يحتفل الشعب المصري هذه الأيام بمرور 48 عامًا على انتصارات الجيش المصري في السادس من أكتوبر عام 1973، هذا النصر الذى سيظل خالدًا في تاريخ مصر والأمة العربية بعد أن أعاد للأمة كرامتها، وللقوات المسلحة كبريائها ومجدها، بطولات حققها رجال القوات المسلحة في ملحمة عسكرية وإرادة وطنية نادى بها الشعب المصري وقرار جرئ تحمل مسؤوليته قائد عظيم هو بطل الحرب والسلام الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وإعلام ناضج ساهم في بناء الوعي الشعبي بمتطلبات المرحلة، وعبر التاريخ عندما كانت تراهن القيادة السياسية على قيم الولاء والانتماء للشعب المصري كانت تحصد الانتصارات.

ولعل أهم ما يمكن أن نذكره من الدروس المستفادة لبطولات حرب أكتوبر 1973 هي وجود إرادة سياسية وقيادة جريئة قادرة على اتخاذ القرار وشعب واعي للتحديات والمخاطر التي تواجه أمته، حيث بدأ التخطيط للحرب والاعداد النفسي والمعنوي وتنفيذ خطة الخداع الاستراتيجي التي شاركت فيها كل مؤسسات الدولة في منتصف عام 1972، مع وجود قائد جرئ اتخذ قرار الحرب وتحمل مسؤوليته ووضع روحه فداء لوطنه، وقد غامر باتخاذ هذا القرار الذى يتحمل مسئوليته منفردًا ولو جاءت النتائج على غير هوى الشعب المصري والأمة العربية لكان مسئولاً وحيدًا عن هذا القرار، وبنفس قوة البصيرة اتخذ الرئيس الراحل قرار السلام وأيضاً تحمل مسئوليته وواجه الأصدقاء والأشقاء بكل شجاعة حماية لوطنه وشعبه، وأيضاً لو لم يتمكن من استعاده شبه جزيرة سيناء المحتلة لم يكن ليغفر له الصديق والشقيق تلك النتائج، فرحمة الله عليه كان ذو بصيره وصاحب قرار، ورجل دولة تعلم أين وكيف ومتى يتخذ القرار الذي يحقق أهداف الأمن القومي.

ارشيفية

واليوم غامر قائد بحياته ليتخذ قرار بإعادة الهوية والانتماء والولاء والثقافة الوطنية المصرية التي كادت أن تنهار نتيجة مخططات أجنبية استهدفت تهديد الأمن القومي المصري فوقف الرئيس / عبدالفتاح السيسي خلف الشعب المصري لتحقيق أهداف ثورته المجيدة في 30 يونيو، وقدم روحة فداء لوطنه، متوكلاً على الله، ومعتمداً عليه ثم على مساندة شعب مصر العظيم لمواجهة المخاطر والتهديدات التي تعرضت لها البلاد، وقيادة السفينة للعبور من  أمواج التطرف والإرهاب، التي كادت أن تعصف بمقدرات ومستقبل الدولة المصرية، أعقبها بقرارات استراتيجية للحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، وصولاً إلى تنفيذ العديد من المشروعات القومية التي تحقق الرفاهية الاقتصادية للشعب المصري، وهذه المشروعات بدأت بقرار تحرير السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي كان لها أثر كبير على الطبقة المتوسطة التي تمثل عماد المجتمع المصري.

ورغم أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب العسكرية بين العرب وإسرائيل التي شهدت معارك بالأسلحة المشتركة الحديثة، إلا أن ذلك لم يمنع بعض القوى الإقليمية والدولية من التخطيط لأنواع أخرى من الحروب التي تستهدف اسقاط الدول المركزية وانهاك أجهزتها ومؤسساتها، والقضاء على ركائز حكمها (الجيش – الشرطة – القضاء)، وقد حاول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الإيحاء بعدم تحقيق الجيش المصري لانتصار في حرب السادس من أكتوبر، وهو يستهدف من خلال تصريحاته التأثير في جيل الشباب، لأن الحروب تعددت أشكالها، وما هذه الإيحاءات والإشارات إلا جزء من حروب الجيل الرابع التي يعمل فيها العدو على التشكيك في انتصار العرب في حرب السادس من أكتوبر، ومحاولة الإيحاء بأن الجيش الإسرائيلي انتصر في هذه الحرب، وأرد عليه بما ورد في تقرير لجنة إجرانات، وهي اللجنة القضائية التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية قبل انتهاء الحرب، والتي أدت نتائج تحقيقاتها إلى إقالة رئيسي أجهزة الاستخبارات العسكرية والموساد، والعديد من القيادات العسكرية، إلا أن الشعب الإسرائيلي رفض ذلك وطالب بإقالة وزير الدفاع ورئيسة الوزراء “جولدا مائير”، وليس من المنطقي أن تتم إقالة وزير الدفاع ورئيس الأركان ورؤساء أجهزة المخابرات والأمن إذا كان الجيش الإسرائيلي منتصرًا.

وقد حرصت مصر بعد ثورة 30 يونيو على امتلاك قوة الدفاع والردع العسكري للحفاظ على السلام وحماية وتأمين سلامة أراضي الدولة وأهدافها الحيوية، خاصة بعد أن أفاض الله على مصر بالعديد من الاستكشافات البترولية والغاز في المياه الاقتصادية الخالصة (حقل ظهر للغاز)، والتي تعد خطوة نحو تحقيق التنمية الشاملة وبناء اقتصاد قوي قادر على تحقيق الرفاهية الاقتصادية للمواطنين، وتحقيق التنمية الشاملة للمجتمع المصري وتعظيم قدراته الذاتية في إطار التقاليد الراسخة لضمان تماسك المجتمع المصري، ولعل مشروع حياة كريمة ومشروع تنمية الريف المصري يشكل خطة طريق نحو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وتدعيم قيم الولاء والانتماء داخل أوساط الشعب المصري.

الجيش المصري -أرشيفية

وهنا يبرز تساؤل، هل انتهت المخططات والمؤامرات التي تستهدف الدولة؟، والحقيقة أنها لازالت تواجه تحديات كبري نتيجة تبني بعض القوى الإقليمية و الدولية لاستراتيجية حرب المعلومات لإشاعة الفوضى والتأثير على استقرار الإقليم، ومحاولة إرساء قواعد جديدة للتدخل في شؤون الدول تحت مسمى مكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات المهمشة، فضلاً عن اعتماد بعض الدول لخطط تهدف إلى زعزعة استقرار الإقليم، بما يؤدي لانهيار ركائز الحكم في الدولة المركزية وإنهاك مؤسساتها خاصة الأمنية والعسكرية، مع استمرار تمويل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية لنشر الفوضى، واستغلال وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المشبوهة في تشكيل توجهات الرأي العام بما يخدم أجندات خارجية، فضلاً عن دعم الجماعات الإرهابية والحركات المتطرفة والتنظيمات الطائفية، ونشرها ببعض دول الإقليم، مع العمل على اضعاف قيم الولاء والانتماء في الدولة والتأثير في منظومة القيم الدينية والاجتماعية، بما يسمح بتمرير أية أفكار ومعتقدات يمكن أن تسهم في التدمير الذاتي للقوى الاجتماعية والمكون المدني داخل المجتمع كبديل للقضاء على القوى العسكرية التي يمكن أن تكلف القوى الكبرى موارد كبيرة وخسائر بشرية يصعب تعويضها، ويلجأ بدلاً من ذلك لحروب الجيل الرابع التي تعتمد على الإنهاك والتآكل البطيء لمقومات المجتمع وقدراته.

حفظ الله مصر.. وبارك شعبها العظيم

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version