تواصل إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، والذى أدى إلى استشهاد حوالى 140 فلسطينيًا، وإصابة أكثر من 1500 آخرين، مع تهجير الآلاف من بيوتهم فى شمال القطاع لمناطق أكثر أمنًا حيث تستهدف إسرائيل استكمال تدمير قدرات وإمكانيات فصائل المقاومة، حيث ساهمت الإجراءات والسياسات الإسرائيلية التى انتهجها رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، وكذا الاستفزازات التى قام بها المستوطنون فى القدس والأقصى بتحريض من حلفاء “نتنياهو” فى إحباط حكومة التغيير التى كانت ستتشكل وتحتاج دعم القائمة الموحدة والقائمة المشتركة، وذلك فى أعقاب تراجع رئيس حزب يمينا “نفتالى بينيت” عن الانضمام للائتلاف الحكومى، وكذا إجهاض معركة “الأقصى” و”الشيخ جراح” التى جذبت دعمًا دوليًا وشعبيًا غير مسبوق.
مما أحرج “نتنياهو” واليمين الإسرائيلى، خاصةً بعد دخول المدن والقرى المختلطة والعربية فى حالة تظاهرات تحولت إلى انتفاضة لعوامل داخلية كثيرة امتدت على فترة طويلة فى مجتمع تميز بعنصرية شديدة من ناحية، وخروج الرئيس الفلسطينى “محمود عباس” بخطاب مساندة للمتظاهرين بالمسجد الأقصى والشيخ جراح، مما دفع “نتنياهو” لاستخدام قوة كبيرة فى قمع المتظاهرين فى “القدس الشرقية” و”الضفة الغربية” والمدن المختلطة التى خرجت عن السيطرة، وطالبت القيادات الأمنية الإسرائيلية بنزول الجيش للسيطرة على “عرب 1948” ومنع العنف المتبادل.
وقد استغل “نتنياهو” قيام “حماس” بإطلاق الصواريخ قصيرة المدى لحشد القوات الإسرائيلية على حدود “قطاع غزة”، ونقل مركز الاهتمام الدولى إلى “غزة”، ورد بشكل مباشر لقمع أهل “القدس” والسيطرة على المسجد، وتمكين حلفائه من المتطرفين من مواجهة المظاهرات التى خرجت تأييدًا لانتفاضة “المسجد الأقصى”، والبدء فى حملة ممنهجة ضد العرب فى الداخل بدون أي قيود قانونية لأن استمرار مظاهرات الداخل يزعزع كل صورة دولة إسرائيل الديمقراطية وينسف كل ما حصل عليه من صفقة القرن ويربط الفلسطينين أينما تواجدوا وهذا ما حاولت منعه طوال سنوات الاحتلال.

صاروخ القدس
في ظل ردود الفعل والتي كانت تأمل حماس بأن تكون محدودة كسابقاتها من الجولات المتبادلة، إلا أن ضرب جيب عسكري بصاروخ “كورنيت” قام به عناصر الجهاد الإسلامي، إضافة إلى إطلاق صاروخ إلى القدس ومحيطها، قد ساهم فى تصعيد حدة العنف المتبادل مما دفع كل من الجهاد الإسلامي وحماس لتخطى الخطوط الحمر لدى إسرائيل في ظل أوضاع أمنية داخلية لم يسبق أن حدثت حتى أن صحيفة “معاريف” عنونت صفحتها الأولى بـ (الدولة تحترق)، حيث تتالت موجات القصف غير المسبوق واستخدام صواريخ بأمدية لاستهداف الأماكن الحيوية والمصالح العامة مثل ( محطة كهرباء عسقلان، خط الأنابيب، منصة الغاز).
ما سبق من سرد سريع للأحداث يوصلنا للنتائج التالية:
1- إسرائيل دولة مأزومة ومنقسمة بشدة سياسيًا، في خلال سنتين خاضت أربع انتخابات داخلية ولم تنجح حتى الآن في تشكيل حكومة تنال الثقة، وهذه الأزمة السياسية تنعكس بقوة وبعمق على المستوى الأمني الاستراتيجي.
2- أن إسرائيل تقع أكثر من أي وقت في كل تاريخها تحت سيطرة وهيمنة اليمين الإسرائيلي، بكل تنويعاته (القومي، والديني، والمتطرف) وهؤلاء يشكلون حوالي 75عضوًا في كنيست،برلمان لا يتجاوز عدده 120نائبا، وطبيعي أن تنعكس عقلية اليمين هذه علي التفكير والتوجهات والقرارات الاستراتيجية والأمنية.
3- خلل كبير في المعلومات والتقديرات الاستخبارية الأمنية، فى ظل عدم تنبؤ أجهزة الأمن الإسرائيلية بحجم وكفاءة القدرات العسكرية لحماس والجهاد وقدرة غزة على التحمل والصمود، وتقديرات رد الفعل في القدس وأغلب المدن المختلطة داخل إسرائيل “اللد” و”عكا” و”الرملة” وغيرها.
4- إدارة قيادية تقليدية المتأخرة للمعركة ، بدأت برد عسكري تقليدي ومتدرج، لأنها أسيرة تجربتها السابقة . وارتبكت في البحث عن خيارات ، لم تكن جاهزة ، لمعالجة تطورات المعركة.
5- فقدان الجبهة الداخلية الهشة إلي القدر اللازم من التماسك والصمود، وه ما عكسته أعمال العنف الشديد في المدن المختلطة تجاه الوسط العربى نتيجة معاملتهم كمواطنين درجة ثانية (الاضطهاد والتمييز، إصدار قانون القومية). وهو ما يعني وجود ثغرة كبري من حوالي 20% من مواطني إسرائيل، أما معادية ، او على الاقل متحفظة جدا على المشاركة في أي مواجهة استراتيجية كبرى.
