غلبت الصفة السياسية والأمنية على زيارة الوفد التركي رفيع المستوى الذي زار ليبيا في 12 يونيو الجاري، كانت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية قد أعلنت عن توجيهات للرئيس التركي بزيارة وفد تركي رفيع المستوى لليبيا قبل عقد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الاثنين 14يونيو الجاري، إلا أن بيان الدائرة لم يحدد توقيت الزيارة.
وقد ترأس الوفد وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، بالإضافة إلى وزير الدفاع خلوصي آكار ووزيرالداخلية سليمان صويلو ورئيس المخابرات هاكان فيدان، ورئيس الأركان يشار جولار، بالإضافة لفخر الدين آلتون رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، والمتحدث باسم الحكومة التركية إبراهيم قالن.

بيان الخارجية التركية عن زيارة ليبيا لم يزد عن ذكر أعضاء الوفد، وأن الزيارة تضمنت مباحثات ثنائية للعلاقات والتعاون بين البلدين، في الوقت الذي وصف فيه الحساب الرسمي لوزير الخارجية التركي على فيسبوك الزيارة بأنها لدعم ليبيا لذلك جاءت على مستوى رفيع، وذكر الحساب أن المباحثات الثنائية تضمنت الاتفاقيات المشتركة وسبل التعاون بين البلدين، وأنه من المتوقع استكمال اللقاءات خلال “منتدى أنطاليا الدبلوماسي” المزمع عقده في الفترة من ١٨- ٢٠ يونيو الجاري، وقد وجه وزير الخارجية التركي الدعوة لوزيرة الخارجية الليبية لحضور المنتدى.
أهم الملاحظات:
أولاً: الجانب التركي:
– خرقت تركيا الأعراف الدبلوماسية بتلك الزيارة المفاجأة التي قام بها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، كان آكار قد وصل قاعدة معيتيقة في ظل غياب تام للجانب الليبي، وكان في استقباله قادة وعناصر القوات التركية، الذين اجتمع معهم في مقرهم المُحصن بالقاعدة بعيدًا عن العسكريين الليبيين.
– هذه ليست المرة الأولى التي تخترق فيها تركيا الأعراف الدبلوماسية في التعامل مع الدولة الليبية، فقد سبق أن زار آكار قاعدة معيتقية في الثالث من مايو الماضي، وأهان رئيس الأركان الليبي في حكومة الوفاق الموالية لتركيا محمد الحداد بجلوسه على كرسي المضيف.
– آكار لم يغادر ليبيا مع بقية الوفد التركي، واجتمع مع ضباط قاعدة معيتقية بحضور محمد الحداد رئيس الأركان الليبي، وقد حرص في اجتماعه على تمرير رسالة سبق أن أعلن عنها صراحة مفادها أن “لا خروج لتركيا من ليبيا”، بالإضافة لحرصه على التأكيد أن هناك “مخاطر وتهديدات حتى الآن على مناخ السلام في ليبيا”، وأن التواجد التركي ليس إلا لدعم الأشقاء الليبيين في قضيتهم العادلة حسب وصفه.
– صاغ آكار حديثه عن الوجود التركي بالشكل الذي يؤكد رضا الليبيون التام عن التواجد التركي، وأن تركيا موجودة بدعوة من الليبيين أنفسهم، ومن بين تصريحاته:
1- تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب أشقائها الليبيين الذين تربطها بهم علاقة أخوة تاريخية منذ 500 عام، وتركيا ليست قوة أجنبية في ليبيا.

2- تركيا جاءت إلى ليبيا ونفذت أنشطة تعاون عسكري وتعليمي واستشاري وفقًا للاتفاقيات الثنائية والقانون الدولي، وهي تسعى إلى أن تصل ليبيا إلى مستوى الاكتفاء الذاتي.
3- نواصل تقديم التدريب والمساعدة والدعم الاستشاري للقوات الليبية لكي تصل إلى المعايير الدولية، وهدفنا هو وحدة ليبيا وسلامتها واستقرارها.
4- المشكلة تكمن في حفتر وأنصاره، وليبيا ملك لليبيين، وسنواصل الوقوف إلى جانبهم ودعمهم.
– اجتمع وزير الداخلية التركي سليمان صويلو منفردًا مع وزير الداخلية الليبي في حكومة الوحدة الوطنية خالد التيجاني مازن، وقد بحث الاجتماع بحسب ما أعلنه المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية الليبي العديد من الملفات والموضوعات التي تهم البلدين، خاصة ما يتعلق منها بتطوير قدرات الشرطة الليبية، كما تم التطرق للتعاون الأمني بين البلدين فيما يخص مكافحة العديد من الظواهر وتقييم الجهود التي بذلت بالخصوص.
ثانيًا: الجانب الليبي:

يغلب على الجانب الليبي – الذي لم يبد أي رفض رسمي لتجاوز الوزير التركي-طابع التردد والتخبط في سياساته مع تركيا بدليل:
– الاجتماعات المنفصلة مع الأطراف الليبية، في الوقت الذي حرص فيه الأتراك على التواجد الكلي لكل أعضاء الوفد خلال اجتماعاتهم مع عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة، ومحمد يونس المنفي رئيس المجلس الرئاسي، والاجتماع الثالث مع موسى الكوني، وعبد الله اللافي عضوا المجلس الرئاسي، ثم الاجتماع الأخير مع خالد المشري –المعروف بولائه لتركيا وإخوان ليبيا – رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا.
– بالرغم من الاتفاقيات الأخيرة الهامة بين الحكومتين الليبية والتركية، إلا أن التصريحات المستمرة لوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، المتعلقة برفض أي وجود أجنبي على الأراضي الليبية بما فيه الوجود التركي، دليل على توتر الأجواء، المنقوش نفسها كانت قد عقدت اجتماعًا وصفته بـ”غير الرسمي” مع وزير الخارجية التركي قبل يومين من زيارة الوفد التركي، وقد تناول الاجتماع قضايا تسوية الأزمة في ليبيا، ورسم خارطة طريق لتحقيق الاستقرار في ليبيا.
– جاءت الزيارة قبل عقد مؤتمر برلين 2 المقرر عقده في 23 يونيو الجاري، والذي دعت له الخارجية الألمانية لبحث ما تم إنجازه في ملف المصالحة الليبية، وخارطة الطريق التي أُقرّت في مخرجات مؤتمر برلين 1، الذي عُقد قبل عام ونصف، كان المؤتمر قد شدد على:
1- ضرورة وقف إطلاق النار. (لم ينفذ، بدليل العمليات الأخيرة في سبها، واشتباكات منطقة العجيلات المستمرة حتى الآن).
2- توحيد قوات الأمن الليبية. (لم ينفذ، بدليل رفض إبراهيم بيت المال آمر غرفة عمليات سرت الجفرة فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق ليبيا وغربها، ورفض الامتثال لقرارات المجلس الرئاسي).
