تشهد منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا تغيرات واسعة في خريطة التحالفات مع رغبة الجانب التركي في إعادة العلاقات مع تلك الدول مرة أخرى، فقد عانت تركيا في السنوات الماضية توترًا في العلاقات بينها وبين مجموعة من الدول الأوروبية وأمريكا، ولذلك لم تجد تركيا ملاذًا أمامها سوى اللجوء إلى العمق الاستراتيجي، فدائمًا ما تُسَوِّق تركيا نفسها عالميًّا بأنها دولة علمانية في محاولتها الانضمام للاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه تسوق نفسها إسلاميًّا في علاقاتها بدول الجوار وإفريقيا.
ومن هذا المنطلق تحاول تركيا أن تجد لها حلفاء مرة أخرى في إفريقيا، وتحديدًا في السودان خاصة بعد رحيل نظام البشير، فبعد جمودٍ في العلاقات بين البلدين قامت الحكومة التركية بتوجيه دعوة رسمية للحكومة السودانية لزيارة أنقرة، وقد تَوجّه في السابع والعشرين من شهر مايو إلى أنقرة في زيارة رسمية استغرقت يومان، وفد سوداني رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق أول “حميدتي”، وبمشاركة مجموعة من الوزراء منهم وزير الطاقة والنفط “جادين علي“ ووزير النقل “ميرغني موسى” ووزير التنمية العمرانية “عبد الله يحيى” ووزير الزراعة والغابات “الطاهر حربي”، وكذلك وزير الثروة الحيوانية “حافظ إبراهيم”، واستهدفت تركيا من تلك الزيارة حزمة من المنافع على المستويين الاقتصادي والاستراتيجي معًا.
الدوافع الاقتصادية
رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى مليار دولار، وهو ضعف حجم التبادل التجاري الحالي وفقا للتقارير الاقتصادية، حيث وجدت الحكومة التركية منفذًا إلى القارة السمراء عن طريق السودان، خاصة بعد رفع اسم دولة السودان من قائمة الإرهاب الدولي.
ترغب تركيا في فتح أسواق جديدة وفرص استثمار مختلفة في مختلف القطاعات، بالتزامن مع هبوط الليرة التركية إلى مستويات متدنية أمام سلة العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأمريكي، وبالتالي تنشيط قطاع الصناعة والتجارة لتعويض الخسائر الاقتصادية التي صاحبت انتشار فيروس كورونا وتعليق السفر بين الدول؛ مما تسبب في خسائر ضخمة لقطاع السياحة والعقارات وهما من أهم المصادر الاقتصادية لتركيا.
بلغ حجم الاتفاقيات بين السودان وتركيا 10 مليارات دولار، شملت قطاعات متعددة منها: الزراعة والطاقة والثروة الحيوانية، وفي هذا الإطار لا يمكن أن نغفل الاتفاق بين حكومة أردوغان والبشير في العام 2017، حول إدارة تركيا لجزيرة سواكن السودانية في البحر الأحمر شرق السودان وأهمية تلك الجزيرة من الناحية الاستراتيجية، حيث يقع بها ميناء سواكن وهو الميناء الأقدم في السودان، وتحدث أردوغان حينها بأن سواكن ستكون معبرًا للأتراك إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة. كما اتفق الطرفان على تجهيز وفد استثماري تركي متخصص لزيارة السودان في الفترة القصيرة المقبلة. ومن الجدير بالذكر أن السودان وتركيا وقعتا 22 اتفاقية ومذكرة تفاهم في عام 2017، شملت تلك الاتفاقيات قطاعات الطاقة والتنقيب على المعادن.
الدوافع الاستراتيجية
مبيعات الأسلحة : عملت تركيا في السنوات القليلة الماضية على تطوير تكنولوجيا صناعة السلاح وركزت بشكل كبير على تطوير المسيرات، والتي تستخدم لتنفيذ عمليات استخباراتية وغيرها من المهام الأخرى، وقد باعت تركيا في الشهور القليلة الماضية 24 مسيرة إلى بولندا وحدها، لتصبح بذلك أول دولة أوروبية وعضو في الناتو تحصل على هذه المسيرات، وتشير تقارير إلى أن سعر الطائرة يبلغ 6 مليون دولارا تقريبًا، كما سارعت دول أخرى بشراء تلك المسيرات؛ ولذلك فإن تركيا تحاول أن تجد منفذًا لها كي تتمكن من تسويق تلك المسيرات وتزيد من مبيعاتها في إفريقيا، خاصة وأن تركيا تمتلك قواعد عسكرية في القارة الإفريقية، وبالتالي فإن هناك عائدًا استراتيجيًّا قويًّا يدفع تركيا إلى تحسين علاقاتها بالسودان؛ كي تتمكن من التسويق لصناعتها الدفاعية عن طريق السودان ومنها إلى باقي الدول الإفريقية.
حماية المصالح: ترغب تركيا في حماية مصالحها في ليبيا، لذلك وجدت أن السودان يمكن أن تلعب دورًا مهمًّا في حماية مصالحها هناك، حيث تقوم تركيا بمشروعات ضخمة في ليبيا أيضا، ويظهر هذا من خلال ارتفاع صادرات تركيا إلى ليبيا بنسبة 67% في خمسة أشهر فقط، لتصل بذلك إلى 983 مليون دولارا، كما تأمل تركيا أن يصل حجم صادراتها إلى ليبيا إلى 3 مليار دولارا، هذا بالإضافة إلى مصالحها وقواعدها العسكرية في الصومال وجيبوتي، ولذلك فإن تركيا تعول على السودان في حماية مصالحها في تلك الدول، ولهذا تقدم تركيا حزمة مساعدات إنسانية للسودان عن طريق الهلال الأحمر التركي وبالتنسيق مع نظيره السوداني، وقد شملت هذه المساعدات طرودًا غذائية، وقد شارك السفير التركي لدى الخرطوم في توزيع تلك المساعدات محاولا استقطاب السودان كحليف، وكذلك تحقيق التواجد عند المواطن السوداني.
دور الوسيط: تشير بعض التقارير أن الزيارة ربما تضمنت عرض تركي للوساطة في حل النزاع بين السودان وإثيوبيا حول الصراع الحدودي بين البلدين، وتعد هذه نقطة في غاية الأهمية، وهي في الوقت ذاته دليل على ما وصل إليه التقارب التركي المصري من تطور، حيث رفضت تركيا من قبل عرضًا إثيوبيا من أجل الوساطة في ملف سد النهضة في فبراير الماضي، بالتزامن مع المناورات العسكرية التي تقوم بها مصر بالتنسيق الكامل مع الجانب السوداني ( حماة النيل ) ومن قبلها ” نسور النيل 1 ” و”نسور النيل 2 ” مما يدل على عمق العلاقات بين مصر والسودان.