ترجمة: سعد عبد العزيز
تعتبر المملكة العربية السعودية وإيران مركزي ثقل مؤثرين للغاية في سياسة الشرق الأوسط – حيث تتبنى كل واحدة من الدولتين الاستبداديتين الإسلاميتين مستقبلًا خاصا لنفسها وللمنطقة كلها. ويبين هذا التقرير ما الذي تركز عليه الرؤيتان المختلفتان، وما هي العوامل المؤثرة في صراع القوى بينها.
في عام 2016، أطلقت المملكة العربية السعودية، ضمن مراسم احتفالية، رؤية 2030، وهي خطة تنموية شاملة تسعى للالتحاق بركب الحداثة وتنويع اقتصاد البلاد وتطوير المجتمع وثقافة الدولة. ولكن أشد الدول المنافسة للسعودية في المنطقة وهي إيران، لم تُطلق رؤية مماثلة، لأنها رؤيتها سبق وأن انطلقت عام 1979 مع تأسيس الجمهورية الإسلامية؛ وعلى مدار قرابة خمسين عامًا منذ ذلك الحين، ظلت سياستها ثابتة على ترسيخ المذهب الشيعي والتصدي للغرب وإسرائيل، ونشر تلك المفاهيم في أرجاء الشرق الأوسط.
يسود عداء شديد بين المملكة العربية السعودية وإيران وهما نظامان استبداديان يمتلكان مصادر هائلة للطاقة. غير أن الدولتين تواجههما تحديات مختلفة، وتتبنيان سياسات متضاربة. ومن الصعب أن نتخيل وجود منافسين بهذا القدر من الاختلاف في أي مواجهة بين رؤيتين للمستقبل. وفي مقال نشره مؤخراً في مجلة فورين أفيرز، سلط الصحفي والباحث السياسي كريم سجادبور الضوء على التنافس بين الدولتين وتداعياته.
والسؤال الذي يطرح نفسه: من الدولة التي تمتلك أفضل الفرص لتحقيق الغلبة؟ وكيف تواجه كل منهما التحديات في مجالات الاقتصاد والسياسة الخارجية والحفاظ على نظام الحكم؟ وكيف ستتأثر المنطقة بالتنافس بين التدولتين المحوريتين على ضفتي الخليج، الذي تصفه أحداهما “فارسياً” وتصفه الآخرى “عربياً”؟
طهران والرياض – روايتان متناقضتان:
تاريخياً، فإن خلفية ظهور رؤيتي الدولتين المتشاكستين قد بدأت في وقت واحد. وكما يحلو القول للسعوديين، فإن شاه إيران المستبد، محمد رضا بهلوي، قد بعث في أواخر الستينيات، برسالة إلى الملك السعودي فيصل، يحذره فيها من إمكانية عزله إذا لم يقم بإجراء إصلاحات شاملة نحو الحداثة. فرد عليه الملك فيصل بقوله: “من الأفضل أن تتذكر أنك شاه إيران، وليس شاه فرنسا”، في إشارة واضحة منه إلى أن النهج العلماني الذي ينتهجه بهلوي قد يولد الشعور بعدم الانتماء لدى السكان المسلمين في بلاده.
ولقد اتضح لاحقا بطبيعة الحال، من الذي كان على صواب: فلقد تمت الإطاحة بالشاه العلماني المؤيد للغرب، وحل محله نظام ديني إسلامي، بقيت رؤيته السياسية على حالها منذ ذلك الحين ألا وهي “رؤية 1979” كما يسميها سجادبور، وهي تدعو للحفاظ على إيديولوجية الثورة الإسلامية وتصديرها.
لكن في المقابل، اتخذت الأحداث في السعودية منحى مختلفًا. ففي البداية، كان هناك تخوف من المصير الذي لحق بإيران وهو ما جعل النظام الملكي يتخلي عن أي تطلع للحداثة، وبدلاً من ذلك فقد أنفق موارد طائلة لدعم المؤسسات الدينية المحافظة وتنمية القوى الإسلامية المناهضة للتطور ومنع التحديث. ثم سرعان ما أدرك المسؤولون السعوديون، وخاصةً في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، أنهم قد تمادوا في دعم التيار الإسلامي المتشدد وأن القوى الرجعية باتت تهدد استقرار النظام الحاكم.
رؤية 2030 جزء لا يتجزأ من النسيج الثقافي الغربي!
لقد شهدت السنوات اللاحقة عدة محاولات للقضاء على التشدد ومكافحة التطرف الإسلامي العالمي، لكن ذلك التحول أظهر أخيرًا مَن هي اللشخصية الأكثر هيمنة في المملكة خلال منتصف العقد المنصرم – إنه ولي العهد الشاب النشيط محمد بن سلمان.
لقد رأى بن سلمان- الذي لمس طوال سنوات عمره مدى محاولات بلاده الحفاظ على الاستقرار ومحاربة المتطرفين- أنه لم تعد هناك سوى طريقة واحدة لوضع المملكة على مسار الرخاء والاستقرار، وهي السير الجاد نحو التحديث والانفتاح على الغرب. وانطلاقًا من ذلك التصور، أخذ يروج لـ “رؤية 2030” باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد، على مدى العقد الأخير.
وتتضمن تلك الرؤية سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بما يعني إضفاء الشرعية على الثقافة الغربية والترفيه والنهوض بحقوق المرأة؛ وتنمية السياحة الداخلية والخارجية وتشجيع المشاريع الطموحة لتطوير البنية التحتية؛ وتنويع مصادر الدخل، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والطاقات المتجددة؛ والتخلص من الاعتماد على الاقتصاد النفطي وإنشاء مدينة المستقبل “نيوم” وغير ذلك. وتمثل السعودية في رؤية بن سلمان، 2030 جزءا لا يتجزأ من النسيج الثقافي الغربي وقوة اقتصادية من الدرجة الأولى في العالم.
على الجانب الآخر، فإن نظير بن سلمان في إيران – وهو المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي – لم يشعر قط بالحاجة إلى الإصلاح أو مكافحة التطرف. بل على العكس، فالسيد خامنئي، كما يذكر سجادبور، هو رجل دين من حيث النشأة وهو محافظ للغاية في مواقفه وآرائه. وهو يعتبر الغرب عدوه اللدود، ومهمته الأساسية كرجل دولة تتمثل في تقويض النظام العالمي الحالي، الذي يديره الغرب، بما في ذلك إضعاف الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة ودعم الجهات الموالية لتوجهات الثورة الإسلامية الإيرانية.
علاوة على ذلك، فلأنه صعد إلى السلطة بفضل ثورة عنيفة، فإنه لا ينوي السماح باندلاع ثورة أخرى ضده، وهو يفرض قيودا شديدة على الحريات الفردية في إيران. كما أنه لا يرى أي غضاضة في القيود الثقافية المفروضة على بلاده. لذا فمن الصعب أن نرى خامنئي- الذي أمر الحرس الثوري بقمع حملات الاحتجاج التي اندلعت بسبب فرض ارتداء الحجاب في إيران- يقرر اتخاذ إجراءات لرفع القيود الثقافية.
كما لا يرى أصحاب القرار في طهران أن هناك حاجة إلى تقليد الإصلاحات التي جرت على الجانب الآخر من الخليج، وحتى لو رأوا أن هناك حاجة فلن يعترفوا بذلك أبداً. ويبدي قادة الجمهورية الإسلامية ازدراءً شديدًا للسعوديين، وكل ذلك بفضل الخميني مُفجر الثورة، والذي تعالى على السعوديين ووصفهم بـأنهم “رعاة إبل وهمجيين وأسوأ البشر”.
السياسة الداخلية: كيف تؤثر الرؤية على حياة المواطنين؟
أن الغطرسة الإيرانية بطبيعة الحال لا تغير الحقائق الواقعية. إذ إنه وفقا لكل المعايير الغربية، فإن إصلاحات بن سلمان تؤدي لتحسين أحوال المواطنين السعوديين، بينما تؤدي “رؤية 1979” إلى التراجع التدريجي في مستوى معيشة الإيرانيين. وبسبب تورط إيران في الصراعات الإقليمية وإهمال وضعها الداخلي، فإنها تعاني من أزمات اقتصادية حادة مثل التضخم المتفاقم، والبطالة المرتفعة، والفشل التجاري، وتراجع النمو الاقتصادي، ناهيك عن العقوبات الغربية القاسية؛ ورغم ذلك، فإن المسؤولين في طهران لا يحاولون تحسين الوضع الاقتصادي، وحتى فيما يخص الموارد التي تمتلكها إيران بالفعل– مثل ثاني أكبر خزان للغاز الطبيعي في العالم – فإنها إما تهملها أو تستخدمها للتسليح.
المرأة الإيرانية تخضع للقيود أكثر من جدتها!
أما في السعودية، فيتم استثمار دخل صادرات الطاقة في تطوير البنية التحتية، وتنويع مصادر الدخل، وتطوير القطاعات الواعدة. وفي حين أصبح لمواطني المملكة العربية السعودية العديد من خيارات الترفيه والتوظيف والتعليم، فإن إيران باتت تعاني من هجرة مستديمة للعقول وأجواء عامة تتسم بالانغلاق ومقاومة التجديد.
تبدو تلك الحالة أكثر وضوحا فيما يتعلق بوضع المرأة في كل من الدولتين. صحيح أن وضع المرأة السعودية لا يزال أسوأ بكثير من وضع الرجل، إلا أنه أخذ في التحسن؛ لكن على الجانب الآخر، فإن المرأة الإيرانية تتمتع بقدر من التعليم والحرية، لكن ذلك يتراجع. وفي الواقع، وكما يذكر سجادبور، فإن المرأة الإيرانية حاليا هي من القلائل بين نساء العالمين التي “تخضع اليوم لقيود أكثر من تلك التي فُرضت على جدتها قبل جيلين”.
سياسة إيران الخارجية ونفوذها الإقليمي
ومع ذلك، يشير سجادبور إلى أن هناك جانبًا معينًا تبدو فيه إنجازات الرؤية الإيرانية أفضل من إنجازات مثيلتها السعودية، ألا وهو جانب النفوذ الإقليمي. فعندما قامت المملكة العربية السعودية ببناء مدن المستقبل والاهتمام بدوري كرة القدم، عملت إيران على تعزيز نفوذها الإقليمي عبر دعم الحركات الموالية لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وبينما حاربت السعودية الإسلام المتطرف، قامت إيران باستقطابه لصالحها، فأصبحت الميليشيات الشيعية المتواجدة في أرجاء الشرق الأوسط – وحتى التنظيمات السنية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة، الذي كان ينتمي للمملكة العربية السعودية – تعمل كطليعة للقوات الإيرانية في خوض غمار الحرب ضد الأعداء مثل إسرائيل والولايات المتحدة وبالطبع المملكة العربية السعودية.
في الواقع، هناك نماذج عديدة حدثت خلال العقد المنصرم تُظهر مدى نجاح المراهنة الإيرانية. وذلك كما حدث في اليمن، عندما فشلت الرياض في محاولتها الإطاحة بنظام الحوثيين الموالي لإيران، ثم انسحبت أخيراً من الصراع بعد أن أهدرت خلاله 200 مليار دولار. وهذا ما حدث في غزة: فعشية هجوم حماس في السابع من أكتوبر، بدا أن المملكة العربية السعودية عازمة على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في أقرب وقت. ولكن بعد ذلك الهجوم وما تلاه من حرب، تضاءلت فرص التطبيع تماما، مما أثار حالة من الارتياح لدى الإيرانيين. ورغم عدم وجود دليل على تورط إيران في التخطيط للهجوم الفلسطيني، إلا أن التمويل الإيراني لحركتي حماس والجهاد الإسلامي يمثل بالتأكيد عاملاً مهماً في نجاحه الكبير.
إن هذا التفاوت الواضح في ميزان القوى بين البلدين من شأنه أيضا أن يؤدي إلى الضرر الشديد برؤية السعودية 2030. إذ يشير سجادبور إلى أن السعودية بمقدورها إنفاق نصف تريليون دولار على مشروعها الخاص بمدينة المستقبل، لكن إيران وحلفاءها يستطيعون تدمير ذلك المشروع في غضون أيام بصواريخ وطائرات مسيرة رخيصة الثمن.
دعم القوى العظمى – يشعل التنافس
في ظل هذا الوضع، ما هي الدولة التي ستحسم الصراع؟ وفي ظل مساعي كل دولة لتحقيق مشاريعها، مَن هي صاحبة الفرص الأكبر للنجاح؟ لا يستطيع سجاد بور أن يتنبأ بهذا، لكنه يشير إلى عاملين سيكون لهما تأثير على المعركة الكبرى في الشرق الأوسط بين إيران والمملكة العربية السعودية.
أحد هذين العاملين هو الدعم الخارجي. فكل من إيران والمملكة العربية السعودية تحتاج إلى دعم القوى الأجنبية العظمى من أجل البقاء وتحقيق رؤيتها الخاصة. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن نجاح برنامجها الحداثي يعتمد إلى حد كبير على الدعم الأمريكي، الذي يشمل تقديم الضمانات الأمنية والدعم الدبلوماسي. بينما ستكتسب الولايات المتحدة من جانبها، شريكاً مستقراً وغنياً يدعم النظام العالمي الليبرالي ويحد من نفوذ الصين وروسيا في الشرق الأوسط. لكن واشنطن لا تعد الرياض بدعم غير مشروط؛ حيث إن بعض الجوانب السياسية لدى ولي العهد محمد بن سلمان، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، تثير قلق الأمريكيين، كما أن بعض الوقائع مثل حادث اغتيال الصحفي جمال خاشقجي تعرقل إجراءات دعم الولايات المتحدة للسعودية.
وبحسب سجادبور، فإن التهديد الأكبر للرؤيتين المتنافستين لكل من إيران والسعودية لا يتمثل في سياسة أي من الدول العظمى، بل يتمثل في استقرار النظام القائم لدى الدولتين.
بالنسبة لإيران، فإنها تحتاج إلى الصين وروسيا. صحيح أن وضعها الاقتصادي سيئ بالفعل، لكن بدون التعاون الاقتصادي مع موسكو وبكين، لا سيما من أجل تجاوز العقوبات الغربية، فإن الاقتصاد الإيراني سينهار تماما.
في الوقت الراهن، تتعاون الدولتان مع إيران: فالصين تريد ضمان استقرار مصادر الطاقة وطرق التجارة التابعة لها والتي تعتمد على إيران، فيما تستفيد روسيا من الفوضى التي تُحدثها إيران في المنطقة، والتي تزعزع استقرار الغرب. كما تستفيد موسكو من الشراكة مع طهران في الصراعات الإقليمية والدعم الأمني الإيراني في الحرب على أوكرانيا. وليس هناك أي تهديد محتمل في الوقت الراهن للدعم المُقدم من جانب الدولتين العظميين “روسيا والصين” لإيران. لكن ذلك التعاون غير مضمون على المدى البعيد؛ ففي كل الأحوال، لا يبدو أن “بوتن” أو “شي جين بينج” مهتمان بربط نفسيهما بشكل وثيق بإيران، والانجرار لأحد الصراعات العديدة التي تتورط فيها.
إن طهران والرياض تدركان مدى صعوبة تحقيق رؤيتيهما المتنافستين بدون دعم من القوى العظمى. إلا أن الدولتين لا تمتلكان سوى وسائل ضغط محدودة للتأثيرعلى شركائهما الرئيسيين، وكل ما يمكنهما فعله هو التمني بعدم وقوع حدث غير متوقع قد يهدد استمرار الشراكة معهما.
الحفاظ على النظام هو الهدف الأسمى
على أية حال – وفقاً لسجادبور- فإن التهديد الأخطر للرؤيتين المتنافستين لإيران والمملكة العربية السعودية لا يتمثل في سياسات القوى العظمى، بل يتمثل في استقرار النظام لدى الرياض وطهران، إذ يتعلق الأمر في نهاية المطاف، بدولتين استبداديتين، يشكل بقاء النظام فيهما الشغل الشاغل بشكل عام. بمعنى آخر، فإن الهدف النهائي لرؤية كل من البلدين هو الحفاظ على النظام. وأخيرًا، فإن “رؤية 2030” السعودية صيغت خصيصا لاستئصال أسباب الاضطرابات الداخلية في المملكة، أما “رؤية 1979” الإيرانية فقد صيغت بكاملها للحفاظ على مبادئ الثورة الإسلامية وحجر الزاوية فيها هو ترسيخ سلطة رجال الدين. فأي رؤية ستكون أكثر جدوى؟ وأي رؤية ستدفع صاحبها للسقوط؟
من الواضح، بحسب سجادبور، أن المملكة العربية السعودية لديها الفرصة الأفضل، لأن الإجراءات الاقتصادية والثقافية التي يتخذها بن سلمان تؤدي لتحسين رفاهية مواطني بلاده، في حين تتدهور رفاهية المواطن الإيراني جراء الانهيار الاقتصادي والقمع الثقافي الذي يفرضه خامنئي.
ورغم أن استطلاعات الرأي العام في دول مثل المملكة العربية السعودية وإيران، تعطي مؤشرات غير مؤكدة بسبب القيود المفروضة على حرية التعبير، إلا أن الاستطلاعات الأكثر مصداقية تُظهر أن غالبية المواطنين السعوديين يدعمون إصلاحات بن سلمان ويشعرون بتحسن أوضاعهم، بينما على الجانب الآخر من الخليج فإن الغالبية العظمى من الإيرانيين تعبر عن استيائها الشديد من تدني مستوى المعيشة وترفض سياسة النظام الحاكم.
لكن ربما قد يواجه بن سلمان نفس المصير الذي لاقاه شاه إيران المخلوع، الذي أثارت إجراءاته الإصلاحية الليبرالية سخط النُخب القديمة مثل المؤسسة الدينية وقطاع الأعمال. لكن ذلك الانطباع يحمل في المقابل،عدة محاذير مهمة.
أولاً، يعتمد النمو المستمر في رفاهية المملكة العربية السعودية على مواصلة الازدهار الاقتصادي، والذي بدوره لا يزال يعتمد على سوق الطاقة. صحيح أن بن سلمان يفتخر بمشاريع مختلفة مثل تنويع الاقتصاد والاستثمارات الأجنبية، لكن الذين على دراية بالاقتصاد السعودي يقولون لسجادبور إن الأمر ليس بهذه السهولة، لأن العديد من مشاريع التنويع الاقتصادي هي في واقع الأمر مشاريع خاسرة وتحتاج إلى مزيد من الجهد وليس من الواضح إن كانت مشاريع واعدة. ولا يزال مركز الاهتمام الوحيد للاستثمارات الأجنبية في المملكة- مع كامل الاحترام لمدن المستقبل ومراكز البحث والتطوير- يتمثل في قطاع الطاقة.
ثانياً، إن إجراءات التحرر التي يتخذها محمد بن سلمان تحظى فعليًا بتأييد غالبية السعوديين، لكنها في المقابل تثير الشعور المتزايد بالسخط وعدم الانتماء لدى الآخرين. كما يتفاقم الإحباط لدى الجهات التي سبق أن دفعت القصر الملكي إلى تقييد الحريات الفردية، وهي المؤسسة الدينية المحافظة والقوى الإسلامية المتطرفة، وأيضاً لدى أولئك الذين قد يتضررون من الإصلاحات الحالية، مثل الطبقة الأرستقراطية النفطية القديمة بل وحتى الرجال المحبطين الذين يخشون من استيلاء النساء على مواقعهم جراء الإصلاحات.
لذا قد يواجه بن سلمان، رائد التغيير، نفس مصير شاه إيران المخلوع، والذي أثارت إجراءاته الإصلاحية الليبرالية سخط النخب القديمة مثل المؤسسة الدينية وقطاع الأعمال، مما أدى لإسقاطه في النهاية. ويحذر سجادبور من أن بن سلمان ربما يتجاهل تحذيرات عمه الملك فيصل، ويتناسى أنه ليس حاكمًا لفرنسا بل هو حاكم لدولة إسلامية، وأنه سوف يكتشف أن علمنة الدولة ستثير رد فعل يهدده ويهدد نظام حكمه.
التاريخ مليء بالمفاجآت!
ومع ذلك، بحسب سجادبور، من المهم أن نتذكر أنه بمفهوم أوسع، تبدو العلاقة بين الازدهار الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية من ناحية واستقرار الأنظمة الاستبدادية من ناحية أخرى، أكثر تعقيدًا من المعادلة البسيطة التي تنص على “مستوى المعيشة المرتفع مقابل نظام الحكم”. إذ في الواقع، غالبًا ما تكون التحسينات السريعة في الحقوق الفردية والازدهار والرفاهية، هي التي تؤدي إلى الإطاحة بالنظام الاستبدادي، وليس القمع والفقر لفترة طويلة. ويشير المنظرون السياسيون إلى أن سياسة تخفيف القيود وإطلاق الحريات قد تدفع لمزيد من التطلعات التحررية، وهناك عديد من الأمثلة التاريخية تؤكد ذلك.
وهذا ما قد يحدث في المملكة العربية السعودية. إذ قد يتساءل المواطن السعودي ذات يوم لماذا ــ إذا كان بوسعه أن يختار الثقافة التي يتلقاها والمهنة التي يزاولها ــ لا يمكنه إذن اختيار من سيقود الدولة التي يعيش فيها.
لا يمكن للرؤيتين البقاء لفترة طويلة !
وبالمثل، للأسف الشديد، فقد يتبين أن القمع الشديد للمواطنين الإيرانيين هو تحديدًا، الوسيلة الأمثل للحفاظ على النظام. وكلما مرت الأعوام، كلما أتقن النظام الإيراني أساليب الرقابة والتضييق، وإحكام القبضة الأمنية على المواطنين؛ وربما بهذه الطريقة سيتمكن النظام من الاستمرار في إحباط أي ثورة ضده. وينطبق هذا الواقع بشكل خاص على الأنظمة التي ولدت من رحم الثورات، مثل نظام خامنئي، حيث يقول علماء الاجتماع إن مثل تلك الأنظمة قادرة بشكل خاص على القمع الأيديولوجي والسياسي، لأنها ذات خبرة في سحق مراكز السلطة البديلة، وفي إحكام السيطرة على آليات الحكم والسلطة وفي الحفاظ على نظام متين ومتماسك.
بمعنى آخر، وبشكل أوضح، فإن المواطن الإيراني – بعد سنوات من التجويع في ظل حكم الثورة الإسلامية – قد لا يمتلك القدرة اللازمة لإسقاط نظام حكم الملالي؛ بينما أخيه السعودي أو أخته السعودية – “مع حضور الطعام تأتي الشهية”-، فإن الإصلاحات ستمهد أمامه الطريق للكفاح من أجل تحقيق الحرية السياسية الكاملة.
إذن لمن ستكون الغلبة؟، يرى سجادبور بشيئ من الحذر أن فُرص السعودية أكبر، لكن كما ذكرنا فإن المخاطر عديدة والتاريخ مليء بالمفاجآت. وعلى أية حال، فمن الواضح أن الرؤيتين -“رؤية 2030″ السعودية و”رؤية 1979” الإيرانية – لن تتمكنا من البقاء لفترة طويلة دون نهوض كبير في مجال الحريات الفردية والمشاركة السياسية، حتى تتحقق الديمقراطية الكاملة.