على مدار الأشهر الأخيرة، تدهورت الأوضاع الاقتصادية لإسرائيل بشكل كبير، وخاصةً بعد تولي  “بنيامين نتنياهو” رئاسة الوزراء نظرًا للاضطرابات السياسية الداخلية التي تفاقمت في أعقاب مشروع الإصلاح القضائي الذي تبنته حكومة نتنياهو رغم المعارضة الكبيرة له داخليًا وخارجيًا، وانحياز نتنياهو وحكومته إلى معسكر اليمين والتيارات الدينية وتخصيص ميزانية ضخمة له على حساب الهيئات الحكومية الأخري. حيث ساعدت سياسات الحكومة الإسرائيلية الأخيرة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة العجز الحكومي عن الهدف المستهدف له، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر صرف الشيكل أمام العملات الأجنبية الأخري.

وفي ظل كل هذه التحديات تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لضربة أخري موجعة، بعد أن قررت حماس القيام بعملية “طوفان الأقصي” يوم السابع من أكتوبر وخلفت وراءها فوضي كبيرة داخل الحكومة الإسرائيلية وعدد من القتلي غير مسبوق. قادت هذه العملية إسرائيل إلى الجنون واتخذت قرارًا بشن حرب شاملة على قطاع غزة وتهجير سكانه إلى الجنوب. وهي الحرب التي بلغت تكلفة اليوم الواحد حوالي 180 مليون شيكل، بينما يبلغ ثمن كل صاروخ من صواريخ القبة الحديدية أكثر من ربع مليون شيكل. ومن المتوقع أيضًا أن تبلغ تكلفة استدعاء الجنود الاحتياط  مئات الملايين من الشواكل. تأتي هذه النفقات الإضافية في ظل توقعات بانخفاض عائدات الضرائب من جراء الحرب بنسبة 7٪، فضلًا عن برامج التعويضات التي تنوي الحكومة الإسرائيلية دفعها للمتضررين والتي قدرت بالفعل بحوالي 30 مليون شيكل، مما يمثل عبئًا أخر على الميزانية.

ومن المتوقع أن تدفع كل هذه النفقات الطارئة الحكومة إلى إجراء تخفيض قد يصل إلى مليارات الشواكل من موازنة جميع الوزارات الحكومية، الأمر الذي سيؤثر سلبًا على المواطن في ظل استقطاعات مهمة في مجالات والصحة والتعليم، هذا فضلًا عن ارتفاع معدلات العجز بالنسبة للانتاج المحلي والمتوقع أن تتخطي حاجز 3٪ وهو رقم أعلي بكثير من الرقم المستهدف 1.5٪ أي 27.4 مليار شيكل،

  • الأضرار الأولوية للاقتصاد الإسرائيلي في ظل عملية “طوفان الأقصي”

يرجع الضرر المتوقع للنشاط الاقتصادي في إسرائيل إلى عدة أسباب أهمها؛ التوقعات باستمرار الحرب في غزة لفترة طويلة، مما يعني تعرض مساحة كبيرة من إسرائيل للتهديد بالقصف بالصواريخ. مثل هذا التهديد سيؤدي إلى تدهور الإقتصاد وتراجع مؤشرات التنمية، مع انخفاض ​​حجم الاستثمارات في الاقتصاد، في القطاعين الخاص والعام. والجدير بالذكر أن الاستثمارات الأجنبية انخفضت بالفعل منذ بداية العام الحالي بنسبة بلغت 60٪ نظرًا لمخاوف المستثمرين من سياسات الحكومة الحالية، الأمر الذي يعني جمود وتوقف الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل بعد الحرب بصورة شبه كاملة وتضرر معظم القطاعات الاقتصادية، وهو ما سينعكس على النشاط الاقتصادي واستقرار العملة، لذلك فمن المرجح أن نشهد في المستقبل القريب ضعف آخر للشيكل مقابل الدولار ومقابل العملات الأخرى، ومن ثم ارتفاع التضخم ويمكن كوصيف الأضرار الرئيسة التي يتعرض لها للاقتصاد الإسرائيلي في عدد من المجالات، أهمها:

  • الأمن الغذائي: تقدر الأضرار التي لحقت بالممتلكات نتيجة الحرب حتى الآن بأكثر من 3 مليارات شيكل، وأن ترميم الغلاف سيكلف ما لا يقل عن 10 مليارات شيكل. كما تضرر أكثر من 100 مبني والعديد من المستوطنات، ولعل أهمها المستوطنات التي تعمل في مجال الزراعة، حيث يجد المزارعون صعوبة في العمل بسبب تضرر العديد من الشبكات وخطوط المياه والكهرباء. وعلى الرغم من تعامل السلطات المحلية مع هذه المشكلة، إلا أنها تجد صعوبة في الحصول على فرق إصلاح، ولا يسمح الجيش الإسرائيلي بالتنقل في المنطقة خوفًا من تواجد جماعات تابعة لحماس. ويخشى المزارعون ومنتجي الألبان حدوث انهيار غير مسبوق يهدد الأمن الغذائي في إسرائيل، في ظل صعوبة وصول المنتجات الغذائية الواردة من الخارج والتي يعتمد عليها السوق المحلي بصورة كبيرة.

من ناحية أخرى، سجلت الأسعار ارتفاعًا ملحوظًا في عدد من السلع الأساسية منها؛ الخضروات والفواكه الطازجة بنسبة 4.3٪، الخدمات التعليمية بنسبة 1.3٪، الإيجارات والأثاث والمعدات المنزلية، الملابس والأحذية والصحة بنسبة 0.5٪.

  • البورصة وسوق المال: أدت الحرب الأخيرة إلى انهيار معظم المؤشرات الرئيسة في البورصة الإسرائيلية بنسبة تراوحت من 6.69 ٪ – 7.89٪. كما تراجع سعر صرف الشيكل أمام الدولار ليسجل 3.91 شيكل بزيادة نحو 2٪، وقفز اليورو أيضا بمعدل مماثل وتداول حول 4.115 شيكل. وفي ظل الانخفاض الحاد في سعر الشيكل، أعلن “بنك إسرائيل” عن خطة استثنائية لبيع العملات الأجنبية بمبلغ يصل إلى 30 مليار شيكل، وذلك لتوفير السيولة للسوق من خلال تفعيل آليات معاملات المبادلة الخاصة بالبنك في السوق بمبلغ يصل إلى 15 مليار دولار. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها بنك إسرائيل في سوق الصرف الأجنبي عن طريق بيع الدولارات بدلا من شرائها، وآخر مرة تدخل فيها بنك إسرائيل في سوق الصرف الأجنبي كانت قبل عامين، عندما تم وضع خطة لوقف الارتفاع المتزايد للدولار. والجدير بالذكر أن احتياطي النقد الأجنبي تبلغ أكثر من 200 مليار دولار، وبالتالي فأن قيام بنك إسرائيل بهذه الخطوة في هذا التوقيت قد تساعد على الحفاظ على قيمة الشيكل قليلاً.
  • سيؤدي انخفاض سعر الشيكل إلى ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة في الأيام المقبلة وسيزيد من حاجة بنك إسرائيل إلى رفع أسعار الفائدة في الاقتصاد في 23 أكتوبر بنسبة ربع بالمائة أخرى لتصل إلى 5٪. في الوقت نفسه، إذا استمر القتال وأصيب الاقتصاد بالشلل الجزئي، فمن المحتمل يدخل الاقتصاد في تباطؤ كبير، ومن المحتمل أن يتم تأجيل زيادة أسعار الفائدة حتى نهاية هذا العام في ديسمبر.
  • موارد الطاقة: أعلنت شركة “شيفرون” المسؤولة عن تشغيل حقل “تمار” عن وقف إنتاج الغاز من الحقل. وذلك بعد تلقي الشركة تحذيرًا من وزارة الطاقة بأنه في ظل الأوضاع الأمنية يتطلب وقف نشاط استخراج الغاز الطبيعي من الحقل. وهذه ليست المرة الأولى التي يتوقف فيها إنتاج الغاز بسبب الوضع الأمني. وتعتبر منشآت إنتاج الغاز هدفًا استراتيجيًا، كما أن إيقاف تدفق الغاز يمنع اشتعال المواد الخطرة عند إصابة المنشآت. وعلى صعيد آخر سيؤثر هذا التوقف على موارد الطاقة وعلى عمل محطات الكهرباء والمياه الرئيسة مما سيؤثر سلبًا على الاقتصاد من جهة وعلى حياة المواطن الإسرائيلي من جهة أخري.

وعلى الصعيد ذاته؛ تم إغلاق ميناء عسقلان ومرفأ النفط التابع له، الذي يقع على بعد أكثر من 10 كيلومترات من قطاع غزة؛ وذلك على خلفية الهجمات الأخيرة واحتدام القتال بين حماس وإسرائيل. ولعل خطورة ذلك تكمن في أن ميناء عسقلان يعد أكبر ميناء لاستيراد النفط في إسرائيل.

وتثار المخاوف بشأن تأثير الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس على أمن الطاقة العالمي، بناءً على عدد من السيناريوهات المحتملة إذا استمرت الحرب لمدة طويلة ولعل أهمها؛ ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بعد تحويل مسار ناقلات الغاز الطبيعي المسال لتفادي العبور من مناطق الصراع.

كما يخشى خبراء الطاقة أن يسفر الارتفاع في عدد الضحايا المدنيين عن تعطل عمل شركات الطاقة وتهديد استمراريتها، ومنها شركة “نيوميد”  العاملة في حقل “ليفيثان” للغاز الطبيعي، والذي يمتد على الحدود البحرية لإسرائيل ولبنان وفلسطين وقبرص، مع 22.9 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج،  ولذلك فأن “ليفيثان” يعد من أكبر حقول للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، وأحد أكبر الأصول المنتجة في المنطقة. هذا فضلاً عن المنصة التي أنشأتها مجموعة الطاقة الفرنسية في أغسطس الماضي، باعتبارها أول منصة حفر في موقعها في البحر الأبيض المتوسط قبالة ساحل لبنان بالقرب من حدود إسرائيل مع الدولة التي تتطلع إلى بدء عمليات البحث عن الغاز، وهي جميعها أعمال يمكن أن تتوقف وتتعرض لخسائر بالغة إذا استمرت الحرب لوقت طويل.

  • التصنيف الائتماني لإسرائيل: يتم منح التصنيف الائتماني في جميع أنحاء العالم للبلاد والشركات والأشخاص، وهو يحدد قدرتهم على سداد القروض التي يطلبون الحصول عليها، وفي هذا الإطار؛ أعلنت وكالة التصنيف الائتماني الدولية “فيتش” يوم 25/ 10/ 2023 عن وضع التصنيف الائتماني لدولة إسرائيل، والذي يقف عند +A، تحت “مراقبة التصنيف السلبي”، ويرجع ذلك إلى التغير في تصور المخاطر الجيوسياسية في أعقاب مدى حرب “السيوف الحديدية”.

معنى الإعلان هو أن الشركة تعتزم مراقبة التطورات الأمنية في المنطقة بشكل متكرر، وخلال الأشهر الستة المقبلة، في حالة حدوث تدهور كبير في الوضع الأمني، قد تقوم بإجراء تصنيف سلبي. وبدلاً من ذلك، في حالة عدم حدوث التدهور المذكور أعلاه، ستتم إزالة “التتبع السلبي” لا يشكل الإعلان الحالي تخفيضًا أو تخفيضًا لتوقعات التصنيف.

بينما أبلغت وكالة التصنيف الائتماني موديز الحكومة الإسرائيلية أنها لا تنوي في الوقت الحالي تحديث التصنيف الائتماني لإسرائيل، وتأجيل موعد الإعلان عنه، على أن يتم نشره خلال ستة أشهر تقريبًا. ووفقًا للتقديرات؛ من المفترض أن يُشير التقرير إلى تدهور الاقتصاد الإسرائيلي في مجالات النمو والتضخم والاستثمارات في الاقتصاد والبطالة خاصة في ظل تداعيات الوضع الأمني ​​الحالي.  وكانت الشركة قد خفضت توقعاتهم للتصنيف الائتماني لإسرائيل من إيجابية إلى مستقرة خلال شهر أبريل الماضي.

التأثيرات المحتملة على مصر.

على المستوى الاقتصادي

فيما يتعلق بقطاع الطاقة :

– إمكانية تأثر مصر حال تراجع واردات الغاز الإسرائيلي، لاسيما في ضوء المستهدفات الحكومية المصرية بزيادة صادراتها من الغاز المسال خلال الفترة المقبلة لتصديره إلى أوروبا، وهو ما يعززه تحليلات فورين بوليسي، التي أشارت إلى انخفاض الشحنات إلى القاهرة بنحو (20%) في أعقاب إغلاق شركة “شيفرون” لحقل تمار بناء على طلب من السلطات الإسرائيلية.

– ورغم عدم تأثر الاستهلاك المحلي بانخفاض حجم الغاز الإسرائيلي المورد لمصر، والذي يغطيه حجم الإنتاج من الآبار والحقول المصرية، إلا أنه سيؤثر على حجم المصدر من مصر للخارج نسبيا في الوقت الحالي، وقد يتم تعويضه في فترة لاحقة التزامًا بالعقود الموقعة.

تزايد احتمالات رفع أسعار النفط وعرقلة الشحن الدولي في مضيق هرمز الحيوي استراتيجيًا حال مشاركة إيران بشكل مباشر في الصراع، فإنه قد يضر بإمدادات الشرق الأوسط ويؤدي إلى تفاقم العجز المتوقع لبقية العام.

ومن الجدير بالذكر أن التوقعات مازالت تشير إلى استقرار خام برنت في نهاية المطاف بين (90-100) دولار للبرميل في الربع الأخير من عام 2023، ولكن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد يزيد من خطر تجاوز العقود الآجلة لخام برنت حاجز (100) دولار للبرميل، والجدير بالذكر أن الحكومة المصرية تتبع خطة للتحوط ضد مخاطر تقلبات أسعار البترول العالمية، حيث قامت وزارة المالية، بالبدء في إجراء عمليات التحوط بداية من شهر فبراير 2023؛ تماشياً مع بدء انخفاض سعر النفط في الأسواق العالمية.

قطاعي السياحة والطيران : تزايد المخاوف من احتمالات تراجع معدلات السياحة الوافدة لمصر نتيجة نشر الحكومة الإسرائيلية لتحذيرات للسياح الإسرائيليين بمغادرة المدن المصرية، وهو ما يمكن أن يعززه حادث مقتل الإسرائيليين في مدينة الإسكندرية، مع احتمالية استمرار تعليق رحلات الطيران إلى إسرائيل، في ضوء القتال الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.،،

وأخيرًا؛ يمكننا القول بإن الحرب الأخيرة على قطاع غزة تهدد الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي بصورة غير مسبوقة، خاصة في ظل اقتصاد كان يعاني بالفعل من جراء سياسات حكومته الحالية، وانخفاض وتدهور معظم المؤشرات الاقتصادية ومن ثم خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل. ومع ذلك يكمن الخطر الأكبر للانهيار اقتصادي المحتمل في تأثيره المباشر على المواطن الإسرائيلي الذي لم يتعافى بعد من الأثار السلبية لكورونا من ارتفاع اسعار السلع الأساسية وارتفاع معدلات البطالة، ليعود مجددًا ويواجه ارتفاعًا جديدًا في أسعار السلع وارتفاع محتمل في أسعار الطاقة مثل الكهرباء والنفط والغاز الطبيعي. وفي حال استمرت الحرب لفترة طويلة ستضطر الحكومة الإسرائيلية إلى إيجاد ممول خارجي لسد العجز الهائل المتوقع في الموازنة وبالفعل طلبت الحكومة الإسرائيلية من الحكومة الأمريكية دعمًا طارئًا بقيمة 10 مليارات دولار. وقد تضطر أيضًا إلى إعادة توزيع موازنة عام 2024 لزيادة ميزانية الجيش مقابل استقطاعات هائلة في عدد من القطاعات الحيوية التي لها تأثير مباشر على الحياة اليومية للمواطن.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version