وقّع المغرب وإسرائيل، في 24 نوفمبر 2021م، اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، وذلك خلال زيارة رسمية قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس للرباط. وتُعد تلك الاتفاقية الأولى من نوعها بين إسرائيل ودولة عربية، وهي تتيح للمغرب اقتناء معدات أمنية إسرائيلية متطورة، وتقضي بالتعاون في مجالات التخطيط العملياتي والبحث والتطوير وإجراء المناورات المشتركة.
وتأتي هذه الاتفاقية بعد عام من تطبيع العلاقات بين البلدين وفق اتفاق ثلاثي تعترف بموجبه واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
علاقات تمتد لعقود!
لم تكن اتفاقية التعاون العسكري بين الرباط وتل أبيب وليدة اللحظة، بل إن العلاقات الثنائية تمتد لعقود طويلة شهدت خلالها مستويات مختلفة من التعاون السياسي والاستخباراتي والعسكري والمدني. وفي حين كانت العلاقات الرسمية تجري في الخفاء، كانت العلاقات المدنية شبه علنية.
وبدأ التعاون المشترك في ستينيات القرن الماضي بهدف التصدي لتوجهات القومية العربية ومحاربة إسرائيل في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يتبنى الفكر الاشتراكي، بينما كان المغرب يتبنى الفكر الرأسمالي. وقدمت إسرائيل مساعدتها للمغرب في مواجهة عدو مشترك آخر وهو الجزائر. كما أن احتياج تل أبيب لتهجير يهود المغرب لإسرائيل سرًا أدى إلى التقارب وتعزيز العلاقات الأمنية بين الدولتين. وفي سبعينات القرن الماضي قام الملك الحسن عاهل المغرب، بدور الوساطة بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية. ونجحت الوساطة المغربية في إقناع الرئيس السادات بزيارة تل أبيب.
ورغم أن التعاون العسكري لم يكن قائما بين الدولتين، إلا أن إسرائيل ساعدت المغرب في التصدي لجبهة البوليساريو، وقدمت مشورتها في بناء جدار أمني في المنطقة التي سيطر عليها المغرب في الصحراء الغربية. ومن المعروف أيضًا أن إيهود باراك كان أحد كبار القادة العسكريين الإسرائيليين الذين زاروا الصحراء الغربية أكثر من مرة. ومنذ عقود توسطت إسرائيل لدى الكونجرس والإدارة الأمريكية للحصول على اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ولكن دون جدوى.
وكانت الرباط قد أقامت علاقات دبلوماسية علنية مع تل أبيب إثر توقيع اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، ثم قطعتها بسبب قمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي انطلقت عام 2000. واستأنف البلدان علاقاتهما أواخر العام الماضي، ليكون المغرب ثالث بلد عربي يطبع علاقاته مع إسرائيل خلال عام 2020 برعاية أمريكية، بعد الإمارات والبحرين.
آفاق التعاون…
تدعم الاتفاقية الثنائية بين المغرب وإسرائيل التعاون المشترك عسكريًا وأمنيًا واستخباراتيًا، عبر إنشاء قنوات رسمية بين الأجهزة الاستخباراتية والأمنية للبلدين، فضلًا عن وضع أرضية للتعاون الصناعي والتقني، وتبادل الزيارات وإجراء التدريبات العسكرية المشتركة.
وتمثل الاتفاقية فرصة لاستفادة المغرب من خبرة التصنيع العسكري الإسرائيلي في مجال التسليح بشكل عام، وصناعة الطائرات المسيرة بشكل خاص، حيث أبدت إسرائيل استعدادها لمشاركة المغرب خبرتها في هذا المجال.
دوافع المغرب..
إن إبرام اتفاقية التعاون المشترك بين تل أبيب والرباط يأتي في ظل سياق إقليمي متوتر بعد إعلان الجزائر في أغسطس الماضي قطع علاقاتها مع الرباط.
وتتفهم الرباط مدى تفوق قوات المشاة والمدرعات في الجيش الجزائري، مقارنةً بالجيش المغربي، ولذا أقدم قادة الجيش المغربي على الاستعانة بالأنظمة العسكرية المتطورة، عبر إبرام اتفاقية التعاون العسكري غير المسبوق مع تل أبيب، خاصةً أن الأسلحة الإسرائيلية حققت نجاحات ملحوظة في عدة جبهات، منها جبهة ناجورنو كاراباخ أمام أرمينيا.
مكاسب المغرب..
من خلال إبرام اتفاقية التعاون العسكري والأمني مع إسرائيل، فإن المغرب سيضمن اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بسيادته على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو، وسيضمن أيضا وقوف تل أبيب وواشنطن إلى جانب المغرب في أي نزاع عسكري محتمل مع الجارة الشرقية “الجزائر”.
وبحسب الاتفاقية، فإن المغرب سيطور قدراته الاستخباراتية والعسكرية، حيث وعدت إسرائيل بتطوير صناعة مغربية محلية لإنتاج طائرات بدون طيار وهو ما من شأنه تعزيز قدرات القوات الجوية المغربية.
مكاسب إسرائيل..
من أهم المكاسب التي ستحققها إسرائيل من خلال تعاونها الأمني والعسكري مع المغرب، هو تفكيك المنظومة العربية وتهميش القضية الفلسطينية، وإحداث الوقيعة بين دول المغرب العربي، فضلًا عن ضم المغرب لمعسكر الدول السنية المناوئ لإيران، وكذلك استغلال المغرب كقاعدةً انطلاق لتوسيع النفوذ الإسرائيلي في القارة السمراء، خاصة في دول غرب أفريقيا.
وقد أبدت إسرائيل رغبتها في تطوير صناعة مغربية محلية لإنتاج طائرات بدون طيار وهو ما من شأنه تعزيز قدرات القوات الجوية المغربية. وسيتمكن الإسرائيليون من إنتاج طائرات بدون طيار بكميات كبيرة وبثمن أقل بكثير في المغرب، ما سيسمح لهم بغزو أسواق الدول الأفريقية بفضل الاستعانة بأيدى عاملة مغربية زهيدة التكلفة، وبما يُسهم في تعزيز مكانتها الإقليمية، لا سيما مع حرص الجيش الإسرائيلي ومخابراته العسكرية على إقامة علاقات مباشرة مع المؤسسة العسكرية المغربية، من دون الحاجة إلى دور الموساد في هذا الصدد.
الأطراف المتضررة!
أثار تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرباط حفيظة العديد من الأطراف الإقليمية، لكن إبرام اتفاقية التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل قد يُثير مخاوف فعلية لدى تلك الأطراف وفي مقدمتها:
1- الجزائر: يحمل التعاون العسكري والأمني بين تل أبيب والرباط رسالة تهديد من قبل إسرائيل للجزائر التي ترفض التطبيع مع تل أبيب، وتعارض بشدة انضمام الدولة العبرية إلى منظمة الوحدة الأفريقية، حيث أقنعت العديد من دول القارة السمراء بالوقوف ضد منح إسرائيل صفة مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية، فضلا عن تمسك الجزائر بحل القضية الفلسطينية قبل أي حديث عن التطبيع مع تل أبيب. ومن جهة اخرى، فإن هذا التعاون العسكري سيُفقد الجزائر تفوقها العسكري على جارتها المغرب، وهو ما قد يدفع القيادة العسكرية الجزائرية لسباق تسلح للحيلولة دون حدوث تغيير في ميزان القوى الإقليمي في المغرب العربي، وهو ما قد يُسهم في لجوء الجزائر للتحالف مع دول أخرى مثل تركيا أو إيران للحفاظ على تفوقها العسكري النسبي.
2- إسبانيا: على الرغم من أن قائد الأركان الأسباني الأميرال/ ثيودورو لوبيث كالدرون، قد أكد مؤخرًا أن المغرب لا يشكل في الوقت الراهن تهديدًا على أمن سبتة ومليلية، وأنه لم يُعرب عن رغبته في استعادتهما عسكريًا، إلا أن مدريد ترى أن مصالحها في البحر المتوسط قد تتأثر سلبًا بفعل التقارب المتزايد بين الرباط وتل أبيب، خاصةً أن التعاون المغربي الإسرائيلي يشمل بناء قاعدة عسكرية بالقرب من الحدود الأسبانية، أي بالقرب من مدينة مليلية، وهي جيب إسباني يطالب المغرب بالسيادة عليه، الأمر الذي تعتبره إسبانيا تهديدًا لأمنها ومصالحها الإقليمية.
3- جبهة البوليساريو: لم تَكُفّ جبهة البوليساريو منذ إعلان الولايات المتحدة الاعتراف بالسيادة االمغربية على الصحراء الغربية قبل نحو عام، عن التلويح بالحرب وقامت ميليشياتها بشن عمليات عسكرية ضد المغرب. ولكن بعد إبرام اتفاقية التعاون العسكري بين تل أبيب والرباط، باتت جبهة البوليساريو تدرك أنها أصبحت محاصرةً سياسيًا وعسكريًا في ملف الصحراء؛ لأن التعاون العسكري المغربي / الإسرائيلي بدد آمالها في تحقيق نصر عسكري، وهذا ما سيدفعها إلى تعزيز تعاونها العسكري مع الجزائر في ظل تغير موازين القوى لصالح المغرب.
خلاصة القول:
1- يُعد اتفاق التعاون العسكري والأمني بين المغرب وإسرائيل سابقةً خطيرةً في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنه سيؤدي إلى تغيير مفاهيم أولويات الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يُرسخ ذلك الاتفاق مفهومًا جديدًا وهو تحقيق المصلحة الخاصة للدول العربية من دون ربط ذلك بإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
2- إسهام هذا الاتفاق في السماح لإسرائيل بالتغلغل الأمني والاستخباراتي في دول العالم العربي، ربما يُشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن القومي العربي. لا سيما وأن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” ستكون على مشارف مضيق جبل طارق، بعد أن تمكنت من التواجد بالقرب من مضيق باب المندب من خلال مواقعها في منطقة القرن الأفريقي.