انتهت الانتخابات الإسرائيلية، ولكنها لم تنجح في إنهاء الأزمة السياسية التي تمر بها إسرائيل، فهذه هى الانتخابات الرابعة في أقل من عامين، والتي تنم عن عمق الأزمة التي تضرب أوساط الأحزاب الإسرائيلية، ففي خلال العامين استطاع نتنياهو أن يشق هذه الأحزاب وأن يقصي أي محاولة لعزله، أو حتى مجرد التفكير بالسماح لبروز قيادة تستطيع أن تقود اسرائيل بدلا منه.
أسفرت النتائج شبه النهائية لهذه الانتخابات، وبعد فرز 4.4 مليون صوت (بلغت نسبة التصويت 67.1 %)، حصل حزب الليكود على 30 مقعدا، “يش عتيد” 17 مقعدا، شاس 9 مقاعد، “يهدوت هتوراه” 7 مقاعد، “كاحول لافان” 8 مقاعد، حزب العمل 7 مقاعد، “يميناه” 7 مقاعد، “يسرائيل بيتينو” 7 مقاعد، القائمة المشتركة 6 مقاعد، “الصهيونية الدينية” 6 مقاعد، “تكفا حداشا” 6 مقاعد، “ميريتس” 6 مقاعد، والقائمة الموحدة (راعم) 4 مقاعد.
وتبين هذه النتائج أن قوة معسكر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، 52 مقعدا، بينما قوة المعسكر المناوئ لنتنياهو 57 مقعدا، بدون حزب يمينا (7 مقاعد) و القائمة العربية الموحدة التي حصلت على (4 مقاعد).
البرنامج الزمني لتشكيل الحكومة
في الخامس من إبريل، يجتمع الرئيس الإسرائيلي “ريفلين” برؤساء الكتل والأحزاب الممثلة في الكنيست، للاستماع إلى توصياتهم عن الشخصية التي يختارون دعمها لرئاسة الوزراء، وبعد مرور 24 ساعة، يؤدي أعضاء الكنيست الجدد اليمين الدستورية، وبعدها بيوم يقوم الرئيس ريفلين بتسمية الشخص الذي سيتم تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.
ويمنح بموجب هذا التكليف 28 يوما، ويمكن لرئيس الدولة منحه أسبوعين إضافيين بحيث ينتهي التكليف في 19 مايو القادم، عندها يكلف شخص آخر بتشكيل الحكومة ويمنح نفس المدة، وفي حال فشله، يتم الإعلان عن موعد جديد للانتخابات الخامسة خلال عامين.
وبهذه النتيجة لا يستطيع نتنياهو الحصول على الأغلبية اللازمة لضمان تشكيل حكومته، فهو بحاجة إلى 9 مقاعد، لتشكيل حكومة يمينية ضيقة، وهذا يتيح لنا أن نضع عدة سيناريوهات لشكل الحكومة القادمة، أو اللجوء إلى انتخابات خامسة.
السيناريو الأول :
حكومة يمينية ضيقة بضم حزب يميناه، ودعم القائمة الموحدة من الخارج (63) عضو كنيست، وربما يكون هذا السيناريو قابلا للتحقق، لكن يحتاج نتنياهو لتحقيقه أن يقع تحت طائلة إبتزاز زعيم حزب يميناه “نفتالي بينيت” وشروطه التي قد تصل إلى طلبه من نتنياهو التناوب على رئاسة الحكومة، بالإضافة إلى إقناع سموتريتش (الصهيونية الدينية) بالقبول بدعم القائمة العربية الموحدة لهذه الحكومة، برغم التصريحات التي صدرت من الطرفين بعد نتائج الانتخابات بعدم قبول كل طرف لوجود الآخر (الصهيوينة الدينية – القائمة العربية الموحدة).
قد يدفع ذلك نتنياهو للضغط على حليفه سموتريتش، لإدخال تغيير في حدود مواقفه من أجل أن يؤمن لنفسه النجاة من المحاكمة، برغم أن هذه الأحزاب المتطرفة مبنية على موقف عنصري تجاه العرب، لدرجة عدم القبول بحصولهم على مساواة وحقوق كاملة، فسيكون من الصعوبة القبول بأن يكون بقاء الحكومة مرتبطا بحزب عربي. الأمر الذي يرجح حصول إتفاق من أجل تمرير قانون الحصانة، ثم الذهاب مرة أخرى للانتخابات، وسيكون هذا إتفاق غير معلن بين نتنياهو وحلفاءه من الأحزاب الدينية.
السيناريو الثاني:
تشكيل حكومة يمينية ضيقة، تضم ائتلاف القوى والأحزاب اليمينية والدينية، مع ضم حزب يميناه، وعضوين يحصل عليهم بعد شق حزب ساعر اليميني “تكفا حداشا” ليصبح الإجمالى (61 عضوا).
ويمكن لهذا السيناريو أن يتحقق، خصوصاً أن هناك مخططا لمظاهرات يمينية وليكودية للخروج ومطالبة ساعر بالعودة الى الائتلاف بقيادة “نتنياهو”، وهذا ما يرفضه حتى الآن ساعر، إلا أنه قد يقنع بعض أعضاء “تكفا حداشا” بالإنضمام للائتلاف، خصوصا أن عدد المقاعد التي حصل الحزب عليها محدودة، مقارنة بالأعداد التي حصل عليها في استطلاعات الرأى قبل الانتخابات.
السيناريو الثالث:
تشكيل “ائتلاف التغيير” للحكومة، وهذا السيناريو يعتمد على أن كتلة “لا نتنياهو” والتي حصلت على 57 مقعداً، والمكونة من أحزاب يمين الوسط واليسار والقائمة المشتركة تحتاج إلى القائمة العربية الموحدة أو يميناه، وليس بالضرورة كلاهما.
ويكون هذا الائتلاف هدفه الإطاحة بنتنياهو، وهذا السيناريو يتوافق مع ما طرحه “ساعر” من فكرة تشكيل “حكومة التغيير”، أي أنها حكومة لا تتخذ قرارات مصيرية _فقط اقتصادية_ ويمكن أثناء فترة حكمها سن قانون يمنع أي عضو موجه له إتهامات من تشكيل حكومة، وتقر موازنة جديدة، بدلا من موازنة الطوارىء التي ترجع للعام 2019، ثم الذهاب بعد ذلك للانتخابات دون التخوف من عودة نتنياهو للحكم مرة أخرى.
الا أن ائتلافا كهذا لن يستمر، وسيشكل تحديا لإدارة الرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن” لو كان برئاسة نفتالي بينيت، لأنه يدعو لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ومن ثم فان ائتلاف التغيير مع القائمة العربية الموحدة هو خيار قد تدعمه واشنطن من وراء ستار.
السيناريو الرابع:
هو انتخاب رئيس كنيست يقبل عرض قانون يمنع المتهم من تشكيل حكومة، وهذا سيقصي نتنياهو، وبالتالي سيكون من السهل تشكيل حكومة من اليمين ويمين الوسط والأحزاب الحريدية، بالإضافة إلى الليكود، وتكون أكثر استقرارا، ولا تفضي الى انتخابات قريبة، وهذا السيناريو قد يكون طوق نجاة لكل من لا يرغب بنتنياهو رئيسا للحكومة دون الدخول في تحالفات غير متوافقة أيديولوجيا، وتكون حكومة ضيقة وغير مستقرة.
السيناريو الخامس:
فشل تشكيل حكومة والذهاب الى انتخابات خامسة خلال ثلاثة أشهر، وهو أمر سيطرح المزيد من التعقيدات، في ظل معطيات الأوضاع السائدة حالياً داخل إسرائيل، واستياء الرأي العام الإسرائيلي من عدم القدرة على تحقيق الاستقرار النسبى، واستمرار العمل بميزانية الطوارىء، وفقدان القدرة على تشكيل حكومة تتمتع بقدر من الاستقرارالداخلي.
الخلاصة
من الواضح أن الأزمة في إسرائيل لا تنم عن خلاف يتعلق ببرامج حزبية بقدر الخلاف على نتنياهو شخصيا، وهذا يوضح حجم الأزمة القانونية الواقع فيها “نتنياهو”، والتي تدفع ببطلان تزكيته لرئاسة الحكومة، ومن ثم تؤدي إلى ذهابه إلى السجن، مالم يتم سن قانون الحصانة، وبما يعكس حرص نتنياهو على تغليب مصلحته الشخصية على المصلحة القومية، وبما قد يؤدي إلى إجراء الانتخابات الخامسة في أقل من عامين.
انشقاق القائمة العربية الموحدة عن القائمة المشتركة شكل أخطر سلوك قامت به الحركة الإسلامية الجنوبية، والتي خفضت عدد المقاعد العربية بشكل حاد جداً، أفقدها القدرة على الدفاع عن مصالح المواطنين العرب في ظل كنيست يتسم بغالبية يمينية متطرفة.
التراجع الواضح في التأييد لليكود في أهم معاقله، فقد تراجع التأييد لليكود في القدس المحتلة من 28% إلى 21%، وفي بئر السبع من 50% إلى 42%، وفي أشكلون من 48% إلى 40%، وفي نتيفوت من 37% إلى 31%، وفي طبرية من 51% إلى 43%، وفي مناطق كثيرة أخرى. وبذلك تراجع الليكود بستة مقاعد في الكنيست _من 36 في الانتخابات السابقة إلى 30 في الانتخابات الحالية_ وقد يدعم هذا الأصوات المنافسة لنتنياهو داخل حزب الليكود، ويجعلها أكثر قوة في طلبها بإنهاء مرحلة قيادته للحزب.
سيكون لهذه التركيبة اليمينية في الكنيست تأثير كبير على جهود التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وقد تتجه إلى تصعيد خطير على صعيد الاستيطان، والإحتكاكات مع السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بشكل مستمر، إلا أن عدم وجود نتنياهو على رأس الحكومة، سيعطي إدارة بايدن قدرة أكبر على ضبط أداء القوى والأحزاب اليمينية، وتعزيز فرص استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط.