تسبب تفجير شارع الاستقلال بميدان تقسيم وتحديداُ فى المنطقة الخلفية للميدان بحى ” باى أوغلو ” بمدينة أسطنبول فى مقتل 6 أشخاص وجرح 83 آخرين منهم 3 فى حالة خطرة ، وجاءت هذه العملية الإرهابية لتحمل إشارات ودلالات متعددة فى ظل تطورات ومتغيرات داخلية وخارجية ، وهذا يظهر من خلال تصريحات وزير الداخلية التركى ” سليمان صويلو ” بأن تركيا لا تقبل العزاء من الولايات المتحدة الأمريكية وقد وصلتنا الرسالة ، وسرعان ما كشفت السلطات التركية عن مرتكبى الحادث ، وفقاً للتصريحات الرسمية أن وراء التفجير إمراة سورية تلقت تدريب فى منطقة ” كوبانى – عين العرب” ودخلت تركيا من منطقة “عفرين” فى إشارة إتهام لحزب العمال الكردستانى على الرغم من نفى الأخير مسؤوليته عن العملية الإرهابية ، وقد ألقت السطات التركية القبض عليها وعدد من أفراد الخلية التى نفذت عملية التفجير . وقبل أن نتطرق إلى تحليل دلالات ذلك التفجير الأخيرلابد من الإشارة إلى أبرز الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها تركيا فى السنوات الماضية ومنها :
ولرؤية أبعاد تلك العملية الإرهابية الأخيرة وتداعياتها لابد من الإشارة إلى مجموعة من النقاط أهمها :
- أهمية الموقع : حيث أن مكان التفجير يعد أهم منطقة سياحية وتجارية فى عموم تركيا بالكامل وليس أسطنبول فحسب ، وبالتالى فإن مرتكبى عملية التفجير يريدون إرسال رسائل محددة لتركيا ولأردوغان تحديداً ، ويمكن أن ندلل على ذلك من خلال التصريحات الرسمية التى جاءت على لسان أردوغان ، فالرئيس التركى هو أول من أشار إلى أن التفجير ناجم عن عملية إرهابية ولم يسبقه أحد فى تلك التصريحات وعلى رأسهم وزير الداخلية أو دائرة الإتصال التابعة لمؤسسة الرئاسة .
وبالتالى تحمل دلالة الموقع مجموعة من الإشارات منها قدرة المنظمات الإرهابية للوصول إلى عمق تركيا ، والتشكيك فى قدرة الأجهزة الأمنية فى إحكام السيطرة على المواقع المهمة والاستراتيجية .
- توقيت التفجير : تحمل دلالة التوقيت أهمية كبيرة وإشارات متعددة لأنها وقعت بعد يومين فقط من إجتماع أردوغان برؤساء دول ( منظمة الدول التركية ) والتى أقروا خلالها بحصول قبرص الشمالية ( التركية ) على صفة مراقب بالمنظمة تمهيداً لحصولها على عضوية كاملة بعد إقرار دول المنظمة بضرورة الحشد نحو حصول شمال قبرص على إعتراف دولى ، الأمر الذى دعا الإتحاد الأوروبى إلى التنديد بهذا القرار وأكد على وقف أى أعمال من شأنها تغيير الطبيعة القانونية لشمال قبرص .
كذلك يتزامن توقيت التفجير مع تواجد وزير الداخلية التركى ” سليمان صويلو ” فى سوريا ، وتواجد أردوغان نفسه فى مطار أتاتورك متوجهاً إلى إندونيسيا للمشاركة فى قمة العشرين .
- الذكرى المئوية : تحتفل تركيا فى عام 2023 بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية وسوف تطلق فيه الحكومة التركية الرؤية الإستراتيجية للإصلاح والتنمية ، وبالتالى فإن وقوع العملية الإرهابية بالتزامن مع التحضير لعام المئوية للجمهورية يحمل إشارة رمزية مهمة فى سبيل الإعتراض على السياسات التركية أمام المجتمع الدولى .
- الضغط التركى : الضغط التركى المتزايد على الولايات المتحدة من أجل صفقة الطائرات المقاتلة F16 وندلل على ذلك من خلال تصريحات أردوغان حول أنه يأمل فى إتمام الصفقة قبل الدخول للعام الجديد وفى الوقت نفسه اتهم الإدارة الأمريكية بأنها تأوى زعيم المنظمة الإرهابية ” فتح الله جولن ” قبل أيام قليلة من وقوع العملية الإرهابية ، والأمر نفسه بالنسبة لدول الإتحاد الأوروبى ودول حلف الناتو من خلال إستغلال الأزمة الروسية الأوكرانية ورفض قبول عضويتى السويد وفنلندا من أجل التوسع فى حلف الناتو لمجابهة التحديات والمتغيرات الدولية .
-
- العمليات العسكرية التركية : زادت تركيا من عملياتها العسكرية فى سوريا والعراق بشكل مكثف فى الآونة الأخيرة وسط إنشغال دولى بالأزمة الروسية الأوكرانية ، وذلك لضمان عودة جزء من اللاجئين السوريين إلى الأراضى السورية بعد ضغوط قوية من أحزاب المعارضة وتصاعد أعمال العنف والتمييز العنصرى للأجانب وخاصة السوريين بشكل أساسى ، وبالتزامن مع وجود وزير الداخلية التركى فى سوريا وقت تنفيذ العملية الإرهابية بأسطنبول
مما سبق نجد أن هذا التفجير يحمل دلالات واسعة النطاق خاصة مع تداخل تركيا فى مجموعة من الملفات والقضايا الدولية المتشابكة وأنه يأتى فى مرحلة حرجة من عمر تركيا ، وسوف تكون له تداعيات على المستويات الاقتصادية والسياسة الخارجية لتركيا فى ظل أزمة اقتصادية وارتفاع نسبة التضخم لأكثر من 85% رسمياً ، لاسيما مع قيام تركيا بدفع جزء من قيمة وارداتها من الغاز الروسى بالروبل وتصريحات الحكومة التركية بأنها يمكنها ان تلعب دوراً مع روسيا فى ملف الطاقة وتوفير إحتياجات أوروبا عن طريق أن تكون تركيا مركزاً دولياً للطاقة والغذاء .
وفيما يتعلق بتداعيات التفجير الإرهابى على السياسة الداخلية والعملية الإنتخابية فتجدر الإشارة أولاً إلى متغيرات الأمور فى الداخل التركى من خلال زيارة وفد تركى رفيع المستوى برئاسة وزير العدل لحزب الشعوب الديموقراطى والذى يُنظر إليه باعتباره واجهة لسياسات حزب العمال الكردستانى وذلك لطلب دعمه لتمرير التعديلات الدستورية التى ينوى الحزب الحاكم التقدم بها للبرلمان ، هذا بالإضافة إلى سماح السلطات التركية للرئيس الأسبق للشعوب الديموقراطى “صلاح الدين دميرطاش” بالخروج من السجن لزيارة والده الذى عانى من أزمة قلبية ، وبالتالى فإن التفجير سيعمل تعطيل “مسار التعاون” بين الحزب الحاكم وحزب الشعوب الديموقراطى سواء لتمرير التعديلات الدستورية أوكسب الكتلة الإنتخابية لحزب الشعوب لصالح الحزب الحاكم
وعلى صعيد تحالف أحزاب المعارضة ، فإنه من غير المتوقع أن تستخدمه أحزاب المعارضة والقوى السياسية كورقة ضغط سياسى للإطاحة بأردوغان فى الإنتخابات المقبلة ، إرتباطاً بحرص رؤساء الأحزاب على إعلان رفضهم الكامل لهذا التفجير الإرهابى خاصة وأن العملية الإنتخابية فى تركيا محاطة بأمور مختلفة منها تعديل الدستور والجدل حول المواد 101 و106 و116 من الدستور والمنظٍمة لعملية الانتخابات ، وحرص رؤساء الأحزاب على تهيئة المجال أمام تعزيز تحالف أحزاب المعارضة وإمكانية طرح مرشح توافقى .