أ/ ورده عبدالرازق
شهد التعاون المصري التركي خلال السنوات الأخيرة زخما واضحا في ملفات إقليمية مختلفة، لا سيما الملف الفلسطيني. وفي هذا الإطار، جاءت زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع إلى تركيا في 12 نوفمبر الجاري، لتشكل محطة مهمة لفهم مسار العلاقات الثنائية واستراتيجيات كلا الطرفين في إدارة الملفات الإقليمية الحساسة، في ظل تعقيدات يشهدها الملفان الفلسطيني والسوداني قد تستدعي تحرك مشترك مصري تركي. وعليه، يهدف هذا التحليل إلى استعراض طبيعة اللقاء، وتحديد أبرز النقاط التي اتفق عليها الجانبان، وفهم الرسائل السياسية والإقليمية التي يحملها هذا الاجتماع.
رسائل سياسية مهمة
شهدت الأشهر الفترة الأخيرة تكهنات شتي حول طبيعة العلاقات المصرية التركية وما إذا كان يشوبها التوتر في بعض الملفات، خاصة بعد غياب مصر عن قمة إسطنبول بشأن غزة التي عقدت في 3 نوفمبر الجاري، مما دعا إلى التساؤل عن موقف القاهرة تجاه المبادرات التركية، رغم نفي وزير الخارجية التركي لذلك.
ومن ثم، يشير لقاء وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره التركي إلى قدرة القاهرة وأنقرة على إدارة التخمينات الإعلامية بشكل دبلوماسي فعال، حيث أثبت الطرفان أن غياب مصر عن اجتماع إسطنبول لا يعني بالضرورة توترا في العلاقات، بل مجرد مسألة تفسيرية وسياقية. ومن هذا المنطلق، يظهر اللقاء كخطوة لتعزيز الثقة المتبادلة وإعادة تأكيد القنوات الرسمية للتواصل، مما يعكس وعيا سياسيا لدى كلا الطرفين بأهمية الحفاظ على استقرار العلاقات الثنائية في ظل حساسيات الملفات الإقليمية.
من الناحية الإقليمية، يحمل اللقاء رسائل سياسية واضح؛ أولها التأكيد على استمرار التعاون في الملف الفلسطيني والأزمة الإنسانية في غزة، وهو ما يعكس رغبة مصر وتركيا في الحفاظ على دورهما كمحاور مؤثرة ضمن الوسط الإقليمي. ثانيا، يُظهر اللقاء حرص الطرفين على تنسيق المواقف الدولية، بما يشمل الأمم المتحدة والقوى الكبرى، لتفادي أي تصعيد أو سوء فهم يمكن أن يؤثر على استقرار المنطقة، عقب إرسال الولايات المتحدة مسودة لمجلس الأمن لتشكيل قوات متعددة الجنسيات في غزة، كما يعكس أيضا إدراكا مشتركا بأن التعاون بين القاهرة وأنقرة لا يقتصر على الجانب الثنائي، بل يتضمن أبعادا إقليمية واستراتيجية أوسع.
ملفات اللقاء الرئيسية
شكل اللقاء بين مصر وتركيا فرصة لإعادة التأكيد على الحوار والتنسيق الثنائي، مع التركيز على إدارة القضايا الإقليمية بطريقة دبلوماسية واستراتيجية، وعلى رأس هذه الملفات:
ملف السودان: حيث أكد البلدان أن الحل السياسي الشامل هو الحل الوحيد لتسوية الأزمة حيث تلعب مصر وتركيا دورا كبيرا في دعم الجيش السوداني، كما تتردد أنباء عن دورهما في منع وصول المعدات العسكرية إلى قوات الدعم السريع التي تصل إليهم عبر الأراضي الليبية، فضلا عن دورهما في قطع خط الإمدادات عبر مطار نيالة، خاصة وأن زيارة بدر عبد العاطي لتركيا جاءت عقب زيارة مماثلة للسودان. فالمقاربة المصرية في التعامل مع الملف السوداني تنطلق من عدة مرتكزات أهمها إنهاء النزاع المسلح ووقف التدخلات والحفاظ على سلامة الأراضي، فما يجري في السودان يشكل تهديدا للأمن القومي المصري خاصة بعد سيطرة الدعم السريع على دارفور، خاصة في ظل وجود تجربة سابقة وهي جنوب السودان، وعلى ما يبدو أن تركيا لا تغرد بعيدة عن هذه المقاربة، لأن التوترات التي تجري في السودان تهدد وحدتها كما تحول دون إتمام أي مشروعات تنموية تنوي تنفيذها تركيا في السودان.
التعاون الاقتصادي: حيث أعلن وزير الخارجية التركي عن قرب توقيع الرئيسين المصري والتركي لاتفاقيات مهمة على المستوي الاقتصادي، وذلك خلال اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي المقبل في القاهرة، مما يعزز الشراكة بين أنقرة والقاهرة؛ حيث تستهدف البلدان زيادة حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار، وهو ما أكده أيضا وزير الخارجية المصري خلال تواجده بمقر “اتحاد الغرف والبورصات التركية TOBB “. وفي هذا الإطار، سبق اللقاء تصريحات للسفير التركي في مصر، صالح موتلو شن، أشاد فيها بتطور العلاقات التركية مع مصر، خاصة فيما يتعلق بالشركات الاستثمارية التركية العاملة في مصر.
ملف غزة: حيث جاءت زيارة وزير الخارجية المصري إلى تركيا عقب إعلان الرئيس المصري عن الإعداد لمؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة، بهدف دعوة تركيا إلى حضور الاجتماع دعما للجهود الدولية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، بجانب مناقشة مشروع قرار مجلس الامن حول قوة الاستقرار الدولية في قطاع غزة، في ظل الرفض الإسرائيلي لوجود قوات تركية أو مصرية ضمن قوة الاستقرار، وتنسيق الجهود عقب تلميح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإمكانية فصل قطاع غزة عن الأراضي الفلسطينية، حيث تم التأكيد على ضرورة الربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة لضمان وحدة الأراضي الفلسطينية.
وختاما، أظهر اللقاء حرص مصر وتركيا على الحفاظ على قنوات الحوار المفتوحة، وتنسيق المواقف بشكل استراتيجي، مع التركيز على الرسائل السياسية والإقليمية المشتركة، كما أكد هذا اللقاء على أهمية الحوار المباشر كأداة لإدارة الملفات الإقليمية الحساسة وتعزيز الاستقرار في المنطقة، بما يشكل قاعدة لتعزيز التعاون المستقبلي بين البلدين في مختلف المجالات.

