قام رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان، في الخامس والعشرين من أكتوبر بحل مجلس الوزراء والشروع في حملة اعتقالات في حق القادة السياسيين، مُعلنًا حالة الطوارئ في البلاد بما يمنحه كامل السلطات. وأكد البرهان أنه أنقذ بلاده من حرب أهلية وأن الجيش سيواصل عملية الانتقال الديمقراطي وسيمهد الطريق لتولي حكومة مدنية مُنتخبة.
وكان مجلس الوزراء الذي حله البرهان قد تشكل كحكومة انتقالية بعد المظاهرات والاضطرابات التي اندلعت في صيف عام 2019. وبحسب البرهان، فإن الانتخابات القادمة في السودان ستُجرى في شهر يوليو عام 2023، وحتى إجراء تلك الانتخابات سيتم تشكيل حكومة من التكنوقراط.
أكثر ما يُقلق إسرائيل!
ونظرًا لأن ما يحدث في السودان قد يؤثر سلبا على عملية التطبيع مع الدولة العبرية، فإن تل أبيب تراقب ما يحدث من تحولات سياسية في المشهد السوداني، بعد إقالة حكومة عبد الله حمدوك وتولي عبد الفتاح البرهان زمام السلطة في البلاد. ويصف معظم المحلليين الإسرائيليين ما حدث في السودان بأنه انقلاب على السلطة، مؤكدين أنه إذا تمكن من تحقيق الاستقرار السياسي وإيقاف التدهور الاقتصادي، فسوف يستمد شرعيته من داخل السودان ومن خارجه.
ويرى المحللون السياسيون الإسرائيليون ومنهم “يارون فريدمان” أن عبد الفتاح البرهان قام بما أسماها “ثورة تصحيح” حتي يُحكم سيطرته على زمام السلطة، وهو ما يعني أن السودان سيتراجع عن مسار الديمقراطية.
على نهج مصر!
زعم المحلل الإسرائيلي “يارون فريدمان” أن عبد الفتاح البرهان يسير على نهج السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي، مشيرًا إلى أن حاكم السودان “البرهان”، يبلغ من العمر 61 عاما، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، وكان قد تخرج من الأكاديمية الحربية السودانية, وأكمل دراساته العسكرية في مصر والأردن، وترقَّى في المناصب العسكرية حتى تقلد منصب رئيس الأركان عام 2018م، أي في عهد الرئيس السابق عمر البشير.
وأضاف “فريدمان” أن البرهان استغل الاضطرابات التي شهدتها السودان ضد البشير في عام 2019م ليستولى على السلطة. ومنذ أن أصبح البرهان على سدة الحكم، بات السودان أقرب إلى دول المحور السني المعتدل الذي يضم مصر والسعودية والإمارات.
وبحسب المحلل الإسرائيلي، لا يُعد البرهان قائدًا ليبراليًا وإنما ضابطًا عسكريًا يتسم بالقسوة والصرامة، فخلال الشهور التي تلت تعيينه رئيسا للسلطة، استخدم القوة في قمع المحتجين الذين خرجوا للتظاهر في الشوارع. وزعم فريدمان أيضا أن البرهان يلتمس قدوته في الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يتلقى القروض والمنح الكبيرة من السعودية والإمارات فضلا عن حصوله على القروض الأوروبية والأمريكية.
التقى بنتنياهو..
أشار فريدمان إلى أن الظروف التي مر بها السودان، سواء من عدم الاستقرار الداخلي أو تردِّي الأوضاع الاقتصادية والحاجة لتلقي المساعدات الأمريكية العاجلة، هي التي دفعت البرهان لاتخاذ خطوات التقارب نحو إسرائيل، إيمانًا منه بأن الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب.
وكانت البداية حينما التقى البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية في شهر فبراير 2020م، أي قبل ثمانية أشهر من توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل. وأوضح فريدمان أن اللقاء المذكور جرى من دون التنسيق أو التشاور مع الحكومة السودانية المؤقتة.
السياسيون يرفضون التطبيع..
لم يكتف المحلل الإسرائيلي بالمزاعم السابقة، بل أضاف أن القادة السياسيين في السودان قد أبدوا اعتراضهم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولكن القيادة العسكرية السودانية وعلى رأسها البرهان لا تولى اهتمامًا بالرأي العام، لأنها تعتبر العلاقات مع إسرائيل هي الركيزة لتعزيز قوة الجيش ودعم الاقتصاد.
السيسي رئيس شرعي..
فيما أشار فريدمان إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد تمكن من إنهاء التدهور الأمني والاقتصادي في البلاد، وأنهى أيضًا حالة الفوضى التي مرت بها مصر منذ اندلاع ما يُسمى بأحدث الربيع العربي. وبتلك الإنجازات التي حققها السيسي، أصبح في نظر العالم العربي رئيسًا شرعيا وصاحب مواقف إيجابية في المنطقة، كما أصبح يلعب دور الوسيط المهم لحل النزاعات الإقليمية، كما حدث في غزة وليبيا على سبيل المثال.
الدكتاتورية والخيار الأسوأ..
يرى فريدمان أن خيار توجه السودان نحو الديمقراطية، لا يلوح في الأفق القريب. كما أن النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة العربية، وهو النظام القائم في تونس، يواجه في الوقت الراهن حالة من عدم الاستقرار، فضلًا عن الأزمات السياسية والاقتصادية الخطيرة. ولقد تراجع المسار الديمقراطي في تونس، جرَّاء قيام الرئيس قيس سعيد بحل البرلمان وإقالة الحكومة.
ويرى المحلل الإسرائيلي، أن البرهان تبنى نهج الرئيس التونسي قيس سيعيد، وأنه لم ينفذ أي انقلاب على السلطة كما فعل سابقوه في السودان، لأنه كان بالفعل على سدة الحُكم منذ عام 2019، وأن غاية ما فعله، أنه أحكم سيطرته على زمام السلطة.
ضمان مصالح المجلس العسكري!
بحسب فريدمان، فإن البرهان قد وصف تحركاته الأخيرة بأنها تصحيح لمسار الثورة، وهذا الوصف لا ينم عن أي تحول ديمقراطي. وكان آخر من استخدم ذلك الوصف هو الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي وصف ما قام به، من انقلاب على السلطة واستيلاء على الحكم عام 1970، بأنه ثورة لتصحيح المسار.
ولأن البرهان سيكون الحاكم الأوحد للبلاد، فسوف يعمل على ضمان مصالح المجلس العسكري من دون الدخول في صدام مع المعارضة، بعدما قام بقمع أهم جبهة سياسية في الاحتجاج الشعبي، وهي ” تحالف قوى الحرية والتغيير”، الذي يطالب بتطبيق الديمقراطية الكاملة في السودان.
الانقلاب والتطبيع..
يرى المحلل الإسرائيلي أن “انقلاب” البرهان على السلطة لن يؤثر سلبا على التطبيع مع إسرائيل، لأن معارضي التطبيع وهم المنتمين للمعسكر السياسي المدني، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، هم تحديدًا أكثر المتضررين من “الانقلاب” الحالي.
كما أن الكثير من الأحزاب السياسية ذات التوجه العروبي أو اليساري أو الإسلامي في السودان، تعارض التطبيع مع إسرائيل. أما عبد الفتاح البرهان والمجلس العسكري، فهما القوة الدافعة لمسيرة التطبيع. وهنا يشير فريدمان إلى أن أغلب الحلفاء الداعمين للبرهان – باستثناء السعودية- تربطهم علاقات سلام مع إسرائيل، وهم مصر والأردن والإمارات والبحرين.
أكثر ما يقلق السودانيين..
إن أكثر ما يقلق السودانيين هو الحفاظ على اتفاقية جوبا لتحقيق السلام بين الفصائل المتناحرة في السودان، وهي الاتفاقية التي تم إبرامها العام الماضي. ولأهمية تلك الاتفاقية، فقد سار البرهان في اليوم التالي لـ “الانقلاب”، بتهدئة الجماهير، معلنًا أنه سيحافظ على الاتفاقية التي أنهت الصراعات الدموية الطويلة التي شهدتها السودان منذ اندلاع النزاع في إقليم دارفور عام 2003.
الموقف الأمريكي..
يقول فريدمان إنه فور وقوع “الانقلاب” في السودان، أصدرت الولايات المتحدة تهديداتها بوقف المساعدات للسودان – بقيمة 700 مليون دولار- بسبب مخاوفها من القضاء على الديمقراطية وقمع الشعب. وهي نفس التهديدات التي سبق أن أطلقتها واشنطن ضد النظام المصري عام 2013، عندما تولى السيسي زمام الحكم وأقال حكومة الإخوان المسلمين التي تم انتخابها وفق القانون. عنئذ سارعت الدول الخليجية بتقديم المساعدات للقاهرة حينما علَّقت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية لمصر.
وأضاف فريدمان أنه في حال تعرض السودان لموقف مشابه، فليس هناك ما يمنع دول الخليج من تقديم المساعدات الاقتصادية للسودان كما حدث مع مصر. مُشيرًا إلى أن البرهان قد يتخذ خطوات عاجلة للتطبيع مع إسرائيل، من أجل تحسين علاقاته مع واشنطن بهدف الحصول على المساعدات الاقتصادية الأمريكية التي يحتاجها السودان في أقرب وقت ممكن.
الخلاصة
يتبين من خلال ما سبق:
- أن كثيرا من المحللين الإسرائيليين يحاولون الربط بين ما يحدث في السودان وبين الثورة الشعبية التي قام بها المصريون في الـ 30 من يونيو 2013، حيث يزعم البعض أنه يمثل انقلابا على السلطة، وهم بذلك يسيؤون للنظام المصري أمام الرأي العام الإسرائيلي، وحتى أمام الرأي العام العالمي، عبر المقالات والدراسات العبرية التي تُنشر باللغات الأجنبية ولا سيما باللغة الإنجليزية، وينبغي الرد على تلك المزاعم بالأسلوب الذي يخدم المصالح القومية المصرية، ويحول دون اسمرار تلك الافتراءات.
- أهمية تبني القاهرة لمواقف متوازنة ومحسوبة تجاه الأطراف المتنازعة في السودان ، والتنسيق مع القيادة السودانية لمساعدتها في الخروج من أزمتها الحالية ومراقبة ما يجري في السودان باعتباره البوابة الجنوبية لمصر، بما تمثل أهمية قصوى للأمن القومي المصري.
- من طبيعة مصر أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولكن ما يجري سواء في السودان أو ليبيا أو قطاع غزة، يؤثر مباشرة على الأوضاع في مصر سواء كان ذلك سلبًا أو إيجابًا، ومن ثمَّ ضرورة التنسيق التام مع دول الجوار وأن يكون لمصر دور أكبر للحيلولة دون تحول السودان إلى حليف لإسرائيل، وعندئذ ستتغير المواقف السودانية من قضايا متعددة، مثل سد النهضة أو حلايب وشلاتين.
ولذا ينبغي حث الدول العربية لإبداء قدر أكبر من التعاون مع مصر لإحياء المشاريع الاقتصادية العملاقة مع السودان والتكامل الاقتصادي معه، لتخفيف الأزمة الاقتصادية عن الشعب السوداني وتعزيز الاقتصاد المصري، وعندئذ سيكون الموقف الشعبي والسياسي في السودان رافضا للتطبيع مع إسرائيل وداعما للمواقف المصرية.