أكد تقرير لجنة مجلس حقوق المُكلفة بالتحقيق فى الأحداث التى صاحبت عملية “حارس الأسوار” (مايو2021)، أن الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية وممارساتها العنصرية ضد الفلسطينيين، هما السببان الرئيسان في تكرار موجات العنف وحالة عدم الاستقرار التى يعانى منها المجتمع الإسرائيلى بشكل عام، كما أكد على عدم توافر النية لدى إسرائيل لإنهاء الاحتلال، وأن إنهائه لن يكفى للقضاء على هذه التوترات مستقبلًا، ودعى لاتخاذ المزيد من الإجراءات فى ضوء مبادئ حقوق الإنسان التى تُحقق المساواة للجميع[1]، وبناء على ماورد في هذا التقرير نستعرض أهم التغيرات التى طرأت على الوسط الفلسطينى فى الداخل الإسرائيلى بعد عام من هذه الأحداث.
من المسؤول عن أحداث مايو2021 ؟
وصفت إسرائيل التقرير بأنه منحاز وملئ بالكراهية، وادعت أنه يغُض الطرف عن سنوات، مما تسميه، “العنف الفلسطينى”، متجاهلة مايتعرض له هذا القطاع من تهميش وتمييز، كما تجاهلت السلوك العام للمواطن الفلسطينى، والذى يتميز بالاعتدال وعدم تبنى سياسة العُنف بشكل عام، وهو ماأظهره الاستطلاع الذى أجراه مركز “إكورد” التابع للجامعة العبرية فى شهر مايو2022 م، من أن 87% من المواطنين المستطلعة آرائهم فلسطينيين ويهودًا، يرون أن علميات العنف الموجهة ضد إسرائيل لاتُمثل المجتمع الفلسطينى فى الداخل[2]، كما أن أحداث مايو (حارس الأسوار) 2021 م، لم تكُن نتيجة تخطيط مسبق، ولم تأخذ هذا المسار دون أسباب تتعلق بحقوق الفلسطينى كمواطن يُعانى من الإحباط الناتج عن تمييز اجتماعى واقتصادى، ينتمى لهويته الفلسطينية التى تمنعه من التماهى بشكل كامل مع أوضاع تعتبر اليهودى مواطنا من الدرجة الأولى، وينتمى فيها الفلسطينى لأقلية، قد يُسمح لهما بسلوك يتوافق وشريعتها إن لم يخالف القانون، لكنها فى كل الأحوال يجب أن تمتنع عن العنف ضد الأغلبية، كما أن سلوك الأجهزة الأمنية تجاهها لا يتلائم مع حجم المشكلات التى تواجهها، وقد تغُض الطرف عنها تمامًأ، مما رسخ مشاعر الحذر وعدم الثقة فى أدائها نحوه، والعامل السياسى الناتج من حديث آنذاك عن انضمام غير مسبوق لحزب القائمة العربية الموحدة “راعم” للائتلاف الحاكم، الذى أدى إلى توتر بين مؤيدى ومعارضى هذا النهج ممن يرون أن الطريقة الصحيحة للتعامل مع مشكلاتهم هى الاحتجاج، وليس التصالح مع الواقع.
لا يُمكن تجاهل عدة أحداث متلاحقة سبقت المواجهة مع حماس، أدت إلى التعجيل بتفجر الموقف، مثل اعتراض بعض المتطرفين اليهود مظاهرة فلسطينية فى باب العمود وهم يهتفون “الموت للعرب”، الأمر الذي أدى لاشتباكات فى شرق القدس، وانطلاق وسم “القدس_تنتفض”، ليحمل دعوات لنُصرة الفلسطينيين والتضامن معهم، وفيديوهات الاعتداء على اليهود، وتحولت شبكات التواصل الاجتماعى إلى أدوات لتشكيل الرأى العام لتفكيكه أو دفعه إلى العنف، ثم مسيرة الأعلام ومظاهرات منظمة “لاهافا”[3]، والاضطرابات فى حى الشيخ جراح، وتورط عضو الكنيست ورئيس حزب “عوتسما يهوديت” (عظمة يهودية) “إيتمار بن جڤير” فى إشعال الموقف فى الحى، وفى العنف داخل الحرم القدسى، والنشاط الملحوظ لأعضاء حركة “الأنوية التوراتية”[4] فى جزء من المدن المختلطة، ويعتبرهم الفلسطينيون محرضين يسعون لتهويدها، ثم القصف الإسرائيلى للقطاع، وقذائف حماس قرب القدس وتل أبيب، وما تحمله من رسائل ضمنية خاصة لأجيال الشباب، بأن العنف قد يكون سبيلًا للتغيير، وارتباك أجهزة الأمن الإسرائيلية، التى لم تكن مستعدة للتعامل بالشكل الصحيح مع تصعيد مفاجئ من الجانبين خاصة فى المدن المختلطة، واستغرق الأمر عدة أيام حتى تمكنت من السيطرة على الموقف[5].
ماذا تغير خلال عام؟
رغم محاولات إسرائيل تقديم الأحداث على خلفية دينية أو قومية، إلا أن العُنف قد وجد الأرض الخصبة التى نمت فيها بذوره، وبدا كأنه مسار طبيعى، خاصة وأن الكثير من العوامل السابقة ليس طارئة، ولكنها متجذرة، وتشكل أزمة حقيقية.
تجدد الأمل بقدر ما فى التعامل مع هذه الأزمة وحلها، وفى التعايش وحياة أفضل للجميع، مع تشكيل الائتلاف الحكومى فى يونيو 2021م، والموافقة على خطة اقتصادية لسد الفجوات فى المجتمع الفلسطينى فى الداخل لمدة خمس سنوات (2022-2026)، لتشمل مجالات الإسكان والخدمات الصحية وتطوير العمالة، والهاى تك، وبرنامج آخر للتعامل مع ظاهرة العنف والجريمة، بهدف تفكيك “العصابات الإجرامية”، والحد من آثار الجريمة والعنف، وجمع الأسلحة غير القانونية، والعمل على رفع الشعور بالثقة لدى الجمهور فى إنفاذ القانون دون تمييز، وضمان سرعة تطبيقه من قِبل الأجهزة الأمنية (الأمن العام والشرطة) على المتطرفين الذين انتهكوا القانون من الجانبين، وتعزيز التواجد الشرطى فى الوسط الفلسطينى، وإنشاء قوة تدخل خاصة من الشرطة وحرس الحدود للتعامل مع الاضطرابات واسعة النطاق، مثل المصادقة على قانون الكهرباء، واستخراج تصاريح بناء توقفت كثيرًا نتيجة عدم التخطيط الجيد، وعدم وضع البنية التحتية المناسبة لتوصيل شبكات الكهرباء والماء والهاتف، لإنهاء معاناة استمرت لسنوات طويلة.
يبدو ذلك اتجاها صحيحا نحو التغيير من خلال التعامل مع أزمات حقيقية فى القطاع الفلسطينى داخل إسرائيل، ولكن لابد من إدراك أن هذا مجرد بداية على طريق طويل جداً تعوقه رواسب كثيرة، مثل أحداث العنف والعديد من علامات الترقب والحذر بين القطاعين الفلسطينى واليهودى[6]، كما يجب أن تُدرك إسرائيل أن ما يحدث فى هذا القطاع له انعكاساته الاستراتيجية التى لا تقل أهمية عن تحدياتها الخارجية[7]، ولا أدل على ذلك من التقارير البحثية التى أُعدت على ضوء نتائج عملية “حارس الأسوار”، حول تطوير الجوانب الإدراكية والتنظيمية للجيش الإسرائيلى، وزيادة الوعى بدوره فى أمنها القومى، وكان من توصياتها على سبيل المثال، “احتمالية أن يواجه الجيش الإسرائيلى صعوبة فى تحقيق أهدافه حال استمراره على الالتزام بمنهج الردع، وأن التخطيط للعمل فى “دوائر بعيدة”، وأن يرى أن تهديدات “الدائرة الأولى” يمكن التغلب عليها، حتى تُحافظ إسرائيل على دائرة شركائها فى المنطقة وتوسعها، وأن يدرك أن صورة الإسرائيليين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالطريقة التى يتعامل بها داخل حدوده” [8].
إجمالًا عكست أحداث مايو 2021م، عمق الهوية الفلسطينية لدى فلسطينى الداخل الإسرائيلى، رغم مايبدو من اندماج أو مظاهر الأسرلة، كما كشفت عن موقف المواطن الفلسطينى الرافض ليهودية الدولة، وللسلوك الحكومى الذى لا يُوفر ميزانيات مناسبة أو يضمن فرص عمل حقيقية، ولا تضطلع أجهزته الأمنية بدورها، ورغم إدراك إسرائيل لحقيقة المشاكل التى يُعانى منها هذا القطاع، وأخطرها ضعف الموارد الاقتصادية وعدم المساواة الاجتماعية، وضرورة معالجتها بشكل عملى وسريع، إلا أنها لم تُدرك أن استمرار ذلك سيؤدى إلى المزيد من أحداث العنف، وهو ما حدث بالفعل فى أحداث النقب[9] التى ارتبطت بها ارتباطاً وثيقاً وبانتشار ظاهرة العنف المتفشية فى المجتمع الفلسطينى[10]. كما لم تُدرك أن العودة للحياة الطبيعية بعد موجات العنف تكون بطيئة وتدريجية، فى ظل أجواء من الريبة والعداء، وخوف لا يتبدد، خاصة من الجانب اليهودى، وشعور لدى الجانبين بأن حالة الهدوء ليست إلا “صمت مزيف” سيستمر حتى الجولة القادمة من العنف المتبادل، وهو ما أظهرته نتائج المسح المبدئى الذى قام به مركز “ڤيتربى” لأبحاث الرأى العام والسياسات[11]، واتفقت نتائجه مع دراسة مركز “إيكورد” التى أُعدت لفحص اتجاهات العلاقات اليهودية الفلسطينية فى الداخل فى أعقاب أحداث مايو2021م، على عينة من ألف شخص نصفهم من اليهود والنصف الأخر من الفلسطينيين، والتى أظهرت (على غير المتوقع)، أن الفلسطينيين يُبدون تقاربًا أكثر وغضبا وخوفا أقل، وكراهية أقل مقارنة باليهود، ولا يوجد فرق كبير فى ذلك بين سُكان المدن المختلطة وغيرها، وأكد “رون جيرليتس”، الخبير فى العلاقات بين المواطنين اليهود والفلسطينين ورئيس المركز، على أن هذه الدراسة تعتبر دعوة لقادة القطاعين لاتخاذ إجراءات فورية تشمل نظام التعليم، والهيئات الحكومية والمحليات، بهدف إعادة تأسيس علاقات قائمة على الوعى، والاحترام والتسامح ، ووضع بنية مجتمعية صحيحة، أساسها العدالة والمساواة بين اليهود والفلسطينيين، لتقليل فرص حدوث موجات أخرى من العنف[12].
أخيرًا ، رغم مرور عام على أحداث مايو 2021م، إلا أن الوضع يزداد تعقيدًا فى القطاع الفلسطينى فى الداخل الإسرائيلى، ولم يتغير شيء، ونرى أن النظرة المتفائلة نحو المستقبل تتوقف على إعادة النظر فى بنود العقد بين الطرف الفلسطينى وإسرائيل، التى تعانى من أزمات داخلية حقيقية ومتلاحقة، لذلك يجب عليها بذل كل ما فى وسعها للحد من جبهات العداء، وسد ثغرات الخطر، بتعزيز الممارسة الديمقراطية أولًا، والتخلى عن يهودية الدولة فكرًا وتطبيقًا، والدعوة إلى مشاركة مجتمعية وسياسية كاملة، والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، خاصة وأن غالبية القطاع الفلسطينى فى الداخل ملتزم بالقانون ويهتم بالتعايش ويتطلع لحياة آمنة وعادلة.
[1] “ציד מכשפות”: אלו ממצאי חקירת אירועי שומר החומות של האו”ם https://www.now14.co.il, .cited in 7jun 2022؛ ועדת החקירה של האו”ם לשומר החומות: “הבסיס למתיחות בין הצדדים – הכיבוש הנצחי “https://www.haaretz.co.il ,cited in 7jun 2022 ,
[2] מרכז אקורד ,פסיכולוגיה חברתית לשינוי חברתיhttps://achord.huji.ac.il/ cited in may 2022 .
[3] منظمة لاهافا: حركة صهيونية يمينية عنصرية متطرفة، تعمل على منع اندماج اليهود في المجتمع، ومنع غير اليهود من الاختلاط بالمجتمع اليهودى، كما يظهر من اسمها المكون من الحروف الأولى من جملة لمنع الانصهار فى “الأرض المقدسة”.
[4] الأنوية (أرجو تفسير أكثر للمعنى لأنه غير مفهوم بالنسبة لي على الأقل) التوراتية: مجموعات من المستوطنين المتدينين، ينتمون للصهيونية الدينية فى الأساس،تكونت هذه الحركة بالتزامن مع اتفاقيات أوسلو فى التسعينيات، انضم لها العديد من الشباب خاصة الذين ولدوا في المستوطنات، واعتبروا أن مساهمتهم المجتمعية فى عملهم كسفراء للمستوطنين وللتيار الذى ينتمون إليه فى المناطق المهمشة، وغير المحافظة دينيًا،يتم تقسيمهم لمجموعات كل منها يطلق عليه نواة، ويختلف هدف كل نواة عن الاخرى ، فمنها من يعمل على إقامة جسور اجتماعية بين المتدينيين وغيرهم، ومنها من يعمل على إثراء المجتمع المتدين قيميًا وأيديولجيًا، وبعضها يقوم على التعريف بالتراث والدين أو العمل على إحداث تغييرات اجتماعية وتنموية.
[5] ערביי ישראל בהתפרעיות מאי 2021, ניתוח עומק, המרכז הירושלימי לענייני ציבור ומדינה, https://jcpa.org.il,cited in may 2022.
[6] יוני בן מנחם. האם ירושלים ואל-אקצא היו הסיבה לפריצת אירועי מאי2021؟ המרכז הירושלמי לענייני ציבור ומדינה.פורסם ב3,פברואר 2022 .
[7] מיכאל מילשטיין, המתיחות בנגב: משבר רב-ממדי שעלול להתפתח לחיכוך יהודי-ערבי רחב ולהקרין על המצב במערכת הפלסטינית, ינואר 2022,.https://www.runi.ac.il ,cited in may2022,9am
[8] סא”ל איתי חימיניס, מה מבצע “שומר החומות” מלמד על צה”ל? מאמר, מאי2021, 10am ؛ יאיר בוימל, ישראל והחברה הערבית: שנה אחרי “שומר החומות”,החוזה בין הצדדים נבחן מחדש
מאי 2022,11am , https://www.idf.il. cited in jun.2022.
(מה ההבדל בין המאמר הזה ומאמרך מבחינת התוכן והצורה) , הוא מחלק את יחסיה של ישראל עם אזרחיה הפלשטינים ל5 תקופות היסטוריות, לכל אחת מהן את האופי והמרכיבים משלה, אני מעוניינת רק בסיכום שלו ,שמציג בו את המצב בהווה ומבט על העתיד
[9] أحداث النقب/ يناير 2022، أطلقت الشرطة الإسرائيلية النار وقنابل الغاز على مظاهرة سلمية على مفترق قرية سعوة – الأطرش احتجاجًا على تجريف الأراضى، أعقب ذلك مواجهات اندلعت فى أنحاء النقب.
[10] للمزيد بشأن تحليل أحداث النقب: שם,מיכאל מילשטיין, המתיחות בנגב: משבר רב-ממדי שעלול להתפתח לחיכוך יהודי-ערבי רחב ולהקרין על המצב במערכת הפלסטינית.
[11] ) סקר בזק שומר החומות נערך על- ידי מרכז ויטרבי לחקר דעת קהל והמדיניות במכון הישראלי לדמוקרטיה, https://www.idi.org.il/search?q=%D7%A1%D7%A7%D7%A8%20%D7%91%D7%96%D7 %A7%20%D7%A9%D7%95%D7%9E%D7%A8%20%D7%94%D7%97%D7%95%D7%9E%D7%95%D7%AA,cited in may2022,8pm
[12] ) מבצע שומר החוממות, מחקרcited in may 2022,10 pm. , https://www.inn.co.il/
التابع لمن؟