شهدت الليرة التركية تراجعاً قياسياً متأثرة بعدم التيقن بشأن الضغوط لخفض سعر الفائدة بدرجة أكبر وبإرتفاع الدولار بشكل عام ، وواجهت الليرة التركية انخفاضاً يقارب 18% أمام الدولار الأمريكى منذ بداية العام الجارى 2021 مما فاقم ارتفاع التضخم الذى بلغ 20% فى العام 2021 .

وترجع أسباب انهيار الليرة التركية إلى الآتى :

عزل محافظين البنك المركزى التركى ومساعديهم

بعد خمسة شهور على تعيينه بقرار رئاسى ، أقال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان محافظ البنك المركزى ” ناجى أغبال ” وعين بدلاً منه ” شهاب كافجى أوغلو ” وجاءت إقالة نائبى المحافظ ” سميح تومان ” و ” أوجور ناميك كوجوك ” وكذلك عضو لجنة السياسة النقدية ” عبد الله يافاش ” بعد إجتماع مغلق عقده أردوغان مع رئيس البنك المركزى الحالى ” شهاب كافجى ” مساء يوم الأربعاء 13 / 10 / 2021 .

وقد أثرت تلك القرارات بشكل مباشر وسريع على حركة الأسواق التركية ولاسيما أسعار أسعار صرف الليرة التركية ومؤشرات البورصة حيث قدرت وسائل الإعلام المحلية أن المستثمرين المحليين فى أسواق المال التركية باعوا ما قيمته 6 مليارات دولار من الذهب والعملات الأجنبية فى يوم واحد بعد قرار أردوغان مما تسبب فى تراجع سعر صرف الليرة والتى خسرت 17 % من قيمتها فى أول جلسة تداول مع تصاعد حالة القلق داخل أوساط المستثمرين حيال تدخل الرئيس التركى فى سياسات البنك المركزى ورغبته فى خفض سعر الفائدة .

وفى هذا الصدد صرحت ” سيلفا دميرالب ” مديرة منتدى البحوث الاقتصادية بجامعة كوتش والخبيرة الاقتصادية السابقة فى مجلس الاحتياطى الاتحادى الأمريكى ” هذة التبديلات المتكررة لأعضاء لجنه صنع القرار بالمركزى التركى تعطى إشارة بأن المركزى التركى ليس مستقلاً  ويخضع للضغوط السياسية وأن هذا الأمر يعمل على إضطراب حركة الأسواق وفقدان الثقة فيها ” .

صورة أرشيفية

خفض سعر الفائدة على الليرة التركية

أصدر البنك المركزى التركى قراراً بخفض سعر الفائدة على الليرة التركية بقيمة 100 نقطة أساس لتصل إلى مستوى 18% بدلاً من 19%  ووصف المستثمرون هذا الخفض بأنه ” خفض حذر ” إلا أنه يعطى إشارات للمستثمرين حول توجه السياسات المالية التركية وأنه بداية لمزيد من الخفض تماشياً مع رؤية أردوغان نحو عملية الإصلاح الاقتصادى والتى تتمحور حول مزيد من خفض سعر الفائدة حيث وصفها بأنها ” مصدر كل الشرور ” .

 وهنا لابد من ربط قرار المركزى التركى بخفض سعر الفائدة بقرار البنك الفيدرالى الأمريكى بالتوجه نحو زيادة سعر الفائدة على الدولار الأمريكى ما عمل على إعطاء دفعه للدولار وزاد من الضغوط البيعية على الليرة التركية التى سجلت أسوء أداء بين عملات الأسواق الناشئة هذا العام بعدما لامست مستوى 9.315 مقابل الدولار .

ارتفاع التضخم

أدى ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميا إلى زيادة تكلفة الشحن والخدمات اللوجيستيه ما ساعد فى ارتفاع أسعار المواد الخام اللازمة للصناعة ومنها الحديد والألومنيوم وقد تسبب ذلك فى ارتفاع أسعار السلع والخدمات على المواطن التركى وتراجع القطاع الصناعى حيث فقدت المنتجات التركية قدرتها التنافسية وتراجع الطلب عليها خاصة فى الأسواق الناشئة ولاسيما مع إزدياد نسبة البطالة ولذلك فقد تسارع التضخم فى تركيا إلى 19.58 % فى شهر سبتمبر وهو أعلى مستوى تضخم فى الأسواق الناشئة بعد الأرجنتين .

صورة أرشيفية

 السياسة الخارجية التركية التصادمية

أدى توتر العلاقات الأمريكية التركية فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى ” جو بايدن ” على خلفية صفقة الصواريخ S400 إلى فقد ثقة المستثمرين لفرص الاستثمار فى السوق التركى تخوفاً لفرض الولايات المتحدة الأمركية مزيد من العقوبات الاقتصادية على تركيا ، فدائما ما تلوح الإدارة الأمريكية الحالية بفرض مزيد من العقوبات على تركيا فى حال عدم تراجعها عن صفقة الصواريخ الروسية .

كما هوت الليرة التركية للتخطى حاجز 9 ليرات للدولار الواحد فى اليوم نفسه الذى لمح فيه أردوغان ووزير دفاعه ” خلوصى أكار ” إلى إمكانية قيام تركيا بعملية عسكرية جديدة فى سوريا .

السياحة وحرائق الغابات

يساهم قطاع السياحة بنسبة 12% فى الناتج المحلى الإجمالى التركى وتعتمد تركيا بنسبة كبيرة على هذا القطاع لتوفير العملة الصعبة ، وقد تعرض هذا القطاع خسائر كبيرة عامى 2020 و 2021 نتيجة انتشار جائحة فيروس كورونا وفرض الدول حظر السفر للحد من انتشار الوباء وكذلك حرائق الغابات التى نالت من مناطق ومنتجعات سياحية كثيرة فى تركيا مما تسبب فى هروب السياح الأجانب وخروجهم من تركيا ، وقد وصلت إيرادات قطاع السياحة إلى 12 مليار دولار فى عام 2020 مقابل 34 مليار دولار فى عام 2019 .

ويتوقع  خبراء المال وعلى رأسهم بنك ” كومرتس ” الألمانى أن يصل سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأمريكى إلى 10 ليرات بحلول نهاية العام الجارى مع زيادة فى معدلات التضخم .

الإنفاق العسكرى المتزايد

تحولت السياسة الخارجية التركية فى العقد الأخير من نهج ” القوة الناعمة ” إلى ” القوة الصلبة ” المتمثلة فى القوة العسكرية خارج الحدود التركية فتركيا متواجدة بقوة على الأراضى السورية وتقوم بعمليات عسكرية دوريه فى الداخل السورى كما الحال أيضاً فى العراق وليبيا ، كما تمتلك تركيا قاعدتان عسكريتان فى قطر وقاعدة عسكرية فى الصومال وآخرى فى أذربيجان فضلاً عن إنخراطها فى أفغانستان وقبرص .

وقد أشار معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام فى تقريره لعام 2019 إلى أن حجم الإنفاق العسكرى التركى زاد بنسبة 6% ليصل 20.8 مليار دولار بدلا من 19 مليار دولار فى 2018 وهى نسبة تُشكل 7.8 من الإنفاق الحكومى بمعدل 245 دولار للفرد ، كما كشف التقرير عن تكلفة تحليق طائرة من طراز F16 والتى تقدر ب 16 ألف دولار وتكلفة يوم واحد طيران من عملية غصن الزيتون تقدر بمليون دولار . كل هذة العوامل تشير إلى حجم الأزمة الاقتصادية التى تمر بها تركيا والتى تهدد عرش أردوغان الذى دائما يسوق لبرنامجه الاقتصادى إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك فأسعار السلع والخدمات دائماً فى ارتفاع ومؤشرات ثقة المستهلك وقطاع الصناعة فى تراجع ولذلك فإن تلك الأزمة الاقتصادية تهدد عرش أروغان بقوة خاصة مع تعالى الأصوات فى المجتمع التركى بإجراء أنتخابات مبكرة وعدم الإنتظار لعام 2023 وقد دعت المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهورى إلى ضرورة احترام أردوعان للهوية المؤسسيية للبنك المركزى وترك اتخاذ قرارات الفائدة لأشخاص مؤهلين وأن استمرار أردوغان فى سياسته سواء الخارجية أو بالتدخل فى السياسات المالية للبنك سيتسبب فى إضطراب الأسواق وفقد مصداقية المركزى التركى لدى المؤسسات المالية الدولية .

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version