اتخذت تشاد خطوة إضافية نحو إعادة علاقاتها الدبلوماسية السابق قطعها بين البلدين عام 1972 بسبب ضغوط من “القذافى”، حيث توجه وفد تشادى إلى إسرائيل يوم 8/9/2020 برئاسة عبد الكريم نجل الرئيس إدريس ديبى بصفته رئيس الوزراء، بمشاركة رئيس المخابرات التشادي أحمد كوجري، التقى خلالها الوفد برئيس الوزراء نتنياهو ورئيسيّ الموساد “إيلى كوهين” ومجلس الأمن القومى “مئير بن شابات”، وبحثا إمكانية تبادل البلدين فتح السفارات، فيما أدعت تل أبيب أن المناقشات شملت اتخاذ تشاد من القدس مقراً لبعثتها فى غضون عام، كما تم الإشارة إلى الإتفاق على زيارة وفد من رجال الأعمال الإسرائيليين ل”إنجامينا” لتعزيز التعاون التجارى والاقتصادى وتشييد بعض المشاريع في مجالات الزراعة والرى والتعدين والتعاون التكنولوجي.

رغم أن العلاقات الإسرائيلية / التشادية العلنية خلال العامين الأخيرين شهدت العديد من مظاهر التقارب الرسمى أبرزها زيارة ديبى لإسرائيل فى نوفمبر 2018 وزيارة نتنياهو لتشاد خلال يناير 2019، ووجود العديد من أوجه تعاون البلدين بالفعل، فى ظل عدم وجود ضغوط أو مواجهات مباشرة بين الجانبين، إلا أن توقيت التحرك الأخير يعكس رغبة نتنياهو فى إستثمار الزخم المصاحب لتطور العلاقات الإسرائيلية مع كل من الإمارات والبحرين وكوسوفو وصربيا لتعزيز وضعيته الداخلية التى تأثرت سلباً سواء بمحاكمته جنائياً على تهم الفساد وخيانة الأمانة وتلقى رشوة، أو نتيجة استمرار الاحتجاجات الشعبية على خلفية الأوضاع الاقتصادية، بالتزامن مع إمكانية خوضه إنتخابات إعادة رابعة خلال الفترة القريبة القادمة.

فى المقابل، سعى الرئيس التشادى لاستثمار التوجهات الإسرائيلية لتنفيذ ما سبق الإتفاق عليه خلال لقاءات قيادتى البلدين المتكررة، والخاصة بإعادة العلاقات مقابل تفعيل مجالات التعاون التي تشمل حصول تشاد على الدعم الأمنى السيبراني اللازم لمواجهة صعوبة السيطرة على تدفق اللاجئين وعناصر المرتزقة والسلاح نتيجة الأزمة الليبية، بجانب أنشطة حركة بوكو حرام التى نفذت العشرات من العمليات الإرهابية بالبلاد إنطلاقاً من الأراضى النيجيرية المتاخمة للحدود التشادية الجنوبية، وهو ما عكسه مشاركة رئيس جهاز الإستخبارات التشادى ” كوجري” فى الزيارة الأخيرة، وضعاً فى الاعتبار رفع الرئيس الأمريكى ترامب مؤخرًا الحظر الذي كان مفروضًا على الرعايا التشاديين للولايات المتحدة عقب تعاون إنجامينا فى مجال مكافحة الإرهاب، الأمر الذى يمهد أيضا لإمكانية زيادة واشنطن استثماراتها هناك فى إطار المكافأة. 

  ذلك بجانب محاولة ديبى إبراز دور نجله “عبد الكريم” الذي رأس الوفد التشادي ( يحظى بعلاقات مع فرنسا، وقيادات قبيلة الزغاوة الساعية للحفاظ على مكاسبها ارتباطاً بانتماء الرئيس ديبى لها)، والترويج له على المستويين الداخلى والخارجى من خلال إضافة بعض الملفات الخارجية لمهامه، بما يؤهله لخلافته لتولي مقاليد البلاد التى يحكمها منذ ثلاثة عقود ( تولى ديبى السلطة عقب الإطاحة بالرئيس السابق حسين حبرى عام 1990).   

 كما يمكن قراءة ذلك المشهد كمحاولة من إسرائيل لتعويض فشلها فى إقامة علاقات مع السودان من ناحية، ومحاولة توجيه رسالة للرأي العام والمسئولين السودانيين السابق تحفظهم على وساطة وضغوط وزير الخارجية الأمريكي بومبيو الذى زار الخرطوم يوم 25/8/2020 لتشجيع أو دفع النظام الانتقالى السودانى لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مقابل تسوية العديد من الملفات السياسية والأمنية، بما فيها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من ناحية أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أنه سبق أن استغلت العديد من الدول الإقليمية – مثل قطر وفرنسا – المناهضة للتوجهات السودانية والليبية موقع تشاد المتاخم لهما، والتقارب مع إنجامينا لتنفيذ سياساتها وتوجهاتها انطلاقًا من الأراضي التشادية لتشديد الضغوط عليهما، وهو ما أثّر على العلاقات التشادية بكل من الخرطوم وطرابلس لعدة عقود، وطرحت فى الوقت نفسه تأثيرات مباشرة على استقرارهما الأمني، وبالتالي قد ترى إسرائيل أهمية تعزيز تواجدها بتلك المنطقة القريبة من مصر أيضاً .

بالإضافة لما سبق، فإن إقامة إسرائيل علاقات مع تشاد تكتسب أهميتها باعتبار أنها دولة ذات أغلبية مسلمة (55% من السكان)، وذات مساحة واسعة (1,2 مليون كم – تعد ثانى أكبر الدول الأفريقية جنوب الصحراء مساحة بعد الكونغو)، وضعاّافى الاعتبار أن اللغة العربية تعد اللغة الرسمية بالبلاد بجانب الفرنسية، كما تمتلك فضلاً عن الثروة الحيوانية الضخمة العديد من الموارد الزراعية والمعدنية غير المستغلة خاصة اليورانيوم.

ولا شك أن إسرائيل سوف تسعى للترويج للنموذج التشادى لدى دول الجوار الأفريقي بمنطقة الساحل الصحراوى – خاصة بدول مثل النيجر ومالي ذات الأغلبية المسلمة – لتكراره ولإستكمال نسج تواجدها بمنطقة الحزام الجنوبي المتاخم للدول العربية شمال أفريقيا، وبما يسهم فى الوقت نفسه في توفير قدر من التوازن مع النفوذ الإيراني بدول الساحل الأفريقي المسلمة، فضلاً عما يحققه ذلك من فصل للعلاقات السياسية والإقتصادية للدول الإسلامية والأفريقية المستهدفة عن القضية الفلسطينية، خاصة مع عضوية تشاد فى منظمة التعاون الإسلامي.

بصفة عامة، يوفر التواجد الإسرائيلي في تشاد مناخًا ملائمًا للتغلغل بمنطقة وسط أفريقيا، خاصة فى ظل مقابلة الاتحاد الأفريقى المتكرر لطلب إسرائيل بالمشاركة في اجتماعات الاتحاد كمراقب بالرفض، وبما يحقق لها أيضًا اختراق الكتلة التصويتية التقليدية غير المؤيدة للسياسات الإسرائيلية داخل الأمم المتحدة.

يعد التقارب الإسرائيلي/ التشادي نتيجة طبيعية لتراجع الاهتمام العربي والإسلامي بأحد أهم دول الجوار للمكون العربي، خاصة فى ضوء اشتراكها مع شعوب المنطقة بالعديد من الروابط التاريخية والجغرافية والدينية والثقافية واللغوية، وهنا يجب أن نشير إلى نقطتين، الأولى: أن الظروف والضغوط الراهنة التى تمر بها المنطقة العربية وما أسفرت عنه  من تآكل سياسى للرقعة الجغرافية لصالح القوى الإقليمية المناهضة للكيان العربى يؤكد حاجة العرب لإدماج أو جذب دول متاخمة مثل تشاد لأسباب سياسية وأمنية واستراتيجية عديدة، والنقطة الثانية: التي سيذكرها التاريخ الذي لا يعود للخلف هى سابق مناقشة قمة جامعة الدول العربية الذى عقدت بمدينة سرت الليبية عام 2010 إنضمام تشاد للجامعة العربية دون اتخاذ قرار بالشأن، بل أيضَا تقدم تشاد عام 2014 بطلب للانضمام للجامعة العربية، وبالطبع فإنه من الطبيعي نفاذ مختلف القوى الإقليمية الساعية لتنفيذ أجندتها بالمنطقة لملء الفراغ الناجم عن غياب الرؤية الشاملة والعمل الجماعي. 


شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version