أثار استيلاء طالبان السريع على أفغانستان تساؤلات كبيرة حول ما سيأتي بعد ذلك بالنسبة للعلاقات الإيرانية الأفغانية.  من المؤكد أن الاضطرابات في جار إيران الشرقي سيكون لها تأثير على طرق التجارة.  ومع ذلك فإن التحولات الجيوسياسية الناتجة قد توفر بعض الفرص لإيران. تعد افغانستان أحد أكبر أسواق التصدير لطهران ويوجد بينهما حدود جغرافية مشتركة تبلغ نحو 920 كيلومترًا.

 ليس سرا أن علاقة إيران بطالبان معقدة، حيث استند ظهور طالبان في التسعينيات إلى أيديولوجية سنية وتوجه واضح معادٍ للشيعة وإيران.  كان الجانبان على شفا الحرب في عام 1998 عندما قتلت طالبان 11 دبلوماسيًا إيرانيًا في مدينة مزار الشريف، رابع أكبر مدينة في أفغانستان.  كما دعمت طهران بشكل غير مباشر الحملة الأمريكية لهزيمة طالبان في عام 2001 ولعبت دورًا رئيسيًا في تشكيل حكومة ما بعد طالبان في افغانستان.

 بعد عقدين من الزمان ظهرت ديناميكيات جديدة، حيث طورت أجزاء من المؤسسة السياسية في إيران تصورات أكثر إيجابية تجاه طالبان، الذين يمثلون مجموعة فصائل استطاعت هزيمة استراتيجية واشنطن في الاقليم.  ومع ذلك لا تزال العلاقة بين إيران وطالبان متوترة وسط حاله من انعدام الثقة.  في الوقت الحالي تم إيصال الموقف الرسمي من طهران من قبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي صرح في 16 أغسطس: “يجب أن تكون الهزيمة العسكرية وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان فرصة لاستعادة الحياة والأمن والسلام الدائم”.  وأكد أن “إيران ستعمل من أجل الاستقرار الذي هو حاجة أفغانستان الأساسية اليوم، وكدولة جارة وشقيقة تدعو جميع الفئات للتوصل إلى اتفاق وطني”.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي – أرشيفية

وبتقييم التأثيرات المحتملة لسيطرة حركة طالبان على الاوضاع الداخلية، وعلاقات افغانستان بإيران يتضح ما يلي:

1-اقتصادياً

لا شك في أن صعود طالبان على المدى القصير سيكون ضربة سلبية للتجارة الإيرانية الأفغانية. حيث سيعاني الاقتصاد الأفغاني نتيجة توقف المساعدات التنموية الأمريكية والأوروبية لاسيما مع هجرة العديد من المواطنين الأفغان، فضلاً عن تقليص الروابط الاقتصادية التي أقيمت على مدى العقدين الماضيين.  وربما يؤدي ذالك الي تراجع حجم وقيمة الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان.  وتجدر الإشارة إلى أنه في السنوات القليلة الماضية، كانت أفغانستان من بين أكبر خمسة شركاء تجاريين، وبلغت صادرات إيران السنوية إلى أفغانستان حوالي 4 مليارات دولار، في حين كانت الشركات الأفغانية تصدر نحو 40 إلى 50 مليون دولار إلى إيران.

 وتشير تقديرات المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الي ان صعود طالبان سيضغط على إيران ويحرم الاقتصاد الايراني من مصدر للعملة الصعبة، ويضيف أيضًا إلى عزلة إيران الدولية لاسيما وأن غالبية الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان ذات طبيعة استراتيجية ولا يمكن استبدالها بسهولة، مثل الكهرباء وأنواع الوقود المختلفة ومواد البناء والمواد الغذائية. ستظهر الفترة القادمة مدي قدرة أفغانستان على دفع ثمن الصادرات الإيرانية في ظل التحديات الحالية.

ورغم حرص إيران على تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع الجيران المباشرين باعتباره أولوية قصوى لإيران، الا ان الديناميكيات الإقليمية الناشئة عن الوضع في أفغانستان في ظل الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من الجوار الإيراني سيشكل تهديدات وفرصًا جديدة لإيران.

2- اجتماعياً

 ينبغي تقدير تأثير اللاجئين الأفغان في العقود الماضية، حيث استضافت إيران ملايين اللاجئين الأفغان وخاصة الشيعة. فكانت إيران موطنًا ثانيًا بالنسبة لجزء كبير من السكان الأفغان، وبالتالي هناك علاقات عميقة الجذور لا سيما بين المجتمعات في المناطق الحدودية.  عشرات الآلاف من الأفغان تلقوا تعليمهم في إيران.  لذلك فإن الوجهة الأولى للعديد من اللاجئين الأفغان الهاربين من حكم طالبان ستكون إيران.  على الرغم من أن الكثيرين يخططون لطلب اللجوء في نهاية المطاف في أوروبا الا ان إيران ستكون أول بلد عبور لهم.  وبالتالي يمكن أن تمهد القضية الطريق للتعاون بين إيران والاتحاد الأوروبي للمساعدة في بناء الثقة بين الاتحاد الأوروبي وحكومة رئيسي.  هؤلاء الأفغان الذين يبقون في إيران سيضغطون على المدى القصير على سوق العمل المتوتر بالفعل.  ومع ذلك في تحليل الاقتصاد الكلي على المدى المتوسط ​​، يمكن أن يولد وجودهم عمالة غير مكلفة وهي ظاهرة ستساعد قطاعي البناء والزراعة

أعضاء وفد طالبان بقيادة كبير المفاوضين الملا عبد الغني بارادار (الاوسط) يغادرون بعد محادثات سلام مع كبار السياسيين الأفغان في موسكو – المصدر رويترز

 كما ستشكل الزيادة المتوقعة في نشاط التهريب تحديات لإيران والمنطقة والمجتمع الدولي.  ولا يخفى على أحد أن الحدود الإيرانية الأفغانية شاهدة على عمليات تهريب خاصة تهريب المخدرات.  فشلت محاولات مختلفة من جانب طهران إما لإنشاء أسواق حدودية كقنوات للتجارة الحدودية القانونية أو لاستبدال زراعة الأفيون في الجانب الأفغاني بمحاصيل أخرى، واستمر إنتاج المخدرات وتهريبها.  مع سيطرة طالبان على الجانب الأفغاني ومستوى التخلف على الجانب الإيراني من الحدود، يمكن توقع زيادة تهريب المخدرات.

 ولا شك فإن إيران التي تواجه منذ فترة طويلة عزلة سياسية وعقوبات اقتصادية مفروضة تكافح للحفاظ على امنها القومي. وفي حين يحتفل بعض القادة الإيرانيين بانسحاب القوات الأمريكية، فإن القيادة الايرانية لا تخفي قلقها من صعود طالبان حيث سيكون له عواقب مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الإيراني.  من المؤكد أن التأثير قصير المدى سيكون سلبياً، لكن من السابق لأوانه قياس العواقب على المدى المتوسط ​​والطويل.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version