Close Menu
مركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيممركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيم
    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام يوتيوب RSS
    أحدث المنشورات
    • أبعاد التعاون المصري التركي
    • إفريقيا بين رهانات السيادة وحتمية التكامل القاري: الفضاء نموذجا
    • اتجاهات الصحف الإثيوبية في الداخل (النصف الثانى من شهر سبتمبر)
    • ديناميكيات التغلغل الخليجي والتركي في شرق أفريقيا (4) قطر في مسارات الصراع والكويت عبر التنمية
    • احتفالية المنتدى المصري لتنمية القيم الوطنية بذكرى انتصارات أكتوبر
    • المؤسسة العسكرية الليبية بين مهام لجنة 5+5 واحتمالات التوحيد
    • تنظيم الإخوان المسلمون في القرن الأفريقي بين الطموح الأممي والانقسامات العشائرية
    • السردية الإثيوبية في مواجهة الرؤية المصرية.. كيف رأت بعض شبكات التواصل الاجتماعي في أفريقيا افتتاح سد النهضة؟
    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام يوتيوب RSS
    الخميس, 16 أكتوبر
    مركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيممركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيم
    • الرئيسية
    • الوحدات البحثية
      • وحدة الدراسات الإسرائيلية و الفلسطينية
      • وحدة الدراسات الأفريقية
      • وحدة الدراسات الإيرانية
      • وحدة الدراسات التركية
    • برامج تدريبية
    • إصدارات المركز
      • النشرات الإلكترونية
      • مجلات
    • فعاليات
      • ندوات
    • مكتبة الوسائط
      • مكتبة الصوتيات
      • مكتبة الصور
      • مكتبة الفيديو
    • روابط هامة
    • عن المركز
      • إتصل بنا
    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام يوتيوب RSS
    لإدراج دراسة
    مركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيممركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيم
    الرئيسية » مقاالت مختارة » ليبيا فى مفترق طرق (2) “بين الشرعية والواقع: الميليشيات الليبية كفاعل موازن في المشهد السياسي”
    وحدة الدراسات الأفريقية

    ليبيا فى مفترق طرق (2) “بين الشرعية والواقع: الميليشيات الليبية كفاعل موازن في المشهد السياسي”

    Websie Editorبواسطة Websie Editor1 أغسطس، 2025لا توجد تعليقات
    فيسبوك تويتر بينتيريست لينكدإن Tumblr واتساب البريد الإلكتروني
    شاركها
    فيسبوك تويتر لينكدإن واتساب بينتيريست البريد الإلكتروني

    عبدالله فارس القزاز .. باحث بوحدة الدراسات الإفريقية

    المقدمة

    لم تكن الأزمة الليبية في العقد الأخير مجرّد حالة من الانقسام السياسي أو الصراع على السلطة، بل تحوّلت إلى نموذج مركّب لانهيار الدولة المركزية وصعود القوى غير النظامية، وفي مقدمتها الميليشيات المسلحة. فمنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، دخلت ليبيا في مرحلة من الفوضى الأمنية والمؤسسية، حيث تلاشى الاحتكار الرسمي للعنف، وتصدّرت التشكيلات المسلحة المشهد بوصفها البديل الفعلي للمؤسسات التي انهارت أو شُلت بفعل الانقسامات السياسية. هذه الكيانات، التي بدأت على شكل “كتائب ثورية” متفرقة، سرعان ما اكتسبت نفوذًا واسعًا بفضل قدرتها على فرض السيطرة الميدانية، وانخراطها في الصراعات الكبرى التي عصفت بالبلاد، سواء في الغرب أو الشرق.

    ومع مرور الوقت، لم تعد الميليشيات مجرّد أدوات أمنية أو أطراف ميدانية، بل تحوّلت إلى قوى سياسية واقتصادية قائمة بذاتها، تمتلك شبكات نفوذ متداخلة داخل مؤسسات الدولة وخارجها. وبالتوازي، دخلت أطراف دولية وإقليمية على خط الأزمة، مستثمرة هذه التشكيلات لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، الأمر الذي أضفى على الأزمة طابعًا جيوسياسيًا بالغ التعقيد، زاد من هشاشة الوضع الداخلي، وأعاق فرص بناء مسار سياسي متماسك. وبالتالي، فإن فهم الأزمة الليبية لا يكتمل دون تحليل أبعاد ثلاثية مترابطة: نشأة الميليشيات وتطور أدوارها السياسية، وانخراطها في توازنات الخارج، وتأثير استمرارها على شرعية الدولة واستقرارها.

    ومن هنا تنبع أهمية هذا التحليل، الذي يسعى إلى تقديم قراءة شاملة ومتدرجة، تبدأ من تتبع الجذور الأمنية والسياسية التي أفرزت ظاهرة الميليشيات، مرورًا بكيفية تفاعلها مع الفاعلين الدوليين والسلطات الرسمية، وصولًا إلى الوقوف على آثار هذا الواقع على مسار الاستقرار، وفرص تجاوز مرحلة التشظي المؤسسي التي تعيشها ليبيا.

    أولاً: نشأة الميليشيات وتطور أدوارها السياسية:

    أدى سقوط نظام القذافي في 2011 إلى تفكك المنظومة الأمنية والعسكرية للدولة، ما خلق فراغًا واسعًا سرعان ما ملأته تشكيلات مسلحة نشأت على أسس محلية وأيديولوجية. هذه المجموعات، التي بدأت بوصفها “كتائب ثورية”، تحولت تدريجيًا إلى ميليشيات تمتلك نفوذًا ميدانيًا متزايدًا، مستفيدة من غياب سلطة مركزية وانقسام مؤسسي حاد. ومع مرور الوقت، تجاوز دورها الطابع العسكري، لتصبح جزءًا من المعادلة السياسية والاقتصادية في البلاد.

    في الغرب الليبي، فرضت ميليشيات مصراتة حضورًا مبكرًا وفاعلًا. كتيبتا “الحلبوص” و”المحجوب” برزتا خلال النزاعات الكبرى، خاصة أثناء عملية “فجر ليبيا”، كما دعمتا حكومة الوفاق في مواجهة تقدم قوات حفتر. أما في طرابلس، فقد تعزّز مشهد التعدد المسلح بظهور فاعلين مثل “قوة الردع الخاصة” بقيادة عبد الرؤوف كارة، و”ميليشيا النواصي”، وجهاز دعم الاستقرار الذي تزعّمه عبد الغني الككلي المعروف بـ”غنيوة”، والذي تمكّن من فرض سيطرته على مناطق حيوية في العاصمة، وانتقل من التشكيل المحلي إلى جهاز رسمي بغطاء حكومي.

    في الشرق، اعتمد حفتر على كتائب عسكرية موالية، أبرزها “طارق بن زياد” و”كتيبة 106″، توسع نفوذها تدريجيًا ليشمل الإشراف غير الرسمي أو التدخل في بعض الأنشطة الاقتصادية والخدمية المحلية، خاصة في مناطق نفوذ الجيش شرق البلاد، وفق تقارير محلية ومشاهدات ميدانية، دون وجود تكليف رسمي موثق بإدارة تلك الملفات ، ما عزّز من قبضته الأمنية، لكنه في المقابل عمّق الانقسام الجغرافي والسياسي داخل الدولة.

    بمرور السنوات، لم تبقَ هذه التشكيلات على هامش الدولة، بل جرى إدماج بعض العناصر في أجهزة الدولة بصورة جزئية أو شكلية، من خلال تعيينات أو تسويات إدارية، دون أن يكون هناك مسار مؤسسي متكامل يخضع لرقابة قانونية. وقد مكّن ذلك بعض المجموعات من امتلاك نفوذ رسمي داخل مؤسسات الدولة، ولو بشكل غير مستقر.

    لكن هذا التمركز المسلح داخل العاصمة ولّد حالة من التنافس المفتوح. فالمشهد في طرابلس اتّسم بسيولة أمنية واضحة، مع تكرار الاشتباكات بين جهاز دعم الاستقرار وقوة الردع، إلى جانب مواجهات متقطعة مع لواء 444 وميليشيات أخرى، في ظل غياب قيادة موحدة تُنظّم هذا التداخل المسلح.

    شكّل اغتيال عبد الغني الككلي في مايو 2025 –وفق تقديرات إعلامية وتحليلات محلية  نقطة تحوّل فارقة. فقد تسببت العملية في إحداث خلل فوري في ميزان القوى داخل العاصمة، تبعه تحرك عسكري سريع من قبل اللواء 444 واللواء 111 للسيطرة على مواقع جهاز دعم الاستقرار، وسط غياب موقف رسمي واضح من الحكومة خلال الساعات الأولى، فسّر بعض المراقبين هذا الصمت كإشارة ضمنية إلى قبول أو تواطؤ سياسي، خاصة في ظل توقيت التحركات العسكرية، غير أن ذلك يبقى محل تأويل.

    أعقب ذلك احتجاجات شعبية في طرابلس، مطالِبة بكشف ملابسات الحادث، ومتهمة الحكومة بالتقصير أو التواطؤ في حماية أحد أبرز أذرعها الأمنية. كما دفع الحادث المجلس الرئاسي إلى تجميد صلاحيات الحكومة في الملفين الأمني والعسكري، والدعوة إلى إعادة انتشار المجموعات المسلحة وفق حدود نفوذها السابقة بالإضافة إلى ان  تتولى رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي مراقبة وتقييم الأوضاع وذلك جاء في بيانه الصادر رقم 2 في مايو  لسنة 2025

    في موازاة ذلك، صدرت ردود فعل خارجية تعبّر عن القلق من انفجار الوضع في طرابلس. وأصدرت كل من مصر  والأمم المتحدة بيانات تدعو إلى التهدئة، وطُرحت مبادرات محلية ودولية لوقف إطلاق النار، كما دعت أطراف سياسية ومجتمعية إلى تشكيل لجنة تحقيق محايدة، دون أن يُعلن رسميًا عن تشكيل لجنة ذات طابع مستقل حتى لحظة كتابة هذه الورقة.

    ما حدث أكد أن التوازن القائم بين الميليشيات لا يزال هشًا، وأن السيطرة الفعلية داخل العاصمة تُحدَّد عبر معادلات القوة، وليس عبر مؤسسات الدولة. كما أعاد التذكير بأن هذه التشكيلات تتجاوز دورها الأمني، وتمثل شبكة مصالح متمكنة داخل البُنى الإدارية والاقتصادية، وتعمل على إعادة توزيع النفوذ عند كل تغير ميداني.

    بناءً عليه، يبقى مستقبل الاستقرار رهينًا بإيجاد صيغة توافق واقعية تتعامل مع موقع الميليشيات في المشهد، سواء عبر مسار دمج تدريجي أو آليات تفكيك مدروسة. أما في غياب ذلك، فستظل البلاد عرضة لجولات جديدة من إعادة التموقع بين قوى السلاح.

    ثانياً: الميليشيات بين الفاعلين الدوليين والسلطات الرسمية:

    رغم أن الميليشيات الليبية نشأت في سياق داخلي بحت، إلا أن تفاعلاتها لم تظل حبيسة الإطار المحلي، بل أصبحت جزءًا من شبكة أوسع من التوازنات الدولية والإقليمية. فقد وجدت قوى إقليمية ودولية في هذه المجموعات أدوات لتحقيق النفوذ والمصالح، في وقت افتقرت فيه السلطات الرسمية إلى القدرة الكاملة على ضبطها أو إخضاعها. وهنا تتقاطع حسابات الخارج مع حسابات الداخل، ليشكّل هذا التداخل عاملًا معقدًا يعرقل جهود بناء الدولة ويزيد من هشاشة المؤسسات الرسمية.

    تركيا:

    في هذا السياق، ظهرت أدوار واضحة لبعض الدول في دعم فصائل مسلحة بعينها ، حيث لعبت تركيا دورًا محوريًا في المشهد الليبي، خاصة في دعم حكومة الوفاق الوطني السابقة، مستندة إلى اتفاق التعاون الأمني والعسكري الموقع مع الوفاق في نوفمبر 2019. فعقب توقيع الاتفاق، تصاعد الدور التركي ليشمل تدخلًا عسكريًا مباشرًا عبر إرسال مستشارين عسكريين، وطائرات مسيّرة، وأسلحة نوعية، ما مكّن قوات الوفاق والميليشيات المتحالفة معها من استعادة السيطرة على مناطق كانت تحت قبضة “الجيش الوطني الليبي” بقيادة حفتر، لا سيما خلال معركة طرابلس (2019–2020).

    وشملت أدوات التدخل التركي كذلك الحضور الاستخباراتي في طرابلس، ودعم ميليشيات بعينها، رغم عدم وجود دعم تركي مباشر أو موثق رسميًا لقوة الردع، إلا أن بعض التحليلات تشير إلى أن هذه القوة استفادت من بيئة التمكين الأمني التي وفّرها التدخل التركي في طرابلس خلال 2019–2020، خاصة من حيث إعادة رسم خريطة السيطرة الأمنية في العاصمة.

    وساهم هذا الدعم التركي فى تثبيت نفوذها داخل العاصمة. كما شكّل التدخل التركي ركيزة رئيسية في ترجيح الكفة لصالح المعسكر الغربي في فترة الصراع، خصوصًا في المراحل الحرجة من المواجهة العسكرية.

    كما ارتبطت التحركات التركية بأهداف جيوسياسية واقتصادية، من أبرزها تأمين مصالح أنقرة في شرق المتوسط عبر مذكرة التفاهم البحرية، والتي وفّرت لتركيا موطئ قدم سياسي في ليبيا. ورغم أن الحضور العسكري التركي خفّ نسبيًا بعد وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، إلا أن أنقرة حافظت على نفوذ غير مباشر من خلال التعاون مع شخصيات ومجموعات فاعلة داخل طرابلس، واستمرار التنسيق الأمني الذي سمح لها بالإبقاء على حضور فعلي في المعادلة الليبية.

    فرنسا

    في المقابل قدّمت فرنسا دعماً سياسياً وعسكرياً لخليفة حفتر، وهو ما يعكس انحياز باريس المبكر إلى طرف الشرق الليبي، حيث سعت إلى تثبيت نفوذها عبر دعم شخصية عسكرية مؤثرة ميدانيًا. ويُفهم من هذا الدعم أن باريس كانت تراهن على حفتر كقوة قادرة على فرض الاستقرار وفق رؤية أمنية تتماشى مع مصالحها في الجنوب الليبي وفي مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

     وفي تطور لافت، قامت فرنسا خلال السنوات الأخيرة بعدة تحركات دبلوماسية شملت زيارة مسؤولين إلى بنغازي، وفتح قنوات تواصل غير مباشرة مع أطراف في الغرب الليبي، بما في ذلك بعض الشخصيات المحسوبة على مصراتة. هدفت هذه التحركات إلى إعادة التوازن في علاقات باريس مع مختلف الفاعلين الليبيين، بما في ذلك القوى المحسوبة على التيار الإسلامي التي تمتلك تشكيلات مسلحة محلية. ورغم أن هذه الزيارات لا تشير إلى دعم مباشر لهذه الميليشيات، فإنها تعكس رغبة فرنسية في الانفتاح على مختلف الأطراف وتوسيع هامش الوساطة الفرنسية في ظل التنافس الإقليمي والدولي على الملف الليبي.

    الولايات المتحدة

    وفيما يتعلق بتعامل الولايات المتحدة مع الفاعلين المسلحين في ليبيا، يتسم موقفها الراهن بالحذر والانخراط غير المباشر. فعلى الرغم من دعمها المتواصل للمسار السياسي الأممي، تُركّز واشنطن على محاسبة من يعرقل التقدم السياسي، وهي إشارة ضمنية إلى بعض الميليشيات التي تعطل مسار الانتخابات وتُعمق الانقسام. كما أبدت الولايات المتحدة قلقًا متزايدًا من استمرار انتهاكات حظر السلاح، وعمليات تهريب الوقود، وانتشار الفساد، وهي مظاهر ترتبط غالبًا بنشاط الجماعات المسلحة خارج سلطة الدولة. وفي هذا الإطار، دعت واشنطن إلى تفعيل آليات الرقابة الدولية، وتعزيز دور لجنة العقوبات بمجلس الأمن، مع تأكيدها على عدم الانزلاق إلى تدخل عسكري مباشر، مفضلة استخدام أدوات الضغط السياسي والدعم الفني لضبط سلوك الميليشيات.

    غير أن هذا الحذر الحالي لا يُمكن فصله عن تدخلات أمريكية سابقة أسهمت في إعادة تشكيل المشهد الليبي. فقد كان لحلف الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، دور حاسم في شن الهجمات الجوية عام 2011 التي أدت إلى إسقاط نظام القذافي، مما فتح الباب أمام حالة من السيولة الأمنية وتفكك مؤسسات الدولة. كما نفذت قوات “أفريكوم” الأمريكية عدة ضربات جوية خلال دعمها لحكومة الوفاق الوطني، خاصة في إطار عملية “البنيان المرصوص” ضد تنظيم داعش في سرت. في المقابل، رفضت واشنطن العملية العسكرية التي شنّها الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر على طرابلس عام 2019، والتي استهدفت ميليشيات فجر ليبيا.

    يعكس هذا التباين في المواقف أن الولايات المتحدة تتعامل ببراغماتية مع الفاعلين المسلحين، وفقًا لحسابات محلية ودولية تتعلق بمحاربة الإرهاب، منع الفوضى، والحفاظ على توازنات لا تسمح بتمدد قوى منافسة كروسيا أو غيرها. وهو ما يُفسر سعيها لتحقيق حد أدنى من الاستقرار، دون الانخراط العسكري المباشر، ولكن من خلال توظيف أدوات الضغط السياسي والدبلوماسي.

     روسيا

    في المقابل برزت روسيا كفاعلٍ دولي مؤثّر في المشهد الليبي، عبر تموضعٍ جيوسياسي متقدّم في مناطق استراتيجية، لا سيّما في الشرق والجنوب. وقد توطدت علاقتها مع خليفة حفتر منذ عام 2017، حين ظهر على متن حاملة الطائرات الروسية “الأدميرال كوزنيتسوف”، وتكررت زياراته إلى موسكو لاحقًا، ما يعكس تحالفًا متقدّمًا رغم الخطاب الروسي المعلن عن الحياد ودعم الحوار.

    وقد استخدمت روسيا أدوات غير رسمية لتوسيع نفوذها، من أبرزها مجموعة “فاغنر” التي تمركزت في سرت والجفرة إبّان هجوم حفتر على العاصمة طرابلس في 2019–2020،   كما سعت روسيا، عبر أدواتها غير الرسمية مثل مجموعة “فاغنر” وشبكات من المقاولين وشركات واجهة، إلى توسيع نفوذها في مناطق استراتيجية تشمل سرت ومرزق، وذلك من خلال التقرب من مراكز النفط والبنى التحتية، وإن لم تُعلن صفقات رسمية بهذا الخصوص من الجانب الليبي حتى الآن

    وتُظهر تحركات موسكو في ليبيا تشابهًا مع أنماط تدخلها في أوكرانيا وسوريا، حيث تستغل اضطراب السياقات السياسية لتعزيز الحضور عبر وسائل غير تقليدية، وفي الوقت ذاته تؤكد دعمها للحوار السياسي، وقد أعادت افتتاح سفارتها في طرابلس عام 2023. ورغم الاتهامات الغربية المتكررة لروسيا باستخدام أدوات “النفوذ الهجين”، فإن موسكو تنفي وجود قوات أو طيران عسكري رسمي لها داخل ليبيا، وتقدّم دعمها بوصفه استجابة لدعوات رسمية من أطراف محلية.

     وتندرج هذه المقاربة الروسية ضمن نمط أوسع من التنافس الدولي في ليبيا، تشارك فيه قوى إقليمية ودولية أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وتركيا والإمارات، كلٌ وفق مصالحه وأدواته، في ظل غياب مشروع وطني موحّد

     كما أتاح هذا التوازن الهش للمجموعات المسلحة هامشًا واسعًا من الحركة والمناورة، إذ باتت تلعب على التناقضات بين الفاعلين الخارجيين للحصول على مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية. وهو ما حوّلها من مجرد أداة صراع داخلي إلى ورقة ضغط عابرة للحدود.

    في ظل ذلك، لم تعد السلطات الرسمية قادرة على احتكار العنف المشروع، وباتت عاجزة عن وضع حد لتغوّل هذه التشكيلات، نظرًا لارتباطاتها المعقدة مع الأطراف الدولية، ولغياب إرادة سياسية موحدة داخل مؤسسات الحكم نفسها.

    وهكذا، أصبح مصير الدولة رهينًا ليس فقط بتفاهمات محلية بين قوى السلاح، بل أيضًا بمزاج القوى الداعمة خارجيًا، ما يجعل أي حل جذري مشروطًا بإعادة تعريف دور هذه الفصائل، داخليًا وخارجيًا، ضمن إطار سيادي جامع.

    ثالثاً:  تداعيات استمرار الميليشيات على الشرعية والاستقرار:

    إن استمرار وجود الميليشيات كقوى موازية، بل ومتفوقة أحيانًا على مؤسسات الدولة الرسمية، يمثل تهديدًا مباشرًا لفكرة الشرعية والاستقرار في ليبيا. فهذه الكيانات، بما تملكه من نفوذ وسلاح،رغم أنها ليست كيانًا موحدًا، إلا أن المجموعات المختلفة تتقاسم السيطرة وتفرض نفوذها بشكل متوازٍ، تفرض منطقها وتُعيد تشكيل التوازنات بحسب مصالحها، وهو ما يقوّض أي جهود لبناء دولة القانون أو التوصل إلى تسوية سياسية دائمة. وعليه، يصبح تحليل الآثار المتراكمة لوجود هذه الميليشيات أمرًا ضروريًا لفهم معضلة الاستقرار في ليبيا ومستقبل الحل السياسي.

    أولًا، إضعاف مؤسسات الدولة الرسمية: تعمل الميليشيات في كثير من الأحيان بشكل موازٍ أو بديل لأجهزة الدولة، سواء في المهام الأمنية أو في التحكم بالمرافق الحيوية، مما يفرغ مؤسسات الدولة من مضمونها، ويُضعف من قدرتها على فرض سيادتها. فعندما تحتكر جماعات مسلحة القرار الأمني أو الاقتصادي في مناطق سيطرتها، تصبح الدولة عاجزة عن بسط نفوذها أو فرض القانون، الأمر الذي يرسخ الانقسام ويطيل أمد الفوضى.

    ثانيًا، تفكك المرجعية القانونية والسياسية*: مع تعدد القوى المسلحة وتضارب ولاءاتهم، تتآكل فكرة “المرجعية الواحدة” التي يُفترض أن تُمثّلها الحكومة الشرعية أو السلطة المركزية. فالميليشيات لا تلتزم بالضرورة بمخرجات الاتفاقات السياسية أو مسارات التسوية، بل قد تعرقلها إذا تعارضت مع مصالحها. وهذا ما يجعل الالتزام الجماعي بأي حل سياسي هشًا وقابلًا للانهيار في أي لحظة.

    ثالثًا، تشويه العملية الانتخابية وتقويض المسار الديمقراطي: في ظل النفوذ الواسع للميليشيات، تصبح العملية الانتخابية عرضة للتدخل، سواء بالترهيب  أو شراء الولاءات مما يهدد نزاهتها. وقد أفضى ذلك إلى عزوف قطاعات من الشعب عن المشاركة السياسية، وفقدان الثقة في أدوات التغيير السلمي، مما يُعيد إنتاج الأزمة بدلًا من حلها.

    رابعًا، استمرار الانقسام الأمني والسياسي: يساهم بقاء الميليشيات كقوى مستقلة في تغذية حالة الانقسام بين الحكومات المتنازعة على الشرعية، إذ تمثل هذه الجماعات أذرعًا محلية لجهات سياسية أو خارجية، تُستخدم لترجيح كفة طرف على آخر. وبدلًا من بناء مؤسسة عسكرية موحدة، يتكرس واقع التعدد والتشرذم، وتبقى ليبيا عرضة للصراعات الدورية.

    خامسًا، إطالة أمد التدخلات الخارجية : وجود الميليشيات وارتباط بعضها بالخارج يجعل من ليبيا ساحة مفتوحة للتدخلات الإقليمية والدولية. فكل طرف خارجي يسعى لدعم وكلائه على الأرض، ما يضاعف من تعقيد المشهد ويجعل الحل أكثر صعوبة، خاصة مع تزايد التنافس الجيوسياسي حول النفوذ والثروات.

    ختاماً: إن استمرار الميليشيات بوصفها قوى أمر واقع في ليبيا يعكس فشلًا مركبًا على المستوى المؤسسي والسياسي، ويُعبّر عن خلل بنيوي في آليات إدارة المرحلة الانتقالية. ومع أن بعض التشكيلات جرى دمجها جزئيًا في مؤسسات الدولة، إلا أن تأثيرها ظل قائمًا كشبكة مصالح تتجاوز الانضباط القانوني أو السياسي. وتؤكد المعطيات الراهنة أن أي استقرار حقيقي في ليبيا سيظل مرتهنًا بإعادة تعريف دور هذه المجموعات ضمن إطار سيادي شامل، لا يقف عند حدود الدمج أو الحل الأمني، بل يتجاوز إلى إعادة بناء المنظومة السياسية والأمنية برؤية تشاركية. كما أن الدور الدولي سيبقى عنصرًا حاسمًا، سواء في تفكيك شبكة الارتباطات الخارجية للميليشيات أو في توفير مظلة توافقية لمسار سياسي جامع. وعليه، فإن التحوّل من الفوضى إلى الاستقرار لن يتم إلا عبر هندسة أمنية مدروسة تعيد الاعتبار لسلطة الدولة، وتفتح الباب أمام مرحلة انتقالية حقيقية تقود إلى بناء مؤسسات شرعية قادرة على احتكار أدوات القوة وفق قواعد ديمقراطية راسخة.

    المصادر

    1.محمد فوزي. “معضلة مستعصية: ما أبعاد تجدد الاشتباكات الميليشياوية في الغرب الليبي؟” المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 2025.

      https://ecss.com.eg/45257/

    2.عماد الدين بادي ،استكشاف الجماعات المسلحة في ليبيا: رؤى حول إصلاح القطاع الأمني في بيئة هجينة. جنيف: مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن (DCAF)، 2021.

    3  . سناء السعيد حسن ، إشكاليات بناء الدولة في ليبيا 2011 – 2022، المركز الديمقراطي العربي ،9/9،2024. https://democraticac.de/?p=99780

    4.تنافس أوروبي:تأثيرات الدور الفرنسي في جهود التسوية الليبية ، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، 19/9/2017.  https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/3254/

    5.تقارُب بين تركيا وشرق ليبيا.. الدوافع والدلالات والآثار ، مركز إبعاد لدراسات الاستراتيجية ، 10/4/2025.https://dimensionscenter.net/ar/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1

    6.فاطِمة سُليمان ، واقع ومستقبل العلاقات التركية – الليبية في ظل تحول السياسة الخارجية التركية ، المركز الديمقراطي العربي ، 13/6/2024. https://democraticac.de/?p=97857

    7.هنا داود ، التواجدُ التركي في ليبيا: محددات وآفاقٌ جديدة ، مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الازمات ، 31/8/2024. https://shafcenter.org/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d9%84%d9%8a%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d9%85%d8%ad%d8%af%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a2%d9%81%d8%a7%d9%82-%d8%ac/

    8. عبدالله فارس القزاز ، تأثير اغتيال غنيوة على الاستقرار و توازن القوى في غرب ليبيا ، مجلة السياسة الدولية ، 21/5/2025 ،

    https://www.siyassa.org.eg/News/22013.aspx?fbclid=IwY2xjawL18VJleHRuA2FlbQIxMQABHsTtv6A8UjGL9UUFveCo3fSnLR86o3aFUDtpp1olD_Vnn-yvNHTR9Dmv6g5f_aem_LR5QQjH0sWITVJ6udHUuRQ

    9.رضوى الشريف ، التحرُّكات الرُّوسية في ليبيا: الدوافع والأدوات ، مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الازمات ، 6/1/2024.

    https://shafcenter.org/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8F%D9%91%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8F%D9%91%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%81/

     

    10 . .خالد خميس السحاتي ، الولايات المتحدة والأزمة الليبية.. كيف تغيرت المواقف مع تعاقب الإدارات؟ ، مجلة السياسة الدولية  ، 18/8/2022.

     

    #ميليشيات ليبيا
    شاركها. فيسبوك تويتر بينتيريست لينكدإن Tumblr واتساب البريد الإلكتروني
    Websie Editor

    اترك تعليقاً
    اترك تعليقاً إلغاء الرد

    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام يوتيوب RSS
    • دراسات
    • تحليلات/ تقديرات موقف
    • تقارير
    • مقالات رأي
    • ملفات خاصة
    © 2025 كافة الحقوق محفوظة. تصميم وبرمجة شركة بيو فري للحلول المتكاملة.

    اكتب كلمة البحث ثم اضغط على زر Enter