محمد ماجد بحيري
استراتيجية أرض الصومال وأهدافها
أعلن رئيس إقليم أرض الصومال (صومالي لاند) “عبد الرحمن عيرو” استعداده لاستضافة قاعدة عسكرية أمريكية استراتيجية قرب البحر الأحمر في مدينة “بربرة”، وترحيبه بتلك الخطوة الأمريكية إذا كانت مُهتمة بذلك، في إطار ما أسماه “العلاقات الجيدة” مع وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، بل والأكثر من ذلك، أنه بصدد تقديم عرض صفقة على الولايات المتحدة بشأن الموارد المعدنية التي تتمتع بها أرض الصومال، مثل خام الحديد والأحجار الكريمة والمعادن الصناعية والذهب، لا سيما والأبرز الليثيوم الحيوي، وعلى الرغم من أنها لا تنتج الليثيوم حاليًا، إلا أنها منحت سابقًا شركة سعودية تدعى “كيلوماس” تصريحًا لاستكشاف أراض قد تحتوي على الليثيوم، وقد أبدى رئيس الإقليم انفتاحه على العلاقات مع واشنطن، واعتزامه القيام بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة لمناقشة التعاون المشترك، مع تأكيده على عدم شرط الاعتراف الأمريكي بأرض الصومال لإبرام مثل هذه الصفقات، ويرمي من وراء هذا التعاون أنه قد يؤدي إلى فهم وتقدير أفضل من جانب الولايات المتحدة لمساعي الإقليم المشروعة من وجهة نظره.
يأتي ذلك العرض كجزء من جهود أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي كهدف رئيس، مع تزايد الاهتمام العالمي بالموارد الأفريقية وأمن البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين المستمرة، فمحاولات أرض الصومال لترسّيخ مكانتها كشريك موثوق في منطقة مضطربة، تسير عبر مسارات العمل مع المجتمع الدولي في مجالات الأمن والتجارة ومكافحة الإرهاب والقرصنة والتهريب، وإثبات أنها تستحق أن تكون دولة ذات سيادة، وأنه حان الوقت لتأكيد دورها في المنطقة، ولابد من الاستجابة لجهودها الرامية إلى نيل الاعتراف الدولي، حيث تتبع حكومتها استراتيجية طويلة الأمد للحصول على الاعتراف الرسمي، قائمة على بعض المحددات التي تسعى لتثبيت أركانها، ومنها أنها دولة مسالمة ذات نظام ديمقراطي، لها حقوق وعليها تزامات مثل باقي الدول، وتساهم في استقرار منطقة القرن الأفريقي، وحماية مصالح الدول الصديقة، وذلك لتحقيق ضمان الأمن وتنمية الاقتصاد وتعزيز العلاقات الدولية.
الموقف الأمريكي والسيناريوهات المُحتملة
تأتي عروض أرض الصومال في وقت تُعيد فيه الولايات المتحدة رسم استراتيجيتها من جديد في أفريقيا بشكل عام، وتحديدًا في القرن الأفريقي، والذي من شأنه أن يعزز التواجد والنفوذ الاستراتيجي الأمريكي في منطقة ذات أهمية اقتصادية وأمنية وسياسية بالغة الأهمية، وسط تنافس متزايد مع الصين، حيث تسعى الولايات المتحدة لموطئ قدم في خليج عدن وباب المندب، للحفاظ على أمن البحر الأحمر ومحاربة القرصنة وضمان سلامة التجارة الدولية، والتصدي لخطر الحوثيين المتزايد، ومجابهة السياسات الصينية العسكرية والتجارية في المنطقة، وهنا يتبلور سيناريو احتمال اعتراف واشنطن بإقليم أرض الصومال لحماية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، الأمر الذي يمثل تعقيدًا متزايدًا للوضع الجيوسياسي في منطقة القرن الأفريقي، مما يعمل على تأجيج الصراع الدولي بها. المصالح التي تجنيها الولايات المتحدة من اعترافها بأرض الصومال عديدة، وبالمقابل لا تُعر اهتمامًا بردود الفعل الإقليمية والدولية جراء اتخاذ قرار الاعتراف، وربما تستغل الولايات المتحدة عروض أرض الصومال مقابل الاعتراف الدولي بها من خلال الآتي:
– الاتفاق مع أرض الصومال على قبول سكان قطاع غزة في إطار خطة التهجير الأمريكية المقترحة لسكان القطاع، مما يعكس الرؤية الأمريكية لإنهاء الحرب في القطاع، وبالتالي القضاء على القضية الفلسطينية لتحقيق المكاسب الإسرائيلية.
– التفاوض حول إمكانية ترحيل مهاجرين ارتكبوا جرائم، مثلما فعلت مع رواندا وليبيا، والتي تأتي تماشيًا مع سياسات الإدارة الأمريكية بترحيلهم خارج الأراضي الأمريكية، مما قد ينتج عنه تواجد عناصر إجرامية، وربما إرهابية، في تلك المنطقة الاستراتيجية.
– إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في أرض الصومال يُمهد لوجود أسلحة متطورة في منطقة القرن الأفريقي، تعمل على رفع سقف التسليح في المنطقة، ويزيد من احتمالية تهافت دول أخرى لدعوة الولايات المتحدة لإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها مقابل تقديم الموارد الطبيعية.
– الضغط على الاتحاد الأفريقي بالاعتراف بأرض الصومال على غرار قراره السابق بقبول عضوية الجمهورية الصحراوية، وربما قد يفتح ذلك الاعتراف ملفات انفصال أقاليم أخرى في القارة الأفريقية.
– محاولة إسكات الصومال عن ملف الاعتراف بأرض الصومال، مقابل منحها حوافز مادية كبرى.
وفي التقدير، قد يكون هناك بعض السيناريوهات المُحتملة، يُمكن إيجازها كالتالي:
السيناريو الأول: اعتراف الولايات المتحدة بأرض الصومال كدولة، مقابل الحصول على مزايا اقتصادية وجيوسياسية في القرن الأفريقي، وهذا الاعتراف يتوقف على أدوات الضغط الأمريكية على أرض الصومال، وهذا قد يدفع دولًا مثل إثيوبيا على الاعتراف بأرض الصومال مقابل تنفيذ الاتفاق بتخصيص ميناء تجاري لإثيوبيا في بربرة.
السيناريو الثاني: إرجاء الإدارة الأمريكية الاعتراف، استنادًا إلى ما تحققه الولايات المتحدة من نجاحات في قضايا المنطقة، مثل القضاء على الحوثيين في اليمن، والتهدئة في البحر الأحمر، وتحقيق الاستقرار في السودان بالتعاون مع الشركاء الإقليميين، ورضوخ إثيوبيا ومصر للضغوط الأمريكية في مسألة السد، كل هذا قد يجعل الإدارة الأمريكية تعيد التفكير مرة أخرى في الاعتراف، لزوال دوافعها للتواجد، لكن سيظل هدفها هو مواجهة التمدد الصيني في أفريقيا.
السيناريو الثالث: عدم اعتراف الولايات المتحدة بأرض الصومال نهائيًا.
هواجس مُحتملة
يؤدي الاعتراف الأمريكي بأرض الصومال إلى إثارة هواجس ومخاوف وقلق دول في المنطقة، فهناك احتمالية حدوث توترات في علاقات واشنطن وجيبوتي، التي تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية رئيسة، ومخاوف إريتريا من تعزيز نزعات انفصالية داخلية تعمل على المطالبة بالانفصال عن الدولة الأم، مما يزيد من تعقيد المشهد في منطقة القرن الأفريقي ويُعاد تشكيله من جديد، لاسيما مع التهديدات الحالية في مضيق باب المندب مع تصاعد تهديدات الحوثيين وتهديد الأمن البحري.
الشواغل المصرية
تتمتع الصومال بأهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لمصر، حيث تقع على ممر مائي حيوي، فتعتبر جزءًا من منطقة القرن الأفريقي المضطربة، فالعلاقة بين البلدين تتسم بالتعاون في مجالات مختلفة، بما في ذلك الأمن ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي، لذا فوجود مهددات في تلك المنطقة الاستراتيجية، قد تكون خطرًا على الأمن القومي المصري بصورة مباشرة، نظرًا لاعتبارات عدة متشابكة، وفي التقدير، من المفيد التحرك المصري من خلال الآتي:
1- التنسيق مع الشركاء الإقليميين للتأكيد على عدم مشروعية الاعتراف بأرض الصومال، لما له من انعكاسات إقليمية ودولية خطيرة، تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
2- التأكيد على الرفض المصري لمسألة تهجير سكان قطاع غزة إلى أي منطقة خارج الأراضي الفلسطينية.
3- تعميق التعاون العسكري مع الصومال ودول القرن الأفريقي، لتعزيز التواجد المصري في تلك المنطقة.
4- التواصل مع الجانب الصومالي وحثه على إقناع إدارة أرض الصومال بالتخلي عن فكرة الانفصال وهدف الاعتراف الدولي، مع ضرورة الجلوس مع كافة الأطراف لتهدئة الوضع الداخلي بالصومال. (أعتقد أن العلاقة متوترة بين الصومال وأرض الصومال، ومصر محسوبة على الدولة دون أرض الصومال وبالتالي أعتقد أن التحرك ضمن هذ العنصر غير مجدي)
ختامًا، يبقى مصير أرض الصومال معلقًا بين شبكة من العوامل تتلخص في طموحها الانفصالي، والمصالح الأمريكية، وصمود الحكومة الاتحادية، ومعارضة مصرية.