صادقت الحكومة الإسرائيلية على موازنة الدولة لعام 2025، وذلك بمبلغ 607.4 مليار شيكل بما يعادل 160.96 مليار دولار أمريكي، ولكن قامت بإجراءات تعديل الموازنة بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 37 مليار شيكل، ومن ثَم ربما سيبلغ العجز في عام 2025 ( 4.3% ) من الناتج المحلي الإجمالي حسب الموازنة الجديدة. وهذا يزيد بنسبة 0.3% عن النسبة التي تعهد بها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وقد حدث هذا بسبب ارتفاع العجز، وإلغاء تجميد الحد الأدنى للأجور.
الموازنة والجيش الإسرائيلي:
وأشار وزير المالية سموتريتش إلى أن: “هذه الموازنة جيدة لجنود الاحتياط الذين تركوا كل شيء وذهبوا للحرب؛ حيث تمت الموافقة على زيادة إضافية للجيش والجنود”. وتُعتبرهذه الموازنة هي أكبر موازنة عسكرية في تاريخ الإقتصاد الإسرائيلي. ومن هنا يمكننا القول أنه سوف تمتد الحرب لعام آخر، حتى تتمكن إسرائيل من الوصول لأهدافها التي تواجه صعوبات ومنها الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي في قطاع غزة وإنشاء مستوطنات، والقضاء على حماس وحزب الله، ولكن توجيه الموازنة في هذا الإتجاه سوف يؤثر على الوزارات الأخرى في إسرائيل.
الجدير بالذكر أنه سوف تبلغ موازنة الجيش التي أقرتها الحكومة لعام 2025، 117 مليار شيكل، أي 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذه زيادة قدرها 15 مليار شيكل مقارنة بالاقتراح الأصلي للخزينة وزيادة قدرها حوالي 60 مليار شيكل مقارنة بالموازنات الأخرى ما دون الحرب فعلى سبيل المثال كانت الموازنة المُخصصة للجيش لعام 2024 حوالي 70 مليار شيكل. كما أن هذه المخصصات المتجهة للجيش تُعد مرتفعة جدًا على المستوى الدولي، فتأتي إسرائيل في المرتبة الثانية بعد أوكرانيا وفيما يلي نسب مقدرات الدول الأخرى للجيش.
أكبر موازنة عسكرية في تاريخ الإقتصاد الإسرائيلي
لجأت إسرائيل لزيادة مخصصات الجيش في الموازنة اعتقاداً منها بأن هناك الكثير من التحديات التي تواجهها في هذا القطاع مثل التوترات الأمنية مع دول الجوار مثل سوريا ولبنان وإيران، والاختراقات التي قد تحدث من بعض التنظيمات والحركات الجهادية كحماس وحزب الله والحوثيين، مما يحتاج حماية استخباراتيه أكبر، هذا بجانب ان اعتماد الجيش الإسرائيلي على التكنولوجيا يحتاج لمزيد من الأموال مثل منظومة القبة الحديدية، ومقلاع داوود، ومنظومة السهم وغيرهم، وكذلك المحاولات الدائمة لتطوير الأمن السيبراني لديها وتقنيات الذكاء الاصطناعي، كما أن اعتماد الجيش الإسرائيلي على أنظمة قتالية مثل طائرات إف35 ذو التكلفة العالية،.هذا غير التجنيد والتدريب الذي تحاول إسرائيل زيادته هذه الفترة وخاصة بعد الحرب على حماس وحزب الله. وإن كل ما سبق من وجهة نظر الاقتصاديين الإسرائيليين يحتاج إلى زيادة في المخصصات المتجهة للجيش، ومحاولة تفسير ذلك لعامة الإسرائيليين بأنها محاولات لحماية – دولة إسرائيل – وفق زعمهم.
الجدير بالذكر أنه وفقًا لتقرير “تكاليف الحرب” الذي نشره معهد واتسون بجامعة براون، استثمرت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 17.9 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل في السنة الأولى من حرب السابع من أكتوبر، وهو ما يعادل أحوالي 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي. واخيراً وليس آخرا ما وقعته إسرائيل على صفقة لشراء سرب من طائرات F15متقدمة بقيمة 5.2 مليار دولار ولكن تندرج تحت بند المساعدات.
الهستدروت والموازنة:
اعلن رئيس الهستدروت “أرنون بار دافيد” أنه لابد من الموافقة على الموازنة وذلك لتجنب زيادة حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجه إسرائيل نتيجة الحرب الحالية وتأثيراتها الضخمة على الاقتصاد. حيث تسعى الحكومة، بالتعاون مع الهستدروت، إلى احتواء العجز المتوقع في الموازنة، والذي يصل إلى حوالي 4% من الناتج المحلي. ويشمل دعم الهستدروت قبول بعض الإصلاحات المالية والضريبية التي قدمتها وزارة المالية، بما في ذلك تجميد الأجور ومزايا التقاعد، وإجراءات ضريبية تهدف إلى زيادة إيرادات الدولة من الأثرياء والمستثمرين، على الرغم من الانتقادات المحتملة من قبل قطاعات مختلفة.
كما أن هناك توافقًا بين الهستدروت ووزارة المالية حول الحاجة إلى إجراءات اقتصادية صارمة، مثل التجميد في منح الإعفاءات الضريبية وتعديل بعض السياسات المالية لضمان توازن الموازنة.
تهديد ابن جفير:
وعلى الجانب الآخر هدد وزير الأمن ايتمار ابن جفيربأنه سوف يقف عائقًا هو وحزب عوتسما يهوديت أمام تمرير هذه الموازنة في حالة إن لم يتم زيادة المخصصات لوزارته بحوالي 10 مليار شيكل، ووفق ما قاله أنه يريد هذه الزيادة كي يتمكن من تطوير جهاز الشرطة وخدمة السجون وأن هذا لا يقل أهمية عن الجيش من وجهة نظره، ولكن هناك حقيقة أخرى يجب الإشارة إليها وهى أن ابن جفير يقوم بشراء أسلحة ويقوم بتوزيعها على المستوطنين اليهود المتطرفين.
وقد عارض 6 وزراء الموازنة الجديدة، بينهم وزراء حزب «عوتسما يهوديت» ووزيران من حزب «الليكود» وآخر من حزب “شاس”، أما وزير الدفاع السابق يوآف جالانت، فقد تهرب من التصويت على الموازنة لا بالتأييد ولا بالرفض.
وبعد المصادقة على الموازنة، سيتم في الأسابيع التالية صياغة قرارات الموازنة كمقترحات تشريعية سيتم وضعها على طاولة الكنيست، في طريقها إلى القراءة الأولى في الجلسة العامة وتمريرها إلى اللجنة المالية.
تأثير الموازنة على القطاعات الأخرى:
لاشك أن زيادة مخصصات الجيش سوف تؤثر على باق الوزارات، وتحديد قيمة الموازنة وفق أولويات الحكومة، ويمكن تحليل آثارها على عدة مستويات لاسيما ما يتعلق بالاقتصاد، التعليم، الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية، الأمن، وقطاعات أخرى مثل الإسكان والبنية التحتية، والمجتمع العربى والفلسطينيين داخل اسراءيل:
(1) الآثار الإقتصادية على المجتمع:
أ- تفاوت النمو الإقتصادي: الموازنة قد تتضمن خططاً لدعم قطاعات مثل التكنولوجيا العالية (الهايتك) والتصدير، وهو ما قد يعزز من النمو الاقتصادي. ومع ذلك، قد لا يستفيد من هذا النمو جميع فئات المجتمع بنفس الدرجة، حيث يمكن أن يزيد الفجوة بين أصحاب الدخل المرتفع وبقية الشرائح.
ب- التضخم والضرائب: إذا تضمنت الموازنة زيادات في الضرائب أو رسوم على السلع الأساسية، فقد تؤدي هذه السياسات إلى ارتفاع معدلات التضخم، مما يزيد من تكاليف المعيشة ويؤثر بشكل كبير على الأسر ذات الدخل المحدود وهذا بالفعل يحدث على ارض الواقع.
(2) التعليم: مخصصات قطاع التعليم في موازنة 2025 حوالي 76 مليار شيكل أى حوالي 19.6 مليار دولار أمريكي فقط، ومن هنا يمكن الإشارة إلى جزئيتين:
أ- تخصيص الموارد التعليمية: التي ستؤثر على جودة التعليم الحكومي وتطوير مناهج التعليم، ومن هنا يمكن التركيز على دعم التعليم في المناطق المركزية دون الريفية، وهو ما قد يؤثر بشكل عام على عملية التعليم.
ب- التعليم العالي: من المتوقع أن يؤثر تخصيص موارد الجامعات والمراكز البحثية على مدى توفر المنح التعليمية ومستوى البحث العلمي في إسرائيل. قد يؤثر ذلك على مستقبل الكوادر الأكاديمية وفرص الطلاب من الطبقات الاجتماعية المتفاوتة.
(3) الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية
كانت مخصصات وزارة الصحة في الموازنة حوالي 5 مليار شيكل أي ما يعادل 1.3 مليار دولار ، وتم اقرارزيادة قدرها 2 مليار شيكل للرعاية الصحية، و100 مليون شيكل للأدوية، و500 مليون شيكل لتجهيز المستشفيات.وإذا كانت الموازنة تشمل استثمارات إضافية في القطاع الصحي، مثل تطوير البنية التحتية الصحية أو تحسين الأجور للكوادر الطبية، فقد يشهد المجتمع تحسنا في جودة الخدمات الصحية، أما إذا كانت هناك تخفيضات في النفقات، فقد يؤثر ذلك على الخدمات الصحية العامة.
كما ان تقليص مخصصات الرعاية الاجتماعية، ورفع أقساط التأمين الوطني سوف يؤثر على بعض الفئات في المجتمع، مثل كبار السن، والأسر ذات الدخل المحدود، والعاطلين عن العمل، وضعاً في الاحتجاجات التي قامت بها قطاع التمريض في الكثير من المستشفيات لعدم رفع مخصصاتهم في ظل الحرب والمجهودات الإضافية التي وُضعت على عاتقهم.
(4) قطاع الإسكان والبنية التحتية
وضعت وزارة الإسكان بعض الحلول لتخفيف أزمة السكن، خاصة مع ارتفاع الأسعار التي تُزيد من صعوبة تملك المنازل، منها زيادة المخصصات للمدن لبناء وحدات سكنية جديدة بقيمة تصل إلى 60 مليون شيكل، بالإضافة إلى دعم تحويل بعض المساحات المكتبية إلى وحدات سكنية للإيجار طويل الأجل. كما يُتوقع زيادة نسبة الضريبة على شراء المنازل إلى 8%.
كما تضمنت أيضًا تقديم إعفاءات ضريبية للمستثمرين المؤسسيين الذين يبنون وحدات للإيجار طويل الأجل، مما يعزز مشاريع الإسكان. والجدير بالذكر أن الحكومة تهدف إلى بناء حوالي 70,000 وحدة سكنية سنوياً ، لكن يُشار إلى أن العديد من الخبراء الإقتصاديين يشككون في مدى قدرة هذه الخطة على تحسين الوضع الراهن دون تدخلات إضافية لزيادة المعروض بشكل مباشر وتحقيق التوازن في الأسعار للمستهلكين من أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض.
أ– الإسكان: نظراً لأزمة السكن التي تعاني منها إسرائيل، فإن أي توجه لزيادة الدعم للمشاريع السكنية قد يساعد في توفير مساكن بأسعار مناسبة، وهو ما يخفف من عبء السكن على الأسر ذات الدخل المحدود. في المقابل، قد يؤدي نقص التمويل في هذا المجال إلى استمرار ارتفاع أسعار العقارات.
ب- البنية التحتية: قد تتضمن الموازنة تمويلا لتطوير البنية التحتية مثل الطرق، والمواصلات العامة، والطاقة، وهو ما سيسهم في تحسين جودة الحياة وتعزيز الاستثمارات، لكن تكاليف هذه المشاريع قد تؤدي إلى تقليص الموارد المتاحة لقطاعات أخرى.
(5) المجتمع العربي والفلسطينيين داخل إسرائيل
قامت الموازنة بتخصيص 32 مليار شيكل تحت إدعاء تحسين الظروف الاقتصادية لفلسطيني الداخل، وفق البرنامج 922([1]).
أ- التمييز في التوزيع: قد تُظهر الموازنة ميلاً في توزيع الموارد تجاه المجتمعات اليهودية والمناطق المركزية على حساب المناطق الفلسطينية والريفية، مما يزيد من التمييز الاقتصادي والاجتماعي.
ب-التنمية الاقتصادية: إذا تم توجيه بعض الموارد نحو تنمية مجتمع فلسطيني الداخل، فقد يساعد ذلك في تقليل البطالة ورفع مستوى المعيشة في هذه المناطق، إلا أن أي إهمال قد يزيد الفجوة الاقتصادية.
(6) الفقر وعدم المساواة
قد تسهم السياسات الضريبية وسياسات الدعم الاجتماعي المدرجة في الموازنة إما في تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء أو في زيادتها، بحسب مدى اهتمام الحكومة بتقديم إعانات مباشرة أو غير مباشرة للأسر ذات الدخل المحدود.
وبالتالي فإنه حال توجيه ما خصصته الموازنة من دعم وإعطاء الأولوية للشركات الكبرى وللاستثمارات الخاصة على حساب الأسر العادية، فقد يؤدي ذلك إلى تزايد معدلات الفقر وتراجع الطبقة الوسطى.
التحديات التي قد تواجه موازنة2025
تواجه الموازنة الإسرائيلية لعام 2025 مجموعة من التحديات الرئيسية التي قد تؤثر على مسارها وتطبيقها مثل:
(1) التباطؤ الاقتصادي: يُتوقع أن يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تباطؤاً في النمو بسبب تبعات التغيرات الاقتصادية العالمية مثل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة. هذه العوامل قد تؤدي إلى تراجع الإيرادات الحكومية من الضرائب وزيادة الأعباء على الموازنة.
(2) التوترات السياسية: الاستقرار السياسي يلعب دوراً مهماً في تحديد مسار الموازنة. فوجود خلافات داخل الحكومة نفسها أو بين الأحزاب يمكن أن يؤدي إلى تأخير أو تعديل الموازنة، مما يؤثر على تنفيذ السياسات المالية المخططة.
(3) التحديات الأمنية: الإنفاق العسكري يمثل جزءا كبيراً من الموازنة الإسرائيلية. في حال حدوث أي تصعيد أمني أو تهديدات إقليمية، قد تضطر الحكومة إلى زيادة مخصصات الجيش، مما يقلل من الموارد المتاحة للخدمات الاجتماعية والبنية التحتية.
(4) الضغوط الاجتماعية: تزايد الاحتجاجات والمطالب بتحسين الخدمات العامة مثل التعليم والصحة قد يضع الحكومة تحت ضغط لإعادة توزيع الموارد بشكل يُرضي الرأي العام، ما يمكن أن يؤثر على تحقيق التوازن في الموازنة.
(5) ارتفاع تكاليف المعيشة: تعاني إسرائيل من ارتفاع تكاليف المعيشة، مما قد يدفع الحكومة إلى تقديم حزم دعم اجتماعي أو تخفيضات ضريبية، وهو ما يزيد من التحديات المالية المترتبة على الموازنة.
ختاماً:
موازنة إسرائيل لعام 2025 قد تؤدي إلى تحسينات على مستوى بعض القطاعات كالتكنولوجيا أو تزويد الجيش بالمزيد من الأسلحة والتجهيزات خلال المواجهات مع الفلسطينيين، لكن من جهة أخرى قد تزيد من الفجوة الاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، إذا لم تتم مراعاة توزيع الموارد بشكل عادل وشامل.
([1]) البرنامج 922 هو خطة حكومية إسرائيلية تم إطلاقها في عام 2015 بهدف دعم وتطوير المجتمع العربي في إسرائيل، وتقليل الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين العرب واليهود. وُضعت هذه الخطة بميزانية قدرها 15 مليار شيكل، وتركز على مجموعة من القطاعات الرئيسية مثل التعليم، والإسكان، والبنية التحتية، والصحة، والخدمات الاجتماعية. ويُعتبر البرنامج خطوة تاريخية نظراً لكونه أول برنامج واسع النطاق يهدف إلى معالجة قضايا المجتمع العربي داخل إسرائيل بطريقة شاملة.