بعد مُهلة دامت أسبوعين، شنت إيران هجوما مكثفا ضد إسرائيل، ردا على اغتيالها الجنرال محمد رضا زاهدي، في غارة جوية استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع إبريل الجاري. ويُعد ذلك الهجوم الأول من نوعه الذي تشنه إيران من داخل أراضيها باتجاه إسرائيل، وليس عبر حلفائها الإقليميين، لتفرض بذلك معادلة جديدة مفادها أن طهران سترد مباشرةً على أي هجوم تقترفه إسرائيل ضد قادتها ومنشآتها سواء خارج إيران أو داخلها. لكن سرعان ما ردت إسرائيل بهجوم عسكري على أهداف داخل إيران، لتفتح بذلك صفحة مختلفة من الصراع بين الدولتين، وإن كانت الدولتان غير معنيتين بالتصعيد نظرا لانشغال كل منهما بأولويات وحسابات أخرى.
المشهد المعقد!
أرشيفية
بتحليل أحداث ليلة الهجوم الإيراني على إسرائيل يمكن الخروج بعدة نتائج تؤكد تعقيد المشهد الإسرائيلي رغم الانجازات العملياتية التي حققتها. فبينما تتفاخر تل أبيب بأن سلاحها الجوي حقق إنجازا كبيرا، ونفذ عمليات داخل المجال الجوي لأربع دول مختلفة، وتمكن من اعتراض قرابة 200 طائرة مسيرة وعدد من الصواريخ التي أطلقتها إيران، وبأن أجهزتها الاستخباراتية وأنظمة دفاعها الجوي عملت في تزامن تام واعترضت الغالبية العظمى من الصواريخ الباليستية، إلا أن ذلك النجاح العملياتي الإسرائيلي يأتي في ظل مشهد استراتيجي معقد بل وإنجازات إيرانية. وحتى لو حاول البعض التقليل من تأثير الهجوم الإيراني على إسرائيل، فيكفي أنه أوصل العديد من الصواريخ والمسيرات إلى أجواء الدولة العبرية وأدخل الرعب في قلوب جميع سكانها. كما أن الهجوم كان ايرانياً في مُجمله، ولم يعتمد على الميليشيات الشيعية الموالية لطهران.
ورغم أن إسرائيل تصدت للهجوم الإيراني، لأول مرة كجزء من تحالف دولي، فيما يشكل حدثا تاريخيا مهما لها، إلا أن ذلك في الوقت نفسه يقيد حركتها ولا يُطلق يدها. ولقد ثبت في ظل المستجدات الدولية والشرق أوسطية، أن إسرائيل لم تعد تعمل بمفردها، ولذا فإن الدول التي ساعدتها في اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، ستتوقع منها مراعاة مصالحها وتبدبيد مخاوفها، فضلا عن التنسيق معها قبل اتخاذ أي قرار بشن هجوم على إيران.
بين معادلتين!
أرشيفية
بزوغ نجم التحالف الإقليمي:
ترى تل أبيب أن دول اتفاقيات إبراهيم والمملكة العربية السعودية – قد شاهدت جميعًا ما حدث ليلة الهجوم الإيراني على إسرائيل، وبعض تلك الدول قد أسهمت في التصدي للصواريخ الإيرانية. وبفضل تلك الإسهامات تمكنت إسرائيل من تحسين صورتها إقليميا ودوليا بعد ما أصابها من فشل ذريع جراء عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في الـ 7 من أكتوبر الماضي.
أرشيفية
ولقد برز دور الأردن في ليلة الهجموم الإيراني على إسرائيل، كلاعب رئيسي ضمن التحالف الدولي الذي اعترض الصواريخ الإيرانية. حيث أمرت القيادة الأردنية بغلق مجالها الجوي والمشاركة في اعتراض الصواريخ المتجهة نحو إسرائيل.
ولا شك أن مشاركة الأردن وبعض الدول العربية في إسقاط الصواريخ الإيرانية المتجهة لإسرائيل سيعزز مكانة تلك الدول لدى واشنطن وتل أبيب وسيمكنها من لعب دور فاعل في صياغة الحلول السياسية في قطاع غزة ورسم مستقبل القضية الفلسطينية، كما سيكون للمملكة الاردنية تحديدًا مكانة خاصة في أي تحالف عسكري مناهض لإيران باعتبارها عقبة أمام المد الشيعي عبر سوريا والعراق.
إسرائيل والحماية الغربية!
أرشيفية
أثبت الهجوم الإيراني أن إسرائيل لا يمكنها الاعتماد على نفسها في مواجهة الدول المعادية ومنها إيران التي تبعد عنها أكثر من 1500كم. وكان قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي الجنرال مايكل إريك كوريلا، قد وصل إلى إسرائيل قُبيل الهجوم الإيراني لتوفير الحماية الأمريكية للدولة العبرية وطمأنة حكومة تل أبيب. ولقد تأكد ضعف إسرائيل عسكريا في حروب عديدة، آخرها حرب غزة المتواصلة حتى الآن والتي يواجه فيها الجيش الإسرائيلي حركات مسلحة لا ترقى لمرتبة الجيوش، ومع ذلك لا تستطيع إسرائيل الصمود دون الحماية الأمريكية والغربية. ولولا تلك الحماية لسقطت دولة الاحتلال ولتأسست الدولة الفلسطينية المنشودة.
هدف الهجوم الإسرائيلي!
أربك الهجوم الإيراني حسابات الحكومة الإسرائيلية وجعلها أمام خيارين، إما ضبط النفس الذي سيزيد الانشقاق السياسي بين نتنياهو ووزرائه المتطرفين وعلى رأسهم بن جفير وسموتريتش، وإما توجيه ضربة عسكرية محدودة لإيران لإرضاء الوزراء المتطرفين. ولقد اختارت تل أبيب شن هجوم محدود ضد إيران يعيد الطرفين للمربع الأول دون إشعال حرب مباشرة أو فتح جبهات أخرى أمام إسرائيل. وبدراسة تداعيات الجولة الأخيرة، سنجد أن إسرائيل استطاعت صد الهجوم ضمن تعاون أمني واستراتيجي غير مسبوق مع الدول الغربية وبعض الدول السُنية، بينما تعرضت إيران للهجوم الإسرائيلي دون مساعدة خارجية ولم ينفعها حليفها الأول المتمثل في روسيا رغم ما تقدمه طهران لموسكو من دعم عسكري في حربها ضد أوكرانيا.
رسائل الهجوم الإسرائيلي:
يتمثل هدف الهجوم الإسرائيلي المحدود في توجيه عدة رسائل للنظام الإيراني مفادها:
1- أن طهران أخطأت في تقييم القدرات الدفاعية لإسرائيل مثلما أخطأت في تقييم قدراتها الهجومية.
2- أن الهجوم الإيراني لم يتمكن من اختراق خطوط الدفاعات الجوية الإسرائيلية بينما نجح الهجوم الإسرائيلي في اختراق الخطوط الدفاعية الإيرانية.
3- أن الهجوم الإسرائيلي المحدود يعني أن تل أبيب غير معنية بمزيد من التصعيد مع طهران، بل معنية بإنهاء الجولة الحالية سريعا والعودة إلى المربع الأول.
خلاصة القول، فإن الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل شكل تحوّلاً دراماتيكياً في الصراع الإقليمي، بعد أن أصبح الصدام مباشرا بين طهران وتل أبيب، لا سيما في فترة ولاية أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا منذ قيام الدولة العبرية، ما يجعل الأوضاع مرشحة للتصعيد والاشتعال نحو سيناريوهات غير متوقعة، خاصةً بعد شن الهجوم الإسرائيلي الانتقامي ضد إيران.
كما أن عامل الردع الذي حققته تل أبيب في مواجهة طهران بعد صدها للهجوم الإيراني وردها العسكري المنضبط يُطلق يد الجيش الإسرائيلي لاستكمال عدوانه على المقاومة الفلسطينية في غزة وتوجيه مزيد من الغارات على مواقع حزب الله في جنوب لبنان.
وبعد المعادلة الجديدة التي وضعتها إيران وسعت إسرائيل لإبطالها عبر ردها العسكري الأخير، بقي السؤال: ماذا سيكون رد إسرائيل لاحقا عندما تتلقى معلومات بوجود بعض قادة فيلق القدس الإيراني في سورية، أو بنقل شحنة أسلحة إيرانية لحزب الله عبر الأراضي السورية؟. هل سيكون القرار الإسرائيلي – بعد جولة الصدام المباشر الأخيرة – هو شن الهجوم الذي يعني المخاطرة بتصعيد آخر مع إيران؟