ما بين سيناريوهات عديدة، جميعها صعبة، تجرى الأمور بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خلال الأيام الأخيرة، ومتوقع أن تستمر كذلك لعدة أيام أخرى على الأقل، وكأن هناك من يدبر للشرق الأوسط وضعا جديدا، من الممكن أن يكون أكثر خطورة على الأمن القومى العربي، من سقوط بغداد أو ما يسمى بموجات الربيع العربي، ولذلك يجب أن نكون متيقظين، لكل المستجدات.
فكما تحدثت في تقديرات ومقالات سابقة عن انتفاضة التراويح ومحاولة إختطافها وعسكرتها، يجب أن نشير لعدة زوايا معقدة وغير تقليدية على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لها جوانب إيجابية وسلبية، وتغير بشكل عام قواعد اللعبة، ومراكز القوة في عدة ملفات وليست القضية الفلسطينية فقط:
القدس
الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين – أرشيفية
١. الإيلام الفلسطينى:
لأول مرة، منذ قيام الكيان الإسرائيلي، تقع كل أرجاء إسرائيل تقريبا تحت القصف الفلسطيني، ولا يهم هنا القدرات والإمكانيات التسليحية والصاروخية أو الأهداف والعواقب المباشرة وغير المباشرة من وراءها، أو فحديثنا يدور عن أن القدس وتل أبيب وعسقلان وبئر سبع وديمونة ومطار بن جوريون وميناء أسدود والنقب وحتى المدن المختلطة، بخلاف مستوطنات غلاف غزة، الهدف الاعتيادي، أصبحوا في لوحة نيشان الفلسطينيين، حتى أن الطيران المدنى الإسرائيلي يغير مساراته والبورصة تنهار والموازنة تواجه صعاب كبيرة، والمستوطنون وغيرهم يظلون بالساعات داخل الملاجئ، وإسرائيل كلها تصمها صفارات الإنذار، وحقل غاز تمارا تم إغلاقه وقاعدة نتڤايم الجوية العسكرية تحت القصف، وهذا أمر لم يحدث من قبل بهذا الشكل، ولم يكن يتصوره البعض.
والكل يحمل نتنياهو وأجهزته المخابراتية مسئولية مجريات الأمور على هذا المنوال، لفشلها، وتحاول الأجهزة الإسرائيلية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بتصفية عدد من قيادات الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية، والترويج إلى نجاحات مبالغ فيها يتم من خلالها تحييد القدرات الصاروخية والعسكرية لحماس، لكن استمرار الرشقات  الصاروخية من غزة يؤكد أن هذه الدعاوى الإسرائيلية مبالغ فيها، وهناك تصورات تدور حول رغبة فريق نتنياهو بتوجيه الأحداث لهذا المنعرج، رغم خطورته على دولتهم، إذا ما وضعنا في الاعتبار تركيز نتنياهو على مصلحته الخاصة، وليس المصلحة العامة، فما يهمه البقاء في السلطة حتى لا يسجن.
٢. تدويل الأقصي :
 المسجد الأقصي سيظل كلمة السر مهما كانت المستجدات ،ومهما تغيرت الأجيال، ومهما تبدلت أوراق اللعبة، فكما كان الأقصي كلمة السر في الانتفاضة الثانية، عندما اقتحمه شارون ليشعل المشهد عام ٢٠٠٠، كان الأقصي أيضا أداة نتنياهو لإشعال الحرب الدينية من جديد، وهو نفسه تحدث مباشرة عنها، وجر بايدن خلال إتصاله الداعم له للحديث في هذا الإطار، بوصف القدس لكل الأديان..فهل هذا ما يريدونه أن تكون القدس الشرقية مدينة مدولة بحجة إنها لكل الأديان؟! .. أتصور أن الفلسطينيين وأغلب العرب يعوون المخطط، ولن يتركوا فرصة لذلك وإنتفاضة التراويح التى إكتملت بصلاة العيد الكبري في الأقصى، وحتى هبة فلسطينى الداخل تؤكد على ذلك، حيث خرجت الأمور عن السيطرة لما هو أبعد مما كانوا يتصورونه، في المدن المختلطة والعربية، وفق أغلب التوقعات.
الاستهداف الصاروخى الفلسطينى الموجّه إلى إسرائيل – أرشيفية
٣. هبة فلسطينى الداخل:
من أكبر مكاسب المشهد، والتى لا تقل قيمة عن فكرة الاستهداف الصاروخى لكل نقطة في إسرائيل، هبة فلسطينى الداخل، حيث تتحول المدن المختلطة بالعرب واليهود لكرة نار تكبر مع الوقت لتحرق إسرائيل كلها، لن تقف الحرب إلا لهذا السبب المقلق جدا لإسرائيل، لدرجة إن نتنياهو هاجم اليهود ليهدأ العرب، بعدما انتشرت الفوضي والاشتباكات والانتقامات الجماعية المتبادلة، ووضعت خطط لتدخل الجيش بعد فشل الشرطة في السيطرة
ولو وصلنا لسيناريو الفوضي بين العرب واليهود في إسرائيل، والذي تتبلور ملامحه مع الوقت ستتغير قواعد اللعبة بشكل كبير ومحورى، لتذكرنا بالثورة العربية الأشهر في عام ١٩٣٦، أو بخروج فلسطينى الداخل على سلطات الاحتلال بعد سقوط القدس في ٦٧، وحتى في أحداث انتفاضة ٢٠٠٠، التى كانت لها امتدادات من أراضي الضفة وغزة لمدن الداخل.
فالمدن التى كانت تتباهى بها إسرائيل، وتقدمها على إنها نموذجها للتعايش بين العرب واليهود، تضربها الآن الفوضي المنوعة من الشمال للجنوب، من يافا وعكا واللد وحتى الرهط وبئر سبع، حيث تعددت الاشتباكات بين العرب واليهود و وأصبحت مشاهد حرق العربات والمحلات والمطاعم وتدمير المنشأت والقتل المتبادل، أمر معتاد في هذه المدن، بين العرب واليهود.
٤. عودة حماس من بعيد
تعقد الموقف المدبر من تأجيل الانتخابات الفلسطينية، التى كانت ستكشف حقيقة حماس، إلى متاجرة حماس بأهالى الضفة والقدس وحتى المدن العربية والمختلطة في الداخل، ورمى حماس لأخر ورقة لديها، وهى القدرات الصاروخية والطائرات المسيرة المفخخة، التى لم تكن مفاجأة لنا، حيث كنت أرقب التجارب الصاروخية الحمساوية، والتى كانت تطلق خلالها صواريخها الجديدة نحو بحر غزة، حيث أن أغلب الصواريخ تم تغيير أسمائها، لتكون على أسماء القيادات العسكرية التى تتم تصفيتها، في رسالة مباشرة، أنهم سيتحولون بعد استشهادهم لصواريخ تدمر إسرائيل.
نظام القبة الحديدية الإسرائيلى المضاد للصواريخ – المصدر: BBC
٥. مصير القبة الحديدية:
من الخاسرين في هذه التطورات، أو هكذا يريدون تصويرها في هذا الإطار، منظومة القبة الحديدية، حيث ركز الكثيرون على المقارنة بين صواريخها المتطورة وصواريخ الفصائل، من حيث التقنية والتكلفة والدقة، وإتفق كل المراقبين والمتخصصين على كذب نتنياهو المروج إلى أن دقة إصابتها تصل ل١٠٠%، حتى وصل الأمر بنتنياهو أن أعترف بذلك فعليا، وأكد الخبراء أن منظومة الدفاع المتطورة الأمريكية الإسرائيلية التى تسعى وراءها العديد من الدول لا تستطيع أن توفر الحماية لإسرائيل من صواريخها غير متطورة بالمرة، وتكلف الموازنة الإسرائيلية غير الموجودة أساسا بسبب التخبط السياسي المتواصل منذ حوالى عامين، حوالى مليار دولار كل ثلاثة أيام، وهو رقم يزيد المعاناة الاقتصادية الإسرائيلية بشكل كبير، خاصة إنها تضرب صاروخ تكلفته ٣٠٠ دولار بصاروخ تكلفته ٥٠ ألف دولار، في مفارقة رقمية تبرز واحدة من أبرز تعقيدات المشهد بإسقاطاتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية والإستراتيجية عموما.
الموقف الأمريكى تجاه العدوان الإسرائيلى ضد الفلسطينيين – أرشيفية
٦. الموقف الأمريكى :
من أكثر العناصر التى تكشف تحولات المشهد في الصراع الحالى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمآرب المختلفة من ذلك فلسطينيا وإسرائيليا وإقليميا ودوليا، هو الموقف الأمريكى، حيث كانت الإدارة الأمريكية ضاغطة بشكل أو آخر على إسرائيل، مع الاشتباكات بين المصلين والشرطة الإسرائيلية والمستوطنين في الأقصي، ومع تفاقم المشهد في حى الشيخ جراح، لدرجة إنها عبرت عدة مرات عن طريق قياداتها وفي مقدمتهم الرئيس چو بايدن نفسه عن قلقها من الممارسات الإسرائيلية مطالبة بوقفها، وانتقدت واشنطن تل أبيب عدة مرات على مستوى البيت الأبيض والخارجية ومستشار الأمن القومى، مما وضع إسرائيل في حرج شديد، لكن الانتقادات الأمريكية لم تصل إلى أن جارت واشنطن طلبات عربية وصينية بإصدار بيان من مجلس الأمن حول الأحداث، رغم إن البيان كان في الإطار التقليدى، ومع تحولات المشهد من الاشتباكات في القدس والشيخ جراح، للهجمات المتبادلة بين الجيش الإسرائيلي والفصائل، تبدل الموقف الأمريكى تماما، حتى إن بايدن إتصل بنتنياهو في مكالمة مطولة، كان يتمناها نتنياهو منذ فترة طويلة، أعرب خلالها عن دعمه لإسرائيل وما وصفه بحقها في الدفاع عن نفسها، فيما لم يتصل بالرئيس الفلسطيني واكتفي بتواصل وزير خارجيته أنطونى بيلكين به، مما يعد خسارة كبيرة للفلسطينيين في هذا الإطار.. يجب البحث وراءها، خاصة أن الموقف الأوروبي شبيه بالموقف الأمريكى، وهناك يزيد الحديث عن دور حماس في إنقاذ إسرائيل ونتنياهو من موقف غاية في الصعوبة.
وزير الخارجية المصرى “سامح شكرى” يشدد لنظيره الإسرائيلى على ضرورة وقف إطلاق النار – أرشيفية
٧. الموقف المصري :
منذ تفاقم الأزمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والموقف المصري هو الأكثر وضوحا بين قوى الإقليم، وكان ولايزال هدفه الأساسي وقف إطلاق النار في أسرع وقت ولأطول مدة وبشروط جيدة لحماية الفلسطينيين من البطش الإسرائيلي، لكن تل أبيب رفضت سبع مطالبات مصرية في كافة مراحل الأزمة لوقف إطلاق حتى ولو لمدة أسبوعين، وأيضا رفضت حماس ذلك، وكان مبرر كل طرف أنه سيجلس لمناقشة أمر وقف إطلاق النار، بعد الانتقام أولا، وتتبدل الأجواء من تقدم في المفاوضات واقتراب أنباء وقف إطلاق النار، إلى اشتعال من جديد واستبعاد احتمال وقف إطلاق النار، وإجمالا كثفت مصر من نبرتها مع تل أبيب وضاعفت مساعداتها للفلسطينيين في غزة، وهددت من المساس بسيارات الإسعاف المصرية التى تنقل الجرحى من القطاع، وكانت القاهرة أول من استدعت السفيرة الإسرائيلية لإبلاغ احتجاجها أمام العالم على هذا التصعيد، خاصة أن مصر تشدد على وقف طويل لإطلاق النار.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version