شكل سقوط نظام الأسد وصعود الجولاني وهيئة ال تحرير لسدة الحكم في سوريا بدعم إقليمي ودولي، والذي جاء مباشرة بعد ضربات إسرائيلية متتالية وشديدة على حزب الله وقياداته وبنيته وقدراته، تحول استراتيجي لحزب الله على جميع الأصعدة.
يتناول هذا التحليل التحولات الاستراتيجية الرئيسية التي تسبب فيها سقوط الأسد بالنسبة لحزب الله، وما يترتب عليه من تهديدات وفرص، وتحركات حزب الله المحتملة في هذا الإطار.
التحولات الاستراتيجية:
تسبب سقوط الاسد في تحولات سلبية بالنسبة لحزب الله، تمثلت فيمايلى:
- تحول سوريا من بيئة صديقة إلى بيئة معادية، بمعنى تحول سوريا من عمق استراتيجي، ومعبر للسلاح والإمدادات، وساحة للدعم والتدريب لحزب الله، إلى ساحة تشكل تهديد استراتيجي للحزب بعد استيلاء التنظيمات السنية المعادية للحزب على الحكم، وتحول سوريا من ساحة نفوذ إيراني إلى ساحة لنفوذ القوى الإقليمية والدولية المعادية لإيران. إضافة إلى تحول النفوذ السوري في لبنان إلى نفوذ معاد لحزب الله ونفوذه في الداخل اللبناني.
- إضافة تهديد جديد على قائمة تهديدات حزب الله بما يضعف من قدرة الحزب على الاشتباك مع إسرائيل والرد على ضرباتها، سواء بسبب تقليص خط الإمداد عبر سوريا، أو بسبب تشتيت قوة الحزب على جبهتي سوريا وإسرائيل، فلن يستطيع الحزب من الآن فصاعدا ترك ظهره مكشوفا من جهة الحدود السورية.
- تحول سوريا إلى جزء من استراتيجية إسرائيل في التعامل مع حزب الله، والتي – وفق المؤشرات – تتشكل من توجيه ضربات لقيادات الحزب ومقدراته ودفعه إلى خلف الليطاني، ثم الخنق طويل المدى للحزب عبر اغلاق الحدود السورية الذى بدأ بإسقاط نظام الأسد واستبداله بنظام معادي للحزب، على أن يتقلص نفوذ الحزب وتضعف قدراته بمرور الوقت. بالتوازي مع استخدام استراتيجيات وتكتيكات أخرى لاستنزاف ما تبقى من قدرات الحزب ونفوذه داخليا.
- تراجع دور الحزب الإقليمي والطائفة الشيعية في لبنان عن محيطها الشيعي في الإقليم وعن بقايا محور إيران.
- خروج سوريا من المحور الإيراني فكك المحور ذاته ومرتكزاته، بعد تراجع المحور كأداة للردع والتوسع الرئيسية لإيران، وما تبع ذلك من خفض الدعم المقدم لحزب الله من إيران، وتأثير ذلك على قدرات الحزب، وسيطرته على حاضنته، وثقله في الداخل اللبناني، خاصة في ظل عمل أطراف داخلية -على رأسها الدولة اللبنانية – وإقليمية ودولية على إضعاف الحزب، وتحجيم نفوذه، واخراج الطائفة الشيعية من عباءته.
التهديدات المحتملة:
يواجه حزب الله عددا من التهديدات المحتملة في ظل التغيرات في سوريا، منها:
- تمدد “الصحوة السُنية” السورية إلى لبنان، بما يهدد نفوذ حزب الله، خاصة مع تزايد شعبية الجولاني بين الطائفة السنية وانتشار صوره في عدد من المناطق في لبنان، وتواجد لاجئين سوريين معادين للحزب والنظام السوري السابق في لبنان. وفي ظل سعي القوى اللبنانية -خاصة السنة والدروز – وكذلك الدولة اللبنانية لتوطيد علاقاتهم بنظام الجولاني في سوريا برعاية دولية وإقليمية، بالتوازي مع سعي إسرائيل لعزل حزب الله واستنزافه داخليا.
- بعثرة الأوراق في الساحة اللبنانية عبر تصريف “فائض الإرهاب” السُني المتواجد في الساحة السورية نحو الداخل اللبناني باستغلال رغبة المليشيات السنية في سوريا للانتقام من حزب الله، وذلك بهدف استنزاف باقي قدرات حزب الله في حرب طائفية، ولتخفيف حالة التطرف في سوريا لكي يستتب الأمر لنظام الجولاني الجديد.
- اهتزاز مكانة حزب الله لدى حاضنته الشيعية كنتيجة لعزله وحصاره، مع غياب قيادات الحزب التاريخية، بما يؤثر على قدراته ونفوذه كقوة حامية وممثلة للطائفة، في ظل سعي أطراف داخلية وإقليمية ودولية للاستحواذ على دوره كراعي للطائفة في لبنان، للخصم من نفوذه السياسي.
- تراجع الارتباط بين حزب الله وإيران، بعد تقلص خطوط الإمداد عبر سوريا، وغياب القيادات التاريخية للحزب، في ظل تراجع قيمة المحور الإيراني ودوره في الاستراتيجية الإيرانية، بما يؤثر على مجمل قدرات الحزب وإعادة بناء القوة لديه.
- عودة عناصر من حزب الله للقتال في سوريا – لو بشكل غير معلن – إذا اشتعل اقتتال طائفي في سوريا، وذلك بناء على رغبة إيران، حفاظا من الحزب على دعمها ومظلتها، ولمنع تمدد القتال الطائفي نحو بيئة الحزب في لبنان.
الفرص المحتملة:
رغم سلبية الوضع بشكل عام بالنسبة لحزب الله، لكن هناك عدد من الفرص قد تلوح في الأفق، منها:
- رغبة الجولاني، ورعاة وداعمي مشروع سوريا الجديدة في استتباب الأوضاع، قد تؤدي لتراجع احتمالات التصعيد والعمل ضد حزب الله.
- سلوك مقاتلي هيئة تحرير الشام خاصة الأجانب منهم – مثل أحداث الساحل السوري، وما سيتسبب فيه من ارتباك للأوضاع في سوريا، قد تصل لتهديد أمن وشرعية نظام الجولاني، بما قد يعيد تشكيل الصورة في سوريا.
- استغلال وتغذية إيران لحالة الارتباك والفوضى في سوريا، وتوظيفها لتأمين طرق لتهريب وإيصال الإمدادات والسلاح لحزب الله، وما قد تتسبب فيه ذلك من إشغال لعناصر الميليشيات السورية في الداخل السوري مما يخفف التهديد المحتمل لحزب الله.
- استغلال ما يتعرض له الشيعة والعلويين في سوريا من عناصر أمن نظام الجولاني لتبرير تمسك الحزب بعدم تسليم سلاحه.
- استغلال حالة الشعور بالخطر والحصار لدى الطائفة الشيعية في لبنان بعد الضربات الإسرائيلية وسقوط الأسد وحالة الشماتة في الداخل اللبناني – خاصة بعد ما شاهدوه في أحداث الساحل السوري – في توطيد ارتباط الطائفة الشيعية في لبنان بحزب الله كحامي لها، بما يمكن الحزب من مواجهة مساعي إضعاف نفوذه على الطائفة وولائها له.
- توفير الدعم الإيراني لحزب الله في حال رؤية إيران للحزب:
- كممثل وحيد وأخير لإيران على حدود إسرائيل، في ظل حالة التوتر بين إسرائيل وإيران، واحتمالية توجيه ضربة عسكرية لإيران، رغم وجود قيود حالية على تحركات الحزب، لكن سيتم كسر تلك القيود في حالة دخول المنطقة في حالة الحرب الشاملة أثر التصعيد الإسرائيلي – الإيراني المحتمل، وأيضا كأحد أدوات الضغط والكروت حال الإنتهاء من مرحلة جس النبض ووضع ضوابط التفاوض فيما بين إيران وإدارة ترامب والبدء الجاد فى مراحل المفاوضات حول مختلف الملفات الخلافية.
- كأداة للتدخل في الساحة السورية وفق سير الأحداث وحسابات المصالح الإيرانية.
- كمنفذ اخير لتمثيل نفوذ إيران وحضورها في البحر المتوسط (عبر نفوذ حزب الله في الدولة اللبنانية وقراراتها).
- حدوث حالة صدام بين كل من النفوذ التركي والإسرائيلي، بما يدفع تركيا لتوفير بوابات لإيصال الدعم لحزب الله كأحد أوراق اللعب ضد إسرائيل.
التحرك المحتمل لحزب الله:
ستأتي تحركات حزب الله المحتملة تجاه الملف السوري في ضوء أهدافه الرئيسية في المرحلة الحالية، وهي:
- الحفاظ على ما تبقى من نفوذه الداخلي.
- إعادة الإعمار بمشاركته واشرافه.
- التمسك بسلاحه ورفض نزعه.
- إعادة بناء القوة، وترميم الحزب، وهياكله، وحاضنته، ومؤسساته.
وبناء على الأهداف السابقة، سوف يسعى حزب الله لتجنب أي صدام مع سوريا الجولاني، وعدم الخوض في أي خطاب تحريضي ضدها، مع الحفاظ على حالة طوارئ حدودية بالتنسيق مع الجيش اللبناني للتصدي لأي تهديد يأتي من جهة سوريا. كما سيعمل الحزب على الحفاظ على ما تبقى من ارتباطات وخلايا في الداخل السوري لتوظيفها عند الحاجة، بجانب العمل على محاولات تهريب السلاح عبر الحدود برغم ما تحمله من مخاطر، ويبقى المحدد الأهم لتحرك حزب الله هو الاستراتيجية التي ستتبعها إيران فى تعاملها مع الملف السوري، ورؤيتها لدور حزب الله في تلك الاستراتيجية. وفي حالة اعتماد إيران لاستراتيجية تدخلية عنيفة في سوريا، فقد تحيد الحزب تماما للحفاظ على ما تبقى من قوته وعدم تشتيته عن عملية بناء القوة وتأزيم وضعه الداخلي، أو قد تقحم عناصر منه بشكل غير معلن وفق الاحتياجات التي سيحددها التخطيط وسير الاحداث على الارض في سوريا.
الخلاصة:
تستمر المواجهة مع إسرائيل كجزء من عقيدة حزب الله وخطابه واستراتيجيته طويلة الأمد، بينما يشكل صعود الجولاني للحكم في سوريا التهديد الاستراتيجي الأكثر إلحاحا بالنسبة للحزب كما هو لمشروع إيران الإقليمي، فقد تسبب سقوط نظام الأسد في توقيت في غاية الحساسية والخطورة لحزب الله إلى خلط أوراق الحزب، ووضعه أمام حسابات معقدة للفرص والتهديدات، وزاد من الضغوط الداخلية والخارجية الواقعة عليه، وحد من هامش مناورته، خاصة وأن الحزب بصدد ما يمكن وصفه ب”الانطلاقة الثانية “، وما تتطلبه تلك المرحلة من إعادة بناء للقوة، وإعادة هيكلة وتنظيم يوافق المتغيرات على الساحات الداخلية والإقليمية والدولية، ويظل فيها نظام الجولاني تهديد دائم وعدو استراتيجي للحزب، حيث يتصدر قائمة التهديدات لديه بما فيها إسرائيل.