامًا متواصلة منذ عام 2009 وحتى الآن، وفي 1996 كانت فترته الأولى كأصغر رئيس  وزراء إسرائيلي في تاريخها حيث تفوق على دافيد بن جوريون نفسه في مدة بقاءه في هذا المنصب، كأطول حاكم لإسرائيل، وحتى الآن تبدو الأمور معقدة إلى حد ما فيما يتعلق بالبحث عن مخرج قانوني وشعبي وسياسي للأزمة الراهنة، بعد توجيه الاتهام له في عدة قضايا متعلقة بالفساد المالي، والتي تتطلب منه المثول أمام القضاء ثلاثة أيام أسبوعيًا، وبموجب القانون يصبح خلال هذه الأيام خارج السلطة كشخص مدان، ولا يجوز أن يحكم إسرائيل، وقد بدأت التحقيقات في 21 نوفمبر، بعد انتهاء تقرير الشرطة إلى توجيه الاتهام إلى نتنياهو، حيث وجه المدعي العام 4 تهم لنتنياهو وهي الفساد والتحايل والرشوة وكذلك خيانة الأمانة، ليصبح نتنياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي توجه له تهم أثناء وجوده في الحكم.

3- وتتمثل أهم القضايا المتهم فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كالآتي:-

أ – القضية 1000:  الاتهام هو تلقي هدايا تبلغ قيمتها 180 ألف دولار والحديث فيها يرجع إلى عام 2016، وأشهر الهدايا التي تلقاها نتنياهو هي أنواع فاخرة من السيجار وزجاجات الشامبانيا الفاخرة، من رجال أعمال لهم شأن ونفوذ كبير في إسرائيل وخارجها منهم ملياردير استرالي ومنتج من هوليود، وذلك مقابل تحقيق خدمات سياسية.

ب – القضية 2000: واتهم فيها بعرض مساعدات وهدايا على صحيفة “يديعوت أحرونوت”، لتحسين نطاق شهرتها وتوزيعها وتغلبها على أكثر الصحف منافسة لها، وهي صحيفة “يسرائيل هايوم”، وذلك مقابل تغطية صحفية مكثفة لصالحه في الانتخابات وغيرها من الملفات التي يحتاج فيها نتنياهو إلى مواقف إعلامية مؤيدة له.

ج– القضية 4000 (قضية بيزيك): والتي بدأ التحقيق فيها رسميًا منذ 18 يناير 2019، والتي اتهم فيها بمنح امتيازات لكبير حاملي أسهم شركة “بيزيك” للاتصالات، شاؤول إلوفيتش”، وذلك مقابل منحه تغطية إيجابية من موقع “والا” الإخباري الذي يملكه إلوفيتش.

د – القضية 1270: وهي تعتبر جزء من قضية 4000، ومتهم فيها بمنح رشوة مالية للمدعي العام الإسرائيلي مقابل إسقاط قضية ضد زوجته سارة نتنياهو.

5 – بحلول الثامن عشر من يناير المقبل 2021 يتعين على نتنياهو وفريقه الدفاعي الحضور إى جلسات الاستماع في المحكمة بعدما أرجأت القاضية  ريفكا فريدمان- فيلدمان، القضية إلى يناير المقبل، مع فرض حضور ثلاث جلسات للشهود والمتهم في أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع، ولا يجوز التخلف عن الحضور، لكن بموجب القانون الإسرائيلي، يصبح نتنياهو في هذه الأيام الثلاثة خارج حكم الدولة العبرية، بصفته متهمًأ ويمثل للمحاكمة، وتبدأ جلسات الاستماع في القضية 4000 حيث يتم الاستماع إلى المدير العام الأسبق لشركة “والا” الإخبارية “إيلان يشوعا”، بحضور نتنياهو.

6- وتشير مواقف قيادات حزب الليكود إلى تخلي الحزب عنه والوقوف بجانبه في ملفات الفساد والمحاكمة، حيث من المقرر أن يعلن عن فتح باب الترشح لرئاسة حزب الليكود في نوفمبر المقبل، فالفرصة الآن سانحة أمام العديد من منافسي نتنياهو داخل الحزب نفسه، وأبرزهم جلعاد شارون نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أريئيل شارون، حيث يرى أن المرحلة الراهنة تحتاج لقائد يحمل صفات شارون الأب وهو أحق بها من غيره، ويرى في نفسه قائدًا مسقبليًا لليكود وبعدها إسرائيل، ويستند جلعاد الابن الأكبر لشارون لسيناريو توسعة البناء في المستوطنات وعدم توقف الضم، وسواء كان جلعاد منافسًا أم لا، فهناك العديد من المنافسين المحتملين لنتنياهو لعل أبرزهم أفي ديختر والذي لم يحصل على أي حقبة وزارية في الحكومة الحالية، بالتالي فإن موقف حزب الليكود سيتم حسمه مع اتضاح الرؤية المستقبلية بعد انتخابات الحزب ومن يقوده، ولو تم التخلي عن نتنياهو كرئيس لليكود، يصبح رئيس وزراء إسرائيل فاقدًا لقوة كبيرة كانت تدعمه ويستند إليها.

7- وفيما يتعلق بالرأي العام الإسرائيلي لم تتوقف المظاهرات ضد نتنياهو منذ طرح ملفات الفساد المذكورة، ومع تأكد مثوله أمام النيابة، وضرورة حضوره ثلاثة أيام أسبوعية في يناير المقبل، لم يعد الشارع الإسرائيلي قادرًا على تحمل مزيد من الضغوط، خاصة مع تفشي فيروس كورونا بشكل كبير، وضغط المعارضة وتأكيدها على فشل الحكومة برئاسة نتنياهو في مواجهة الجائحة، زادت المظاهرات حيث فقد نتنياهو جزء من شعبيته بشكل كبير، الاحتجاجات بدأت بشكل كبير في مارس الماضي، وزات حدتها مؤخرًا، حتى أن مدن وعواصم عديدة بها جاليات يهودية وإسرائيليين بدأوا في التعاطف مع المتظاهرين، وأشهر المتضامنين كانوا في من بوسطن وميامي ولوس أنجلوس وبرلين وسيدني، وغيرها.

الموقف القانوني من قيادة الدولة

8- في التاسع من سبتمبر 2020 زادت حدة الصراع بين نتنياهو والمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية “أفيخاي مندلبليت” والذي أعلنها صراحةّ بأنه يتعذر على نتنياهو، أداء مهام منصبه، حال ثبوت استغلاله له، والاضرار بمؤسسة القانون الإسرائيلي، كما أن بقاءه قد يتعارض مع المصالح العليا فقد يتم استغلال منصبه لصالحه، وهنا أجرى مندلبليت مشاورات عاجلة مع كبار القضاة وناقشوا ضرورة الإعلان عن تعذر نتنياهو عن القيام بمهامه بالطبع كالعادة هاجم نتنياهو تلك التصريحات واعتبرها محاولة ومؤامرة لاسقاطه وارغامه على التنحي، وأنهم شوهوا القضاء، خاصة أن نتنياهو يرى أن بعض المحققين معه لم يكونوا منصفين وعلى خلاف شخصي معه واستغلوا ذلك في التحقيقات.

9 – وتشير مواقف أهم القوى والأحزاب السياسية إزاء محاكمة نتنياهو إلى التالي:-

أ – تباين المواقف داخل حزب الليكود: في الوقت الذي يساند فيه قيادات الحزب نتنياهو مثل موقف رئيس الائتلاف الحكومي الإسرائيلي “ميكي زوهار” من حزب الليكود، الذي هدد بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، إذا تم الإعلان بان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حالة تعذر من الوجهة القانونية لا تتيح له أداء مهامه، في حين لايحظى خيار اللجوء إلى انتخابات أخرى وحل الكنيست  بقبول عام داخل إسرائيل خاصة الرئيس الإسرائيلي نفسه رؤوفين ريفلين، فضلًا عن صعوبة هذا الخيار بسبب انتشار فيروس كورونا ودخول إسرائيل موجة ثانية للفيروس، لكن الإطاحة بنتنياهو من زعامة الحزب أمر لا يزال مطروح وخيار قوي لدى منافسي نتنياهو، بشكل عام انتخابات زعامة الليكود حاسمة وكاشفة في الفترة المقبل.

ب – انتظار حزب أزرق أبيض “كاحول لافان”: بقيادة بيني غانتس قرار مندلبليت بإرغام نتنياهو على التخلي، ومنها بموجب الائتلاف، سيكون بيني غانتس رئيس الحكومة الوحيد لهذه الفترة من الحكم، ذلك ما يفسح له المجال لمناقشة القضية الفلسطينية وإيجاد حلول تناسب كلا الطرفين، وبالفعل بدأ جانتس التلويح والتضييق على نتنياهو، وهو ما شاهدناه من موقف شديد وحاسم وصارم من غانتس بعد إصابة خمسة متظاهرين في نهاية يوليو الماضي، وطالب بالقبض على المعتدين على المتظاهرين ووصفهم بالمجرمين، وقال صراحة أنه لن يستطيع احد اسكات المتظاهرين ما دام هو متواجد في الحكومة.

ج – حزب إسرائيل بيتنا (حزب ليبرمان): دعا رئيس حزب إسرائيل بيتنا وعضو الكنيست “أفيجادورليبرمان”، الشعب واليمينيين تحديدا إلى الانضمام إلى المظاهرات الأسبوعية التي تنظم كل سبت أمام منزل نتنياهو، ووصف تصريحات نتنياهو ووعوده بالأكاذيب، خاصة فيما يتعلق بالاستيطان والضم، بالتالي يفقد نتنياهو حليف مهم داخل الائتلاف الحكومي والذي كان يناور به اثناء المفاوضات على تشكيل الحكومة، لا سيما بعد تأكيد أحزاب شاس وحزب يهودت هتوراة بعدم تأييدهم وموافقتهم على ترشح نتنياهو في الانتخابات مرة أخرى، وهنا أصبح نتنياهو عاريًا من اليمين واقطابه وانصاره

 

10 – وتشير البدائل المتاحة أمام نتنياهو لمنع محاكمته إلى التالي:

أ– إمكانية تقدم نتنياهو بطلب حصانة من القضاء الإسرائيلي بموجب سلطته، وبهذه الطريقة تتم محاكمته دون حضور الجلسات والمثول أمام المحكمة، ويستطيع أن يمارس مهامه كاملة كرئيس للحكومة، حتى تثبت إدانته بالفعل وفي هذه الحالة يتم عزله عن الحكم، الأمر الذي يصعب تحقيقه ارتباطًا بتمسك جانتس  بشروط الاتفاق الذي يقضي بتخليه عن طلب الحصانة حال توجيه اتهام له.

ب– لجوء نتنياهو  لرفع دعوة قضائية يتهم فيها بيني جانتس بالتسبب في تأخير الميزانية المالية وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وبهذه الطريقة يتمكن من إبعاد غانتس عن الحكم ويستكمل مدة محاكمته، وبعدها يعود للترشح لرئاسة الوزراء مرة أخرى.

ج – محاولة الترشح لمنصب رئيس الدولة، وبموجب القانون الإسرائيلي، فرئيس الدولة لا يخضع للمحاكمة، وخلال مدة رئاسته “4 سنوات” تسقط عنه كل التهم الموجهة إليه، ويعود بعدها ليرشح نفسه في انتخابات رئاسة الوزراء مرة أخرى، حسب آراء المحللين، تعد هذه الطريقة المهرب الوحيد الآمن لنتنياهو من المحاكمة والسجن.

11 –  ورغم عدم حسم مصير نتنياهو السياسي عقب تقرير الشرطة العسكرية والقضايا المتهم بها، ولكن من الواضح أن أي إدانة محتملة له ضمن هذه الاتهامات؛ قد تستغرق شهورًا – طويلة، إلا أن استمرار الائتلاف الحكومي الحالي في ضوء المعطيات السابقة، سواء من ملاحقات قضائية لنتنياهو، وضرورة تواجده في المحكمة، يطرح البدائل التالية :-

  • انسحاب بعض أحزاب اليمين وتخليها عن نتنياهو يجعل الحكومة في مهب الريح، وقد تصل إلى أقل من 61 مقعد بالتالي يتم حل الكنيست
  • عدم تأييد نتنياهو أو مساندته من الليكود بالتالي طلب الحزب الدفع بزعيم جديد يستلزم خوض انتخابات جديدة وعليه قد يتفكك الحزب بانسحاب فردي أو جماعي من الحكومة، وعليه فالحكومة باتت في مهب الريح

ج –  انسحاب ائتلاف أزرق أبيض من الائتلاف بات أمرًا مطروحًا وبقوة أملًا في القضاء على نتنياهو ومستقبله جملة وتفصيلًا.

 د – إدانة نتنياهو نفسه وحبسه وسجنه يؤدي إلى تفكك الحكومة حيث الصراع على المنصب وتهديد اتفاق الائتلاف بين الليكود وأزرق أبيض حال الحكم بالسجن على نتنياهو

هـ – المعارضة الإسرائيلية لن تسمح باستمرار الوضع ولن تكون هنالك فرصة سانحة أكثر من ذلك للقضاء على نتنياهو، وباتت فرصة اليسار كبيرة في تحقيق مكاسب على اليمين الإسرائيلي، لذا قد يتنصل اليمين من نتنياهو حتى لا يصبح شخص مدان محسوبًا على اليمين، وهو ما قد يستغله اليسار والمعارضة في تحقيق مكاسب شعبية وانتخابية مستقبلية.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version