أعد مجموعة من المحللين الإسرائيليين “عيران سيسون” و”عيدى ليفى” و”ألكس جرينبرج”، ورقة بحثية تحت عنوان (صراع العروش في الشرق الأوسط) ناقشوا فيها تطورات الأوضاع الاستراتيجية، ومساعي القوى الإقليمية لبسط نفوذها في المنطقة.
وأشار المحللون إلى أن الشرق الأوسط يمر حاليا بفترة من التغيرات الجذرية في ميزان القوى الإقليمي، ولا سيما في ظل تعجيل الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وهو ما أدى إلى زيادة شهية وجرأة القوى الإقليمية الناشئة وخلق منظومة معقدة من أشكال التعاون والتحالفات حتى بين الخصوم لتحقيق أهداف مُحددة.
بحسب المحللين، فإن التنافس على بسط الهيمنة الإقليمية يجري بين أربع قوى إقليمية ذات أجندات وأيديولوجيات مختلفة، بالإضافة إلى مؤيدين محليين وميليشيات موالية ومرتزقة، وتلك القوى هي: إيران والمحور الشيعي، وتركيا ومحور الإخوان المسلمين، والدول العربية السنية الموالية للغرب، ثم الإسلام الجهادي المحسوب على تنظيم “داعش”، والذي تراجعت قوته. إضافة إلى روسيا التي أصبح لها وجود قوي في المنطقة. وركز المحللون حديثهم عن قوى المحورين الأول والثاني، دون غيرهما.
إيران والميليشيات الموالية لها!
إسرائيل
على خامنئى وحسن روحانى – أرشيفية
بالنسبة للقوة الأولى _إيران والميليشيات التابعة لها_ فهي لا تزال تشكل أكبر تهديد إقليمي لأمن إسرائيل. ورغم ما تمر به إيران من أزمة اقتصادية طاحنة إلا أنها تنفق الكثير من مواردها لمحاصرة إسرائيل، على اعتبار أن الحرب الإيرانية القادمة ضد إسرائيل، ستكون “حربا مفتوحة بلا حدود”، يمكن أن تجري على النحو التالي:
إطلاق عشرات الآلاف من الصواريخ من منطقة جغرافية ممتدة من إيران واليمن إلى قطاع غزة ولمدة تستغرق عدة أشهر، في وقت لا تمتلك فيه إسرائيل القدرة على الحسم أو احتواء الهجوم أو الدفاع عن النفس، أمام كم هائل من الأهداف النوعية المنتشرة على منطقة بهذه المساحة الشاسعة وعلى مسافات متباعدة.
وحاليا فإن الإيرانيين يستشيطون غضبا خاصة بعد اغتيال العالم النووي “فخري زاده” لكنهم لا يردون عسكريًا على العمليات المنسوبة لإسرائيل خوفًا من شن عملية أمريكية ضد المشروع النووي، وتسهيلا لعودة بايدن إلى الاتفاق النووي. ومع ذلك، فإن عدم الرد الإيراني يحفز إسرائيل لمواصلة توجيه الضربات للإيرانيين.
تركيا والإخوان!
إسماعيل هنية والرئيس التركى “أردوغان” – صورة أرشيفية
بالنسبة للقوة الثانية _تركيا والإخوان المسلمين_ فهم من الناحية العملية، ينتهجون سياسة براجماتية تجاه إسرائيل في المرحلة الحالية، وهي لا تتصدر قائمة أولوياتهم. غير أن التطلعات التركية لتحقيق الهيمنة الإقليمية تجعل احتمال التصعيد بين إسرائيل وتركيا شبه مؤكد في أي وقت.
وتحذر الورقة البحثية صانعي القرار في إسرائيل من خطورة حدوث صدام أو تصعيد غير مسبوق بين تركيا وإسرائيل مع الجولة القتالية القادمة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس. ذلك لأن تركيا غيرت نهجها خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت تتدخل عسكريًا لدعم حلفائها في النزاعات التي يخوضونها في المنطقة – وأوضح مثال على ذلك هو ما حدث مؤخرا في النزاع الذي دار بإقليم ناجورنو كاراباخ.
خاصة أن تركيا تتطلع لحمل راية النضال الفلسطيني بل إنها منحت الجنسية التركية لعدد من قادة حماس الذين يعيشون في الخارج. لذلك ليس من المؤكد اكتفاء تركيا بمجرد إطلاق تصريحات معادية لإسرائيل خلال جولات القتال المقبلة بين حركة حماس والدولة العبرية.
فيما تواجه إسرائيل أيضًا خطر تحول النزاع المحلي مع حركة حماس إلى نزاع إقليمي، وأقصى ما كانت تتوقعه إسرائيل هو نشوب معركة على جبهتين إحداها ضد حماس في غزة، والأخرى ضد تنظيم حزب الله في لبنان.
لكن السيناريو الأكثر خطورةً وتهديدًا لأمن إسرائيل هو أن تتحول فعلا جبهة غزة إلى جبهة إقليمية تشارك فيها دولتان من بين الدول التي تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي، وهما إيران وتركيا، بالتنسيق والتعاون فيما بينهما.
تركيا وإيران: عداء تاريخي وآليات للحوار!
بحسب الورقة البحثية، فإن سعي تركيا وإيران لبسط هيمنتهما الإقليمية جعلهما في حالة من التناحر والاحتكاك المستمر. كما أن تدخلهما في العراق وسوريا، ثم مؤخراً في إقليم ناجورنو كاراباخ، كاد أن يوقعهما في صدام مباشر في ظل العداء التاريخي بين الإسلام السني الذي تمثله تركيا والإسلام الشيعي الذي تمثله إيران.
لكن رغم هذا العداء بين الدولتين إلا أن بينهما في الوقت نفسه، آليات للحوار إضافة إلى المصالح المشتركة، وأهمها تقديم الدعم لحركة حماس، المدعومة من تركيا وقطر من جهة، ومن إيران وحزب الله اللبناني من جهة أخرى.
ولذلك، فهناك احتمال أكبر من أي وقت مضى لتحويل الصراع المحلي بين إسرائيل وقطاع غزة إلى صراع إقليمي في أعقاب التصعيد الكبير القادم.
النفوذ الروسي!
على الرغم من الانطباع السائد بشأن تنامي القوة الروسية في الشرق الأوسط، إلا أن نفوذها يُعد محدودا في المنطقة. صحيح أن روسيا تستغل الانسحاب الأمريكي لترسيخ وجودها في المنطقة، لكنها لا تملك القدرات أو حتى النوايا لأن تحل محل الولايات المتحدة.
إذ ليس لروسيا حلفاء طبيعيون في المنطقة وحتى نفوذها على نظام “بشار الأسد” يُعد محدودًا، لكنها رغم ذلك باتت تلعب دورًا أساسياً، بل أصبحت هي الوسيط الأهم في الساحة السورية وكذلك في ليبيا ولكن بدرجة أقل.
ومن المعلوم أن المصالح الروسية تتعارض دوما مع مصالح إسرائيل، ولكنها تتعارض كذلك مع مصالح تركيا وإيران. وغالبًا ما تحاول روسيا تجنب المواجهة مع إسرائيل، لكن هناك احتمالات للصدام بين الدولتين جراء الحرب التي تشنها إسرائيل ضد ترسيخ الوجود الإيراني في سوريا، وهو ما يشكل عقبة أمام رغبة روسيا في قيادة عملية إعادة الإعمار الاقتصادي والعسكري في سوريا.
وعلى الرغم من ميل الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة بدعم من الحزبين الرئيسيين، إلا أن قرارات واشنطن بشأن الشرق الأوسط تُعد أكثر تأثيرا من قرارات موسكو. وبالتالي فبعد تولى الإدارة الأمريكية الجديدة، سيكون لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، تأثيرًا كبيرًا على توازنات القوى في الشرق الأوسط.
التطبيع يعزز مكانة إسرائيل إقليميا!
اتفاق التطبيع بين أبو ظبى والمنامة وتل أبيب برعاية أمريكية – أرشيفية
يرى المحللون الإسرائيليون أن اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي أبرمتها تل أبيب مع الدول العربية، قد تعزز قدرة إسرائيل على مواجهة التهديدات الإقليمية، إذ من المتوقع أن تترسخ مكانة إسرائيل فتصبح عضوًا ضمن محور الدول العربية المعتدلة، الذي يهتم في المقام الأول بإحباط المساعي التركية والإيرانية لبسط هيمنتهما الإقليمية.
ولقد أدى تعدد اللاعبين في هذا المحور والغياب الواضح لدولة رائدة تتزعمه، إلى وجود تحالفات مختلفة، والتي انضمت إسرائيل بالفعل إلى بعضها حتى قبل اتفاقيات التطبيع.
فيما تُنبئ الاتفاقات التي أبرمتها إسرائيل مؤخرا عن تحول كبير في مكانتها بمنطقة الشرق الأوسط – وبعيدا عن الفوائد الأمنية والسياسية والاقتصادية المحتملة، فإن كلمة “التطبيع” مع إسرائيل لم تعد محظورة في العالم العربي.
وبعد أن كان ذكر تلك الكلمة يجلب العار، فإنها باتت تتردد كثيرا اليوم من دون حرج على ألسنة بعض قادة المنطقة. وتلك خطوة مهمة وشجاعة من جانب قادة الدول العربية وربما تحطم الحاجز النفسي الذي حال حتى الآن دون اندماج إسرائيل في المنطقة.
القضية الفلسطينية!
لقد تم تهميش القضية الفلسطينية في الوقت الراهن، ويبدو أن الدول العربية فقدت الاهتمام بتلك القضية، بل ولم تعد تكلف نفسها عناء إطلاق تصريحات عنها مثلما كان الحال في الماضي. كما أن رفض جامعة الدول العربية إدانة دولة الإمارات العربية المتحدة بعد إبرامها اتفاق السلام مع إسرائيل، مقارنة بطرد مصر من الجامعة العربية لعدة سنوات بعد توقيع اتفاق السلام معها، لهو دليل على التغيير الكبير في التعاطي مع القضية الفلسطينية.
لكن ربما ستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً في المستقبل جراء فشلها في إدارة النزاع مع الفلسطينيين- فعلى الرغم مما يبدو ظاهريا أن الصراع مع الفلسطينيين متوقف لفترة ما، إلا أنه سيظل يمثل القضية الاستراتيجية الأهم بالنسبة لمستقبل إسرائيل.
وفي أعقاب المساعي التي بذلتها تركيا لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وكذلك في ظل شعور الفلسطينيين بتخلي جامعة الدول العربية عنهم – قد تهبط الكرة الفلسطينية بشكل دائم في ملعب المحور التركي بدلاً من تحالف الدول العربية. وقد يكون لذلك تداعيات خطيرة على الصراع.
توجهات سياسة “بايدن”!
جو بايدن وكامالا هاريس – أرشيفية
مع دخول “بايدن” البيت الأبيض، من المتوقع أن تعيد واشنطن حساباتها تجاه المنطقة، وربما ستكون سياسة واشنطن أكثر حساسية تجاه قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية مقارنة بما كانت عليه إدارة “دونالد ترامب”. ومع أن “بايدن” قد لا يتبنى تغييرًا جذريًا في سياسته تجاه المنطقة، إلا أنه قد يواجه ضغوطًا من جانب القوى التقدمية في حزبه لتنفيذ سياسة ليبرالية تجاه القضايا الخارجية.
لكن إسرائيل ليس لديها حتى الآن أية استراتيجية واضحة فيما يتعلق بعملية صياغة الاتفاقية النووية الجديدة – فهي من ناحية، تنوي عرقلة مساعي إدارة “بايدن” لمنعها من التوصل لاتفاق جديد، ومن ناحية أخرى، تبلور خطة للتأثير على مضمون الاتفاق.
سباق التسلح النووي!
حذر المحللون الإسرائيليون من أن عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي أو رفع العقوبات عن إيران إلى جانب تبني إدارة “بايدن” لسياسة الفتور تجاه المملكة العربية السعودية، قد يدفع الرياض – وربما القاهرة أيضا – لإحياء مشروعها النووي غير المكتمل، والذي تشير كل المؤشرات إلى أن له أهدفًا عسكرية. في مثل هذه الحالة لن تقف تركيا موقف المتفرج، في ظل سعي منافسيها في المنطقة لامتلاك أسلحة نووية.
السعودية والتطبيع!
يرى المحللون الإسرائيليون أن المملكة العربية السعودية تحتفظ بورقة التطبيع لصالح إدارة “بايدن”، حيث رفضت الرياض حتى الآن إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل من دون حل القضية الفلسطينية، كما تنص المبادرة العربية. إلا أن مباركتها لـ”اتفاقيات إبراهيم” وما قيل عن زيارة “نتنياهو” للسعودية، قد يشير إلى أن القرار قد اتُخذ فعليًا بإقامة علاقات تطبيع مع إسرائيل عندما تتهيأ الظروف لذلك.
التعليق
يعكس ما سبق تخوف إسرائيل من انعكاسات تنامي نفوذ المحورين الإقليميين الأساسيين، وهما تركيا وإيران على التوازن الإقليمي. وهذا يعني أن التنافس الحقيقي على بسط النفوذ في الشرق الأوسط يجري بين ثلاث قوى فقط وهي إسرائيل وتركيا وإيران.
ومن ثم استبعاد كافة الدول العربية من إطار المنافسة الإقليمية، وهو ما يتطلب ضرورة تخلص مصر من مشاكلها الداخلية والخارجية، لاستعادة قوتها الإقليمية وريادتها للمنطقة أو للدول العربية على الأقل.
فضلا عن توظيف علاقاتها الإقليمية للتدخل في أزمات المنطقة لإيجاد حلول عاجلة لها، وخاصة القضية الفلسطينية والأزمة الليبية وملفي سد النهضة وشرق البحر المتوسط.
في المقابل تحرص إيران على إنفاق الكثير من مواردها لإقامة تحالفات مع أطراف موالية لها في سوريا والعراق واليمن ولبنان وحتى في غزة، حيث يتدخل الحرس الثوري الإيراني لتنفيذ عمليات عسكرية في تلك المناطق، وهو ما يؤثر بالسلب على توازن القوى في الإقليم.
الأمر الذي يستدعي ضرورة تعاون مصر مع دول الخليج، لممارسة الضغط على واشنطن حتى لا تسمح لإيران بممارسة الحروب بالوكالة في المنطقة، والتوافق على تشكيل قوة عسكرية مشتركة للحفاظ على استقرار الإقليم، مع التحسب إزاء محاولات بعض الدول العربية لاتخاذ إسرائيل عضوًا ضمن محور الدول العربية المعتدلة بحجة إحباط المحاولات التركية والإيرانية.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version