سارة طارق النادي
شهدت الدولة السورية منذ اندلاع الأزمة في عام (2011م)؛ صراع إقليمي ودولي، حيث تدخلت فيها قوى إقليمية ودولية لدعم أطراف الصراع، ومن بين أهم هذه القوى الفاعلة، تركيا التي سارعت بنشر قواتها في شمال غرب سوريا، بالإضافة إلى دعمها لبعض الفصائل المسلحة المعارضة لنظام بشار الأسد، والتي شنت هجومًا عسكريًا مفاجئًا في (27 نوفمبر) الماضي، ضد قوات النظام السوري بعدة مناطق، ما أدى إلى سيطرة المعارضة السورية على كامل مدينة إدلب وريفها، والسيطرة على مدينة حلبباستثناء أحياء منها، ومناطق أخرى في ريف حماة. وتثير سرعة سيطرة فصائل المعارضة على هذه المناطق عدة تساؤلات أهمها؛ من يدعم هذه الفصائل؟ ولماذا شنت هجومها في هذا التوقيت؟
ومما يثير الشكوك أن ما تشهده سوريا من صراعات عسكرية في الوقت الراهنمُخطط له منذ فترة طويلة لكن توقيت بدئه هو تنسيق تركي إسرائيلي للاعتبارات التالية:
زيارة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار إلى تركيا في (16 نوفمبر) الماضي، وكان الهدف المُعلن – وفق ما نشرته الصحافة الإسرائيلية – هو التباحث مع نظيره التركي رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، حول صفقة تبادل أسرى محتملة مع “حماس”، وهو ما يثير التساؤل بسبب العداء التركي لإسرائيل خلال فترة حرب غزة سواء بالتصريحات أو المواقف مثل وصف إسرائيل بالدولة الإرهابية، وإعلان قطع العلاقات مع إسرائيل، ورفض السماح لطائرة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ من المرور في الأجواء التركية لحضور مؤتمر المناخ في أذربيجان. لذلك من المرجح أن هدف هذه الزيارة هو التنسيق بين إسرائيل وتركيا للعملية العسكرية التى قامت بها الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا وإسرائيل، بما يخدم مصالح الطرفين على النحو التالي:
بالنسبة لتركيا يخدم هجوم فصائل المعارضة السورية مصلحة تركيا حيث تساهم سيطرة المعارضة على مناطق جديدة في شمال سوريا في زيادة مساحة المنطقة الآمنة لتركيا، ومنع تزايد نفوذ حزب العمال الكردستاني، كما تساهم في توسيع نفوذها خاصة مع اقتراب موعد استلام دونالد ترامب سلطته في (20 يناير المقبل)، والذي عبّر في أكثر من مناسبة عن ضرورة انسحاب جيش بلاده من سوريا وهو ما يطمح إليه أردوغان لإنهاء قوات سوريا الديمقراطية “قسد” واستكمال الحزام الأمني في كل من سوريا والعراق.
بالنسبة لإسرائيل: تساهم المكاسب الميدانية التي تحققها فصائل المعارضة وسيطرتهم على مناطق استراتيجية في حلب، في زيادة الضغوط على النظام السوري وحلفائه الإيرانيين، وهو ما يخدم المصالح الإسرائيلية التي تسعى لإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، وعزل حزب الله في لبنان للحد من قدرته على الحصول على السلاح، إذ إن إضعاف النظام السوري أو سقوطه سيعرقل مهمة إيران في نقل الأسلحة لحزب الله في لبنان.
دلالة التوقيت: يثير توقيت هجوم فصائل المعارضة السورية الجدل، لا سيما أن هذا الهجوم أعقب إعلان إسرائيل وحزب الله الموافقة على بنود المفاوضات التي طرحتها إدارة بايدن لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية بيوم واحد، كما أعقب أيضًا تحذير بنيامين نتنياهو خلال كلمة متلفزة له بشأن إعلان وقف إطلاق النار، الرئيس السوري بشار الأسد من دعم محور المقاومة، قائلا: “على الأسد أن يفهم أنه يلعب بالنار”. وهذه المعطيات تشير إلى وجود صلة وثيقة بين الهجوم المفاجئ لفصائل المعارضة السورية على حلب ووقف إطلاق النار في لبنان، وكلها تصب في مصلحة إسرائيل لإضعاف النظام السوري أو إسقاطه وبالتالي تقليص النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.
الموقف التركي من الصراع العسكري في سوريا:
تجنبت تركيا في بيان الخارجية إدانة الهجوم على حلب، ورغم المشاهد الميدانية التي تكشف عن دعم تركيا المباشر لفصائل المعارضة السورية سواء بالمعدات العسكرية أو المقاتلين الذين انخرطوا في الهجوم عبر تركيا؛ إلا أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان شدد على أن ما يحدث في سوريا ليس “تدخلاً أجنبياً”، إذ صرح قائلًا: “من الخطأ في هذه المرحلة، محاولة تفسير هذه الأحداث في سوريا على أنها تدخل أجنبي”، متجاهلاً بذلك الأدلة القاطعة على الدور التركي الفاعل في دعم فصائل المعارضة السورية وتأجيج الصراع.
وكان لرفع العلم التركي على قلعة حلب التاريخية أصداء إيجابية واسعة في الداخل التركي لا سيما بعد تصريح زعيم حزب الحركة القومية التركي (MHP) دولت بهتشلي حليف الحزب الحاكم حول حلب قائلًا: “إن حلب تركية ومسلمة حتى النخاع. ليس نحن من نقول ذلك، بل التاريخ يقول ذلك، والجغرافيا تقول ذلك، والحقيقة تقول ذلك، والأجداد يقولون ذلك، والعلم التركي الذي رفع على قلعة حلب يقول ذلك”. وقد اعتبر هذا التصريح إعلاناً صريحاً عن الأطماع التركية في حلب والشمال السوري.
ختامًا:
تشير التطورات الميدانية الأخيرة في شمال سوريا إلى نجاح التنسيق التركي في تحقيق أهدافه الاستراتيجية لا سيما بعد سيطرة الفصائل الموالية لتركيا على مدينة تل رفعت التي كانت تحت سيطرة الأكراد، وبهذا تمكنت أنقرة – حتى الآن – من توسيع نطاق سيطرتها على المنطقة الآمنة، وتعزيز نفوذها في شمال سوريا ما لم يطرأ أي تغيير في موازين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في سوريا، أو حدوث تطورات ميدانية غير متوقعة قد تؤدي إلى حدوث تصعيد في التوتر بين تركيا وحلفائها الإقليميين.