تعيش النيجر  حالة من الاضطراب منذ ٢٧ يوليو الماضي، بعدما أطيح بالرئيس محمد بازوم المنتخب ديموقراطياً وبذلك، تدخل النيجر في دائرة جديدة من عدم الاستقرار تسهم في تفاقم أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية خلال الفترة المقبلة، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب المعلنة وغير المعلنة للانقلاب، بالإضافة إلى مستقبل التنافس الدولي في الساحل خلال الفترة المقبلة لا سيما الروسي-الأوروبي/الفرنسي/الأمريكي، وتداعيات ما بعد الانقلاب.

ماذا يحدث في النيجر؟

أعلن المجلس الوطني لحماية الوطن المكون من 10 ضباط على رأسهم العقيد أمادو عبد الرحمن تشياني المعروف باسم عمر تشياني، في 27 يوليو 2023، الإطاحة بنظام الرئيس محمد بازوم في النيجر، وهو أول رئيس من أصول عربية في النيجر الذي ينتمي إلى قبيلة أولاد سليمان العربية، المنتشرة في ليبيا،  واتخاذ عدد من الإجراءات الاستثنائية مثل إغلاق الحدود وفرض حظر تجول في البلاد. وذلك بعد ساعات من تمرد قوات الحرس الرئاسي بقيادة عمر تشياني التي سيطرت على القصر الرئاسي واعتقلت الرئيس بازوم، وهي المحاولة الثالثة التي تشهدها البلاد خلال العامين الأخيرين عقب محاولتين فاشلتين في عام 2021 قبل تولي بازوم السلطة بأيام قليلة وفي مارس 2023 خلال زيارة خارجية للرئيس.

أرشيفية

الطاقة والمصالح الجيوسياسية

ولا يخفى أن الأهمية الجيوسياسية للنيجر تجعل الوضع الحالي بعد الانقلاب أكثر إثارة للقلق بالنسبة للجهات الإقليمية والدولية الفاعلة، حيث تدرك كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية الأهمية الجيوستراتيجية للنيجر، حيث ترتكز باريس في استراتيجيتها الجديدة تجاه أفريقيا عليها لتنفيذ أهدافها الجيوسياسية هناك، كما تعتمد عليها أيضًا في الحصول على 35% من الاحتياجات الفرنسية من اليورانيوم لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70% من الكهرباء. إضافة إلى وجود قواعد عسكرية فرنسية في الأراضي النيجرية، إلى جانب أنها تعد قاعدة مركزية لقوات حلف الناتو في منطقة الساحل. بينما تخشى واشنطن احتواء الروس للنيجر من خلال انخراط قوات فاجنر الروسية هناك، مما يوسع النفوذ الروسي في الساحل على حساب المصالح الأمريكية، وهو ما يشكل تهديدًا لها وبخاصة أنها تمتلك قاعدة عسكرية في منطقة أجاديز في شمال النيجر منذ عام 2014..

في حين تسعى روسيا خلال الفترة الأخيرة إلى تعزيز حضورها في النيجر، وهو ما قد يعززه غياب الرئيس بازوم عن المشهد السياسي في البلاد ، من خلال تفعيل اتفاقات التعاون العسكري التي أبرمها الطرفان في عامي 2017 و2019، واحتمال عرض قوات فاجنر تقديم خدماتها العسكرية في البلاد لمواجهة التحديات الأمنية والتنظيمات الإرهابية إلى جانب التدريب العسكري، في مقابل الحصول على بعض الامتيازات في مجالات التعدين والنفط، لا سيما أن النيجر تمتلك أكثر من 69 منجم للذهب، بالإضافة إلى احتياطي من النفط يبلغ قدره 320 مليون برميل، في حين تنتج حوالي 20 ألف برميل من النفط يوميًّا، وهو ما يعزز امتلاكها للمزيد من أوراق الضغط مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية لمساومة الدول الأوروبية وواشنطن على بعض الملفات في مناطق استراتيجية أخرى.

لذلك، يدرك الغرب والولايات المتحدة أن نجاح الانقلاب سوف يؤدي إلي عدم الاستقرار في البلاد وفي المنطقة ككل، ويخلق فرصة لبعض المنافسين الاستراتيجيين لممارسة المزيد من النفوذ لا سيما روسيا والصين، خاصة أن فاجنر استطاعت أن تتواجد بشكل فعلي في حوالي عشر دول أفريقية، وربما تصبح النيجر هي الدولة التالية (الحادية عشر). بينما تجد فاجنر الأمر يسيرًا في إيجاد قواسم مشتركة للتقارب مع العسكريين الجدد في دول الساحل، لا سيما أنها تشكل الملاذ الآمن ضد أي إجراءات أو عقوبات محتملة من الغرب والمنظمات الإقليمية والقارية مثلما حدث مع دولتي مالي وبوركينا فاسو خلال العامين الماضيين.

التداعيات المحتملة:

1- زيادة عدم الاستقرار: تواجه الأراضي الصحراوية الشاسعة في النيجر موجات جفاف متزايدة بسبب تغير المناخ، مما يؤدي إلى تدمير سبل العيش للبدو الرحل والمزارعين على حد سواء. وتؤدي مثل هذه الظروف إلى تفاقم أزمة الفقر، حيث يعيش ما يقرب من نصف السكان عند خط الفقر أو تحته. بالإضافة إلى ذلك، فإن النزاعات العرقية بين الجماعات المختلفة والمقاومة المسلحة التي تقوم بها التيارات المتطرفة لتزيد من زعزعة استقرار النسيج الاجتماعي الهش في البلاد.

أرشيفية

2- تراجع النفوذ الفرنسي والغربي: تُعد النيجر قاعدة مهمة للجيش الفرنسي بعد الانسحاب من مالي وبوركينا فاسو. كما يخطط الجيش الألماني لتنفيذ جزء على الأقل من انسحابه المرتقب من مالي عبر قاعدة النقل الجوي في نيامي. وتتلقى القوات الخاصة للنيجر التدريب والدعم اللوجستي من الولايات المتحدة وفرنسا. وقد أثار نقل الوحدات العسكرية نوعاً من الازدهار في العاصمة نيامي في الفترة الأخيرة. فارتفعت إيجارات العقارات في الأحياء الأفضل، وكان من الصعب الحصول على غرف في الفنادق. كما خططت المنظمات غير الحكومية لفتح مكاتب لها في نيامي.

ويتمركز حالياً حوالي 1000 إلى 1500 جندي فرنسي في العاصمة نيامي ويساعدون القوات المسلحة النيجرية في التدريب ودعم المعدات ومهام مكافحة الإرهاب. وخلال العام الماضي، عززت كل من فرنسا والولايات المتحدة دعمهما للنيجر لمكافحة الإرهاب بعد انسحاب القوات الفرنسية من بوركينا فاسو ومالي المجاورتين. وإذا تم إخراج بازوم من السلطة، فقد يؤدي النظام العسكري الجديد في النهاية إلى تقليل اعتماد النيجر على فرنسا، وبالتالي فتح فراغ أمني جديد في المنطقة لاستغلاله من قبل الجماعات الإرهابية والقوى العالمية البديلة مثل روسيا والصين.

من جهة أخرى تُعد النيجر أكبر مصدر لليورانيوم في إفريقيا، حيث تقوم الشركات الفرنسية بتعدين وتصدير غالبية خام البلاد. في حين أن هذا لن يتغير بالضرورة بعد نجاح الانقلاب، إلا أن النظام العسكري الجديد قد يطالب بدفع رسوم أعلى. وفي سيناريو أكثر تطرفاً، قد يرفض مثل هذا النظام أيضاً الشراكات الفرنسية لصالح مثيلتها مع روسيا أو الصين، مما يزيد من توجيه النيجر بعيداً عن الغرب.

٣- التأثير في القاعدة الأمريكية: أنفقت الولايات المتحدة نحو 500 مليون دولار لمساعدة القوات المسلحة في النيجر لتحسين قدراتها في مواجهة التحديات الإرهابية. وتُعد قاعدة النيجر الجوية 201 بمثابة قاعدة جوية أمريكية للطائرات المسيرة وتقع القاعدة على بعد حوالي 5 كيلومترات جنوب شرق أجادير، وهي مملوكة للجيش النيجري لكن الولايات المتحدة قامت ببنائها ودفعت تكاليفها. كما يتم تشغيلها من قبل الجيش الأمريكي كقاعدة للطائرات من دون طيار. ولا يخفى أن أي حكومة في مرحلة ما بعد الانقلاب قد تُعيد النظر في مثل هذه الالتزامات من أجل كسب شرعية شعبية.

٤- إمكانيات التمدد الإرهابي: إذا أسفر الصراع الحالي على السلطة في النيجر عن قيام نظام عسكري يرفض تماماً الوجود الفرنسي والغربي في البلاد، فمن المرجح أن يستغل مقاتلو تنظيم داعش في الساحل وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الفراغ الأمني الناتج في المقاطعات الغربية للنيجر. وبالمثل من المرجح أن تستغل ولاية داعش في الصحراء الكبرى الفراغ في حوض بحيرة تشاد لتوسيع نفوذها. في ظل هذا السيناريو، من المرجح أن يؤدي تخفيف الضغط على الجماعات الجهادية المنبثقة من النيجر إلى زيادة التوسع الإقليمي في منطقة الساحل الغربي وتسريع وتيرة الهجمات الإرهابية في هذه المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخروج الفرنسي من النيجر سيفتح الباب أمام احتمال تقدم مجموعة فاجنر الروسية، التي أعلنت أخيراً عن “مسار جديد” لإفريقيا. ومن المؤكد أن مثل هذه العلاقة مع التنظيم شبه العسكري الروسي ليست مضمونة بعد نجاح الانقلاب. لكن وجود فاجنر في النيجر من شأنه أن يسهل على الأرجح نفوذاً روسياً أكبر، ويعزز موقعها كثقل موازن لفرنسا في منطقة الساحل.

أخيرًا: في ضوء ما سبق ففي التقدير انتقال تداعيات الانقلاب الذي شهدته النيجر إلي دول الجوار بما يهدد مناخ الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء مع انتشار جماعات التطرف والإرهاب في المنطقة،ومن ثم التسبب في تهديد الأمن الغذائي و السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة ككل. إضافة لما ستجلبه من تحديات إضافية لواحدة من أفقر دول العالم فيما يتعلق ببناء الدولة وتنميتها، ولعل الزخم الإقليمي والدولي الذي ظهر لمواجهة تداعيات هذا الانقلاب تؤشر على حجم الضغوط التي يواجها قادة الانقلاب للعدول عن موقفهم، في ظل تنامي مخاوف القوي الغربية من تعزيز روسيا والصين في مناطق النفوذ التقليدية للغرب.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version