شهدت القارة الأفريقية فى عام 2021 عدد من الانقلابات العسكرية والتغييرات غير الدستورية للسلطة والذى بلغ عددها6 انقلابات، وذلك على الرغم من الموارد الطبيعية التى تتمتع بها القارة الأفريقية والتى تعتبر أكثر من ثلثى موارد العالم، وتبنى معظم أنظمتها السياسية النظام الانتخابى متعدد الأحزاب، الذى يقوم على مبدأ التداول السلمى للسلطة.
ومنذ الاستقلال شهدت القارة الأفريقية ما يقرب من 200 انقلاب عسكرى تركز العدد الأكبر منها فى منطقة غرب أفريقيا، إلا أنه مع الإدانة الدولية لهذه الانقلابات نجحت معظمها فى فرض الأمر الواقع وتولى قادتها الحكم فى الدول الأفريقية.
أبرز الانقلابات العسكرية فى عام 2021
فى مطلع عام 2021 أعلنت حكومة إفريقيا الوسطى، أن جماعات مسلحة حاولت الإطاحة بالرئيس، المعاد انتخابه حديثًا حينها، فوستين أرشانج تواديرا، وفرضت حالة طوارئ لمدة 15 يوما، غير أن السلطات فى أفريقيا الوسطى أحبطت محاولة الانقلاب، وتشهد أفريقيا الوسطى صراعًا بين فرنسا المستعمرة السابقة لها وروسيا الذى عززت من وجودها السنوات الأخيرة فى أفريقيا الوسطى والتوغل فى أماكنهاالحيوية ومناطقها التى تتمتع بثروة هائلة شملت مناجم الذهب والماس، هذا التنافسبين فرنسا وروسيا اعتبره البعض سببًا رئيسيًا فى الانقلاب العسكرى الأخير فى أفريقيا الوسطى.
وفى النيجر على الرغم من إجراء الانتخابات فى مارس 2021 وفوز الرئيس محمد بازوم، وهو ما يعتبر أول انتقال للسلطة إلى رئيس منتخب فى البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا فى عام 1960، إلا أن مجموعة من الجيش قامت بعمل انقلاب عسكرى ، وسرعان ما أعلنت حكومة النيجر، إحباط هذه المحاولة، وتعتبر النيجر من أفقر دول العالم رغم إمتلاكها للعديد من الثروات المعدنية، وتاريخها ملىء بالانقلابات العسكرية، آخرها فى عام 2010 الذى أطاح بالرئيس مامادو تانجا ، فضلًا عن انتشار هجمات الجهاديين التى تشنها مجموعات تابعة للقاعدة وتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وفى تشاد، دارت حالة من الجدل بين من اعتبر ما حدث بها فى أبريل 2021 إنتقال غير دستورى للسلطة وبين من وصفه بالانقلاب العسكرى، وذلك لأن نجل الرئيس الراحل إدريس ديبى الذى قُتل على يد مسلحين متمردين، تولى السلطة خلفا لوالده، وقد نصب الجيش التشادى إثر وفاة الزعيم التشادى نجله محمد رئيساً لمجلس عسكرى انتقالى يقود البلاد حاليًا، ولم يعتبر الاتحاد الأفريقى ما حدث فى تشاد انقلاب عسكرى ولم يعلق عضويتها، فى ظل ما يوفره هذا الشكل من انتقال السلطة من فرص للحفاظ على تماسك واستقرار الدولة المركزية.
وفى مالى أطاح الضابط أسيمى غويتا الذى قاد الانقلاب فى عام 2020 بالرئيس الانتقالى باه نداو ورئيس الوزراء مختار عوين، كما أنه قام بتنصيب نفسه رئيس للبلاد، وقد لاقى هذا الانقلاب إدانة دولية كبيرة كما علق الاتحاد الإفريقى عضوية مالى، ومؤخرًا دخل نظام العقيد أسيمى غويتا منذ مطلع سبتمبر 2021 بشكل مباشر فى صراع ممتدّ مع قوًى متعددة بالمجتمع الدولى بما فيها فرنسا وذلك بسبب التقارب الروسى المالى وإعلان رئيس الوزراء المالى قيام القوات الفرنسية التى تحتكر الانتشار فى شمال شرق مالى بتدريب جماعات إرهابية فى المنطقة، وأن حكومته تملك أدلة على ذلك، كما استدعت مالى سفيرها من باريس بسبب تصريحات للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بخصوص الأزمة فى مالى.
وفى غينيا كوناكرى فى سبتمبر 2021 أطاح جنود من القوات الخاصة بقيادة الضابط مامادى دومبويا ، بالرئيس الغينى ألفا كوندى وأعلنو اعتقاله والسيطرة على العاصمة كوناكرى وحل مؤسسات الدولة، فى خطوة لقت انتقادًا كبيرًا من المجتمع الدولى..
وفى السودان انتهى اتفاق تقاسم السلطة الغير مستقر بين القادة المدنيين والعسكريين السودانيين الذى كان سارى المفعول خلال العامين الماضيين ، بعد خطوة الجيش السودانى بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بحل الحكومة المدنية، بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وقد لاقت هذه الخطوة انتقادًا من قبل المجتمع الدولي حيث علق البنك الدولى مساعدته للسودان ، وعلق الاتحاد الأفريقى عضوية السودان لحين إعادة الحكومة المدنية.
أسباب داخلية وخارجية
تتراوح أسباب الانقلابات العسكرية فى أفريقيا بوجه عام وفى عام 2021 بوجه خاص بين أسباب خارجية متمثلة فى دعم بعض الدول الكبرى لهذه الانقلابات على الأنظمة غير المتوافقة مع مصالحها الاستراتيجية خاصة الدول الاستعمارية السابقة، والتى لم تنه الارتباط بالنخبة الحاكمة فى أفريقيا، فضلًا عن الحدود الجغرافية التى فرضتها هذه الدول قبل إنسحابها من الدول الأفريقية والتى لا تتوافق مع المجموعات العرقية والقبلية المختلفة، وهو ما جعل تلك الدول مرتعاً للصراع وعرضة لتحولات السلطة العنيفة، حتى باتت تتصدر الترتيب العالمى بأكثر عدد من الانقلابات.
وأسباب داخلية متعلقة بالنزاعات الاثنية بين الجماعات المختلفة وارتفاع معدلات الفقر والفساد الاقتصادى والسياسى وعدم العدالة فى توزيع الثروة والسلطة، وفشل الأنظمة المدنية فى الحفاظ على وحدة الدول الأفريقية،بل فى بعض الأحيان تسببت هذه الأنظمة فى اندلاع الحروب الأهلية بسبب سوء الإدارة والانحياز للجماعات الإثنية التى تنتمى إليها، فضلًا عن ضعف المؤسسات الديمقراطية والمجتمع المدنى وظهور أساليب جديدة ودقيقة لتجاوز حدود الولاية الرئاسية التى يفرضها الدستور والفوز فى انتخابات مزورة أو يتم فيها توجيه الناخبين.
التكوين الإثنى للجيوش فى أفريقيا جنوب الصحراء وفرص النجاح فى مواجهة التهديدات المحتملة
على الرغم من أنه بعد الاستقلال، أتيحت للحكومات الأفريقية الفرصة لبناء جيوش وطنية جديدة وحقيقية من خلال إصلاح البنى والعمليات وطرق التجنيد الموروثة من المستعمرين، إلا أنه بدلاً من ذلك، اختارالبعض إنشاء جيوش تقوم على التحيزات العرقية والقبلية والتسييس المستمر للجيش وضعف القدرة التشغيلية.
لذلك فإن أفريقيا جنوب الصحراء عانت على مدار السنوات الماضية من وجود جيوش قائمة على الأساس الاثنى وهو ما يجعله يدافع عن مصالح مجموعته العرقية بدلًا من الدفاع عن دولته الوطنية، فضلًا عن ضعف كفاءتها بما يقلل من الاحترافية العسكرية التى تقوم على أنظمة ومراقبة ومهارات وموارد فعالة للقيام بمهام ناجحة، وضعف القدرة التشغيلية وهو ما ترتب عنه إخفاق العديد من هذه الجيوش فى مواجهة التنظيمات الأرهابية فى أفريقيا والسيطرة على حدود دولهم، وزيادة عدد الانقلابات العسكرية.
ومع تعدد المكونات العسكرية والمليشيات داخل الدولة الأفريقية الواحدة أخفقت هذه الجيوش فى القيام بالمهام الرئيسية المنوطة بها وذلك من السيطرة على حدودها مع الدول المجاورة خاصة دول غرب أفريقيا التى تمتلك حدود وصحراء شاسعة مما سهل عمليات التهريب و سهولة حركة التنظيمات الإرهابية المختلفة ، فضلًا عن الفشل فى مواجهة الإرهاب وحالات التمرد داخل هذه الدول وذلك مثل هزيمة الجيش المالى فى 2012 من قبل المتمردين الإسلاميين، وانهيار الجيش فى أفريقيا الوسطى أمام قوات المتمردين سيليكا فى عام 2013 ، ومؤخرًا ما يحدث فى إثيوبيا من عدم قدرة الجيش الإثيوبى على هزيمة جبهة تحرير التيجراى التى كبدت الجيش خسائر كبيرة فى الأرواح والأموال.
لذلك يمكن القول أن تعزيز سيطرة الدول الأفريقية المركزية على أطرافها فى مواجهة التهديدات المحتملة خاصة ما يتعلق بالإرهاب خلال عام 2022 لن يتغير كثيرًا عن عام 2021 وذلك من الاخفاق فى القضاء على هذه التهديدات فى ظل استمرار حالة عدم الاستقرار السياسى التى تعانى منها أفريقيا جنوب الصحراء.
هل الديمقراطية لا تصلح للتطبيق فى أفريقيا…؟
شهدت أفريقيا فى مطلع التسعينيات من القرن العشرين، فى نهاية الحرب الباردة، موجة من التحولات قضت على نظام الحزب الواحد، وبدأت تطبيق نظام التعددية الحزبية وتطبيق الديمقراطية الغربية بضغوط أميركية خلال فترة حكم الرئيس الأميركى جورج بوش، الذى ربط تقديم المساعدات لأى دولة فى القارة الأفريقية بإقامة حكم رشيد، وقد استكمل ذلك بوعد الاتحاد الأفريقى والهيئات الإقليمية الأفريقية الأخرى برفض التغييرات غير الدستورية للحكومات، فى سياق إعلان لومى المعتمد فى عام 2000 ، والميثاق الأفريقى للديمقراطية والانتخابات والحكم لعام 2007.
ومع ذلك أصبحت الانقلابات العسكرية سمة المشهد السياسى فى أفريقيا جنوب الصحراء وأصبحت الانتخابات بوابة للعنف الاثنى فى العديد من الدول الأفريقية وعدم الالتزام بالمبادئ الديمقراطية للانتخابات الحرة والشفافة وزيادة الشكوك فى مصداقية الصناديق الانتخابية، فضلًا عن التدخلات الأجنبية فى شكل مرتزقة وقوات نظامية وسيطرة بعض الدول الاستعمارية على النخب الأفريقية، بدأ الحديث يتعاظم عن مدى صلاحية الديمقراطية للتطبيق فى الدول الأفريقية، وأن الديمقراطية لم تحقق فى جميع أنحاء إفريقيا تقدمًا مرضيًا فى السياسة الوطنية لمنع عودة الاستبداد فى القارة، وهو ما جعل البعض يتحدث عن ضرورة إيجاد نظام بديل للديمقراطية يتواكب مع طبيعة الشعوب الأفريقية الإثنية والقبلية خاصة أن الديمقراطية نمط غربى فى الأساس تم فرضه على الدول الأفريقية.
مستقبل الاستقرار السياسى والإجتماعى فى أفريقيا
ترتب على ظاهرة الانقلابات العسكرية والانتقال غير الدستورى للسلطة فى أفريقيا العديد من التداعيات السلبية التى تؤثر على الاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى وذلك فى ظل تحديات أخرى تعانى منها القارة على رأسها ظاهرة التغير المناخى التى حذرت منها الأمم المتحدة، بأن أكثر من مئة مليون شخص يعانون من الفقر المدقع، مهددون بفعل تسارع ظاهرة الاحترار المناخى فى أفريقيا، فضلًا عن أعداد اللاجئين الأفارقة الذى وصل إلى 25 مليون أفريقى فى عام 2019 وفقًا لتصريحات السفير تشاندرا كوزمى ممثل مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة لدى الاتحاد الإفريقى، وانتشار فيروس كورونا وزيادة أعداد الجماعات الإرهابية.
وفى ظل هذه التحديات من المتوقع أن تشهد أفريقيا جنوب الصحراء خاصة الدول التى حدث بها انقلابات عسكرية حالة من عدم الاستقرار السياسى وزيادة أعداد اللاجئين فى ظل رفض البعض داخل هذه الدول للانقلابات العسكرية واندلاع النزاعات الإثنية داخل البعض الاخر، فضلًا عن تعطيل خطط التنمية الاقتصادية فى أفريقيا وذلك فى ظل قيام النظم الجديدة بإعادة هيكلة المؤسسات داخل الدولة، وتعليق بعض المؤسسات والدول الكبرى كالبنك الدولى المساعدات وتعليق العضوية فى الاتحاد الأفريقى مثل كالسودان التى قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد 700 مليون دولار من المساعدات بعد الانقلاب العسكرى بها.
وأخيرًا… فمن الناحية العملية اختزال المنظمات الدولية والإقليمية الأفريقية، بما فى ذلك الاتحاد الأفريقى، الديمقراطية فى مجرد إجراء الانتخابات يفضى لوجود ديمقراطية شكلية ومؤسسات غير معبرة عن إرادة الشعوب الأفريقية، فضلًا عن استمرار ظاهرة الانقلابات العسكرية وما يترتب عنها من خرق سيادة القانون والاستيلاء على السلطة بالقوة بما يساهم فى مزيد من عدم الاستقرار السياسى وزيادة الفرقة بين الدول الأفريقية.