أثار تأجيل الانتخابات في إقليم أرض الصومال، التي كان من المقررعقدها في عام ٢٠٢٢م الماضي، قلقاً سياسياً وأمنياً من احتمالية تأجيلها مرة أخري، أو تمديد آخر لولاية موسي بيحي، ولكن أعلن إقليم أرض الصومال عقد الانتخابات الرئاسية والحزبية في ١٣ نوفمبر المقبل، لنشهد منافسة شرسة علي الصعيد الرئاسي والحزبي، وستكون هذه هي الانتخابات الرئاسية الثالثة بالاقتراع العام في أرض الصومال.
تسعى هذه الورقة إلى الإجابة على الأسئلة المحورية التالية: ما طبيعة المشهد الانتخابي في أرض الصومال؟ وما الأحزاب السياسية المشاركة؟ وما أبرز المرشحين؟ وما السيناريوهات المتوقعة؟
المشهد الانتخابي في إقليم أرض الصومال
لا يخلو المسار الديمقراطي في أرض الصومال من التحديات، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث كان من المفترض أن تنتهي الولاية الأولي للرئيس موسي بيحي في عام ٢٠٢٢م وإجراء الانتخابات، ولكن تم تأجيل الانتخابات لأسباب تتعلق بجدول وترتيب الأحزاب مقارنةً بالانتخابات الرئاسية، وذلك حسب تصريحات بيحي ردًا علي أحزاب المعارضة التي اتهمته بمحاولة تأخير تلك الانتخابات للبقاء في السلطة بعد انتهاء ولايته، وبعد عدة جولات من الوساطة غير الناجحة بين الحكومة والمعارضة، قام مجلس الحكماء (المعروف باسم الجورتي) بتمديد ولاية الرئيس لمدة عامين.
وأثار قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية وتمديد الولاية إلي اشتعال الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بإجراء الانتخابات، فشنت قوات الأمن حملة اعتقالات عنيفة ضد المتظاهرين، وأسفرت عن قتل ٥ أشخاص وجرح المئات، ولذلك أصدر الجورتي في بداية عام ٢٠٢٤م قانونًا انتخابيًا جديدًا يسمح بإجراء انتخابات حزبية ورئاسية متزامنة لأول مرة، وحدد موعدها في ١٣ نوفمبر ٢٠٢٤م، وأيدت أحزاب المعارضة القانون الانتخابي الجديد، باعتباره خطوة فعالة لتكافؤ الفرص في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أرشيفية
فوفقًا لدستور أرض الصومال تعتمد نتيجة الانتخابات الرئاسية عام ٢٠٢٤م على نجاح انتخابات مجلس النواب والمجالس المحلية التي أجريت في مايو ٢٠٢١م، والتي فاز فيها تحالف المعارضة، المكون من حزب واداني الوطني وحزب العدالة والرفاهية أمام حزب كولمية للسلام والوحدة والتنمية الحاكم في انتخابات كانت نتيجتها قريبة، بينما تعتمد نتيجة انتخابات الأحزاب وفقًا للدستورعلي أن الأحزاب الثلاثة التي تتصدر المشهد الانتخابي، أي تحوز على أعلى نسبة تصويت، هي التي ستشكل أحزابا سياسية رسمية، فإن الانتخابات الحزبية في أرض الصومال لن تقل شأنًا عن الانتخابات الرئاسية؛ لأنها ستحدد مصير الأحزاب الرسمية بالإقليم للسنوات العشرة المقبلة، الأمر الذي سيؤدي إلي زيادة حدة المنافسة بين الأحزاب المترشحة والتكتلات السياسية المتنافسة، من أجل استمالة الناخبين وكسب أصواتهم في الانتخابات.
تتميزالانتخابات الرئاسية والحزبية لهذا العام بوجود مشاركة شعبية واسعة، حيث سيشارك فيها مليون و720 ألف ناخب، أي بنسبة تزيد عن 60% مقارنة بالانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2017م، فقد كان عدد الناخبين المسجلين حينها 980704 ناخباً، وفق تصريحات لجنة الانتخابات الوطنية بالإقليم.
مستقبل السباق الانتخابي في أرض الصومال
أولًا: الانتخابات الرئاسية
يتنافس بالانتخابات الرئاسية المقبلة ثلاثة مرشحين، هم:
المرشح الأول موسي بيحي: الرئيس الحالي لإقليم أرض الصومال منذ عام ٢٠١٧م، وهذا المرشح موسي بيحي وحزب كولمية الداعم له مهددون بفقدان سلطتهم و تراجع شعبيتهم في الانتخابات المقبلة، لعدة أسباب منها ممارسة حكومة بيحي القمع ضد المتظاهرين منذ ديسمبر٢٠٢٢م، الذين يشككون في سلطة أرض الصومال بعد إعلان تمديد ولاية بيحي وتأجيل الانتخابات، وهو ماحدث في بلدة لاس عانود في منطقة سول، على الحدود مع بونتلاند، وأسفر عن مقتل ما يقدر بـ٢٠ متظاهرًا، وأدى ذلك إلى تقليل شعبية الرئيس، خاصة في المناطق التي شعرت بالقمع والتهميش، فضلا عن عمليات التهجير والقتل التي تمارسها منذ فبراير ٢٠٢٣م لسكان لاس عانود، مما أدى إلى مقتل المئات وتشريد ما يقدر بنحو ١٨٥ ألف شخص، وذلك منذ إعلان زعماء عشيرة دولباهانت المحلية عزمهم تشكيل دولة اتحادية تحت الصومال تسمى SSC-Khaatumo، وفي ١ نوفمبر الجاري جري قتال بين القوات المدنية المعروفة ب ssb مع قوات خاتوم في منطقة قورلوجود وأسفرت عن مقتل قائد ميليشا خاتوم عبدي مدوبي ونائبه، وهو من شأنه أن يؤدي إلي تأجج المشهد الداخلي بالإقليم، كما يمكن أن يؤدي انتشار السلاح في سول إلى إتاحة السبل أمام حركة الشباب وداعش الدولة الإسلامية للحصول علي موطئ قدم في الصومال، خاصة أنهم متمركزون في بونتلاند، القريبة من منطقة سول ذات الموقع الإستراتيجي على البحر الأحمر، فإن الاستقرار في أرض الصومال بدوره له آثار أمنية إقليمية. أضف على ذلك عمليات الاعتقال والتهديد للصحفيين بسبب تغطياتهم النقدية، وعمليات تقييد تسجيل الصحف الجديدة، من هنا تصبح فرص فوز موسي بيهي في الانتخابات المقبلة ضئيلة، علي الرغم من الدعم الكبير الذي تقدمة دولة الأمارات لموسي خلال سباقه الانتخابي، لتأمين قاعدتها العسكرية ومشاريعها بالإقليم، لاسيما مشاريع ميناء بربرة ومشروع جسر طريق بربرة وهرجيسا، والذي من شأنه أن يُعيد تشكيل الاقتصاد الإفريقي لدوره الإقليمي الهام في ربط ميناء بربره الإستراتيجي بدول شرق إفريقيا.
موسي بيحي- أرشيفية
المرشح الثاني عبدالرحمن عبدالله عيرو: رئيس ومؤسس حزب وداني الوطني المعارض المعروف بـ”وطني”، وعضو ومؤسس حزب العدالة والرفاهية المعارض المعروف بـ”أوعد”، وفاز حزبه في انتخابات مجلس النواب عام ٢٠٢١م، والتي تعتمد عليها الانتخابات الرئاسية، ويحظى هذا المرشح بدعم كبير من الشعب وزعماء القبائل والمسئولين، حيث يقود حملته الانتخابية عمدة العاصمة هرجيسا عبدالكريم موجي، كما يحظى بدعم خارجي، فقامت حملات سودانية للتبرع لحزب وطني لدعمه في الانتخابات المقبلة، ويُعد من أبرز المرشحين المتوقع فوزه في الانتخابات.
المرشح الثالث فيصل علي ورابي: رئيس حزب العدالة والتنمية المعارض، مهندس بدأ حياته المهنية رئيسا لشركة أيان للإنشاءات، ثم شغل منصب مدير التخطيط والبناء والمدير الإقليمي لوزارة الأشغال العامة الصومالية، ويُعد هذا المرشح من أبرز الساسة في الساحة الصومالية، ومن مؤيدي انفصال شمال الصومال عن جنوبه، رغم تصريحات له تعبر عن وحدة الأمة الصومالية شعوريا لاسياسيا.
ثانيًا: الانتخابات الحزبية
يتنافس بالانتخابات الحزبية المقبلة عشرة أحزاب، من ضمنها الأحزاب السياسية الثلاثة التقليدية، إلى جانب سبع تنظيمات سياسية جديدة تسعى للتحول إلى أحزاب سياسية، وتواجه تلك تنظيمات تحديات للفوز، أهمها ضعف التمويل، وسوء وضعها الاقتصادي، وغياب الخبرات لدي أعضائها، فضلا عن العامل القبلي، ولذلك من المتوقع أن تصدر الأحزاب التقليدية الانتخابات الحزبية، وعلي الرغم من اختلاف برامجها السياسية إلا أنها اشتركت في السعي للحصول علي الاعتراف الرسمي للإقليم.
برنامج حزب كولمية للسلام والوحدة والتنمية (الحاكم)
– الاعتراف الدولي بإقليم أرض الصومال.
– عرض مذكرة التفاهم التي أبرمها الإقليم مع إثيوبيا مطلع ينايرالماضي بوصفها مكسبا يجلب الاعتراف الدولي للإقليم.
– الدفاع عن حدود الإقليم في ضوء التهديدات الداخلية والخارجية.
برنامج حزب وداني الوطني “وطني” ( المعارض)
– الاعتراف الدولي بإقليم أرض الصومال، ولكنه يفضل أن يكون الاعتراف غير مشروط، وهو عكس ما جاء في مذكرة التفاهم مع أديس أبابا.
– العمل على وحدة الشعب وحل المشاكل الداخلية.
– إجراء إصلاحات اقتصادية تعزز رفاهية المواطن.
برنامج حزب العدالة والرفاهية “أوعد” ( المعارض)
– العدالة والمساواة بين سكان الإقليم.
– ضمان حقوق المرأة والشباب.
– بناء شراكة سياسية وأمنية مع دول الجوار.
السيناريوهات المتوقعة
يضع محللون عدة سيناريوهات متوقعة للانتخابات الرئاسية والحزبية في “أرض الصومال”، وذلك في ضوء التنافس الشديد بين الأحزاب الثلاثة، وذلك بحكم التطورات الجديدة التي شهدها الإقليم خلال السنوات الماضية، ويمكن تلخيصها في ثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول: فوز عبدالرحمن عيرو وحزب وطني المعارض
تُشير أغلب التقديرات إلي التراجع الكبير بالقاعدة الشعبية لحزب “كولمية” الحاكم، مقابل تقدم كبير في شعبية حزب “وطني”، فمن المتوقع أن يحقق وطني فوزا في السباق الانتخابي مستغلًا ضعف الأداء السياسي لحزب كولمية، كما أن هناك رغبة شديدة لسكان الإقليم في خوض تجربة سياسية جديدة بعد استياءهم من القيادة الحالية ومن الأداء السياسي للحزب الحاكم، ومع وعود الحزب بالإصلاحات الاقتصادية وتحسين الأوضاع الداخلية للإقليم سيمثل ذلك رؤية مشجعة للناخبين، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة في ظل النظام الحالي، ويمثل البرنامج الانتخابي للحزب رؤية جديدة لسكان المناطق التي عانت من التهميش في ظل النظام الحالي، بما فيها منطقة سول وسناغ التي تعرضت للتهميش خلال السنوات الماضية، ولذلك تسعي تلك المناطق لدعم الحزب للفوز، خاصة أن هذا الحزب يتمتع بعلاقات خارجية متوازنة مع دول الجوار، مما يساعد على تخفيف التوتر مع دول الجوار، وعرض إستراتيجية مختلفة لتحقيق الاعتراف الدولي، ولذلك فهو السيناريو الأكثر ترجيحًا، ويعزز هذا السيناريو ظهور معارضة داخلية بالإقليم ضد مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، خاصة قبائل زيلع ولوكهي، وهي المنطقة المائية التي حددتها إدارة الإقليم لتأجيرها لأديس أبابا، وبالإضافة إلى ذلك حالة التخبط بين أنصار حزب كولمية بسبب فشله في توحيد سكان الإقليم والحصول علي الاعتراف الدولي.
السيناريو الثاني: التلاعب بنتائج الانتخابات
من الممكن أن يحاول موسي بيحي تزوير الانتخابات أو إعادتها مرة أخري، ولكن ذلك السيناريو من الصعب حدوثه لعدة أسباب، أهمها حالة التخبط والضعف التي يعاني منها حزبه وأنصاره بعد تمديد ولايته وفشله في تحقيق الاستقرار والوحدة للإقليم، كما يشكل ذلك السيناريو دخول الإقليم في حالة من الاضرابات السياسية ويهدد الاستقرار الأمني للإقليم.
السيناريو الثالث: حدوث بعض المفاجآت
من المتوقع حدوث بعض المفاجآت، وهو ما تسعى إليه بعض التنظيمات السياسية التي تسعي للتحول إلى حزب سياسي، ولكن يقلل المحللون من هذا السيناريو لوجود العديد من التحديات التي تحولهم للفوز.