يشهد السودان جولات من المظاهرات الضخمة منذ 25 أكتوبر٢٠٢١، وجاءت استقالة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الأحد ٢/١/٢٠٢٢، لتضع مزيدًا من تدهور الوضع الداخلى، حيث تأتى استقالة حمدوك في ظل استمرار حراك الشارع، وتسارع الاضطرابات في السودان وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وصعوبة التوافق علي الموازنة للعام الجديد 2022، فماذا يحدث في السودان؟ وما هي تداعيات الاستقالة على المشهد السوداني؟ وما هي السيناريوهات المطروحة مع توسع الهوة بين الشارع والمكونات السياسية والجيش؟

ماذا يحدث في السودان؟

شهد السودان خلال عام 2021 أحداثًا سياسية واقتصادية متلاحقة، على خلاف العامين السابقين من عمر الفترة الانتقالية التي أعقبت حكم الرئيس المعزول عمر البشير، حيث شهد هذا العام استمرار الشراكة بين المكونين العسكري والمدني وفضها لاحقًا، في ظل وضع اقتصادي صعب تطلب رفع الدعم عن السلع الأساسية.

أرشيفية

وسرعان ما تطورت الأوضاع في شرق السودان في 17 سبتمبر نحو أزمة، بعد إغلاق الموانئ على البحر الأحمر، والطريق الرئيس بين الخرطوم وبورتسودان، والذي استمر حتى نوفمبر الماضى، وهو ما ساهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية، حيث سجل الجنية السوداني تدهورًا كبيرا خلال عام 2021، بعد أن بلغ سعر الدولار حوالي ٥٠٠ جنية للدولار الواحد.

وأدى تدهور الوضع السياسي المستمر وعدم التناغم بين مكونات قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية؛ إلى انشقاق مكوناتها بين قوى الحرية والتغيير اللجنة المركزية، والحرية والتغيير الميثاق الوطنى، حيث نفذت قوى الحرية والتغير اعتصامًا لمئات السودانيين أمام القصر الرئاسي في 1٦ أكتوبر، طالبت بحل الحكومة وتوسيع قاعدة المشاركة وتسليم السلطة للجيش، مما ساهم في تأزم الوضع بالانقسام السياسي، وعودة التوتر في إقليم دارفور غرب البلاد، مع استمر اغلاق موانئ الشرق.

كل هذا دفع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في ٢٥ من أكتوبر الماضي، لإعلان إجراءات حل بموجبها الحكومة الانتقالية، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وفض الشراكة مع المدنيين، ووضع رئيس الوزراء قيد الإقامة الجبرية، حيث قام باعتقال عدد من الوزراء في الحكومة المحلولة والقادة السياسيين، وتعطيل العمل بمواد في الوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية، كما تعرضت خدمات الإنترنت في السودان لانقطاع قرابة الشهر، منذ أن أطاح الجيش بالحكومة الانتقالية، في أكتوبر لتعيده السلطات مجددا في نوفمبر.

وقع البرهان مع عبد الله حمدوك اتفاقا سياسيا في ٢١ نوفمبر، عاد بموجبه الأخير لمنصب رئيس الوزراء، وأطلق سراح الوزراء والقادة السياسيين المعتقلين، لكن الاحتجاجات في الشارع لم تتوقف واستمرت برفع شعارات” لا تفاوض.. لا مساومة.. لا شراكة“.

وتواصلت مسيرة الاحتجاجات في السودان منذ ٢٥ أكتوبر، حتى وصل المتظاهرون في ١٩ ديسمبر 2021 للمرة الأولى إلى أبواب القصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم، للتعبير عن رفضهم للاتفاق السياسي الذي وقَعه قائد الجيش ورئيس الوزراء، وللمطالبة بحكم مدني كامل، حيث ضاعفت استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من أزمات السودان، وتركت السودان في مفترق طرق يتطلب تحكيم صوت العقل والحكمة بين كل المكونات لتفادي انزلاق البلاد لمنعطفات خطيرة.

ما تداعيات الاستقالة على المشهد السوداني؟

أرشيفية

إن استقالة حمدوك تعود لعدم قدرته على كسب شعبية لاتفاقه مع البرهان، وفقدانه للقوى السياسية الداعمة له، والمتمثلة في قوى إعلان الحرية والتغيير، فقد حمدوك الكثير من شعبيته، وأصبح شبه معزول مع استمرار الاحتجاجات الرافضة لاتفاقه مع البرهان، وسيترتب على استقالة حمدوك، تداعيات كثيرة أهمها:

التداعيات الاقتصادية

وعن التداعيات الاقتصادية للأزمة السياسية الحالية، فإن القوى السياسة التي تولت السلطة طيلة الأعوام الثلاثة الماضية لم تنشغل كثيراً بالوضع الاقتصادى، وحمدوك والبدوي تبنيا سياسات اقتصادية تم من خلالها التواصل مع البنك الدولي، لكن مكونات أخرى داخل الحكومة اختلفت مع هذه السياسات، لتظل الحكومة بلا منهج ولا سياسة واضحة، وهذا من الأسباب التي عقّدت طريقة التعامل مع الأجندة الاقتصادية.

وكان هناك توجه لسياسة اقتصادية تعتمد على الخارج، وعلى المنح والقروض وعلى وصفات صندوق النقد الدولي من دون حساب الآثار الاجتماعية والأضرار على المواطنين ومحدودي الدخل.

وتفاقمت الأزمة وسط مخاطر تهديد المجاعة لأكثر من 14 مليون سوداني، وفقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية «أوتشا» الصادرة ديسمبر الماضي، وتشهد أسعار السلع الرئيسية ارتفاعاً يفوق قدرات المواطنين الشرائية، ويتراجع سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم، خاصة بعد تجميد المساعدات والمنح والقروض التي وعد بها المجتمع الدولي حمدوك لتصحيح الأوضاع الاقتصادية.

ولا شك فإن الخروج المتكرر للمظاهرات يؤثر على استقرار الوضع الأمني، ومن المعلوم أن استقرار الوضع السياسي والأمني، يمهدان الطريق لتحقيق الثراء الاقتصادي، استناداً إلى إمكانيات وموارد السودان الطبيعية الضخمة، التي لم تستغل بالشكل المطلوب، فالمشهد الاقتصادي معقد، في ظل التطورات التي تشهدها البلاد.

وتواجه السودان مشكلة الموافقة علي موازنة عام 2022، والتي لم تتضح معالمها حتى الآن، ويفترض أن تعتمد على الموارد الذاتية للبلاد، في ظل عدم وضوح موقف المجتمع الدولي، وهذا يتطلب من الحكومة إعداد موازنة بموارد تغطي الإنفاق المتوقع.

وموازنة العام الجديد قد لا تعتمد على أي قروض ومنح، في ظل الوضع الحالي، والتضخم حالياً يتراوح بين 350 – 400%، ومعدل البطالة يزيد على 40%، ومستوى الفقر يفوق 60%، ما أثر سلباً على الظروف المعيشية للمواطن ومثل ضغطاً عليه.

وفي ظل الأزمة السياسة الحالية، فإن المشهد يبدو أكثر صعوبة، باعتبار أن الحكومة كان من المفترض أن تعنى بإعداد الموازنة، ثم إجازتها، حتى يتم تنفيذها.

السيناريوهات المتوقعة

وتطرح استقالة حمدوك جملة من السيناريوهات:

السيناريو الأول: استمرار الفوضى والنزاع بين السلطة المدنية والعسكرية

ومعالم هذا تبدأ من الفراغ الدستوري المتراكم، لا وجود لبرلمان، ولا مجلس تشريعي آخر، وأيضاً دون سلطة تنفيذية، وقبل ذلك دون مرجعية دستورية، إذ أن المرجعية كانت هي الوثيقة الدستورية، وهذه سقطت على الأقل في الوقت الراهن.

وكذلك من معالم استمرار الفوضي، حراك الشارع، وانقسامه منذ بداية الفترة الانتقالية، حيث شهد خروج أطراف رئيسة من قوى الحرية والتغيير، أبرزها تجمع المهنيين الذي عاد ليقود الشارع مرة اخرى.

ويُعد تعين رئيس وزراء بديل لتشكيل حكومة وأن تم سريعًا وهذا متوقع لأن الخيار الوحيد أمام المجلس العسكرى أن يستعجلوا في هذه الخطوة، فلن يكون مقبولا من القوى المدنية، وبالتالي فإن شكل الحكومة المقبلة، سيكون فريق مواجهة، ولا سبيل هنا للوصول إلى حوار جدي بين العسكر والمدنيين، إلا إذا دخلت وساطات أفريقية مرة اخرى وأممية، لنعود إلى أجواء ما قبل الوثيقة الدستورية ولكن هذه المرة مع تباعد شديد وانعدام الثقة، ومن هنا فسيناريو استمرار الفوضى عمليا هو السيناريو المرجح

السيناريو الثانى: توافق سياسي يقود إلى انتخابات لنقل السلطة

ومن السيناريوهات المتوقعة تعيين المكون العسكري رئيس وزراء بديل لحمدوك وتشكيل حكومة مدنية خلال زمن قياسي لتهدئة الضغط الدولي المحتمل، وكذلك من المؤكد أن استقالة حمدوك لن تغير شيئاً في حركة الاحتجاجات الجارية والتي من المتوقع أن تتسع رقعتها خلال الفترة القادمة نظراً للمطالب التي يرفعها المتظاهرون والداعية للحكم المدني كاملاً.

ويبقى التوافق السياسي أحد أهم العناوين البارزة التي ظلت مطلباً تتمحور حوله معالجةُ الأزمةِ السياسية الراهنة التي بلغت بأن تكون أحد مسببات استقالة رئيس مجلس الوزراء الانتقالي لتعذر القيام بمهامه، في ظل فقدان أي بارقةِ أملٍ في الوصول إلى توافق سياسي بين مكونات الفترة الانتقالية.

ويعد هذا السيناريو نظرًا إلى المبادرات والوساطات المتعددة التي تجري لتحقيق الاستقرار في المشهد السياسي بالسودان، وضرورة تقديم تنازلات من الجميع للتوافق السياسي بين المكون العسكرى والمدنى.

السيناريو الثالث وهو الاخطر والأبعد إلى حد ما ولكنه أيضا غير مستحيل، أن تذهب السودان نحو الانقسام الثاني بعد انفصال الجنوب.

لعل تلويح رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك أكثر من مرة بإن وحدة السودان مهددة واستقلاله مهدد لا يأتي من فراغ، فالقوى المسلحة التي انخرطت في شكل من أشكال الاتفاقات خلال الفترة الماضية لا تزال تمسك بالسلاح، ولديها هي الأخرى تجربة سيئة مع القوى العسكرية والبشير، إذ إنها وقعت اتفاقات مشابة ولكنها لم تستمر، وعادت الحرب مجددا في جوبا وأبيي ومناطق أخرى بشكل أكثر عنفا وأوسع جغرافية.

وما يجعل هذا السيناريو يحضر، ما حدث في الآونة الاخيرة، من التطورات في شرق السودان من غلق الموانئ في بورتسودان، وحصار الخرطوم، ونقص القمح والمواد الغذائية، والمطالبة بحق تقرير المصير، وهذا يقرع جرس الإنذار بالتقسيم.

في طور ما سبق، فإن الباحث يرجح حدوث قدر من التوافق السياسي يسمح بتحقيق السيناريو الثاني، في ظل خطورة البدائل الأخرى علي استقرار ووحدة الأراضي السودانية، خاصة وأن الأزمة القائمة تولد أزمات وذلك يضع تعقيدات على الحلول السياسية طويلة الأمد، لاسيما أن السودان يعيش هذه الدائرة بتفاصيل تتوسع مع مرور الوقت، فلابد على جميع الأطراف العودة للحوار لعدم الانزلاق وتعقيد المشهد في البلاد.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version