كتب/هيثم الشرقاوي
طالب متخصص في العلوم السياسية
في ديسمبر 2024م، شهدت منطقة الجولان السورية المزيد من توغل للقوات الإسرائيلية، في خطوة وصفها البعض بأنها تعبر عن التغيرات الجيوسياسية في المنطقة والمخاوف الإسرائيلية مما يحدث في سوريا. هذا التوغل يعكس تعقيدات مايحدث في سوريا على الأرض وتأثيراته على الأمن الإقليمي. كان احتلال إسرائيل لهضبة الجولان عام 1967 بمثابة تغيير جذري في واقع المنطقة عسكريا وسياسيا، وتم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1974م، إلا أن هذا التوغل جاء بعد تصاعد سقوط النظام السوري، مما أثار ردود فعل متباينة من القوى الإقليمية والدولية.
تستمد هضبة الجولان أهميتها الاستراتيجية من موقعها الجغرافي الذي يطل على أراضٍ واسعة في سوريا ولبنان والأردن، وتمتاز بمساحتها الشاسعة وطبيعتها الجغرافية المتنوعة، مما يجعلها نقطة استراتيجية تتحكم في إقليم الشام. ورغم احتلال إسرائيل لها عام 1967م، ولم تحظ باعتراف أي دولة سوى إدارة ترامب في فترته الأولى.
وعلى مدار عقود، كانت الجولان جزءًا من مسار المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، والتي لم تفض إلى اتفاق نهائي حولها. قضت اتفاقية فك الاشتباك عام 1974 بإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين البلدين، ومع سقوط النظام السوري مؤخرا توغلت إسرائيل في هذه المنطقة بدعوى أنها خالية من قوات الجيش السوري وتخشى أن تتمركز فيها قوات متشددة.
أولا: التطورات في سوريا والتوغل الإسرائيلي
في أواخر عام 2024م انهار النظام السوري، فعمت الفوضى السياسية والعسكرية في أنحاء البلاد. فبدأت إسرائيل تشعر بالتهديد المتزايد على أمنها، خشية تزايد نشاط ماتبقى من أذرع إيران في المناطق المحاذية للحدود السورية، وإغلاق الحدود الأردنية واللبنانية مع سوريا. كثفت إسرائيل وجودها العسكري في الجولان بعد سقوط نظام الأسد، وشنت عملية عسكرية واسعة تحت اسم “سهم باشان” بدعوى حماية حدودها وتعزيز أمنها في مواجهة تهديدات الميليشيات المدعومة من إيران. تضمنت العملية توغلاً بريًا داخل الأراضي السورية في المنطقة العازلة، فعبرت الحدود واحتلت عدة نقاط استراتيجيّة، فوضعت نقاط مراقبة على طول الحدود المشتركة، خاصة في المنطقة العازلة الخاضعة لاتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة عام 1974م. كما استهدف الطيران الإسرائيلي مواقع عسكرية سورية في دمشق وريفها، منها منشآت دفاع جوي وصواريخ بعيدة المدى، بدعوى منع وصول الأسلحة الاستراتيجية للفصائل المعادية، لاسيما المدعومة من إيران.
ثانيا- الأهداف الإسرائيلية من الاحتلال:
تعددت أسباب احتلال إسرائيل للمزيد من أراضي الجولان على النحو التالي:
1- حماية الأمن القومي الإسرائيلي: في أعقاب انهيار النظام السوري تزعم إسرائيل أن الجولان يمكن أن تكون نقطة محورية في الدفاع عن حدودها، ويمكن أن تتزايد منها أخطار الأذرع المدعومة من إيران، من هنا اتخذت إجراءات استباقية لضمان عدم سقوط الأسلحة الاستراتيجية في يدها.
2- تدمير الأسلحة الاستراتيجية السورية: ركزت غاراتها الجوية على تدمير الصواريخ بعيدة المدى، والأسلحة الكيميائية، وأنظمة الدفاع الجوي، بدعوى ضمان عدم وصولها إلى أيدي جماعات معادية قد تستخدمها ضدها.
3- توسيع السيطرة في الجولان: تشير بعض التقارير إلى أن إسرائيل تسعى إلى تثبيت سيطرتها على الجولان بشكل أكبر، مستغلة حالة السيولة في سورية حاليا، خاصة مع تعالي الأصوات التي تدعو إلى توسيع السيطرة على المنطقة العازلة؛ لأن ذلك يؤدي إلى تكريس الاحتلال الإسرائيلي للجولان وتعزيز نفوذها في المنطقة.
ثالثا- ردود الفعل الإقليمية والدولية
جاءت ردود الأفعال على توغل القوات الإسرائيلية واحتلال المزيد من الأراضي السورية على أكثر من مستوى، منها:
1- المستوى الداخلي في سورية: بعد انهيار النظام السوري، لم يصدر رد فعل قوي من دمشق تجاه الاحتلال الإسرائيلي للجولان. ولكن هناك توقعات بأن النظام السوري في المستقبل القريب أو البعيد قد يحاول استعادة الجولان، خاصة إذا تحقق الاستقرار السياسي والعسكري.
2- المستوى الإسرائيلي: أصرّت الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على أن وجود إسرائيل في الجولان أمر استراتيجي ولن تتخلى عنه، معتبرة العمليات العسكرية ضرورية لضمان أمنها في مواجهة أذرع إيران.
3- المستوى الإقليمي: اعتبرت إيران وحزب الله التوغل الإسرائيلي استفزازا جديدا، وظهرت مخاوف من أن ترسل إيران دعما للميليشيات التي تعمل في جنوب سوريا للرد على التصعيد الإسرائيلي.
4- مستوى ردود الفعل الدولية: اعتبرت الأمم المتحدة، في بيان لها، أن التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة يشكل انتهاكًا لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974م، فدعت إلى الالتزام باتفاقيات السلام وتجنب التصعيد العسكري في المنطقة. كما دعت الدول العربية إلى ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي السورية المحتلة والالتزام بقرارات الأمم المتحدة.
رابعا- الآثار السياسية والإستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي
1- تعميق الانقسام السوري: عكس التوغل الإسرائيلي عمق الانقسام في سوريا بعد سقوط النظام، في حين خدمت هذه الفوضى إسرائيل في تعزيز قبضتها على الجولان، فإنها يمكن أن تفتح أيضًا الباب لتمدد النفوذ الإيراني وأذرعه.
2- تأثير علاقات إسرائيل مع الدول العربية: تصاعد العمليات الإسرائيلية في الجولان يزيد من التوتر في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، خاصة في ظل غياب تقدم حقيقي في عملية السلام. الدول العربية التي اقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مثل الإمارات والبحرين وغيرهما، قد تجد نفسها في وضع صعب نتيجة لهذه العمليات.
3- تحولات في سياسات القوى الكبرى: قد تدفع التحركات العسكرية الإسرائيلية القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، إلى مراجعة سياساتها تجاه سوريا. الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في هذه التحركات لموقفها الثابت من إيران بينما، وقد تسعى روسيا إلى اتخاذ خطوات دبلوماسية لاحتواء النظام الجديد في روسيا والتصعيد العسكري في المنطقة.
الخاتمة
إن توغل القوات الإسرائيلية في الجولان السورية في ديسمبر 2024 يمثل تحولًا كبيرًا في الديناميكيات الجيوسياسية والعسكرية في المنطقة، هذه العمليات تؤكد على استمرار صراع النفوذ في الأراضي السورية وتأثيراته الممتدة على مستوى الشرق الأوسط، في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل، على حد زعمها، إلى ضمان أمنها والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، تظل الأزمة السورية مفتوحة، وتستمر في تشكيل تهديدات وتحديات جديدة للدول المعنية.