أيام قليلة تفصل الناخب التركى عن الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية فى تركيا لإختيار رئيس تركيا وعدد 600 عضو هم أعضاء البرلمان التركى . وفى هذا التقرير سوف نقوم بإلقاء الضوء على ملامح الحياة السياسية والحزبية فى تركيا .
- أهمية إنتخابات تركيا 2023 :
- تأتى هذه الإنتخابات متزامنة مع مئوية تأسيس الجمهورية التركية على يد كمال أتاتورك ، وبالتالى فهى تحمل دلالات رمزية للرئيس الذى سيتم إنتخابه فى أول مئوية للجمهورية .
- كذلك تشهد تحالفات حزبية غير مسبوقة سواء لخوض الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية .
- تأتى بعد 100 يوم من زلزال تركيا الأخير وفى ظل متغيرات اقتصادية وسياسية مغايرة عن الإنتخابات السابقة 2018 .
- دخول قانون تخفيض العتبة الإنتخابية من 10% إلى 7% حيز النفاذ والذى أقرًه البرلمان التركى العام الماضى ، وهو ما سيسمح للأحزاب الصغيرة نسبياً من المشاركة فى الإنتخابات المقبلة .
- وجود كتلة تصويتة كبيرة من الأجانب الحاصلين على الجنسية التركية ( قرابة 240 ألف مواطن وبنسبة تقارب 0.4% من إجمالى أصوات الناخبين ) والذين سيتمكنون من الإدلاء بأصواتهم فى هذه الإنتخابات .
- إنشاء صناديق إقتراع فى 15 دولة جديدة عن الإنتخابات السابقة مما سيسمح بمزيد من الأصوات الإنتخابية للإدلاء بأصواتها هذه المرة .
- يتنافس فيها 24 حزب سياسى و151 مرشح مستقل على مقاعد البرلمان ..
- هناك 7 مليون ناخب سيدلون بأصواتهم لأول مرة .
- التقويم الإنتخابى وأعداد الناخبين :
- بدأت عملية الإقتراع فى الخارج فى 27 إبريل وستنتهى يوم 9 مايو ، وبلغ أعداد الناخبين الأتراك فى الخارج ( 3 مليون 416 ألف ) وتأتى ألمانيا فى المرتبة الأولى من حيث عدد الناخبين فى الخارج (مليون و500 ألف ناخب ) والبرازيل فى المرتبة الأخيرة ( 581 ناخب ) ويوجد فى مصر (2.327 ناخب تركى ) .
- ستبدأ عملية الإقتراع فى تركيا يوم 14 مايو وفى حال لم تُحسم الإنتخابات من الجولة الأولى لصالح أحد المرشحين ستُعقد الجولة الثانية فى 28 مايو ، ويبلغ عدد الناخبين فى الداخل (61 مليون مواطن ) .
أولاً : الإنتخابات الرئاسية :
يتنافس فى هذة الإنتخابات 4 مرشحين فى السباق الرئاسى ، وهم على النحو التالى :
- رجب طيب أردوغان : الرئيس الحالى ومرشح تحالف الجمهور .
- كمال كليتشدار أوغلو : مرشح تحالف المعارضة ( الطاولة السداسية ) ورئيس حزب الشعب الجمهورى .
- محرم إينجه : مرشح مستقل ورئيس حزب البلد .
- سنان أوغان : مرشح تحالف الأجداد “آتا” .
- التحالفات الحزبية :
حاول المرشحين إستقطاب كتل تصويتية من خلال الدخول فى تحالفات حزبية لجذب أكبر عدد من أصوات الناخبن ، وفيما يلى أبرز التحالفات الحزبية :
- تحالف الجمهور (2+4) :
قام حزب العدالة والتنمية بضم حزب الرفاة من جديد الذى يترأسه فاتح أربكان الذى قدًم أوراق ترشحه لخوض الإنتخابات الرئاسية ولكنه لم ينجح فى جمع 100 ألف توقيع فانسحب من السباق الرئاسى وأنضم لتحالف الجمهور المكون من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية والإتحاد الكبير ليصبح الحزب الرابع فى التحالف ، ويدعم التحالف حزبان آخران هما حزب الدعوة الحرة ( هدى – بار ) ذو الأصول الكردية وكذلك حزب اليسار الديمقراطى ، وبذلك يكون التحالف مكًون من 4 أحزاب متحالفة و2 داعمة ، ومرشحهم رجب طيب أردوغان .
- تحالف الطاولة السداسية / تحالف الشعب (1+6) :
الطاولة السداسية أو تحالف المعارضة المعروف أيضاً باسم تحالف الشعب يتكون من 6 أحزاب متباينة فى خلفياتها السياسية بين العلمانية والليبرالية والقومية وهم حزب الشعب الجمهورى وحزب الجيد وحزب السعادة وحزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم والحزب الديمقراطى ويدعمهم فى هذا التحالف حزب الشعوب الديمقراطى ذو الأصول الكردية والذى لم يقدم مرشح رئاسى فى هذه الإنتخابات ومرشحهم للرئاسة كمال كليتشدار أوغلو .
- تحالف الأجداد “آتا” (2+2) :
هو تحالف بين حزبين هم ” الظفر والعدالة ” ويدعمهم حزبان آخران وهم حزب أتفاق تركيا وحزب وطنى ومرشحهم للإنتخابات الرئاسية ” سنان أوغان ”
ثانياً : الإنتخابات البرلمانية :
يتكون البرلمان التركى من 600 نائب بدلاً من 550 نائب بعد التحول للنظام الرئاسى وبه 14 حزب ممثل داخل البرلمان والكتلة الحزبية للعدالة والتنمية هى الكتلة المسيطرة على أكبر عدد من المقاعد (286) مقعد . ويتنافس على المقاعد البرلمانية 24 حزب سياسى و151 مرشح مستقل فى (87) دائرة إنتخابية.
ثالثاً : استطلاعات الرأى :
قامت مجموعة من الشركات باستطلاعات للرأى حول نتيجة الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة واختلفت استطلاعات الرأى من شركة لأخرى وفق أعداد المشاركين فيها وعدد المحافظات والمناطق التى تم فيها استطلاع الأراء ، وفيما يلى نموذج لبعض الاستطلاعات التى قامت بها الشركات المحلية فى تركيا حول نتائج الإنتخابات .
رابعاً : السيناريوهات المحتملة :
يبدو أن هذه الإنتخابات لن تكون سهلة بأى حال ومن خلال ما سبق يظهر أن الناخب التركى أمام 4 سيناريوهات محتملة حول المشهد الانتخابى القادم وتحديد هيكل وسياسيات الدول التركية وهى على النحو التالى :
- السيناريو الأول :
أن يفوز الرئيس الحالى أردوغان بالرئاسة والبرلمان ، وهنا ستجد الخلافات طريقها لصفوف المعارضة ولن تتمكن من تحقيق الفوز فى الإنتخابات البلدية العام القادم وبالتالى إنحسار دور المعارضة وسيطرة التحالف الحاكم ،، وهذا ما يعمل عليه تحالف الجمهور ( الحاكم ) من خلال عدة معطيات منها :
- رفع الحد الأدنى للأجور مرتان من 3500 إلى 5500 ثم إلى 8500 ليرة فى محاولة لتخفيف حدة التضخم المرتفع وحالة الغضب بين الشعب التركى لاستقطاب أصوات الناخبين ، بالإضافة إلى إطلاق حزم دعم اقتصادية للشباب .
- الإعلان عن استكشافات نفطية جديدة وتوفير الغاز للمنازل دون تحصيل الرسوم من المواطنين .
- توظيف الصناعات الدفاعية كورقة انتخابية من خلال الإعلان عن دخول طرازات جديدة من المسيرات التركية للخدمة وكذلك عمل معرض للمواطنين لزيارة الإصدرات العسكرية التركية الجديدة وذلك لجذب الأصوات من خلال الشحن المعنوى والترويج لإنجازات الحكومة .
- إزالة أثار الزلزال من خلال المباشرة فى أعمال إعادة الإعمار وتسليم وحدات سكنية جديدة لمتضررى الزلزال لكى يشير إلى أن تحالف الجمهور هو القادر على التعاطى مع مثل هذه الظروف .
- توظيف مفهوم ” القوى الغربية ” ودعمها لأحزاب المعارضة .
- تفتيت الصوت الكردى من خلال الحصول على دعم حزب ( هدى-بار) الكردى لمجابهة الأصوات الكردية الأخرى لحزب الشعوب الديمقراطى الذى أعلن دعمه لمرشح المعارضة .
- “تصفير المشكلات” التى أشتدت فى السنوات الماضية بين تركيا والدول العربية ومنها مصر ، من خلال التطبيع وعودة العلاقات العربية التركية وقطع الطريق أمام المعارضة لاستغلال ورقة السياسة الخارجية لتركيا كورقة إنتخابية ,
- إطلاق برنامج عودة اللاجئين لبلادهم طواعية وتحجيم منح الإقامات والجنسية لهم على خلاف ما كان معمول به سابقاً ، وهذا ما يظهر من خلال لقاءات مباشرة وتصريحات بين تركيا وسوريا لتطبيع العلاقات لضمان عودة اللاجئين وتسوية النزاع بين البلدين . حيث أن ورقة اللاجئين من أهم الأوراق الإنتخابية التى يعتمد عليها التحالفات الحزبية المعارضة ومرشحينهم للرئاسة والبرلمان .
- تهدئة التوترات بين تركيا واليونان ويظهر من خلال لقاءات وزيرى الخارجية التركى واليونانى واتفاقهم لدعم بعضهم بعضاً فى المحافل الدبلوماسية الدولية .
- السيناريو الثانى :
وهو خسارة أردوغان الإنتخابات رئاسية وبرلمانية ، وهنا سنجد تحول جذرى فى السياسات التركية داخلياً وخارجياً مع العودة للنظام البرلمانى المتفق عليه بين أحزاب المعارضة ، فمن خلال قراءات البرنامج الإنتخابى لتحالف الطاولة السداسية يمكننا أن نفهم ملامح الدولة التركية فى ظل هذا السيناريو ، فقد أعلن تحالف المعارضة عن نقاط أساسية حول شكل الدولة ومنها :
- التحول للنظام البرلمانى .
- استمرار رئيس الجمهورية المنتخب فى منصبه بعد التحول للنظام البرلمانى .
- تعيين رؤساء أحزاب الطاولة السداسية ورئيس بلديتى اسطنبول وانقرة نواب لرئيس الجمهورية .
- منح كل حزب فى الطاولة السداسية حقيبة وزارية .
- التوافق بين رئيس الجمهورية ورؤساء أحزاب الطاولة حول إدارة شؤون البلاد لا سيما فيما يتعلق بالمسائل الأمنية والعسكرية .
وهذا السيناريو وإن كان مطروحاً بسبب التحالفات غير المسبوقة فى المشهد السياسى التركى الحالى إلا أن تحالف الجمهور الحاكم لازال يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة وهذا ما تٌظهره استطلاعات الرأى من خلال تقارب النسب بين أردوغان وكمال كليتشدار أوغلو ، كذلك أيضاً يظهر من خلال الحشود الشعبية الكبيرة فى المؤتمرات الإنتخابية لأحزاب التحالف الحاكم ، كما أن الخلافات البينية التى ظهرت على السطح بين أحزاب المعارضة عند التوافق حول مرشح توافقى أثًرت سلباً على الناخب التركى الذى آخذ يتسائل حول قدرتهم على إدارة البلاد .
- السيناريو الثالث :
هو أن يفوز أردوغان بالرئاسة ويخسر الكتلة البرلمانية الأكبر وهنا ستعمل المعارضة من خلال البرلمان على تخفيف حدة قرارات مؤسسة الرئاسة خاصة فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية وانتشار القوات المسلحة بالخارج وتحجيم الإنفاق الحكومى كذلك الاستعداد بقوة للإنتخابات البلدية العام القادم لسحب البساط من تحت أقدام التحالف الحاكم والحشد نحو إقرار تعديلات دستورية من أجل التحول للنظام البرلمانى .
وهذا سيناريو ربما يكون مثالياً فى الوضع الحالى للمشهد السياسى التركى ، إلا أنه يحمل فى طياتة صعوبات لكلا الطرفين وهى كالآتى :
- وفق المادة 175 من الدستور وبالرجوع لآلية التصويت وصلاحيات البرلمان وإقرار التعديلات الدستورية مواد 87 – 90 -92 – 116 ، سيحتاج إقرار استفتاء على التعديلات الدستورية لموافقة ( ثلاثة أخماس ) أعضاء البرلمان ويعنى موافقة 360 عضو ، وهو أمر صعب المنال نسبياً فى حال فاز أردوغان بالرئاسة ، ذلك لأنه ربما ستلجأ الأحزاب الصغيرة والممثلة حديثاً فى البرلمان بعد تخفيض العتبة الإنتخابية إلى التصويت لصالح قرارت مؤسسة الرئاسة طمعاً فى تحقيق مكاسب سياسية وزيادة دورها السياسى من خلال الممارسة الحزبية لصالح التحالف الحاكم خاصة فى إنتخابات البلديات العام القادم ، وهذا ما سيتطلب جهداً كبيراً من أحزاب المعارضة للحشد لإقرار تعديلات دستورية .
- ستحتاج مؤسسة الرئاسة إلى كتلة تصويتية بما تقرره المادة 96 من الدستور لتمرير القرارت الرئاسية خاصة فيما يتعلق بالأمور الأمنية والعسكرية وبالتالى ستضطر مؤسسة الرئاسة هى الآخرى على استقطاب أصوات نواب تلك الأحزاب الصغيرة الممثلة حديثاً فى البرلمان لصالحها .
- السيناريو الرابع والأخير :
فهو أن يفوز مرشح تحالف المعارضة ” كمال كليتشدار أوغلو ” بالإنتخابات الرئاسية وعدم تحقيق كتلة برلمانية قوية . وفى هذة الحالة سيعمل على هيكلة مؤسسة الرئاسة واستخدام صلاحيتها لتنفيذ البرنامج الإنتخابى التوافقى لأحزاب الطاولة السداسية كما سيعطى الأمل فى صفوف المعارضة لتوسيع رقعتها وزيادة تحالفتها بعد سيطرة دامت أكثر من 20 عام للعدالة والتنمية .
وهذا السيناريو سيواجه مجموعة من التحديات أهمها :
- صعوبة تنفيذ البرنامج الإنتخابى التوافقى لتحالف المعارضة فى حال عدم قدرتة على تجاوز المادة 175 من الدستو ر لإقرار التعديلات الدستورية المتفق عليها .
- فى حال عدم قدرة مؤسسة الرئاسة لتعديل الدستور ستجد الخلافات طريقها بين أحزاب تحالف المعارضة .
- عرقلة البرلمان لقرارت مؤسسة الرئاسة .
ختاماً ،،
يظهر من خلال ما سبق صعوبة التكهن بنتيجة الإنتخابات المقبلة ، فكلا الطرفين يمتلك نقاط قوة ولديه غيرها من نقاط الضعف ، كما أن تعدد المرشحين يزيد صعوبة التكهن حول النتيجة ، واستطلاعات الرأى تأتى متقاربة بين الطرفبن الأكبر فى الإنتخابات ، وفى هذا الصدد لم تشمل استطلاعات الرأى أصوات الناخبين فى الخارج وهى نسبة تقارب 6% من إجمالى أصوات الناخبين وهى نسبة قادرة على قلب كافة الميزان لصالح أحد المرشحين على الآخر ، كما أنه من الملاحظ أن المرشح المستقل ” محرم إينجه ” يبنى حملته الإنتخابية على حساب تحالف المعارضة وليس على حساب التحالف الحاكم ، فحذر الناخب التركى من تداعيات التصويت لصالح تحالف المعارضة كما رفض المشاركة فى التحالف والإنسحاب من السباق الرئاسى لصالح مرشح المعارضة ، هذا لا يمنع من استبعاد سيناريوهات الأول والثانى ، فمن خلال المؤشرات الحالية يصعب على المعارضة تحقيق فوز رئاسى وأغلبية برلمانية ، كما أنها صعبة على الطرف الآخر أيضاً فى ظل احتدام سياسى حزبى ومتغيرات سياسية ودولية وإقليمية مغايرة عن سابقتها .
وفيما يخص المنطقة العربية أو الشرق الأوسط ، فمن المرجح أن نشهد تحسن ملحوظ فى العلاقات العربية التركية على المستوى الاقتصادى سواء كانت النتيجة لصالح التحالف الحاكم أو تحالف المعارضة ، فتركيا تعى أنها تمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة وعلاقتها الخارجية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة فى أسوأ حالاتها ، ولهذا فهى تحتاج للمحور العربى لتعويض خسائر توتر العلاقات التركية الغربية – الأمريكية . وعن المستويات السياسية فمن المرجح استمرار سياسيات العدالة والتنمية نحو المنطقة العربية كما كنت سابقاً مع تخفيف حدتها عن طريق تفعيل الدور الدبلوماسى التركى لمنع وتجنب حدوث خلل مرة آخرى فى العلاقات يؤثر بشكل أو بآخر على التعاون الاقتصادى وحجم الاستثمار الأجنبى فى تركيا .