أقر الرئيس الأمريكي جو بايدن الأربعاء 24 إبريل 2024 قانونا ينص على تقديم مساعدات عسكرية ضخمة لكل من أوكرانيا وإسرائيل وتايوان. تحصل منها تل أبيب على 26.4 مليار دولار وذلك لدعم أنظمة الدفاع الصاروخية والقبة الحديدية و”مقلاع داوود” و”الشعاع الحديدي”، بالإضافة إلى طائرات قتالية أمريكية. كما يُخصص جزء من تلك المساعدات لتعويض مخزون إسرائيل من الذخيرة وقذائف المدفعية والدبابات. وتهدف تلك المساعدات الأمريكية إلى رفع قدرات إسرائيل العسكرية في مواجهة أعدائها الإقليميين وفي مقدمتهم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإيران والميليشيات الموالية لها .
يُعد قرار واشنطن تقديم مساعدات عسكرية ضخمة لتل أبيب، مؤشرًا لعمق العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، ورسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن دعمها لإسرائيل، وأنها ملتزمة بضمان تفوقها العسكري والنوعي على جميع دول الشرق الأوسط، مهما ارتكبت آلتها العسكرية من قتل وتدمير في فلسطين ولبنان وغيرهما. وتلك الرسالة الأمريكية ليست موجهة فقط لإيران وأطراف المعسكر الشيعي، بل موجهة أيضا لباقي دول المنطقة من المعسكر السُني، بما فيها حركات المقاومة الفلسطينية، خاصةً أن تلك المساعدات الأمريكية تعد بمثابة الضوء الأخضر لجيش الاحتلال لمواصلة عدوانه على قطاع غزة والاقتحام البري لمدينة رفح الحدودية.
وقد حرصت الولايات المتحدة على تقديم المساعدات لإسرائيل منذ نشأتها وحتى الآن، وتشمل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث كانت من أوائل الدول – بجانب روسيا- التي اعترفت بإسرائيل، ثم أقامت معها علاقات وطيدة. وقد اتسمت تلك العلاقات بحالة من الفتور في خمسينات القرن الماضي ووصلت إلى حد الأزمة فور العدوان الثلاثي على مصر، ولكن بدءًا من سبعينات القرن نفسه، زادت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل خاصة بعد الهجوم المصري واقتحام خط بارليف لتحرير سيناء في السادس من أكتوبر 73. ورغم أن دولة الاحتلال ليست الوحيدة التي تحظي بالدعم الامريكي، لكن المبالغ المتراكمة التي حصلت عليها من واشنطن هى الأكبر من بين جميع الدول المدعومة أمريكيًا.
وكانت النقلة النوعية في الدعم الأمريكي لإسرائيل في أعقاب نكسة 67 ، بعد أن تخلت فرنسا تماما عن دعم تل أبيب عسكريًا، حيث بادرت الولايات المتحدة على الفور بتوفير تلك المساعدات لتحقيق الأمن لإسرائيل. وزادت وتيرة المساعدات الأمريكية خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، إلى أن استنجدت تل أبيب بواشنطن في حرب أكتوبر 73 فأرسلت الولايات المتحدة جسرًا جويًا هائلا لنقل السلاح إلى إسرائيل لحمايتها من السقوط. ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في كل حروبها ضد الفلسطينيين واللبنانيين فضلا عن دعم إسرائيل سياسيا وعسكريًا ضد إيران ومشروعها النووي.
وخلال الأشهر الأخيرة أعرب بايدن عن دعمه غير المحدود لإسرائيل فور عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنات اليهودية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة. وسارعت واشنطن بإرسال صواريخ اعتراضية لنظام القبة الحديدية وقذائف وطائرات مقاتلة. كما أرسلت واشنطن حاملة طائرات إلى سواحل إسرائيل لضمان حمايتها. وبذلك فقد حصلت إسرائيل على كامل الدعم الأمريكي مما يؤكد عمق العلاقات بين الدولتين رغم الخلافات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأمريكي بايدن.
مجالات الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل:
لقد حصلت إسرائيل على أكبر قدر من المساعدات العسكرية أميركية منذ عام 1948، وبلغ حجم تلك المساعدات حتى الآن ما يزيد عن250 مليار دولار وهو أكثر من نصف جميع المساعدات الأمريكية للخارج.
وتركزت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل في تطوير أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي مثل “القبة الحديدة” و”مقلاع داوود” ومنظومة “حيتس” وفي تطوير أجهزة التحكم والسيطرة والاتصالات. كما زودت الولايات المتحدة إسرائيل بنظام رادار “إكس-باند” لاكتشاف الصواريخ المعادية، فضلا عن تزويدها بالتكنولوجيا المتقدمة لتطوير صناعاتها العسكرية لضمان تفوقها النوعي. كما دعمت واشنطن تل أبيب في مجال تطوير الطائرات المسيرة، وأمدتها بأحدث الطائرات القتالية وعلى رأسها الطائرة “إف 35” الأكثر تطورًا، والتي تملك إسرائيل منها حاليًا50 طائرة، وهي في طريقها للحصول على 75 طائرة أخرى. وإلى جانب الدعم المالي، فإن الولايات المتحدة تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل وتُجري مع جيشها المناورات العسكرية والبحوث الأمنية لرفع كفاءته القتالية.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، سارعت الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بكل ما تحتاج من دعم عسكري لاجتياح القطاع والقضاء على المقاومة الفلسطينية وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. وشمل الدعم العسكري الأخير السُفن الحربية والطائرات المقاتلة والذخيرة والمعدات العسكرية، إضافة إلى خلية من القوات الخاصة الأمريكية التي شاركت في العمليات الاستخباراتية والتخطيط العسكري لاجتياح قطاع غزة.
دعم بلا مقابل!
يمثل دعم واشنطن لتل أبيب أحد مرتكزات السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط منذ قيام الدولة العبرية عام 1948، وهذا ما أكده جو بايدن عام 2013– وكان نائبا للرئيس في ذلك الوقت – عندما قال: “إن الدعم الأمريكي لإسرائيل لا يُعد التزاما أخلاقيا فحسب، بل التزاما استراتيجيا أيضا”. ولكن ما الفائدة التي تعود على الولايات المتحدة من ذلك الدعم الذي هو من طرف واحد؟. يرى كثيرون أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يهدف في الأساس إلى تحقيق مصالح واشنطن في الشرق الأوسط، لكن غالبا ما تكون النتيجة معاكسة، فبعد شهور من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يتبين أن الدعم الأمريكي قد خلَّف تداعيات سلبية على علاقات دول الإقليم مع الولايات المتحدة. كما أن دعم واشنطن لتل أبيب قد أضر بالمكانة الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأساء لسمعتها على الساحة الدولية. كما أكدت الحرب الحالية مدى فشل السياسة الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط، فبسبب الانحياز الأمريكي لإسرائيل، لم تتمكن واشنطن من تسوية الملفات الشائكة في المنطقة، مثل القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني. وعليه فإن الدعم الأمريكي لإسرائيل لا يحقق مصالح واشنطن الاستراتيجية في الشرق الأوسط بل يجر عليها تداعيات سلبية.
مخاوف إسرائيلية!
على الرغم من أن الكونجرس الأمريكي أقر مساعدات عسكرية غير مسبوقة لإسرائيل، إلا أن حكومة نتنياهو بما تضم من وزراء متطرفين، ترى أنه لن يمكن الحصول على الدعم الكامل من إدارة الرئيس بايدن التي هددت بفرض عقوبات على إحدى الكتائب العسكرية الإسرائيلية، وتواصل الضغط لمنع الاجتياح العسكري الكامل لمدينة رفح.
ومع إقرار المساعدات العسكرية الأمريكية وما صاحبه من رفض واشنطن لقبول فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة، سربت الخارجية الأمريكية أخبارًا عن نيتها فرض عقوبات غير مسبوقة على كتيبة “نيتساح يهودا” التابعة للجيش الإسرائيلي بسبب انتهاكاتها ضد الفلسطينيين. ورغم التراجع الأمريكي عن تلك الخطوة إلا أن تل أبيب تتخوف من أن تمثل المساعدات الأمريكية وسيلة لفرض إملاءات إدارة بايدن على الحكومة الإسرائيلية، فضلا عن التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية الإسرائيلية بعد أن وجه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ “تشاك شومر”، انتقادا شديدا لرئيس الوزراء نتنياهو وطالبه بإجراء انتخابات إسرائيلية جديدة، فيما يُعد تدخلأ أمريكيا غير مسبوق في السياسة الداخلية الإسرائيلية.
وتحاول الإدارة الأمريكية ممارسة ضغوط على الحكومة الإسرائيلية بشأن الاقتحام البري لمدينة رفح، ورسم المستقبل السياسي لقطاع غزة بعد الحرب، خاصة أن الرئيس بايدن مُقدم على انتخابات رئاسية ويريد الحصول على أصوات الجالية المسلمة التي يبلغ تعدادها قرابة 3.5 مليون نسمة، من بينهم أعضاء في الأحزاب السياسية وأعضاء في الكونجرس ورؤساء مُدن وغير ذلك من مراكز مؤثرة في المجتمع الأمريكي.
لم تعد كنزًا استراتيجيًا!
من عجيب المفارقات أن الدعم الأميركي كان دائما يُقدم لإسرائيل باعتبارها دولة قادرة على حماية نفسها، ولكن عملية طوفان الأقصى – وما تلاها من حرب طويلة ومدمرة في قطاع غزة – أثبتت أن إسرائيل باتت دولة ضعيف على حافة السقوط، فلا تحتاج لمجرد الدعم العسكري بل إلى مَن ينقذها. لذا فإن إسرائيل باتت عبئًا ثقيلا على الولايات المتحدة والدول الغربية بعد أن كانت كنزا استراتيجيا لتحقيق المصالح الغربية في الشرق الأوسط. ومن المؤكد أن عجز إسرائيل عن حسم معركتها أمام حركات المقاومة سواء في قطاع غزة أو في جنوب لبنان، ستكون له تداعيات بعيدة الأمد على مكانة إسرائيل لدى صناع القرار في الولايات المتحدة والغرب عموما. والآن فقد أصبحت دولة الاحتلال أمام مفترق طرق مصيري، فإما تثبت أنها دولة قوية منتصرة وإما تبدو دولة ضعيفة تعيش عالة على الدعم الأمريكي.
خلاصة القول، فإن الدعم الأمريكي العسكري غير المحدود لإسرائيل، لن يُحدث طفرة في ميزان القوى بين إسرائيل وأعدائها لأن العقيدة القتالية وأنظمة التسليح مختلفة تماما. كما أن الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في أكتوبر الماضي واحتمال نشوب حرب مع حزب الله وإيران يهددان بقلب المعادلة، فإذا فشلت إسرائيل أمام تلك التحديات ستبدو في نظر الامريكيين والغرب على أنها دولة ضعيفة وفي حاجة إلى الإنقاذ وليس إلى مجرد الدعم العسكري. وعندئذ ستخسر إسرائيل مكانتها ككنز استراتيجي للغرب وتتحول إلى عبء.
وكل المؤشرات تقول إن إسرائيل مهما حصلت على دعم عسكري أمريكي، تتجه نحو الضعف والانكماش. وكانت المحطة الأولى لهزائمها في حرب اكتوبر عام 1973، وبعدها توالت الإخفاقات العسكرية في حربها على لبنان وفي التصدي لانتقاضة الأقصى، وانسحابها من قطاع غزة وفشلها في كل حروبها على القطاع، وهي الآن متعثرة منذ أكثر من سته أشهر أمام حركات المقاومة ولم تحقق أي من أهدافها الأساسية.