تحاول إسرائيل استعادة صورتها وقوتها الاستخباراتية التي كسرتها عملية طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر لعام 2023، والتي قامت بها “كتائب القسام” الذراع المُسلح لحركة حماس؛ حيث قامت بتشكيل فرقة اغتيالات لتصفية قادة حماس واحدًا تلو الآخر، على رأسهم يحيى السنوار الذين يرون أنه العقل المُدبر للعملية.
وبين ليلة وضحاها شاهد العالم أجمع اغتيال الذراع الأيمن لحسن نصر الله قائد حزب الله “فؤاد شكر” في بيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية” في إيران، بعد انتهاء مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
الجدير بالذكر أن استهداف إسرائيل لقادة حماس ليس بجديد، ففي مارس 2004 اغتالت إسرائيل مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، لم تمض أيام حتى اغتالت خلفه عبدالعزيز الرنتيسي في إبريل من العام نفسه، ليخلفه هنية وقتها في قيادة الحركة في غزة، وبعد 20 عام يلحق بهما.
تداعيات اغتيال اسماعيل هنية:
على المستوى الداخلي في إسرائيل: حاولت إسرائيل استعادة هيبتها الأمنية وردعها العسكري وترميم الفشل الذي أبرزته عملية طوفان الأقصى للعالم، فقامت باغتيال اسماعيل هنية في إيران؛ لاستفزاز حركة حماس، وتقويض المفاوضات لفترة، وإرسال رسالة مفادها أن اسرائيل قادرة على اختراق ايران من الداخل. وعلى المستوى الداخلي الإسرائيلي جاء هذا الحدث لتهدئة اليمين المتطرف الذي يعلو فكرة حكومة نتنياهو ومساعيه الدائمة والمستميتة لأفكاره الصهيونية الاستيطانية والعدائية ضد كل من يقف أمامها.
علي المستوى الفلسطيني: تمت إثارة الغضب الشعبي الفلسطيني من جديد، والتهديد بتنظيم مظاهرات وتنكيس الأعلام، وربما يكون ما حدث فرصة جديدة لتفعيل بنود اتفاق بيكين الذي تم توقيعه في 23 يوليو 2024م، والتوصل إلى وفاق وطني فلسطيني، وتشكيل قيادة موحدة فلسطينية. وبينما توعدت حركة حماس إسرائيل بأنها سوف ترد على هذا الاعتداء، وأنه لن يمر على إسرائيل؛ لأن لهذا العمل وقعه وتأثيره، فقد كان هنية القائد السياسي والسنوار هو القائد العسكري، ولهما قيمتهما لدى حماس في التخطيط والتنفيذ، في الوقت الذي تبحث فيه عن بديل لإسماعيل هنية.
على المستوى الإقليمي: نددت دول الإقليم بما حدث، وكان موقف مصر قويًّا لأن هذا الحدث أربك الأوضاع وخلط الأوراق، وحقق لنتنياهو مايريد من إطالة الحرب وتعثر المفاوضات؛ فقد أثر كثيرًا على الدور الحيوي والقوي الذي تقوم به لتهدئة الأوضاع في قطاع غزة، ومن ثَم وقف المفاوضات بإعتقادي لفترة ليست بكبيرة. كما علقت قطر على الحادث قائلة “كيف تنجح المفاوضات ويقوم طرف بقتل من يفاوضه”، ومنه سوف تتوقف قطر ومصر واي طرف آخر عن التدخل.
على المستوى الدولي: كعادة الولايات المتحدة الأمريكية عندما يُشار إلى اي خطر يمكن أن يهدد لإسرائيل، حتى لو كان بمثابة رد فعل على فعلها، تنهض مؤكدة أنها سوف تحمي إسرائيل ومصالحها، والأمر نفسه مع بريطانيا. أما إيران والتي وقعت على أرضها تلك الحادثة فقد عبر المرشد الإيراني وغالبىة الساسة والقادة عن غضبهم ونددوا مطالبين بضرورة الرد على إسرائيل.
السيناريوهات المتوقعة:
(1) ستوقف حماس أية مفاوضات أو محاولات تهدئة، كما أنها سوف ترد بهدف لا يقل اهمية عن أغتيال اسماعيل هنية.
(2) وكما قامت إيران بالرد على اغتيال قاسم سليماني، سوف تقوم بالرد على اغتيال اسماعيل هنية، إما بقصف وهمي لهدف إسرائيلي كما راينا من قبل، أو ترد ردا حقيقيا، حتى ولو عن طريق أذرعها، فتغتال مثلا قادة إسرائيليين، أو تضرب هدفا إسرائيليا من الأهداف الحيوية الإسرائيلية التي صورتها مؤخرا. ولكن إيران في مازق الآن بين الرد أو عدم الرد؛ لأنها عهد جديد مع رئيس جديد، والذي كان سيفتح آفاقا لحوار غربي جديد، وخصوصًا مع الولايات المتحدة، فليس من المقبول أمام هذا الضغط الشعبي العام أن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة إسرائيل من ناحية ومن ناحية أخرى تخشى أن يؤثر ذلك على فرص الحوار مع الغرب.
(3) لن يصمت حزب الله على مقتل فؤاد شكر، ومن هنا تكون إسرائيل قد فتحت على نفسها عدة جبهات، ولن يهدأ نتنياهو، وهذه الجبهات بمثابة طوق نجاة لنتنياهو يشغل بها المجتمع الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة، بدعوى وجود خطر خارجي يتهدده من كل الجهات.
وفيما يتعلق بخلافة “إسماعيل هنية”، في ظل وضع بالغ التعقيد تمر به الحركة مع استمرار الحرب في غزة، حيث عادةً ما يتم اختيار رئيس المكتب السياسي عبر انتخابات داخلية في الحركة، لكن في ظل الظروف الاستثنائية الحالية، قد تلجأ الحركة لتكليف خليفة مؤقت لـ”هنية” من القيادات البارزة فيها، حيث تتمثل اهم القيادات المرشحة لخلافة “هنية” في قيادة المكتب السياسي لحركة حماس، في الشخصيات التالية :
- خليل الحية: وهو من الشخصيات البارزة والمؤثرة في حركة حماس، ويشغل حاليًا منصب نائب رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة، وهو عضو في المكتب السياسي منذ عام 2017. ويُعد “الحية” من الأسماء القوية المطروحة لخلافة “هنية” نظرًا لخبرته السياسية، ومكانته داخل الحركة، وقدرته على التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية المعقدة، وهو يتولى حاليًا ملف المفاوضات غير المباشرة في صفقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ويُعرف “الحية” بدوره القيادي في الحركة، وخبرته السياسية الواسعة، وسبق أن اعتُقِل عدة مرات من جانب إسرائيل، مما أكسبه احترامًا كبيرًا داخل الحركة، كما نجا من محاولة اغتيال إسرائيلية في عام 2006، مما زاد من شعبيته. ويتميز “الحية” بقدرته على التواصل مع مختلف الأطراف الفلسطينية والعربية، ويعتبر من الشخصيات المعتدلة نسبيًا داخل حماس.
- خالد مشعل: والذي يعد أحد أبرز الشخصيات في حركة حماس، وسبق أن شغل منصب رئيس المكتب السياسي للحركة خلال الفترة من 1996 إلى 2017، مما أكسبه خبرة دبلوماسية واسعة، وسبق أن نجا “مشعل” من محاولة اغتيال إسرائيلية في الأردن عام 1997.
- موسى أبو مرزوق: وهو من مؤسسي حركة حماس، وعضوًا بارزًا في مكتبها السياسي، وهو الرئيس الأول للمكتب السياسي لحماس خلال الفترة من 1992 – 1996، ويقيم حاليًا في لبنان، ويتمتع بخبرة في العمل السياسي والدبلوماسي.
- حسام بدران: يشغل منصب رئيس مكتب العلاقات الوطنية في حماس، وينتمي إلى الجيل الأصغر نسبيًا في قيادة الحركة، وله خبرة في العمل الإعلامي والعلاقات العامة، ويعتبر من الوجوه الصاعدة في الحركة.
ختامًا:
إن مقتل اسماعيل هنية في طهران نقطة تحول في الحرب على غزة، وقد يفتح بابًا لتصعيد كبير في المنطقة في حال قررت إيران الرد بالتنسيق مع اذرعها المختلفة: حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وحركة النجباء وحزب الله في العراق، فضلا عن فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة ولبنان ، وربما يدفع ذلك لزيادة الضغوط الدولية والإقليمية على نتنياهو وحكومته.