تم نشر هذا المقال في المائدة المستديرة بعنوان ( الإنتخابات الإسرائيلية ال25 ) التي أقامها مركز الدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم تحت قيادة الأستاذ الدكتور محمد صالح رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية، وذلك يوم الأربعاء الموافق 26 أكتوبر 2022

إن أبرز ما تتميز به الساحة السياسية الإسرائيلية هو تعدد الأحزاب، ومرجع هذا التعدد يعود إلى التركيبة المتناقضة للمجتمع الصهيوني، فهوعباره عن خليط غير متجانس من الجماعات ذات الأصول المتباعدة دينيًّا، وثقافيًّا، واجتماعيًّا. وكان من الطبيعي أن يؤدى هذا التنافر إلى أن تعبر كل فئه أو جماعه عن نفسها في حزب سياسي لحماية مصالحها، والتعبير عن متطلباتها السياسية والاجتماعية.
وقد تعددت الأحزاب الدينية ولكنني سأركز على الائتلاف الصهيوني الديني الذي أحدث ضجة كبيرة وهو ائتلافًا مكونًا من الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش و” عوتسما يهوديت” العصبة اليهودية بقيادة إيتمار بن جفير، وقد اتخذوا لأنفسهم شعار يحتذوا به وهو ” بالروح العظيمة والإيمان والشعور بالمسؤولية سننتصر!”.
واعلن هذا الائتلاف ولاؤه لمبادئ الصهيونية الدينية، وتم الإعلان عما يلي:
(1)تعزيز الهوية اليهودية لإسرائيل.
(2) الحرص على تشكيل حكومه يمينية .
(3)اصلاح النظام القضائي،من خلال برنامج “القانون والعدالة” الذي أعلن عنه سموتريتش.
(4)تقوية الاستيطان.
الجدير بالذكر أن قائمة” الصهيونية الدينية ”دخلت انتخابات الكنيست الـ24 للمرة الأولى، وكانت وقتها ثلاثة أحزاب صهيونية يمينية متطرفة، وهي: حزب )الاتحاد الوطني- تكوما( بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وحزب )عوتسما يهوديت- العصبه اليهودية ) بقيادة إيتمار بن جفير، وحزب (نوعام) بقيادة آفي ماعوز.
بينما عن الانتخابات ال25 سعى نتنياهو لعمل ائتلاف بين حزبي الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش ، و” عوتسماه يهوديت بقيادة بن جفير، حيث انه قدّم لهما وعودًا بمنحهما مناصب وزارية إذا نجح في الانتخابات. وقد حصلا على 14 مقعد وهي المرتبة الثالثة، وهذا أمر خطير لأنه يعني جنوح أغلب الناخبين الإسرائيليين نحو اليمين المتطرف. وكان من الضروري معرفة من هم رؤساء الحزبين ولماذا كل الضجة التي حدثت حولهما؟


من هو بتسلئيل سموتريتش ؟
هو من مواليد 1980، حاصل على درجة الماجستير في القانون، وهو واحد من مؤسسي حركة “ريجافيم” (وهي ذراع من أذرع اليمين، تُعرف نفسها على أنها حركة جماهيرية هدفها الحفاظ على الأرض ومحاربة السيطرة غير القانونية على الأراضي، وذلك من خلال ضمان حفظ -القانون الإسرائيلي- في كل ما له صلة بالأرض وتقوم هذه الحركة بالحصول على تمويل حكومي.
كما انه من خريجي المعهد الديني “مركر هراف”الذي تم تأسيسه عام 1924م على يد الحاخام إسحاق هكوهين كوك وهو يعد الأب الروحي للصهيونية الدينية ، وهو مركز تعليمي يجمع بين الدين اليهودي والصهيونية، وقد حرص المنتمون له على تكريس مركزية “أرض إسرائيل” – كما وعدهم الرب – بها والولاء لها وكما انه يشدد على المنتسبين له على الفريضة الرابعة من الفرائض التي ذكرها الحاخام موشية بن نحمان وهى فريضة استيطان الأرض ويؤكد الحاخام أنها فريضة واجبه في كل العصور والتأكيد على رفض أي تنازلات عنها ” ألا نتركها في أيدي غيرنا من الأمم”. والتشديد على كل ما يخص -أرض إسرائيل- ، غير أنه قد أسس المنتمون للمركز معاهد دينية لدراسة فرائض الأرض مثل ” التوراة والأرض ، والأرض الجميلة. وقد وصل سموتريتش إلى الكنيست لأول مرّة في انتخابات 2015.


من هو إيتمار بن جفير؟
هو مواليد 1976، هو ناشط سياسي يميني متطرف، وهو يتخذ من الحاخام مئير كهانا نموذجًا يحتذى به؛ وهو حاخام متطرف كان يدافع من أجل تأسيس دولة دينية وطرد كل الفلسطينيين. وأضاف المؤرخ سيمون إبستاين أن “الحاخام كهانا ترك العديد من التلاميذ المؤيدين له، لكن كان ابن جفير التلميذ النجيب الذي فهم بأنه من الضروري أن يخفف من حدة خطاباته العنصرية في حال أراد أن يدخل إلى الكنيست”. وبعدما يصل لهدفه يُطلق العنان لفكره وأيديولوجيته.
وقد قاد مجموعة من المستوطنين في اقتحام المسجد الأقصى، تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي.وسبق وتم اتهامه من قِبل القضاء الإسرائيلي أكثر من خمسين مرة بـ”نشر العداء الكراهية”. ودرس الحقوق ليصبح بعد ذلك محاميًّا “يدافع عن نفسه وعن كل المتطرفين والناشطين في التيار اليميني المتطرف”.
ومما سبق يمكننا فهم وتحليل شخصية سموتريتش وابن جفير على انهما قد تربيا على الفكر الصهيوني الديني الذي يكرس فكرة الأرض ويعتبرها أرض يهودية ولا مكان للفلسطينيين فيها، والفكر الصهيوني الديني يتبنى شعار( أرض اسرائيل لشعب اسرائيل وفقًا شريعة اسرائيل)، وايضاً شعار (التوراة والعمل).
وقد أدى نجاح التيارات الدينية المتطرفة إلى تزايد قلق القوى والتيارات الأخرى، وهو ما عَبَرت عنه تلك القوى على النحو التالي:
قال يائير لابيد مُعلقًا على تواجدهما في الانتخابات: “إذا وصلت هذه العصابة إلى السلطة، فسوف تبذل كل جهدها لتدمير الديمقراطية الإسرائيلية، وإلغاء سلطة المحاكم، وتدمير الفصل بين السلطات في إسرائيل”. وإذا تم تشكيل الحكومة ستكون الحكومة اكثر تطرفًا.
قال جانتس: “بعد الانتخابات إذا تم تشكيل حكومة متطرفة وعنصرية بقيادة نتنياهو، وأصبح بن جفير وسموتريتش وزيرين رفيعي المستوى في الكنسيت، فسننتقل من ديمقراطية ليبرالية إلى ديمقراطية فارغة.
هذا غير تحذير بعض المنظمات اليهودية فى الولايات المتحدة والتي عبّرت عن قلقها العميق في حال قيام نتنياهو بتشكيل حكومة مع ابن جفير، موضحين أن هذا الأمر يعتبر إساءة لإسرائيل لدى الرأى العام الأمريكى.
سموتريتش ومقاصده المباشرة وغير المباشرة:
حرص سموتريتش على طلبه لحقيبة وزارة الدفاع خاصة بعد فوز نتنياهو ، وقد اعلن عن بعض نواياه في اطار خطط معلنة مدعيًّا التجديد والاصلاح مثل:
(1)”القانون والعدالة”
خطة سموتريتش “القانون والعدالة”، والتي لم تكن من أجل إنقاذ نتنياهو من المحاكمة، بل سيتم من خلالها السيطرة على السلطة القضائية، والنيابة العامة والمحكمة العليا، وهذا سيعمل على سيطرة اليمين عليهم.
كما تحاول الخطة القضاء على استقلالية المستشار القانوني للحكومة وهذا ما سينفذه سموتريتش عن طريق تقسيم منصب المستشار القانوني وتحويله إلى منصب يتولاه شخص موثوق من قبل رئيس الحكومة. وهذا يجعلنا نرى أن فكر سموتريتش لم يكن هينًا فهو يريد دولة أشبة بالنظام الإيراني، حيث يرى أنه يجب أن تدار إسرائيل حسب حكم التوراة.

(2) “حسم الصراع”
قدم أيضًا خطة تتعلق بالجدل اليهودي القائم حول حل الدولتين، حيث يرى أن لا دولة سوى -دولة اليهود- والتي تستند في شرعيتها على الوعد الإلهي، وضرورة فرض السيادة الإسرائيلية على كامل الأرض وتحديدًا الضفة الغربية، وضرورة بناء العديد من المستوطنات.
ومنها لم يكن على الفلسطينيين إلا:
*أن يتركوا الأرض.
*العيش مع اليهود على انهم فئة إنسانية أقل منهم، وهناك فصلًا كاملًا عنصريًّا في التلمود يحدد التعامل مع غير اليهود والذين يقطنون مع اليهود على أرضٍ واحدةٍ.
*يقاوموا اليهود ووقتها سيتحدث الجيش وحده مع هؤلاء.
النتائج المترتبة على وصول الصهيونية الدينية لتشكيل الحكومة:
الجدير بالذكر أن ابن جفير طلب من نتنياهو ثلاث حقائب وزارية لحزبه وأن يمسك هو زمام وزارة الأمن بحجة أن لديه العديد من الإصلاحات التي تتعلق بالأمن، وطلب سموتريتش حقيبة وزارة الدفاع، وهما من الوزارات المهمة وهذا سيؤدي إلى تحول النظام الإسرائيلي لنظام اشبه بالنظام الإيراني.ووجودهما سيعرقل الكثير من القضايا مثل:
(1) اليمين المتطرف يسعى إلى تحقيق الكيان السياسي للشعب وفق الرؤية التوراتية، وكما أنه يهتم في عقيدته بنبوءات آخر الزمان التي منها نبوءة بناء الهيكل الثالث المزعوم وفقا لما ورد في التلمود، ومن ثَم هذا يؤدي إلى تزايد انتهاك ومحاولات السيطرة على المسجد الاقصى من خلال اقتحامه وإقامة الشعائر التلمودية فيه امتثالًا لأجندة ابن جفير.
(2)يرفض اليمين المتطرف فكرة حل الدولتين جملةً وتفصيلًا. فاليمين بشكل عام واتباع الصهيونية الدينية بشكل خاص لا يريدون ترك شبرًا واحدًا من الأرض ومقتنعون أن الانسحاب من الضفة تحديدًا لا يؤدي إلى سلام، ولكنه سيؤسس دولة معادية في قلب الأمة اليهودية التوراتية. وهذا عكس ما يتبناه اليسار من فكر فهم يرون بأن التنازل عن بعض الاراضي واقامة دولة فلسطينية سيحمى الديمقراطية الإسرائيلية كما يدعون، وهذا ما تبناه يائيرلابيد في خطابه امام الأمم المتحدة.
(3)يرى قادة الصهيونية الدينية وعلى رأسهم ابن جفير ضرورة إعدام المقاومين الفلسطينيين، ويناشدون برفض إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، حتى نضمن صفقات تبادل بينهم وبين الأسرى الإسرائيليين.
(4) تطبيق بعد الأمور في الشريعة على غرار ما قاله سموتريتش بعد فوز ننتياهو من ضرورة إلغاء أقامة مباريات كرة القدم يوم السبت نظرا لقدسيته في الشريعه اليهوديه مما اثار تعليق الكثير من المحللين السياسيين.
(5) دعم الاستيطان خاصة في الضفة الغربية، وإعادة القبضة الحديدة على النقب وهدم بعض البيوت الفلسطينية غير المرخصة.
ختامًا: وصول هذا الائتلاف لتشكيل حكومة بهذه الايديولوجية سيجني ثمار غير مرضية وتطرف معلن وقوي ، ربما سيطرح تأثيراته السلبية على صورة إسرائيل.
الجدير بالذكر أن تلك الاحزاب ليس لديها ايديولوجية سياسية فالكل يعمل على مصالحه هو، وصعود اليمين الصهيوني المتطرف بهذا الشكل وعدم الاتفاق فيما بينهم سيؤدي إلى الفشل السريع لهذا الإئتلاف.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version