استضافت مصر قمة الأمم المتحدة السنوية للمناخ “COP27″، والتى عُقدت فى مدينة شرم الشيخ بحضور قادة ومسؤولين ونشطاء فى مجال البيئة من كافة أنحاء العالم، ويُعد المؤتمر أحد بنود الاتفاقية الدولية التى عُقدت تحت مظلة الأمم المتحدة عام 1994م، لمواجهة الممارسات البشرية التى تؤدى إلى تغير المناخ ومحاولة علاجها والحد من تداعياتها، وانتهت القمة بتوقيع 200 دولة على اتفاقية لإطلاق صندوق مساعدات للدول الأكثر تضررًا من تغيرات المناخ، باعتبار التعويضات من القضايا المركزية التى تصدرت أجندة المؤتمر وصاحبت العديد من فعالياته.
مشاركة الوفد الإسرائيلى
شاركت إسرائيل فى القمة بوفد رأسه الرئيس الإسرائيلى “يتسحاق هرتسوج” ، الذى أسس قبل عقد مؤتمر شرم الشيخ بعدة أشهر”منتدى المناخ الإسرائيلى”، بهدف إبقاء البيئة على رأس الأولويات، بمشاركة العديد من الشخصيات السياسية والمجتمعية المهتمة بقضايا البيئة، فقدموا من خلاله مبادارت متنوعة فى هذا المجال، فقدم فيه “هرتسوج” رؤيته فى هذا الشأن ، بعنوان “الشرق الأوسط المتجدد”، فتناول سُبل تعاون إسرائيل الإقليمى مع دول المنطقة لتقديم حلول عملية لأزمة المناخ ، ورغم ذلك لم تحمل خطة الوفد الإسرائيلى دعمًا حكوميًا، نتيجة الأوضاع السياسية غير المستقرة، التى تسببت فى فشل وزيرة البيئة “تمار زاندبرج”، قبل نحو عام، فى الحصول على تعهد، ولو شفهي، من رئيس الوزراء السابق “نفتالي بينيت” بتوفير هذا الدعم، وفقًا لتصريحاتها .
افتتح “هرتسوج” الجناح الإسرائيلي فى المؤتمر، بحضور أعضاء الوفد الإسرائيلي والوزراء، “تمار زاندبرج”، وزيرة البيئة و”يفعات شاشا بيتون” وزيرة التربية والتعليم، ووزيرة العلوم والتكنولوجيا “أوريت بركش هاكوهين”، ووزير التعاون الإقليمي “عيساوى فريج”، والمسؤول عن التمثيل الإسرائيلي في المؤتمر “أمير فايسبرود”، والسفيرة الإسرائيلية في مصر”أميرة أورون”، وشهد الجناح، الذى يُعد أهم مشاركة إسرائيلية في مؤتمر المناخ منذ بدايته، عدة فعاليات تناولت مواضيع متنوعة، منها الحفاظ على التنوع البيولوجي، والحد من انبعاثات الغازات والاحتباس الحراري، والتكيف مع تغيرات المناخ، والتعاون الإقليمي والغذاء والماء وأمن الطاقة والتعامل مع ظاهرة التصحر وغير ذلك. كما ألقي كلمة أمام الجلسة العامة للمؤتمر بحضور عدد من قادة العالم، وأمين عام الأمم المتحدة، وحذر فيها من عواقب أزمة المناخ، التى أدت إلى أن يصبح الشرق الأوسط على شفا كارثة، ثم عرض خلالها رؤية شرق أوسط متجدد، وكيف ستكون الطاقة الشمسية التى سيتم انتاجها فى الشرق الأوسط، متاحة للتصدير إلى أوروبا وآسيا وإفريقيا قريبا، وأكد على استطاعة إسرائيل نقل الكهرباء الخضراء إلى أوروبا، مؤكدًا على اعتقاده بأنه سيكون لدول الشرق الأوسط القدرة على ربط العالم بمصادر الطاقة المتجددة، مشيرا إلى الجهود الإسرائيلية للقضاء على النقص الحاد في المياه، وتقديم حلول لنقص الغذاء، واستعداد إسرائيل لتبادل الخبرات مع الدول المجاورة وتوحيد الجهود في تجاوز عواقب أزمة المناخ، التى تهدد المستقبل وتتجاوز حدود السياسة والجغرافيا .
واستشهد “هرتسوج” في نهاية كلمته للتأكيد على وجوب الحفاظ على البيئة بآية من القرآن الكريم قرأها باللغة العربية، وأخرى من المقرا (العهد القديم) ، لأنها هبة الله إلي البشر ، ووقع الاختيار على عشر شركات ناشئة لتمثيل إسرائيل في الجناح، تستخدم التكنولوجيا الفائقة (هاي تيك) فى مجالات مختلفة مثل “فود تك”، و”أجريتك” للابتكار في الأغذية والزراعة، و”ريملك” لانتاج بروتينات الحليب دون استخدام الأبقار، ومجالات أخرى مثل “الطاقة المتجددة، واحتجاز الكربون، وشركة “جينسل”، التي تنتج الطاقة الخضراء من الهيدروجين، ويتم تداولها في بورصة تل أبيب .
اتفاقيات اقتصادية ورسائل سياسية
وقّعت إسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة على مذكرة تفاهُم جديدة تنص على التعاون فى مجالى الغاز والمياه المحلاة، كمرحلة ثانية من اتفاقية النوايا التى تم توقيعها قبل عام بين إسرائيل والأردن بوساطة إماراتية، حيث وقع وزير التعاون الإقليمى الإسرائيلى “عيساوي فريج”، المذكرة مع وزير الطاقة الأردنى، وكانت الأردن قد رفضت الأردن التوقيع تخوفًا مما ستُسفر عنه نتائج الانتخابات الإسرائيلية، حال صعود الصهيونية الدينية، المُتمثلة فى “بتسلئيل سموتريتش”، و”ايتامار بن جڤير”، وما قد يسببه من توتر أو قلق فيما يتعلق بوضع الأقصى والحرم القدسى، حتى بعث “بنيامين نتنياهو” رسائل طمأنة لحمله على التوقيع ، فتم التوقيع بحضور المبعوث الأميركي لشؤون المناخ “جون كيري”. واشتملت المرحلة التنفيذية على شراء إسرائيل للطاقة الشمسية من مُنشأة مقرها الأردن، ستبنيها شركة إماراتية، ويشتري الأردن المياه المحلاة من إسرائيل من خط تحلية سيتم بناء محطاته على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، كما تتضمن المذكرة تعهُدًا باستمرار تطوير الخطط حتى موعد المؤتمر القادم لمؤتمر8COP2، الذي سيُعقد في الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر 2023م، والتأكيد على البدء فى بنود الاتفاقية، على أن تكون هناك نتائج ملموسة فى العام القادم. وتُعد هذه الاتفاقية إحدى النتائج الثانوية لما عرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، والتي تعهدت فيها الإدارة االأميركية الحالية بتطويرها والبناء عليها، دون اعتبارها بديلاً عن ضرورة التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية – الإسرائيلية .
إسرائيل ليست رائدة فى هذا المجال كما تروج لنفسها
وفقًا لرأى بعض المحللين الاقتصاديين أن إسرائيل لم يكُن لديها خطة محددة الأهداف لخفض الانبعاثات الكربونية، عندما قررت المشاركة فى قمة المناخ، ولم تحقق هدفها فى خطة الطاقة المتجددة لعام 2020م حتى الآن، كما لم تتحقق الأهداف في مجال كفاءة الطاقة، ولم توقع إسرائيل اتفاقيات طويلة الأجل، كما توقفت مساعيها فى هذا الإطار منذ سنوات، بينما تزداد انبعاثاتها بنسبة تقدر بحوالى 103-203٪ بحلول عام 2030م، ورغم ذلك حاولت أن تقدم نفسها فى هذا المؤتمر على أنها رائدة في هذا ا المجال، فأقامت جناحًا للمرة الأولى بتكلفة 5 ملايين شيكل، إضافة لنصف مليون شيكل لمنظمة “بلانتك”، لتظهر دولة “ذات تقنية مناخية”.
وهكذا تسعى إسرائيل إلى أن تقدم نفسها للعالم بأن تكنولوجيتها تساعد العالم فى الانتصار على مظاهر تغير المناخ، والحقيقة هي أن إسرائيل لاتعتبر رائدة فى هذا المجال . وانطلقت الاحتفالات في الجناح الإسرائيلي، والتقط المسؤولون والنشطاء فى مجال البيئة الصور، وتباهت وزارتا البيئة والطاقة بتوقيع المبادرات، رغم أن التوقيع عليها قد تم في السابق ولم تنفذ بنودها، وإنما هو نوع من “تجديد الوعود الإبراهيمية”، فهناك فجوة بين التقدم التكنولوجي التى تروج له إسرائيل، وتأخرها في تحقيق أهداف المناخ، فهى لم تنجح فى توليد حتى 10٪ من الطاقة النظيفة، ولكنها تسعى المزيد من التنقيب عن الغاز .
أصداء المؤتمر داخل إسرائيل
وتزامنًا مع فعاليات المؤتمر، دشنت بلدية “”ريشون لتسيون” للمرة الأولى في إسرائيل حركة شبابية مخصصة للطلاب، بداية من الصف الثالث، وأطلقت عليها اسم “الشباب الأخضر”، وتتناول قضايا الجودة البيئية وإعادة التدوير والتفكير الحضارى صديق البيئة، وتنشط الحركة فى مجموعتين عمريتين من الصف الثالث إلى السادس، والأخرى تجمع طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، للعمل فى مشاريع في مجالات مختلفة، كالأعمال الفنية القائمة على إعادة التدوير، وتنظيف الشواطئ، ورعاية الحيوانات، وخلق مساحات تعليمية خضراء، تتمثل فيها القيم الرائدة للحركة في التوعية البيئية والمبادرة والنشاطات في كل ما يتعلق بالتوعية والحد من أزمة المناخ .
وفي هذا السياق وقعت جامعة حيفا بروتوكول تعاون مع جامعة خليفة الإماراتية ومركزGEOMAR Helmholtz الألمانى، لمدة خمسة أعوام، يشمل التبادل فى مجالات المعرفة والخبرة والبنية التحتية، ودراسة تغيرات المناخ وآثار تلوث البحر المتوسط في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، سيساعد في تطوير استراتيجيات للحد من الأضرار التي تلحق بالنظم البيئية تلك المناطق، وانتاج جيل جديد من الباحثين والطلاب في هذه المجالات، خاصة وأن النشاطات الأكاديمية المشتركة، ستفيد جميع سكان المنطقة، وستساعد في بناء جسور الثقة، من أجل مستقبل أفضل، خاصة في المناطق الجغرافية التي تشهد صراعات ثقافية وسياسية ودينية .
المجتمع الإسرائيلى وقضايا البيئة
لاتحتل أزمة المناخ والبيئة مكانة مناسبة في الخطاب الإسرائيلى رغم عواقبها الخطيرة، ولم تحظ كذلك فى الحملات الانتخابية. وقد جاء مؤتمر المناخ في دورته الـ27 ليدفع بها إلى صدارة الاهتمام الإعلامي. وقد أظهرت دراسة، صدرت بالتزامن مع مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ ، أن الحريديم (اليهود المتدينين) والفلسطينيين فى الداخل الإسرائيلى، أقل وعيًا بشأن تغير المناخ، حيث أعرب 29% من المستطلعين الحريديم عن عدم رغبتهم في إجراء تغيير في نمط الحياة للتغلب على أزمة المناخ مقارنة بـ 10% من الفلسطينيين، و6% من باقي الفئات السكانية، وأقل من واحد من كل خمسة من الحريديم، أى ما يعادل 19%، قلقون بشأن تغير المناخ، مقارنة بـ 50% من العرب و61% من باق الجمهور، يعتقد أربعة من كل خمسة من اليهود (غير الحريديم)، أن هناك أنشطة يمكن للأفراد القيام بها للمساعدة في وقف تغير المناخ، مثل الحد من استخدام البلاستيك استجابة لحملات وزارة حماية البيئة، مقارنة مع واحد فقط من كل 10 من الحريديم و13% من العرب، تم ذكر إعادة التدوير وتقليل الاستهلاك من قبل ربع المشاركين في الاستطلاع (26%) كخطوات مفيدة يمكن للمرء أن يتخذها، وهي وجهة نظر يشاركها 10% فقط من الحريديم و7% من الفلسطينيين، وقرر حوالى ثلاثة أرباع المستطلعين، أنهم على استعداد لإعادة تدوير الزجاجات والحاويات وتقليل استخدام البلاستيك، ووفقا لوزارة حماية البيئة، فإن الإسرائيليين ينفقون حوالى 2 مليار شيكل سنويًا على أدوات المائدة البلاستيكية، وهو ما يقارب خمسة أضعاف ما ينفقه سكان الاتحاد الأوروبي، وكان “نتنياهو” قد تعهد خلال حملته الانتخابية، بإلغاء الزيادة فى الضرائب على الأدوات البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة، والتي فرضتها حكومة بينت –لابيد، ورأت الأحزاب الدينية آنذاك أن الزيادة استهدفت ناخبيها، وهم شريحة من المجتمع تعتمد بشكل كبير على تلك المواد البلاستيكية .
وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تؤثر بشكل خاص على زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لتعداد سكانها القليل وصغر مساحتها نسبيًا، إلا أن قطاع التكنولوجيا الفائقة أولى مزيد من الاهتمام لتطوير البرامج التى قد يكون لها تأثير إيجابي على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري . ووفقًا لتقرير معهد التصدير الإسرائيلى فإن حوالي 200 شركة تعمل في مجال تقنيات المناخ تحت مسمى “كلايم تك”، فيتم تأسيس 20 شركة جديدة في إسرائيل سنويا، يعمل نصفها فى مجال البيع، والباقي في مجالات البحث والتطوير ، وبحسب بيانات شركة الأبحاث “IVC” الإسرائيلية ، فإن حجم الاستثمارات في هذا المجال في النصف الأول من عام 2022 بلغ 625 مليون دولار، وفي عام 2021 بلغت 1.6 مليار دولار .
ختامًا
أولت إسرائيل اهتمامًا كبيرًا لمؤتمر شرم الشيخ للمناخ، ونقل الحاضرون ووسائل الإعلام الإسرائيلية صورة إيجابية عن مصر واستعدادها للمؤتمر. ورأى معظم المحللين الإسرائيليين أن جناح إسرائيل، الذى أقيم للمرة الأولى، لم يحتو على الكثير، وأن إسرائيل لم يكُن لديها ما تقدمه للعالم فيما يتعلق بأزمة المناخ أو التعاون الإقليمي، وإنما مجرد مجموعة من الابتكارات الإسرائيلية،.
وهكذا لم ينصب تركيز إسرائيل الأساسي في المؤتمر على الحد من الانبعاثات أو الاستعداد لتغيرات المناخ داخلها، ولكن على ترويج التقنيات البيئية والمناخية وتسويقها وبيعها للعالم، كما لم ترصد ميزانيات مناسبة للاستثمار فى هذا المجال.
عززت إسرائيل فى هذا المؤتمر علاقاتها إلى حد كبير، ورفعت مستوى مشاركتها في مجال المناخ على الساحة الدولية، ولكن الرئيس الإسرائيلى “هرتسوج”، لا يملك وضع الميزانية وليس لديه القدرة على ضمان تنفيذ المبادرة التى قدمها دون موافقة حكومة إسرائيلية مستقرة، فقد عقدت اسرائيل اتفاقيات وحددت الأهداف فى مؤتمر العام الماضى ولكنها لم تنفذها على أرض الواقع، حتى مؤتمر هذا العام، ويبدو أن الأمر متعلق بالاستقرار السياسى الداخلى الذى تفتقده إسرائيل منذ سنوات.