بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فى سوريا والعراق، بدأ التنظيم يبحث عن مناطق أخرى تكون نقطة انطلاق لعملياته الارهابية وموطن للتنظيمات الإرهابية التى تنتمى له، وتجميع قدراته للعودة مجددًا من خلال القارة الأفريقية

وكانت بداية تنظيم “داعش” الحقيقية فى القارة السمراء منذ أن أعلن زعيم داعش السابق أبو بكر البغدادى عن قيام ما أسماه بولاية “وسط أفريقيا “، لتقود عمليات التنظيم فى وسط وشرق وجنوبى القارة، وذلك فى محاولة منه لإنعاش تنظيمه المتهالك خارج حدود سوريا والعراق، وقد شهد التنظيم نمو فى أفريقيا عقب خسارته وجذب للعديد من الشباب الأفريقى، وتطور ملحوظ فى قدرته العسكرية ومكاسبه فى السيطرة على الاراضى

وعلى الرغم من تواجد التنظيمات المتطرفة فى أفريقيا قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بسنوات ، إلا أن أكبر هذه التنظيمات وأكثرها خطورة بايعت تنظيم داعش وأعلنت إنتمائها له وذلك مثل تنظيم بوكو حرام عام 2015 بحسب ما أعلن المتحدث السابق باسم داعش أبو محمد العدنانى الشامى، كما أعلنت حركة الشباب فى موزمبيق مبايعتها لداعش فى إبريل 2018، وأعلنت جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة فى الكونغو مبايعتها لداعش فى 2017، كما أنه لوحظ نشوء جماعات إرهابية صغيرة موالية لداعش بمناطق مختلفة فى أفريقيا

أرشيفية

وبحسب مركز غرب أفريقيا لمكافحة التطرف فى تقرير له عام 2018 أن نحو 6 آلاف عنصر ينحدرون من دول غرب أفريقيا، الذين قاتلوا مع داعش فى العراق وسوريا ، عادوا إلى ديارهم بعد انهيار الخلافة التى أعلنها التنظيم، وقد انضم عدد كبير من هؤلاء العائدين الذين يتمتعون بخبرات قتالية وتنظيمية عالية إلى داعش فى الصحراء الكبرى أو غرب أفريقيا، ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمى لعام 2020 (GTI)، أن هناك 7 من أصل 10 دول شهدت أكبر زيادة فى الإرهاب فى غرب إفريقيا والساحل وهى: بوركينافاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا ومالى والنيجر والكاميرون.

لماذا أفريقيا…؟

لم يكن اختيار تنظيم داعش لأفريقيا لإعادة قوته مرة أخرى قرار عشوائى، بل كان لأسباب داخلية متعلقة بالدول الأفريقية نفسها من عدم وجود رقابة وسيطرة على الحدود بين الدول الأفريقية، لا سيما فى منطقة الساحل والصحراء ، والطبيعة الصحراوية لهذه الدول مما يسهل انتقال الارهابيين، وتهريب السلاح واختطاف الرهائن، فضلًا عن سوء الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر وعدم تقاسم الثروة والسلطة بشكل عادل، وتهميش بعض المناطق بشكل يسهم في زيادة حالة الاستقطاب، وذلك فى الوقت الذى تفتقر فيه الجيوش الأفريقية للقدرات العسكرية المتطورة، وتكوينها على أساس اثنى مما يزيد من انقسامها وإنشغالها بالانقلابات العسكرية أكثر من مواجهة الارهاب

أما الأسباب الخارجية فتتمثل فى الصراع السياسى الدائر فى ليبيا وإصرار بعض الدول على دعم المرتزقة وتصديرهم لليبيا ما أدى إلى تمركزهم فى هذه الدولة والعبور لدول الساحل الأفريقى حال تهديدهم، بشكل جعل قارة أفريقيا بكاملها مليئة بالتنظيمات المتطرفة، وعرضة لتطلغات هذه التنظيمات إنشاء الدولة البديلة لدولة داعش المزعومة، فضلًا عن استمرار بعض الدول فى دعم الإرهاب فى أفريقيا لتحقيق مصالحهم الخاصة من خلال توفير التمويل

مستقبل داعش فى أفريقيا بعد مقتل زعمائه

شهد عام 2021 سقوط عدد من قيادات داعش فى أفريقيا أبرزهم أبو وليد الصحراوى زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى” الذى قتلته القوات الفرنسية، ومقتل أبومصعب البرناوى زعيم تنظيم “بوكوحرام” الإرهابى، فى 15 أكتوبر الجارى (2021) و“مالام باكو” الذى خلفه ، وعلى الرغم من تسبب قتل القيادات فى حالة من الإرتباك بين صفوف التنظيم، إلا أنه سرعان ما استطاع التنظيم التماسك والاستمرار فى نشاطه واستقطاب العديد من الشباب الافريقى وتجديد قيادته، بالشكل الذى يمكن معه القول أن مقتل زعماء داعش فى أفريقيا أضعفه ولكنه لم يقضى عليه، وذلك لأن تنظيم داعش بشكل خاص والتنظيمات الإرهابية بوجه عام دائمًا ما تضع احتمال لمقتل زعمائها والبدائل عنه

أبو وليد الصحراوي- أرشيفية

وقد دخل داعش في الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا مرحلة إعادة تنظيم نشاطه فى المنطقة بعد أن سيطر على معظم أجزاء ولاية بورنو شمال شرقى نيجيريا بما فيها مناطق فى حوض بحيرة تشاد، واكتمال القوس مع معاقله فى الصحراء الكبرى، موزمبيق، التى من المتوقع أن تتصدر المشهد العالمى للطاقة بفضل الاكتشافات الهائلة للغاز، والتى باتت مهددة جراء تمدد “داعش” فى جنوب شرقى القارة الإفريقية، خاصة أن داعش يسعى لإعادة توحيد هذه المنطقة وتقسيمها إلى ولايات فى كل من بحيرة تشاد، وتمبكتو (شمال مالى)، وتومبوما (غينيا). وغابة سامبيسا، تحت قيادة مركزية فى بورنو

ومع ذلك تتعارض أولويات القيادة المركزية مع أولويات الأفرع المحلية، غير أن الأولى تحرص على فرض رؤيتها الخاصة واستبعاد القيادات المخالفة لها من قيادة الأفرع، وهو ما ترتب عنه وقوع تصفيات داخلية من أجل سيطرة القيادات القادمة من الخارج على داعش فى الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا، وقد نشهد إعادة تمدد التنظيم فى دول أخرى، فضلًا عن احتمالية إصطدامه بالتنظيمات الموالية للقاعدة خاصة فى شمال مالى، وتعزيز وجوده بشكل أكبر فى المناطق الغابوية حيث يتوقع أن يقترب مسرح عمليات الإرهابيين من المحيط الأطلسى.

هل يتدخل المجتمع الدولى لوقف تمدد الإرهاب فى أفريقيا… ومدى تأثير التنافس الدولى على مستقبله…؟

وسط مخاوف دولية من تصاعد وتيرة الإرهاب فى أفريقيا خاصة بعد إعلان فرنسا إنهاء عملية التدخل العسكرى المباشر فى مالى “برخان”، والفشل فى القضاء على الإرهاب فى الساحل والصحراء، هذه المخاوف عبر عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فى رسالة وجهها إلى مجلس الأمن الدولى، بأن حلف شمال الأطلسى”الناتو” يدرس خيارات لزيادة الدعم للقوة متعددة الجنسيات لمكافحة الإرهاب فى دول الساحل الخمس.

أرشيفية

كما أن الاتحاد الأوروبى أعلن تدخله على خط الحرب ضد “داعش” فى موزمبيق جنوب شرقى إفريقيا، بعد مؤشرات مقلقة على تمدد التنظيم الإرهابى هناك حيث سيكون التدخل الأوروبى فى موزمبيق على شكل بعثة عسكرية ستتولى تدريب وحدات الجيش على محاربة الإرهابيين حيث ينشط “داعش

ومع ذلك من الواضح أن التحركات الدولية لمواجهة الإرهاب خاصة ما يتعلق بالتدخل المباشر أثبتت عدم فاعليتها بل فى كثير من الأحيان يزيد من حالة الاستقطاب ويترتب عنه زيادة العمليات الإرهابية وانضمام الشباب الافريقى لهذه التنظيمات، فضلًا عن زيادة عدد الضحايا والنازحين واللاجئين مما يزيد من حالة عدم الاستقرار السياسى، مما يطرح التساؤلات حول ماهية هذه التدخلات خاصة أنها لم تستثمر فى مبادرات السلام والتنمية والتعليم والعمل على مواجهة الفقر أحد الاسباب الرئيسية لانتشار الإرهاب فى أفريقيا.

كما أن هذه التحركات تتأثر بالتنافس الدولى على القارة الافريقية وذلك بين دول تدعم التنظيمات الإرهابية لخدمة أهدافها، أو دول يحقق لها استمرار الارهاب فى أفريقيا مكاسب كبيرة سواء من السيطرة على هذه الدول، أو دول تسعى بشكل فعلى لموجهة الارهاب وذلك بسبب الخوف من تأثيره عليها

دور مصر فى مكافحة الارهاب بعد رئاستها للسيسا

تدرك الدولة المصرية ضرورة التصدى للتنظيمات الارهابية فى القارة الافريقية، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابى ، وذلك لان الإرهاب عابر للحدود، ولا يرتبط بدولة بعينها، لذك أتت هذه الجهود لإضعاف هذه التنظيمات ووقف تمددها ، وقد اتخذت الدولة المصرية فى سبيل ذلك خطوات متعددة منها تفعيل “مركز مكافحة الإرهاب لتجمع دول الساحل والصحراء”، فى إطار الجهود لدعم قدرات الدول الإفريقية على مواجهة هذه التنظيمات، فضلًا عن رئاستها للجنة أجهزة الأمن والاستخبارات الإفريقية (السيسا)، ودور هذه اللجنة المنتظر فى تعزيز الاستقرار السياسى فى إفريقيا ومراقبة تنظيم «داعش» الإرهابى وتقديم المعلومات التى يتم رصدها إلى الاتحاد الإفريقى، لمساعدة أجهزة الأمن والمخابرات بإفريقيا فى مواجهة الإرهاب، ولكى تستطيع هذه اللجنة اداء المهام المنوطة بها فى مواجهة تنظيم داعش يجب تبادل المعلومات بشكل حقيقى بين الاجهزة ووضع إستراتيجية مشتركة لمواجهة الارهاب والعمل على ضبط الحدود.

وأخيرًا يسعى تنظيم داعش فى أفريقيا الفترة الحالية لاستعادة قوته وتنظيم صفوفه، لذلك فأنه يجب أن يكون هناك تحرك إقليمى لمواجهته ووضع خطة عمل مشتركة لمكافحة الإرهاب والتطرف وتوافر الإرداة السياسية لمواجهته وعدم انتظار اكتمال إعادة هيكلة التنظيم لنفسه، والذى إذا حدث سوف تصبح أفريقيا موطن للجماعات الإرهابية بالشكل الذى يهدد إستقرارها السياسى ويعيق عمليات التنمية والنمو الاقتصادى الذى بدأت تخطو معظم دولها نحوه.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version