تنفق إيران أموالًا طائلة لتقوية أذرعها في المنطقة، خاصة حزب الله في لبنان، والميليشيات والجماعات المسلحة المؤيدة لها، ويكون الدعم إمّا بالمال أو السلاح، ومؤخرًا زاد الحديث عن تنامي التواجد المسلح لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني الذي يحصل على أموال طائلة ودعم من إيران، وكذلك الحديث عن تنامي قدرات حركة حماس في لبنان، وتكوين جبهة قتال بمساعدة حزب الله داخل لبنان، حسب مزاعم إسرائيلية، مع عدم وجود تأكيدات من جانب حزب الله أو حركة حماس نفسها، بالتالي تحاول إسرائيل رسم صورة مفادها أن إيران تجهز نفسها أنه في حال اندلاع مواجهة، قد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة عدة جبهات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال أذرع إيران في جنوب لبنان، والتي تمثل شمال إسرائيل، وجبهة أخرى هي حماس من جنوب إسرائيل، وهي الصورة التي اعتاد الإعلام الإسرائيلي على تضخيمها بين الحين والآخر، حتى تصبح الصورة ثابتة سواء لدى المواطن الإسرائيلي أو حتى الرأي العام العالمي بأن هناك خطر دائم ومحدق بإسرائيل، سواء من حركة حماس أو أذرع إيران في المنطقة مثل حزب الله، وكذلك الخطر الأكبر المباشر وهو النووي الإيراني.

أرشيفية

مواجهة إسرائيل من لبنان

زعمت عدة تقارير إسرائيلية نجاح حركة حماس في تكوين جبهة قوية داخل لبنان، وادعت أنها أطلقت قذائف من لبنان صوب إسرائيل، ووفقا للادعاءات الإسرائيلية فثمة مخازن  أسلحة تابعة لحماس داخل لبنان، ففي الثاني عشر من ديسمبر الماضي وقع انفجار كبير في أحد مخازن الأسلحة التابعة لحماس في مدينة صور، ما خلف نحو 12 مصابًا[1] ، لكن على الجانب الآخر أصدرت حماس بيانًا يوم السبت 11 ديسمبر تؤكد فيه أن الانفجار الواقع في مخيّم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان ” ناتج عن ماس كهربائي في مستودع لأنابيب الأوكسجين واسطوانات الغاز ومواد التنظيف معد لمواجهة جائحة كورونا، وليس كما أعلنت إسرائيل، لكن في الوقت نفسه بحسب المزاعم الإسرائيلية فقد أعلنت حركة حماس مقتل أحد عناصرها في مهمة جهادية في نفس المكان دون توضيح مزيد من التفاصيل[2].

وتحدثت عدة تقارير وتحليلات إسرائيلية عن أن حماس كونت في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة في 2014، جبهة القتال الجديدة في لبنان لتكون ذراع ثانية لمواجهة إسرائيل، ووقتها تم اسناد المهمة إلى صالح العاروري القيادي العسكري في الحركة، مشيرة إلى أن حماس أنشأت هذه الذراع لتزعج إسرائيل من خلال اطلاق بعض القذائف من وقت لآخر، ثم لإلهاء إسرائيل عن غزة، بفتح جبهة قتال أخرى تكون حماس طرفًا فيها من داخل الأراضي اللبنانية، حتى يتسنى للحركة بناء قدراتها بشكل أوسع داخل قطاع غزة.

وجه المحلل السياسي دان شيفتن في صحيفة “إسرائيل اليوم” تحذيرًا إلى الجانب الإسرائيلي بسبب ما سماه بالهدوء الحذر من قبل حركة حماس، واعتبره هدوء خادعا من الحركة، خاصة أنها لا تناوش من داخل قطاع غزة، لكنها تخلق ساحات مواجهة إضافية من داخل لبنان، كما حذر من تلقي الحركة أمولاً طائلة من أجل بناء قدراتها من جديد داخل غزة، مؤكدًا أن التصعيد ضد إسرائيل من قبل بعض البلدات العربية في المناوشات الأخيرة مثل حي الشيخ جراح وانتفاضة عدة بلدات عربية كان سببه حركة حماس.

لكن يجب القول والتأكيد بأن حزب الله لن يسمح لحركة حماس بتهديد إسرائيل إنطلاقًا من الأراضي اللبنانية دون علمه أو تحت إشرافه حتى لا يتم توريط الحزب في نزاع او حتى حرب إقليمية تكون فيها الأراضي اللبنانية ساحة اقتتال أو مواجهة، خاصة مع تبني حزب الله في السنوات الأخيرة وهي عدم التسرع والتعجل في المواجهات المسلحة والتركيز على بناء قدراته أو حتى تحقيق مكاسب سياسية، بكلمات أخرى أكثر وضوحًا، لن يسمح حزب الله بأن تكون هناك أي سيطرة لأي فصيل أو حركة سوى قواته، حتى أذرعه التي يشرف عليها، والتي بالضرورة تخضع بصورة أو بأخرى لإيران سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لن تتصرف وفق هواها أو تحدث مقاومة أو مواجهة مع إسرائيل دون تخطيط واشراف حزب الله.

أرشيفية

المواجهة المحتملة مع إيران

كل ما سبق يدلل على وضع احتمال المواجهة بين إيران وإسرائيل، كخيار قائم ودائم بين الطرفين، والسبب هو تطلعات طهران النووية، ورغبة إسرائيل الدائمة في كبح جماح الرغبات الإيرانية، ولا تتوقف المواجهات بين الجانبين في العديد من المجالات، مثل الحروب السيبرانية، والتي يحدث فيها الطرفان خسائر فادحة لكل منهما، وكل طرف يحاول أن يعد العدة لأي مواجهة محتملة، سواء كانت مباشرة بسبب أزمة النووي الإيراني، او غير مباشرة من خلال أذرع إيران في المنطقة، خاصة في ثلاث جبهات وهي غزة ولبنان وسوريا، حيث تدعم إيران أذرعها وتسلحها تحسبًا لأي مواجهة محتملة مع الجانب الإسرائيلي، فوقتها تفتح إيران كافة الجبهات لمحاصرة إسرائيل، وهو ما يؤكد تنامي قوة الذراع الحمساوي في لبنان لنفس الغرض.

المواجهة بين الواقع والمأمول

فكرة المواجهة بين إسرائيل وإيران، بسبب التطورات الأخيرة منذ وصول إدارة بايدن للحكم، تظل خاضعة للحرب الكلامية بين الطرفين، فمن المعروف أن المنشآت النووية الإيرانية متفرقة وليست في مكان واحد، بالتالي فإن قدرات إسرائيل العسكرية على المواجهة وتدمير كافة المنشآت أمرًا ليس هينًا من الناحية العسكرية، حتى لو فكرت إسرائيل في ضرب منشأة نووية إيرانية كنوع من الردع لإيران وإثنائها عن المضي قدمًا في استكمال مشروعها النووي، فمن المؤكد أن تلك الضربة سيكون لها ردود فعل عسكرية على الجانب الإسرائيلي من خلال الأذرع الإيرانية المختلفة في المنطقة والتي تحيط إسرائيل من الشمال والجنوب، كما أن إقدام إسرائيل على أي مواجهات عسكرية مباشرة مع إيران سيضع تل أبيب في صدام مع الحليف الأمريكي، فمن المؤكد أن إدارة بايدن لن ترضى أن تسبب لها تل أبيب إحراجًا أمام العالم، خاصة أنها تقود الحملة للعودة للاتفاق مع دول 5+1 .

أرشيفية

العودة للنقطة صفر

وعلى الرغم من السيناريوهات المطروحة لكن ثمة دعوات لتجنب أي مواجهة عسكرية وهي من مصلحة إسرائيل وكذلك حزب الله وحماس وإيران، وهو ما تحدث عنه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي من خلال تقرير بعنوان “الحرب القادمة في الشمال: السيناريوهات، البدائل الاستراتيجية، التوصيات”[3]، ملخصه أن من مصلحة جميع الأطراف تجنب الحرب، لكنه أشار إلى أن اندلاعها يظل قائمًا بسبب سوء تقدير أحد الأطراف لأي موقف، وعليه قد تندلع الحرب، ولفت التقرير إلى أنه حال المواجهة فإن تل أبيب ستكون حربها في الشمال ضد جبهة تقودها إيران، وتتمركز في لبنان وسوريا وغرب العراق، ولكنها ستطول الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ووقتها ستتضرر تل أبيب بشكل غير مسبوق، وستطول الحرب البنى التحتية والمنشآت والموانئ والمرافق، وعليه فسيحدث شلل في الاقتصاد الإسرائيلي، كما حذر المعهد من القدرات العالية لأذرع إيران في كافة المجالات.

نجحت حركة حماس، بضوء أخضر من إيران وحزب الله، في تكوين جبهة قتال جديدة مزعجة لإسرائيل من داخل لبنان، وهو ما يُصعب أي خيار عسكري مستقبلي تفكر به إسرائيل، وعليه فقد نجحت إيران في تقوية أذرعها وتطويق إسرائيل شمالًا وجنوبًا، لجعلها تفكر ألف مرة قبل الشروع في أي مواجهة مباشرة مع إيران بسبب الطموحات النووية الإيرانية، والهدف الإيراني هو تشتيت إسرائيل، والمضي قدمًا في برنامجها النووي، حتى مع زيادة حدة نبرة الصوت الإسرائيلي المُهدد لإيران، بعد مساعي إدارة بايدن للعودة للاتفاق النووي، تسير إيران لتحقيق نجاحات أكبر بفضل دعم الإدارة الأمريكية لتلك الخطوات، ونتوقع حدوث خلافات قوية بين إسرائيل والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة بسبب الملف النووي الإيراني، وسيقتصر الأمر على مناوشات من أذرع إيران لإسرائيل من أجل إيصال رسالة مفادها أن إيران تستطيع وقتما تريد إزعاج الجانب الإسرائيلي من خلال أذرعها المختلفة.


[1] https://www.srugim.co.il/626396-%D7%A4%D7%99%D7%A6%D7%95%D7%A5-%D7%A2%D7%A0%D7%A7-%D7%91%D7%9E%D7%97%D7%A1%D7%A0%D7%99-%D7%A0%D7%A9%D7%A7-%D7%A9%D7%9C-%D7%97%D7%9E%D7%90%D7%A1-%D7%91%D7%9C%D7%91%D7%A0%D7%95%D7%9F

לבנון: פיצוץ ענק במחסני נשק של חמאס בעיר צור | תיעוד (ynet.co.il)

[2] https://www.ynet.co.il/news/article/bykwuuz5k

[3] https://www.inss.org.il/publication/next-war-in-the-north/

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version