تشهد العلاقات التركية الإماراتية منذ منتصف العام الماضي 2021، حالة من التقارب السريع في علاقاتهم الثنائية، بعد قطيعة دامت قرابة التسع سنوات. نتيجة للمتغيرات العالمية التي شهدتها ساحة السياسة الدولية خلال العام الأخير على وجه الخصوص، ونتيجة للتراجع الاقتصادي كأبرز أثار جائحة فيروس كورونا المستجد.
من أين بدأ الخلاف؟
جاءت القطيعة العربية التركية بعد سنوات من التعاون، زاد من توترها التغيرات التي فرضها ما عرف بالربيع العربي على المنطقة، ودعم تركيا لأحزاب الإسلام السياسي التي أفسدت الحياة السياسية في بلادها، والمصنفة على أنها تنظيمًا إرهابيًا في دول الخليج ماعدا قطر. وما تلاه من اتهام أنقرة للإمارات بمساندة ودعم محاولة الانقلاب الفاشلة على رئيسها في صيف عام 2016، وأخيرًا اصطفاف أنقرة إلى جانب قطر في خلافها السياسي مع الدول الخليجية.
الخلاف التركي الإماراتي ضم أيضًا دعم الجانبين لأطراف متنازعين في ليبيا وسوريا، وقد توسع الخلاف ليشمل مسألة التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، بعد توقيع تركيا لاتفاقية الحدود البحرية نهاية 2019 مع حكومة الوفاق في ليبيا.
دوافع التصالح:
يعتبر فتور العلاقات الخليجية الأمريكية في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، وتوجهات واشنطن الواضحة للانسحاب من المنطقة. بالإضافة للتحديات الأمنية الكبيرة التي تواجه دول الخليج نتيجة للتهديد الإيراني المتصاعد، ورفض شركات السلاح الأوروبية إبرام صفقات جديدة مع أبوظبي بسبب اشتراكها في حرب اليمن، ضمن قوات درع الجزيرة. أبرز المتغيرات التي طرأت على الساحة السياسية الإقليمية، والتي دفعت الطرفين لإعادة حساباتهما والسعي نحو تحسين العلاقات.
وقد بدأت المصالحة عبر تبادل الاتصالات الهاتفية بين وزيري خارجية البلدين، والتي دامت لعدة أشهر، ثم زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد إلى أنقرة ولقائه بأردوغان منتصف أغسطس 2021 الماضي. و قد تلا ذلك اتصال هاتفي بين الشيخ محمد بن زايد وإردوغان في أواخر الشهر نفسه، ليخرج بعدها إردوغان مادحًا الإمارات واصفاً إياها بـ”الدولة المحورية”، وكاشفًا عن اتصالات مكثفة جرت على أكثر من صعيد بين البلدين لاسيما على مستوى أجهزة الاستخبارات، ومؤكدا بأن لقاء قريب لا بد سيعقد بينه وبين ولي عهد أبوظبي.
تصالح رغم اختلاف وجهات النظر!
يرى البعض أن الامتيازات التي حظيت بها قطر خلال السنوات الأخيرة في تركيا. دفعت أبو ظبي إلى شراء حصص هي الأخرى في مشاريع تركية وإنشاء شراكات استراتيجية، لاسيما في مشروع قناة اسطنبول الجديدة، والذي سيربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود.
فالدولة الخليجية الصغيرة، سبق وأن استحوذت على نسبة 10٪، من أسهم بورصة اسطنبول، بالإضافة لميناء أنطاليا وأكبر مراكز التسوق في اسطنبول، ومشاريع تطوير خليج القرن الذهبي في الجانب الأوروبي من اسطنبول. إلا أن كلاً من الإمارات وتركيا، يتبنوا سياسة قائمة على تبادل المصالح، ويحرصان على الفصل بين الخلافات السياسية والإعلامية، وبين المصالح التجارية والاقتصادية والاستثمارية المشتركة للبلدين، لذلك لم يؤثر الاحتقان السياسي الذي كان مرادفًا رئيسيًا للعلاقات بينهم، على العلاقات التجارية والاقتصادية التي استمرت بمعدلات تبادل تجاري كبير على مدى نحو تسعة أعوام بلغت قيمته السنوية في المتوسط نحو 8 مليار دولار أمريكي.
وتعد الإمارات أبرز شريك تجاري عربي مع تركيا من خلال النقاط التالية:
- بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما خلال عام 2019 ما قيمته 8 مليار دولار أمريكي؛ وكانت صادرات الإمارات منها 4.4 مليار دولار، وقيمة وارداتها من تركيا 3.6 مليار دولار أي أن الميزان التجاري كان في صالح الإمارات.
- بلغت قيمه التبادل التجاري بينهما عام 2020 ما قيمته 8.42 مليار دولار أمريكي، منها ما قيمته 5.6 مليار دولار صادرات إماراتية، و2.8 مليار دولار واردات من تركيا، ويلاحظ زيادة العجز في الميزان التجاري التركي بينهما عن العام السابق.
- 3- النمو في إجمالي التبادل التجاري بينهما نتيجة لارتباط تركيا مع الإمارات باتفاقيات لاستيراد البترول، وأخرى لتبادل السلع.
- 4- تحتل الإمارات العربية المركز الأول خليجيًا وعربيًا من حيث الاستثمارات في تركيا وتنوعها، وتبلغ قيمة استثماراتها في تركيا نحو 4.3 مليار دولار أمريكي، وتليها قطر في المرتبة الثانية ثم السعودية في المرتبة الثالثة. وتشمل الاستثمارات الإماراتية عدة مجالات منها التمويل، والبنوك، والطاقة المتجددة، والمشروعات العقارية، والصناعات الغذائية، والدوائية والطبية، والسلع الاستهلاكية والخدمات اللوجستية، وتجارة التجزئة، والموانئ. بينما تتركز أغلب الاستثمارات التركية في الإمارات في قطاع البناء والانشاءات.
مصالح متبادلة.
الجانب التركي…. عانت تركيا خلال العام المنصرم من تراجع اقتصادي كبير تجلى في فقد عملتها المحلية لما يقارب نصف قيمتها أمام الدولار الأمريكي، ما ترتب عليه تراجعًا كبيرًا في شعبية الرئيس التركي، وتزايدت الدعوات لعقد انتخابات مبكرة لحل الأزمة بدلاً من موعدها المقرر في يونيو 2023. ما سبق كله عُد دافعاً كبيرًا لتركيا لتغيير سياستها الخارجية، والسعي لتحقيق عدة مطالب سياسية من الإمارات عبر المزيد من التسهيلات الاقتصادية التي اعلنت تقديمها للإمارات، وتتمثل المطالب السياسية في النقاط التالية:
- توقف مساندة الإمارات التي تقدمها لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية في شمال شرق سوريا بالمال والسلاح والتعاون الاستخباراتي.
- مساندة الإمارات لتركيا في مطالبها بالحصول على حصة من الغاز ومصادر الطاقة في شرق المتوسط.
- التوصل لتفاهمات حول بعض القضايا المشتركة مثل ليبيا واليمن.
الجانب الإماراتي…. تحظى قضية الاستثمار الخارجي باهتمام كبير من الإمارات لسببين رئيسيين أولهما هو سعي الدولة لتنويع موارد اقتصادها والحد من اعتماده على عائدات الصادرات النفطية، والثاني يتمثل في رغبة الإمارات باحتفاظها بتفوقها في المنافسة الاقتصادية الإقليمية.
الاقتصاد كبداية.
حصدت تركيا أولى مكاسبها في الجانب الاقتصادي خلال زيارة ولي عهد الإمارات، الذي زار تركيا في 24 نوفمبر 2021 الماضي، فبمجرد وصوله للعاصمة أنقرة، أعلن عن تأسيس صندوق لدعم الاستثمارات في تركيا بقيمة عشرة مليارات دولار أمريكي. بالإضافة لتوقيع 10 اتفاقيات تتعلق بمجالات الطاقة والمصارف والنقل والتكنولوجيا والبيئة، حضرها مراسم توقيعها كلاً من الرئيس التركي وولي عهد الإمارات.
فضلاً عن إعلان الإمارات عن رغبتها بشراء بنوك وحصص في البورصة التركية، وكذلك إبداء رغبتها في تأسيس شراكات قوية تدعم قطاع الصناعات الدفاعية التركية، الذي شهد نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، تحديدًا في قطاع تصنيع الطائرات المسيرة.
وخلال زيارة الرئيس التركي الأخيرة للإمارات يومي الأثنين والثلاثاء 14، 15 فبراير 2022، برفقة وفد وزاري ضم وزراء الخارجية والصناعة والتجارة والصحة والمتحدث باسم الرئاسة التركية ورئيس دائرة الاتصالات. في زيارة استمرت لمدة يومين. ألتقى فيها بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، وحاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. تم توقيع13 اتفاقية بين تركيا والإمارات، بحضور أردوغان و محمد بن زايد، في مجالات الصناعة الدفاعية والصحة وتغير المناخ والصناعة والتكنولوجيا والثقافة والزراعة والتجارة والاقتصاد والنقل البري والبحري والشباب وإدارة الكوارث والأرصاد الجوية والاتصالات.