شهدت العلاقات الأمريكية التركية مجموعة من التوترات في عهد الرئيس الأمريكى السابق ترامب لم ترتقِ إلى فرض عقوبات من طرف الولايات المتحدة، فكثيرا ما كانت تزول تلك التوترات بشكل عابر من خلال القنوات الدبلوماسية بين البلدين، من دون الوصول إلى فرض عقوبات أمريكية.
واتسمت فترة ترامب بالصداقة القائمة على المصالح المتبادلة فيما بينهما، وكان أشدها وأكثرها إثارة هي القبض على القس الأمريكي “أندرو برانسون”، والذي أُفرج عنه في أكتوبر 2018م، واستطاعت تركيا بهذا الإفراج غير المشروط النجاة من عقوبات اقتصادية كثيرة كانت ستنال من الاقتصاد التركي، الذي شهد حينئذ توترًا وضعفًا كبيرًا لليرة التركية.
ترامب لم يكن مُقلقا للأتراك!
تركيا
أردوغان وترامب – صورة أرشيفية
لكن قضية حصول تركيا على منظومة الصواريخ الروسية S400 عام 2019، ظلت هي الأبرز والأكثر قلقًا للجانب التركي. وبالرغم من تهديدات كثيرة أطلقها الكونجرس الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا، لامتلاكها منظومة الصواريخ الروسية، إلا أن الوضع في ظل وجود ترامب لم يكن مقلقًا للجانب التركي؛ وذلك لإدراك الحكومة التركية أن سياسات ترامب يمكن التعامل معها من خلال القنوات الدبلوماسية أو من خلال الجيل الثاني في الحكم بين البلدين، حيث ارتبط “ألبرت بيراق” وزير المالية التركي السابق، وصهر الرئيس أردوغان، بعلاقة صداقة قوية مع “إيفانكا ترامب” وزوجها “جاريد كوشنر”.
اختلاف الوضع الأمريكي
استطاعت تلك الصداقة تقريب وجهات النظر في كثير من قضايا الخلاف بين إدارة ترامب وحكومة أردوغان، بل بين أردوغان وترامب شخصيًّا.
ولكن اختلاف الوضع الأمريكي، مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة وتوجه بايدن لفرض عقوبات كبيرة على تركيا، جعل أنقرة تطلب من ترامب التوقيع على العقوبات بنفسه قبل مغادرة البيت الأبيض وذلك لسببين هامين:-
أولهما:- أن علاقة الصداقة التي سبق ذكرها ستجعل من العقوبات الأمريكية على تركيا أمرًا مخففًا لن يضرها كثيرا؛ ولأنها تعلم وتدرك أنها أثارت غضب الأمريكان منذ امتلاكها لمنظومة الصواريخ الروسية، وأن توقيع العقوبات عليها أمر لا مفر منه، خصوصًا في ظل تزايد الضغوط الفرنسية واليونانية على الولايات المتحدة.
وثانيهما:- أن الأتراك أرادوا بهذه الخطوة أن تبدأ علاقتهم مع إدارة بايدن بدون صدامات أو عقوبات منتظرة من الجانب الأمريكي، خصوصًا مع فهم وإدراك الأتراك لتفكير وتوجهات بايدن ناحية أردوغان وحكومته.
عقوبات بين الأحبة
وبالفعل نجح الأتراك في تنفيذ مخططهم مع ترامب، الذي وقّع على العقوبات بتاريخ 14/12/2020 أي قبل خمسة أسابيع من مغادرة البيت الأبيض؛ لتكون عقوبات بين الأحبة والأصدقاء، وليست هي العقوبات التي انتظرها الاتحاد الأوروبي وخصوصًا حلف الناتو، الذي اعترض بشدة على امتلاك تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية S400؛ لأن حلف الناتو له فضل كبير على تركيا منذ انضمامها له في عام 1952م، من حيث التسليح وتطوير الأسلحة والمطارات العسكرية والقواعد البحرية بتركيا.
كما أن الصناعات الدفاعية التي تقوم تركيا بانتاجها اليوم وتصديرها لدول عديدة جميعها من تكنولوجيا الناتو، الذي وفّر لتركيا الكثير من فرص التدريب والكثير من أسرار الصناعات الدفاعية.
منظومة صورايخ S400 الروسية – أرشيفية
عقوبات مخيبة لآمال الناتو
شعرت الولايات المتحدة بالقلق من أن تكون منظومة الصواريخ الروسية هي لسرقة تكنولوجيا الطائرة الأمريكية F35 من قِبل الروس المتواجدين بتركيا، لتفعيل وتشغيل منظومة الصواريخ الروسية، والتي اشتركت معها تركيا في تصنيع الأجزاء الخارجية منها. وحتى تبدد تركيا القلق الأمريكي، قامت بنقل المنظومة الروسية إلى مدينة سنوب التركية المطلة على البحر الأسود لتكون بعيدة عن القواعد العسكرية التركية والأمريكية.
ورغم أن واشنطن فرضت عقوبات على تركيا، إلا أن تلك العقوبات كانت مخيبة لآمال الناتو الذي أكد عدم أحقية تركيا في امتلاك تلك المنظومة الصاروخية الروسية.
مضمون ونصوص العقوبات
جاء في بيان الخارجية الأمريكية:
إسماعيل ديمير – صورة أرشيفية
– حظر جميع تراخيص وتصاريح التصدير الأمريكية الممنوحة لإدارة الصناعات الدفاعية التركية.
– تجميد أصول وأموال الدكتور/ إسماعيل ديمير، ومساعديه الثلاثة السيد/ مصطفى البردنيز والسيد/ سرهات جنش أوغلو، والسيد/ فاروق ييت، بالبنوك الأمريكية.
– عدم السماح للدكتور/ إسماعيل ديمير، ومساعديه الثلاثة بالدخول لأمريكا.
– إلغاء مشاركة تركيا في تصنيع أجزاء الطائرة F35 .
جاءت نصوص العقوبات مشابهة للعقوبات الأوروبية السابقة على تركيا، حيث فُرضت العقوبات على بعض الشخصيات والمؤسسات التي لها علاقة بالقضايا الخلافية بين البلدين، دون المساس بجوهر التعاون بين أنقرة وأمريكا، ودون أن يكون لها أي تأثير على الاقتصاد التركي، وهو ما ظهر جليًّا في عدم تأثُّر الليرة التركية بأي شكل أمام الدولار بعد فرض العقوبات الأمريكية.
كما كان لقيام ترامب بالتصديق على العقوبات على الرغم من _العلاقة الوثيقة التي تجمعه بالرئيس التركي وكذلك أفراد عائلته، مع الوضع في الاعتبار تصريحات ترامب التي أكّد فيها بأن تركيا كان لها الحق في شراء صواريخS400 ؛ بسبب رفض إدارة أوباما منحها صواريخ باتريوت_ أثر إيجابي داخل الحكومة التركية، والتي قررت أن تبدأ عهدًا جديدًا مع إدارة بايدن.
الخلاصة
إن تاريخ العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية طويل، والمصالح المشتركة بينهما في المنطقة لا تنتهي، فيما ينظر العديد من المحللين إلى تركيا الآن باعتبارها الشرطي الأمريكي بالشرق الأوسط، ومن خلالها يمكن تنفيذ الأجندة الأمريكية التي تريدها في المنطقة.
وبالتالي يمكننا القول بأن قضية الصواريخS400 الروسية لن تكون القضية الكبرى التي على أثرها ينتهي تاريخ طويل من العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصًا بعدما تم نقل الصواريخ إلى مدينة سنوب التركية المطلة على البحر الأسود، كرسالة لأمريكا بأنها موجهة ضد روسيا، وليست ضد منطقة نفوذ أمريكا أو أوروبا بالشرق الأوسط والقارة العجوز.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version