الكاتب: Websie Editor

عبدالله فارس القزاز .. باحث بوحدة الدراسات الإفريقية تشهد السياسة الخارجية المصرية منذ عام 2025م مرحلة إعادة تموضع استراتيجية تعكس تحوّل القاهرة من فاعل إقليمي تقليدي إلى محور توازن واستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا. هذا التحول لم يأت بمعزل عن التغيرات المتسارعة في البيئة الإقليمية، بل جاء استجابة لحاجة ملحة لإعادة تعريف الدور المصري في ظل تعدد الأزمات وتشابك التحديات الأمنية والتنموية في الإقليم. وقد مثّلت قمة شرم الشيخ للسلام نقطة تحول جوهرية في مسار هذا التحول، إذ أعادت صياغة مفهوم القيادة المصرية بوصفها قوة دبلوماسية وتنموية تمتلك رؤية شاملة تربط بين الأمن والتنمية والسلام، وتعمل على توظيف أدواتها السياسية…

قراءة المزيد

د/ مروة إبراهيم بالرغم من سعي إثيوبيا إلى تنمية مستدامة من خلال مبادرات دولية تدعم هويتها، بالتركيز على إحياء لغتها العريقة الجعزية، وبنيتها التحتية، فإن هناك مجموعة من التحديات المعقدة داخليًا وخارجيًا؛ حيث تشهد البلاد تقييدًا متزايدًا لحياة المواطنين وسعيهم لتعزيز مواردهم المعيشية الحياتية، لا سيما مع تفاقم الديون وتعميق الانقسامات السياسية التي تثير المخاوف بشأن إجراء انتخابات نزيهة، بالإضافة إلى خشيتها من تعميق الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي وإريتريا والصومال. أولا- على المستوى الداخلي أ-اجتماعيًا 1-تقييد حياة المواطن الإثيوبي وكفاحه لتعزيز موارده المعيشية الحياتية استمرارًا لانتهاكات حقوق الإنسان، التي نشرتها وسائل الإعلام الإثيوبية (صحيفة أديس استاندرد وغيرها) في الأول…

قراءة المزيد

إعداد/ محمود سامح همام – باحث بوحدة الدراسات الأفريقية تُبرز اتجاهات النزوح القسري في أفريقيا حجم التحولات الجيوسياسية التي تعصف بالقارة، حيث تتقاطع الصراعات المسلحة مع هشاشة الدولة وتغير المناخ لتُنتج موجات غير مسبوقة من التهجير الداخلي والخارجي. وفي ظل تفاقم الطابع الإقليمي للأزمات، باتت القارة الإفريقية مسرحًا مفتوحًا لتشابك ديناميكيات العنف العابر للحدود، وتآكل قدرات الاستيعاب في الدول المضيفة، واتساع الفجوة بين الاحتياجات الإنسانية والقدرات المؤسسية، ويأتي السودان في قلب هذه المعادلة باعتباره البؤرة الأكثر اشتعالًا للنزوح القسري، ما يجعل أزمة التهجير الحالية ليس مجرد انعكاس لصراعات داخلية، بل تجسيدًا لانهيار إقليمي ممتد يعيد تشكيل موازين الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي والساحل وحوض بحيرة تشاد. أولًا: تفاقم ديناميكيات النزوح القسري في سياق التداخلات الصراعية داخل القارة تشهد القارة الأفريقية في السنوات الأخيرة موجة متسارعة من النزوح القسري نتيجة تصاعد الصراعات المسلحة وتنامي الطابع الإقليمي للتوترات الداخلية، ومع توسّع رقعة العنف عبر الحدود، أصبحت حركة النازحين أكثر تعقيدًا، إذ يجد الفارّون من العنف أنفسهم مضطرين للجوء إلى دول مجاورة تعاني هي الأخرى من اختلالات أمنية وصراعات نشطة، ما يجعل مسارات الحماية الإنسانية محفوفة بالمخاطر، كما تشير المؤشرات الحديثة إلى أنّ نحو 45.7 مليون أفريقي نزحوا قسراً، سواء كلاجئين أو نازحين داخلياً أو طالبي لجوء، بما يمثل نحو 3% من إجمالي سكان القارة. ويعكس هذا الرقم استمرار خط تصاعدي امتد لأكثر من خمسة عشر عاماً، جعل من أفريقيا القارة الأكبر عالميًا من حيث حجم النزوح القسري، إذ تستحوذ على 43% من إجمالي النازحين في العالم. ويُعدّ النزوح الداخلي المكوّن الرئيسي لهذه الظاهرة، حيث يشكّل 69% من إجمالي حالات الفرار، فيما شهدت القارة خلال العام الأخير ارتفاعًا ملحوظًا في اللجوء، مدفوعًا بازدياد تدفقات اللاجئين من السودان وبوركينا فاسو وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي. كما أن 97% من النازحون واللاجئون الأفارقة ما زالوا يبحثون عن ملاذ داخل القارة نفسها، في دلالة على محدودية الخيارات الإقليمية وتآكل قدرات الاستيعاب في البلدان المضيفة، ويبرز الصراع كعامل مركزي في تشكيل هذه الموجات السكانية، إذ إن 96% من النازحين قسرًا ينتمون إلى دولٍ تعيش نزاعات مسلحة، فيما تواجه 14 من أصل 15 دولة ذات أعلى معدلات للنزوح القسري صراعات ممتدة، باستثناء إريتريا التي تدفع سياساتها القمعية إلى نزوح 19% من مواطنيها، حتى في غياب نزاع مسلح شامل. كما سجّلت تسع دول أفريقية وجود أكثر من مليون نازح داخليًا في السنوات الثلاث الماضية، ما يُدلل على تشابك حلقات عدم الاستقرار وعمق جذور الأزمات في الإقليم. ثانيًا: النزاعات الإقليمية للصراعات وتعاظم عبء الاستضافة على دول الجوار لم تعد حركة النزوح في أفريقيا ظاهرة داخل حدود الدولة المتأزمة فحسب، بل تحوّلت إلى قضية أمن إقليمي بامتياز. فقد شهد هذا العام ارتفاعًا بنسبة 13% في أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء داخل القارة، ليصل إجماليهم إلى 11.44 مليون شخص، وهو رقم يعكس التأثيرات العميقة للامتدادات الصراعية عبر الحدود، ولا سيما في منطقة القرن الأفريقي الكبرى، ومنطقة الساحل، وحوض بحيرة تشاد، ويدلّ ذلك على أن ثماني دول من بين 11 دولة مضيفة لأكبر أعداد من اللاجئين عبر الحدود تعاني بدورها من صراعات مسلحة، ما يضعها في موقع هشّ مزدوج: دول منشأ للنزوح ومقصد له في الوقت ذاته. ويُبرز هذا الوضع الترابط الجغراسياسي للأزمات في القارة، حيث تنتقل دوائر العنف بسهولة عبر الحدود الضعيفة والفراغات الأمنية. وفي منطقة الساحل، أدّى التدهور الأمني المتسارع إلى تدفقات بشرية ضخمة باتجاه موريتانيا ودول غرب أفريقيا الساحلية. وتُعدّ بوركينا فاسو المصدر الأكبر للنازحين في الإقليم، إذ يُقدّر عدد النازحين قسراً من سكانها بحوالي أربعة ملايين شخص، يمثلون ما يقرب من خُمس إجمالي السكان، رغم صعوبة التحقق من الأرقام بعد توقف المجلس العسكري عن الإبلاغ الرسمي منذ عام 2023. ويؤشر ذلك إلى تصدّع هياكل الدولة وتآكل قدرتها على إدارة النزاعات، ما يفتح المجال لمزيد من الانهيارات الأمنية المتلاحقة داخل الإقليم، وبهذا المشهد، يتضح أن النزوح القسري في أفريقيا لم يعد مجرد ظاهرة إنسانية، بل أصبح مؤشرًا دالًا على الاختلالات البنيوية في الأمن الإقليمي، وعلى اتساع الفجوة بين قدرات الدول وإدارة النزاعات الممتدة. ويؤكد ذلك الحاجة إلى مقاربة سياسية شاملة تتجاوز الإغاثة الطارئة نحو معالجة جذور الصراع، وتعزيز بناء الدولة، والحدّ من التشظي الأمني الذي يغذّي دوامة النزوح باستمرار. ثالثًا: السودان كنقطة الارتكاز المركزية لأزمة النزوح القسري في القارة يمثّل السودان اليوم البؤرة الأكثر اشتعالًا في مشهد النزوح القسري داخل أفريقيا، بعدما تحوّل الصراع الممتد منذ أبريل 2023 إلى أكبر مولّد لحالات التهجير في القارة بأكملها. فقد بلغ عدد النازحين واللاجئين قسرًا في السودان 14.4 مليون شخص، بزيادة قدرها 14% مقارنة بالعام السابق، ما يجعل هذا البلد المنهك بالحرب صاحب أكبر كتلة من النازحين قسرًا في أفريقيا، ولا تعكس هذه الأرقام مجرد ضغوط إنسانية، بل تُبرز حجم الانهيار الهيكلي للدولة السودانية، إذ يُشكّل النازحون قسراً في السودان 32% من إجمالي النازحين في القارة، بينما وصل عدد النازحين داخليًا إلى 10.1 مليون شخص، وهو أكبر نزوح داخلي مسجّل في بلد واحد على مستوى العالم. كما بات السودان الدولة الأفريقية التي تضم أعلى نسبة من سكانها الذين تم تهجيرهم قسرًا (29%)، متجاوزًا حتى جنوب السودان الذي كان يُعرف تاريخيًا بتفاقم موجات الهجرة القسرية داخله وخارجه. استكمالًا، لا تقتصر تداعيات النزاع على السودان فحسب، بل تمتد إلى محيطه الإقليمي، إذ إن أربع دول مجاورة للسودان تُصنّف ضمن البلدان التي تضم أكثر من مليون لاجىء، في تأكيد إضافي على الطابع الإقليمي المتصاعد للأزمة. وعلى سبيل المثال، عاد ما يُقدّر بـ 800 ألف لاجئ من جنوب السودان إلى بلادهم منذ عام 2023 هربًا من العنف في السودان، رغم أن دولتهم نفسها غارقة في حرب أهلية ممتدة منذ أكثر من عقد. ويضاف إلى هؤلاء نحو 380 ألف لاجئ سوداني فرّوا إلى جنوب السودان — وهو أحد أكثر البلدان هشاشة في العالم — ما يكشف عن غياب البدائل الآمنة وتراجع القدرات الإقليمية على الاستيعاب، وبهذا المعنى، لم يعد السودان حالة نزاع داخلية معزولة، بل أصبح مصدرًا رئيسيًا لاضطراب إقليمي واسع النطاق، يعيد تشكيل خرائط النزوح والأمن في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ويُعمّق هشاشة الدول المحيطة، التي تُواجه بدورها أزمات داخلية حادة. رابعًا: هشاشة مركبة بين النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية وتراجع المكاسب الإنسانية ورغم أن الاتجاه العام يشير إلى تصاعد أعداد النازحين في أفريقيا، إلا أن بعض البلدان شهدت مكاسب محدودة في تقليص حجم النزوح الداخلي، لولاها لكانت أرقام النزوح القسري أعلى بكثير. فقد سجّلت القارة انخفاضًا يُقدّر بـ 4.5 مليون نازح داخليًا، خصوصًا في كل من إثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ويُعزى ذلك إلى عودة تدريجية للنازحين في منطقتي تيغراي وأمهرة بإثيوبيا، إضافة إلى إعادة توطين النازحين في شرق الكونغو الديمقراطية ممّن هجّرتهم عمليات حركة M23 المسلحة، إلا أن هذه المكاسب تظل هشة وقابلة للتلاشي في أي لحظة، في ظل تزايد التوترات بين إثيوبيا وإريتريا، وتجدد القتال في الكونغو الديمقراطية، بما قد يعيد إنتاج موجات نزوح جديدة ويقوّض التحسّن النسبي الذي تحقق خلال الفترة الماضية. وإلى جانب الضغوط الناتجة عن النزاعات المسلحة، تواجه أفريقيا أيضًا تحديًا متفاقمًا يتمثل في النزوح الناجم عن الكوارث الطبيعية، حيث شهدت القارة خلال العام الماضي ارتفاعًا بنسبة 33% في أعداد النازحين بسبب الفيضانات والكوارث المناخية، لينضمّ 5.6 مليون نازح إضافي إلى إجمالي النازحين بسبب الصراعات، مما يجعل أفريقيا صاحبة أعلى نسبة نزوح من جرّاء الكوارث الطبيعية عالميًا (57% من الإجمالي). وتتّضح خطورة هذا الوضع في أن ثماني دول من أصل 12 دولة سجلت أكبر نزوح ناجم عن الكوارث الطبيعية، كانت تعاني في الوقت نفسه من صراعات مسلحة. ويكشف هذا الترابط بين الطبيعة والصراع عن هشاشة مركّبة تضاعف معاناة السكان، إذ يُضطر الكثير من النازحين الذين يعيشون في مخيمات غير مستقرة إلى النزوح مرة أخرى نتيجة الفيضانات أو الانهيارات الأرضية أو موجات الجفاف، ما يطيل أمد أزمات النزوح ويحدّ من فرص التعافي على المدى المتوسط والبعيد، وفي ضوء هذا التداخل بين العوامل المناخية والأمنية، تبدو القارة الأفريقية أمام مشهد معقد تتشابك فيه أزمات النزوح مع ضعف البنى المؤسسية، وغياب السياسات التكيفية، وتصاعد الصراعات المسلحة، بما يجعل من النزوح القسري ليس مجرد نتيجة مباشرة للعنف، بل انعكاسًا شاملًا لأزمة دولة ومجتمع وأمن إقليمي ممتد. في الختام، تكشف قراءة المشهد الراهن للنزوح القسري في أفريقيا عن أزمة مركّبة تتجاوز حدود الإغاثة الطارئة لتلامس صميم الأمن الإقليمي وقدرة الدولة على الصمود أمام التحديات المتفاقمة. فالتداخل بين النزاعات المسلحة، والضغوط المناخية، وانهيار البنى المؤسسية يُكرّس دائرة ممتدة من الهشاشة تعجز معها أنظمة الحكم عن وقف موجات النزوح أو احتوائها. وفي ظل تصدّر السودان لمؤشرات النزوح القسري، وتدهور الأوضاع في مناطق استراتيجية مثل الساحل والقرن الأفريقي، تبدو الحاجة مُلحّة لتطوير مقاربة سياسية شاملة تُعيد بناء الدولة، وتدعم هياكل الحوكمة، وتعزز الأمن الإقليمي، بغية كسر حلقة التهجير المزمن وتهيئة بيئة أكثر استقرارًا لشعوب القارة، فى حين تفتقر المنظومة الدولية لتطوير آليتها الخاصة بدعم وتعويض ومساندة الدول المستضيفة…

قراءة المزيد

إعداد/ محمود سامح همام – باحث بوحدة الدراسات الأفريقية تحتل أرض الصومال موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في شرق أفريقيا، يجمع بين أهمية الأمن البحري على مضيق باب المندب، والفرص الاقتصادية المتاحة عبر ميناء بربرة، وموقعها المتميز على طول ساحل خليج عدن. هذا الموقع جعلها نقطة جذب متنامية للقوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات، التي ترى في الإقليم فرصة لتعزيز المصالح الأمنية والاقتصادية والتجارية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي على حساب القوى الإقليمية التقليدية الأخرى. وفي ظل بيئة جيوسياسية معقدة، تتشابك رهانات الأمن، والتجارة، والدبلوماسية، مما يجعل دراسة التعاون المحتمل بين إسرائيل وأرض الصومال نموذجًا بارزًا لفهم كيفية توظيف المصالح المتبادلة لتحقيق استقرار إقليمي وتنمية اقتصادية متوازنة. أرض الصومال في قلب التنافس الدولي على البحر الأحمر وإعادة هندسة التحالفات الإقليمية تُعَدّ الصومال – في سياق شرق أفريقيا المأزوم – نقطة توازن نادرة تستقطب اهتمام القوى الدولية الباحثة عن ترتيبات أكثر صلابة في محيط إقليمي يموج بالاضطرابات. وفي ظل هذا المشهد، برزت أرض الصومال باعتبارها حلقة حيوية في مقاربة الأمن البحري للبحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما جعلها محطّ أنظار الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما من القوى الساعية إلى إعادة تشكيل خريطة النفوذ في هذا الممر بالغ الحساسية. وتأتي اتفاقيات إبراهيم لتمنح إسرائيل مساحة جيوسياسية أوسع، إذ أعادت هذه الاتفاقيات رسم حدود انخراط تل أبيب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفتحت أمامها آفاقاً غير مسبوقة لبناء شراكات مع دول كانت خارج نطاق حساباتها التاريخية. ورغم التركيز الدولي على مسار التطبيع السعودي، فإن الإمكانات الاستراتيجية والاقتصادية للتقارب مع أرض الصومال ظلت بعيدة عن دائرة الاهتمام، رغم موقع الأخيرة الفريد على ساحل يمتد 460 ميلاً بمحاذاة مضيق باب المندب، حيث يمر قرابة ثلث التجارة العالمية. وتُشكّل تهديدات القرصنة وتهريب الأسلحة وتمدّد الجماعات الإرهابية – مثل حركة الشباب والحوثيين – عوامل إضافية تحفّز القوى الكبرى على تعزيز حضورها في هذا الممر. وفي ضوء كل ذلك، يبرز خيار التطبيع التدريجي بين إسرائيل وأرض الصومال باعتباره مساراً إفتراضياً غير مستبعد يمكّن الطرفين من بناء شراكات أمنية واقتصادية متقدمة، قد تبدأ بفتح مكاتب اتصال وتوسيع مجالات التعاون، وصولاً إلى الاعتراف المتبادل. وتسعى إسرائيل من هذا المسار لجذب قدرة أكبر على تثبيت نفوذها في بوابتها البحرية الجنوبية، وموازنة حضور القوى الإقليمية المنافسة، فيما تكسب أرض الصومال بوابة نحو الاعتراف الدولي وفرصة لتعزيز التنمية وبناء شراكات أمنية مع حلفاء غربيين. معضلة الاعتراف الدولي ومسارات الانفتاح الخارجي لأرض الصومال رغم إعلان استقلالها عن الصومال عام 1991، ما تزال أرض الصومال أسيرة معضلة الاعتراف الدولي نتيجة التزام المجتمع الدولي بسياسة “الصومال الواحد”، وتأكيد الحكومة الفيدرالية في مقديشو على سيادتها الكاملة على الإقليم. لكن الواقع السياسي والإداري يكشف عن كيان يتمتع بكافة عناصر الدولة الحديثة: دستور مستقل، مؤسسات حكم مستقرة، قوات نظامية، وعملة وطنية، إلى جانب نظام ديمقراطي نال تصنيفاً أعلى بكثير من الصومال وفق مؤشرات “فريدوم هاوس” لعام 2025، التي منحت أرض الصومال 47 نقطة مقابل 8 فقط للصومال. ورغم غياب الاعتراف الرسمي، نجحت هَرْجيسا في بناء شبكة علاقات غير رسمية مع الولايات المتحدة والإمارات وتايوان، بينما تستند شراكاتها الإقليمية مع إثيوبيا وجيبوتي إلى محاور اقتصادية وأمنية ترتبط في معظمها بميناء بربرة، الذي يشكّل ركيزة للتجارة الإقليمية بطاقة استيعابية تصل إلى 500 ألف حاوية سنوياً. ويبرز في هذا السياق البُعد التاريخي للعلاقات مع إسرائيل، إذ اعترفت تل أبيب بأرض الصومال لفترة وجيزة عام 1960 قبل الاتحاد مع الصومال الإيطالي، ثم عادت إشارات التقارب على نحو متقطع عبر السنوات؛ ففي 2010 أعلنت إسرائيل استعدادها للاعتراف بأرض الصومال إذا طُلب منها ذلك، بينما دعمت هَرْجيسا عام 2020 اتفاق تطبيع إسرائيل والإمارات. وتأكد هذا التوجه في أبريل 2025 حين أعرب وزير خارجية أرض الصومال، عبد الرحمن آدم، عن استعداد بلاده لفتح مسار حوار مع إسرائيل، انطلاقاً من معيار “المصلحة الوطنية والاستقرار الإقليمي وقيم المجتمع”. ويعكس هذا الموقف إدراكاً متنامياً بأن اللحظة الراهنة قد تمثل فرصة استراتيجية لبناء اعتراف فعلي عبر شراكات أمنية واقتصادية، تُكرّس لأرض الصومال موقعاً أكثر صلابة في منظومة التفاعلات الدولية، حتى في غياب الاعتراف القانوني الرسمي. تأمين مضيق باب المندب وأهمية أرض الصومال في الأمن البحري الدولي يكتسب موقع أرض الصومال على طول ساحل خليج عدن أهمية استراتيجية قصوى، إذ يشكل صمام أمان لأحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم، مضيق باب المندب. هذا الممر الحيوي يمر عبره نحو ثلث التجارة البحرية الدولية، ويشكل شريانًا أساسيًا لاقتصادات الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وهو ما يضع أمنه على رأس الأولويات الاستراتيجية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة. تواجه هذه المنطقة تهديدات متعددة الأبعاد، أبرزها أنشطة جماعات مسلحة مثل حركة الشباب والحوثيين المدعومين من إيران، الذين صعدوا هجماتهم منذ أواخر عام 2023 مستهدفين السفن التجارية، مما أدى إلى اضطرابات واسعة النطاق وفرض قيود على حرية الملاحة البحرية. فقد أعلن الحوثيون حصارًا بحريًا يستهدف الشحنات المتجهة إلى إسرائيل، الأمر الذي دفع شركات الشحن إلى إعادة توجيه مسارات سفنها حول رأس الرجاء الصالح، وزاد من تأخيرات الشحن وتكاليفه بشكل ملحوظ، ما يعكس حساسية الممر بالنسبة للمصالح الإسرائيلية والاقتصاد العالمي على حد سواء. في هذا السياق، نجحت أرض الصومال إلى حد كبير في إدارة التحديات الأمنية البحرية، بفضل تطوير قدرات خفر السواحل المحلي وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال الأمن البحري. وتشير المعلومات الاستخباراتية إلى أن إسرائيل تدير قاعدة مراقبة في أرخبيل دهلك قبالة السواحل الإريترية، تستخدم لمتابعة النشاط الإيراني في البحر الأحمر، بينما تبحث هَرْجيسا عن إمكانية استضافة قاعدة إسرائيلية على أراضيها مقابل الاعتراف الدولي والاستثمارات الاقتصادية. إن إقامة تعاون عسكري مباشر بين إسرائيل وأرض الصومال لا يمثل مجرد خطوة أمنية، بل يشكل لتل أبيب تعزيزًا للاستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر، حيث يتيح المجال لإجراء تدريبات بحرية مشتركة ثلاثية تشمل إسرائيل والولايات المتحدة وأرض الصومال، إلى جانب تبادل المعلومات الاستخباراتية الحيوية، بما يضمن عمقًا استراتيجيًا أكبر وتنسيقًا فاعلًا بين الحلفاء الجدد في مواجهة التهديدات الإقليمية. ديناميات النفوذ والمصالح الدولية المتشابكة في القرن الأفريقي يشهد القرن الأفريقي تنافسًا دوليًا وإقليميًا متصاعدًا، حيث تسعى القوى الكبرى لتوسيع نفوذها وتأمين مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية عبر مزيج من المبادرات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية. تحتفظ الولايات المتحدة بأكبر قاعدة عسكرية أفريقية لها في جيبوتي، معسكر ليمونيه، الذي يعد مركزًا رئيسيًا للعمليات البحرية ومكافحة الإرهاب ضمن القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم). وفي المقابل، وسّعت الصين حضورها العسكري والاستثماري، فيما عززت تركيا علاقتها مع الصومال من خلال برامج تدريبية عسكرية وقاعدة في مقديشو، في حين تعمل الإمارات العربية المتحدة على إستعادة نفوذها في أرض الصومال عبر استثمارات كبيرة لتوسيع ميناء بربرة وإنشاء قاعدة عسكرية، ما يرفع من مكانتها الاستراتيجية في المنطقة. في هذا السياق، سيمثل التعاون المحتمل بين إسرائيل وأرض الصومال امتدادًا طبيعيًا لجهود التنسيق الأمني مع حلفائها، الولايات المتحدة والإمارات، حيث يمكن لهذا التعاون أن يعزز المصالح المشتركة، ويستهدف توفير منصة لتبادل المعلومات الاستخباراتية وإجراء تدريبات بحرية متقدمة. ومع ذلك، فإن دخول إسرائيل إلى هذا الفضاء الاستراتيجي المعقد قد يصطدم مع الجهات الإقليمية الأخرى مما قد يتطلب إدارة دقيقة لتجنب التصعيد، خصوصًا تركيا وإيران. فمن المرجح أن ترى تركيا، الحليف التاريخي للصومال، أي تعامل إسرائيلي مع هَرْجيسا كتهديد لنفوذها، مما قد يدفعها لتعزيز دعمها الأمني لمقديشو وتعميق شراكاتها العسكرية هناك. أما إيران، فقد تلجأ إلى وكلائها الإقليميين، بما في ذلك الحوثيون في اليمن، لممارسة الضغط على أرض الصومال أو أي وجود إسرائيلي ناشئ، في محاولة لرفع الرهانات الجيوسياسية. ونتيجة هذه التعقيدات، فمن المتوقع أن تدير إسرائيل هذه الصراعات عبر دبلوماسية مدروسة ومتكاملة، وإظهار التقارب على أنه يأتى فى إطار سياسة توازن بين الأمن والتنمية الإقليمية والمصالح الاستراتيجية لإسرائيل وحلفائها. وبالتالى فقد يتطلب الأمر توجيه المشاركة الإسرائيلية في أرض الصومال على أنها مساهمة في تعزيز الاستقرار الإقليمي، وحماية الممرات البحرية الحيوية، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بدلاً من أن تُنظر إليها كتهديد مباشر لأي طرف إقليمي. ومن شأن هذا النهج أن يوفر لإسرائيل وأرض الصومال إطارًا لتطوير شراكات استراتيجية مستدامة. الفوائد الاقتصادية والتعاون التنموي…

قراءة المزيد

أ/ ورده عبدالرازق شهد التعاون المصري التركي خلال السنوات الأخيرة زخما واضحا في ملفات إقليمية مختلفة، لا سيما الملف الفلسطيني. وفي هذا الإطار، جاءت زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع إلى تركيا في 12 نوفمبر الجاري، لتشكل محطة مهمة لفهم مسار العلاقات الثنائية واستراتيجيات كلا الطرفين في إدارة الملفات الإقليمية الحساسة، في ظل تعقيدات يشهدها الملفان الفلسطيني والسوداني قد تستدعي تحرك مشترك مصري تركي. وعليه، يهدف هذا التحليل إلى استعراض طبيعة اللقاء، وتحديد أبرز النقاط التي اتفق عليها الجانبان، وفهم الرسائل السياسية والإقليمية التي يحملها هذا الاجتماع. رسائل سياسية مهمة شهدت الأشهر الفترة الأخيرة تكهنات شتي حول طبيعة…

قراءة المزيد

الأستاذ/ بيشوي بخيت طالب بكلية السياسة والافتصاد – جامعة بني سويف مقدمة في عالمٍ تتشابك فيه الأزمات وتتقاطع المصالح وتتعاظم التهديدات، تبرز الدبلوماسية المصرية بوصفها أحد أهم أدوات القوة الهادئة في الشرق الأوسط وإفريقيا. فبين اضطرابات الجوار، وتغيرات النظام الدولي، وصراعات النفوذ الإقليمي، اختارت مصر أن تكون صوت العقل وحائط الصدّ ضد الانهيار. لقد باتت الدبلوماسية المصرية تجسيدًا لمعادلة دقيقة تجمع بين الثبات والمرونة، وبين الدفاع عن الأمن القومي والسعي لتحقيق الاستقرار الإقليمي، في وقتٍ تتراجع فيه موازين الاتزان في الإقليم. وهكذا أصبحت القاهرة مركز توازن استراتيجي، تدير الملفات المتشابكة بواقعية سياسية، وتُعيد تعريف مفهوم القوة من السيطرة العسكرية إلى…

قراءة المزيد

إعداد/ حسين محمود التلاوي يذكر متابعو الأفلام السينمائية ذلك المشهد الشهير من فيلم “شيء من الخوف” الذي تظهر فيه فؤادة: الشخصية الرئيسة في الفيلم، التي لعبت دورها الفنانة القديرة “شادية”؛ وهي تفتح الهويس لتتدفق مياه النيل حاملةً الخير إلى أرض القرية العطشى، وتعُمَّ الفرحة الأهالي، وتنفجر الأفراح. لكنّ ما فعلت إثيوبيا منذ أيام يختلف تمامًا عن فتح “هويس الخير”؛ حيث بدأت إثيوبيا تصريف مياه النيل الأزرق من سد النهضة ليرتفع منسوب المياه وتدفقها وتغرق بعض الأراضي من وراء ذلك، وتنطلق التحذيرات من فيضانات عارمة محتملة في السودان. لماذا فتحت إثيوبيا بوابات السد الهائل، وصرفت المياه في هذا التوقيت؟ وما حجم…

قراءة المزيد

إعداد/ محمود سامح همام – باحث متخصص في الشئون الأفريقية منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، دخل السودان في أزمة سياسية وإنسانية حادة امتدت لأكثر من عامين. خلال هذه الفترة، أُجبر أكثر من 12 مليون شخص على النزوح داخلياً وخارجياً، بينما يحتاج نحو نصف سكان البلاد، أي حوالي 30 مليون شخص، إلى مساعدات إنسانية عاجلة لتأمين الغذاء والمأوى والرعاية الصحية. في ظل هذا الانهيار الأمني والإنساني، تبدو مسألة التقسيم المحتمل للسودان ليست مجرد احتمال بعيد، بل خياراً يتبلور تدريجياً مع استمرار النزاع وإعادة رسم خريطة النفوذ والسيطرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما…

قراءة المزيد

عبدالله فارس القزاز .. باحث بوحدة الدراسات الإفريقية تقف إثيوبيا اليوم عند مفترق طرق حاسم بين طموحات التحديث الاقتصادي ومتطلبات الاستقرار السياسي والأمني. فمنذ وصول رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة عام 2018م، دخلت البلاد مرحلة جديدة من التحولات الهيكلية، سعت من خلالها إلى إعادة تعريف دورها الإقليمي في القرن الإفريقي والانفتاح على الاقتصاد العالمي عبر حزمة واسعة من الإصلاحات التي استهدفت تقليص هيمنة الدولة على القطاعات الإنتاجية وتشجيع الاستثمار الأجنبي. وقد ترافق ذلك مع دعم مالي دولي كبير من مؤسسات التمويل والبنوك المانحة، بما يعكس رهانًا غربيًا على قدرة أديس أبابا على التحول إلى نموذج للتنمية والاستقرار في منطقة…

قراءة المزيد