شهدت مدينة إسطنبول التركية صباح الأربعاء 19 مارس الجاري ما وصف بأنه هزة كبرى وانقلاب للديموقراطية، حيث أحدث تأثيرات اقتصادية ملحوظة في ساعات قليلة، في أعقاب إعتقال أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، بتهم تتعلق بالفساد وتزعم تنظيم إجرامي وتسهيل عمل منظمات إرهابية، وقد شمل قرار الإعتقال الصادر بحق إمام أوغلو 106 أخرين من بينهم مساعدين له وصحفيين ورجال أعمال ورؤساء بلديات صغرى في مدينة إسطنبول.
إجراءات العدالة والتنمية
تعاملت ادارة العدالة والتنمية من خلال محافظى الولايات الصغرى داخل ولاية اسطنبول الكبرى بعدد من القرارات والإجراءات الفورية عقب عملية الإعتقال التى هزت جميع أرجاء تركيا :
- منع التظاهر والتجمع في الأماكن العامة خلال الفترة من 19 وحتى 23 مارس الجاري.
- تعطيل عمل مواقع التواصل الاجتماعي داخل تركيا.
- إغلاق الشوارع والطرقات المؤدية لميدان تقسيم ومنطقة الفاتح مقر احتجاز إمام أوغلوا.
- إغلاق محطات المترو الموصلة لميدان تقسيم.
تطور الأحداث
يمتلك أكرم إمام أوغلو تاريخ من الانتصارات المتتالية على حزب العدالة والتنمية في أحد أهم مراكز القوى في تركيا وهي “بلدية إسطنبول الكبرى”، فكما هو شائع أن من يحكم إسطنبول يحكم تركيا، نجح إمام أوغلو لفترتين متتاليتين من اقتناص رئاسة بلدية إسطنبول من أيدي حزب العدالة والتنمية عامي 2019، و2024، متجاوزًا العديد من العقبات التي رفعت رصيد أسهمه بين مؤيديه على عكس ما هو مقرر له.
ويترافق مع تاريخ انتصارات إمام أوغلو تاريخ اخر من المعارك القضائية تتمثل في القضايا التالية:
- قرار بطلان نتيجة انتخابات 2019، وإعادة إجراءها وصولاً لقضية إهانة مسئولين حكوميين والتي حكم عليه فيها بالفعل بالحبس عامين ونصف على الرغم من عدم بت محكمة الاستئناف فيها.
- يواجه إمام أوغلو احتمالات الحكم بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث وسبع سنوات في قضية تلاعب بنتائج مناقصات عقدت أثناء رئاسته لبلدية بيلك دوزو عام 2015، وقد تم فتح التحقيق فيها عام 2023، ولم يتم الحكم فيها حتى الآن.
- يواجه تهمة تزوير شهادته الجامعية بعد عدة تحقيقات بدأت في فبراير 2025 الماضي وأسفرت عن إصدار جامعة إسطنبول مساء الثلاثاء 18 مارس الجاري قرارًا بإلغاء الشهادة الجامعية الخاصة بإمام أوغلو.
- تهم تتعلق بتسهيل عمل حزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا أثناء انتخابات 2024 الأخيرة، والتي تعرف بقضية “التوافق الحضري” حيث تعاون حزب الشعب الجمهوري مع حزب الديموقراطية ومساواة الشعوب “الكردي” من خلال سحب المرشحين في بعض المناطق في مدينة إسطنبول؛ بهدف إفساح المجال أمام مرشحي حزب الشعب الجمهوري، وهو ما اعتبره المدعي العام بمثابة تعزيز نفوذ حزب العمال الكردستاني في المدن التركية، موضحاً أن بعض المسؤولين المنتخبين في المجالس البلدية كانوا على صلة بالتنظيم الإرهابي.
- التحفظ على شركة بناء مملوكة جزئيًا لإمام أوغلو بتهم تتعلق بجرائم مالية وفق تصريح مكتب المدعي العام مساء الأربعاء 19 مارس 2025.
ماذا بعد قرار الاعتقال؟
شعبية إمام أوغلو المتزايدة عززت من وضعه كمنافس محتمل ومباشر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2028، والتي كثر الحديث عن احتمالات تقديم موعدها وتزايد الأنباء التي تفيد إجراء تعديلات دستورية تتيح للرئيس التركي الترشح لفترة رئاسية ثالثة. وفي ضوء التصريحات المستمرة أن إمام أوغلو هو مرشح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2028، والتي أيدها تقدم إمام أوغلو قبل أسابيع قليلة بطلب إلى رئيس حزب “الشعب الجمهوري” أوزجور أوزال للترشح في الانتخابات الرئاسية، ما ترتب عليه الإعلان عن انتخابات تمهيدية داخلية في الحزب في 23 مارس الجاري، يخوضها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى منفردًا.
يمثل قرار الاعتقال ضربة كبرى لمستقبل إمام أوغلو السياسي، ليس فقط مستقبله المتعلق بالترشح لرئاسة الجمهورية والذي تنعدم فيه فرص الترشح في حال فشل إمام أوغلو في إثبات صحة شهادته الجامعية وهي شرط أساسي للترشح للانتخابات الرئاسية، وإنما أيضا مستقبله كرئيس لبلدية إسطنبول إذ يتوقع أن يصدر وزير الداخلية التركي علي يارلي قايا قرارًا بعزل إمام أوغلو من رئاسة البلدية وتعيين “وصي” حكومي في رئاسة البلدية حتى انتهاء إجراءات المحاكمة.
الداخل التركي
شهد الوضع الداخلي في تركيا توترًا شديداً في أعقاب اعتقال إمام أوغلو، وتباينت ردود الفعل بين المعارضين للقرار من أنصار المعارضة وبين الداعمين له من أنصار حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية الذين حرصوا على تأكيد استقلال القضاء التركي ونزاهته.
وبالرغم من قرارات حظر التجمهر التي تزامنت مع قرار الاعتقال، إلا أن حزب الشعب الجمهوري نجح في حشد آلاف المتظاهرين في مدينة إسطنبول ودعا كل مؤيديه للتظاهر أمام مكاتب الحزب في كل الولايات التركية.
ختامًا… خطوات الرئيس التركي بحق أوغلو، وإنفرادة بالسلطة لأكثر من عشرون عاماً يتيح له التفوق على أحزاب المعارضة في الداخل التركي، وقد يسهم بشكل كبير فى إستمرارة فى الحكم لفترة ولاية جديدة حال تم تعديل الدستور بما يتيح إعادة ترشحة مرة ثالثة، حيث ينص الدستور التركى المعدل فى 2017 على أن يقتصر تولى رئيس الجمهورية على فترتين متتاليتين.
- قرار اعتقال أكرم إمام أوغلو ليس الأول في تاريخ حكومة العدالة والتنمية، وقد سبق إمام أوغلوا المعارض الكردى صلاح الدين ديميرتاش زعيم حزب الشعوب الديموقراطية الكردي وهو منافس قوي للرئيس التركي، وسواء تم تبرئة إمام أوغلو من عدمه فإن حكومة العدالة والتنمية قد نجحت في تشتيت المعارضة بعيدًا عن محاولات عرقلة تعديل الدستور، كما نجحت في تنحية إمام أوغلو من منافسة الرئيس بسبب مشابه لما واجهه الرئيس التركي نفسه حين تم التشكيك في شهادته الجامعية سابقاً.