أرسل الشعب التركى رسالة هامة للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالإنتخابات المحلية الأخيرة التى أظهرت صورة الرئيس أردوغان بصورة مغايرة لتاريخه السابق كلياً حيث أدت السياسات الإقتصادية الخاطئة وإنتشار فساد المحليات إلى تراجع اردوغان و حزبة الذى يقود البلاد منذ قرابة ربع قرن من الزمان ، لتبدأ تركيا بداية لعهد جديد من المنافسة بين حزب الشعب الحمهورى وحزب الرفاه من جديد والعدالة والتنمية .
نتائج الإنتخابات
– حقق حزب الشعب الجمهورى أنتصاراً تاريخياً فى أنتخابات البلديات الأولى فى القرن الثانى من عمر الجمهورية التركية، والتي تمثلت اهم ملامحها في التالي: –
أ – حصول الشعب الجمهوري على نسبة 38% من أصوات الناخبين بينما حصل العدالة والتنمية على نسبة 35% من أصوات الناخبين .
ب – إرتفاع رصيد الشعب الجمهورى فى حكم وإدارة البلديات من (21) فى إنتخابات 2019م إلى (35) بلدية فى انتخابات 2024 .
ج – تراجع رصيد العدالة والتنمية من حكم وإدارة (39) بلدية فى إنتخابات 2019 إلى (24) بلدية فى انتخابات 2024.
د – إحتفاظ الشعب الجمهورى بالبلديات الكبرى (إسطنبول – أنقرة – أزمير ) بفارق كبير عن النتخابات السابقه.
د – إكتساب الشعب الجمهورى بلديات كبرى جديدة ظل العدالة والتنمية مسيطراً عليها منذ 2002 عام تاسيس الحزب مثل ( بورصة – مانيسيا – دينزلى ) .
أسباب هزيمة العدالة والتنمية :
لم يشهد تاريح العدالة والتنمية والرئيس أردوغان هزيمة إنتخابية مثل هذه الإنتخابات التى جرت فى 31 مارس 2024 حيث تتمثل أهم أسباب الهزيمة فى التالى :
1- تدهورالأوضاع الإقتصادية
حيث تراجعة الليرة التركية وتتجاوزة (30) ليرة أمام الدولار الواحد وهو الأمر الذى إنعكس على التضخم الشديد فى الداخل كما حدد البنك المركزى سعر الفائدة عند 50% للإيداع والإقراض ، ويحمل الشعب التركى أردوغان مسئولية تلك الأوضاع الإقتصادية السيئة .
2- التصويت العقابى
أدى التصويث العقابى من المتقاعدين المقدر عددهم ب (16) مليون وذلك على خلفية تصريح من وزير المالية محمد شمشك( بأن الدولة ليس لديها نيه لدعم المتقاعدين ) حيث أدى هذا التصريح إلى حالة غضب شديدة لدى المتقاعدين من سياسة حكومة أردوغان وأدائه الإقتصادى وإرتفاع نسبة التضخم .
3- الحرب بغزة:
عدم قدرة أردوغان على توظيف أحداث غزة والقضية القلسطينية فى ظل ضعف أداء الحكومة التركية
فى الحرب الحالية على غزة والتى تعد هى الأشرس والأصعب على القطاع حيث كان أداء اردوغان على المستوى الإعلامى ضعيف ومتراجع من أجل الحفاظ على حجم التجارة التركية مع اسرائيل ، حيث إرتفعت معدلات التجارة مع إسرائيل إلى معدلات كبيرة ، لذلك كانت غزة ومشاهدها الدموية محل سخط وإتهام لأردوعان بأنه يتاجر بالقضية الفلسطنية .
تأثيرات نتائج الإنتخابات على الأوزان النسبية للأحزاب السياسية فى تركيا
تظهرخريطة البلديات فى تركيا مدى نجاح حزب الشعب الجمهورى في الفوز بالمدن الكبرى والمدن الساحلية على سواحل تركيا المختلفة سواء البحر المتوسط والبحر الاسود وبحر ايجة حيث يحكم الشعب الجمهورى 60% من الشعب التركى بالحكم المباشر من خلال البلديات .
دلالات تغير خريطة الأحزاب السياسية :-
أدى إستمرار العدالة والتنمية فى حكم البلديات لأكثر من عقدين منفرداً إلى تنامى مظاهر الفساد داخل المحليات ، وهو ما كشف عنه إمام اوغلو عند تولية رئاسة إسطنبول قبل خمس سنوات ، ولكن الظهور الأكبر لفساد البلديات كان فى زلزال فبراير 2023 عندما أشارت التقارير إلى أن السبب الرئيسى فى إتساع حجم الخسائر البشرية والمادية كان بسبب المخالفة والبناء على أراضى زراعية وإرتفاع عدد الأدوار السكنية للبنايات مما أدى إلى زيادة كبيرة فى حجم الكارئة .
حزب الشعب الجمهورى
المؤسس للجمهورية التركية قبل قرن من الزمان وصانع التجربة الديمقراطية فى تركيا ولا يمكن الإستهانه بقوتة وشعبيته السياسية ، إلا أن السبب الرئيسى فى ضعفه خلال العقدين الماضين كان شخصية رئيس حزب الشعب الجمهورى (كمال كلشدار اوغلو )، والذى كان السبب الرئيسى فى فوز أردوغان بمقعد الرئاسة فى الإنتاخبات الرئاسيه السابقة بمايو 2023م حيث كان منافساً ضعيفاً فى مقابل خبرة ودهاء أردوغان السياسى .
لذلك شهد الشعب الجمهورى تغيرات عديده بعد هزيمة الانتخابات الرئاسية أهمها رئيس الحزب الجديد وهو برلمانى شاب ورئيس الكتلة البرلمانية للمعارضة التركية (أوزجور اوزال ) بالإضافة إلى تغيير قيادته بعناصر شابه ووجوه جديدة فى إدارة الحزب ، وهو الامر الذى ظهر بالانتخابات الاخيرة .
كما أن من مؤشرات نجاح الشعب الجمهورى فى ادارة البلاد خلال الاعوام القادمة هو عدم مركزية السلطة مع البلديات حيث أنها تقدم الخدمات بمقابل مادى خاص بها ولها مشاريعها الإستثمارية والإقتصادية الخاصة بها التى تعد الذراع الإقتصادى للبلديات .
حزب الرفاة من جديد
تأسس عام 2018 وخرج من عباءة العدالة والتنمية قبل حزب داود أوغلو وتعد هذه الانتخابات أول انتخابات له منفرداً منذ تأسيسه ، وقد جاء في المرتبة الثالثة من حيث عدد الأصوات وفاز ببلديتي يوزجات وشانلي أورفه التي انتزعهما من حزب العدالة والتنمية بالإضافة إلى ٣٨ حيا آخر. كما أن حزب الرفاة من جديد تردد اسمه كثيرا في الانتخابات الرئاسية باعتباره أحد العناصر الحاسمة والداعمة لاردوغان ، وأهم أسباب قوته فى الانتخابات هو موقفه القوى والواضح من الحرب فى غزة ومهاجمته لاردوغان لسوء إدارته للأزمه فى غزه ، كما قام بجمع تبرعات عديده وارسالها لقطاع غزة .
مستقبل الأوضاع الداخلية فى تركيا
1- سياسياً
تشهد تركيا إنتهاء عصر الرجل الأقوى فى تاريخها الحديث بعد أتاتورك المؤسس قبل قرن من الزمان .
وتعد الفترة الرئاسية الحالية هى الأخيرة لاردوغان حسب نص الدستور التركى ، وأستغل أردوغان هذه النقطة عدة مرات فى خطاباته الإنتخابية لكسب تعاطف الناخبين لصالح العدالة والتنمية خصوصاً فى اسطنبول التى لها مكانه خاصة ودلاله سياسية كبيرة (من يحكم اسطنبول يحكم تركيا).
لذلك فإن لميلاد قيادات جديده للشعب الجمهورى تأثير كبير على الوضع السياسى داخلياً حيث أصبح من الواضح أن أكرم أمام اوغلو مرشح رئاسى قادم فى عام 2028م ،وذلك لما يمتلكه من شعبية كبيره ونفوذ سياسى داخل تركيا ، وكان قد تم طرح إسمة ليكون مرشح الاحزاب المعارضة فى الانتخابات الرئاسية الماضية ولكن كان هناك حكم قضائى عائق امام ترشحه وأتهم العدالة والتنمية بانهم من صنعوا هذا الإتهام لعرقلة ترشحه امام اردوغان.
- سيعمل العدالة والتنمية وهو صاحب النفوذ القوى والاغلبية البرلمانية ويمتلك جميع مقومات السلطة على إيجاد بديل قوى لاردوغان وتشير التقديرات إلى إتجاه الحزب لتجهيز (هاكان فيدان ) وزير الخارجية الحالى ورئيس الإستخبارات التركية السابق وموطن سر وثقة اردوغان ليكون زعيم احزب المقبل ومرشح العدالة والتنمية فى الإنتخابات الرئاسيه فى 2028
- الدستور الجديد :
أعد العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية المتحالف معه دستوراً جديداً بديلا عن دستور 1981م والذى شهد خمس تعديلات سابقة ليتم إلغاؤه وإعلان دستور جديد يسمى دستور القرن التركى ، سيتم الإستفتاء عليه نهاية العام الحالى او بداية العام المقبل على اقصى تقدير ، ونرى أن نتيجة إنتخابات البلدية سيكون لها تأثير كبير فى بعض نصوص الدستور قبل طرحه للاستفتاء وذلك فيما يتعلق بصلاحيات رؤساء البلديات وإرتباطهم بالحكومة المركزية فى أنقره .
2- إقتصادياً
يرتبط الإقتصاد دائماً بالسياسة لذلك فستشهد تركيا هزات إقتصادية خلال الفترة الرئاسية الاخيرة لأردوغان حتى أن المقولة التى سيتصف بها أردوغان بعد رحيلة وخروجة من السلطة ( رفع شأنه الإقتصاد وأسقطه الأقتصاد ) وهى مقولة تاريخية فى الداخل التركى أطلقت قبل ذلك على (عدنان مندرس) اول رئيس وزراء انقلب الجيش التركى عليه فى عام 1960م حيث بدأ فترة حكمة بنهضه إقتصاديه كبيرة وأنهى فترة حكمه بأداء إقتصادى ضعيف أدى لخروج مظاهرات ضده وإعدامه بعد ذلك .
حيث أن النهضة الإقتصادية التى صنعها العدالة والتنمية كانت أهم أسباب بقائه ورضى الشعب عنه خلال ربع قرن من الزمان ، وما يشهده الإقتصاد التركى من تضخم كبير يعانى منه المواطن بشكل عام فسيكون أحد أهم اسباب إنتهاء عصر اردوغان الذى ظهر علية علامات السن والشيخوخة .
وتشير التوقعات إلى زيادة فرص دول الخليج فى الإستثمار والنفوذ بتركيا حيث من المتوقع إستحواذ رجال اعمال الخليج على بعض البنوك والموانى والمناطق اللوجستية والسياحيه بتركيا .
3- إجتماعياً
تنعكس دائماً الظروف الإقتصادية على الحياة الإجتماعية بجميع سلبياتها ، وشهدت تركيا فى العقدين الماضيين تغير كبير فى مظاهر الحياه الإجتماعية بدأت بمجتمع العدالة والتنمية المحافظ وإمتدت الأن لتشمل الاحزاب العلمانية نفسها فنجد قادة حزب الشعب الجمهورى تخرجوا من مدارس الأئمه والخطباء مثل قادة العدالة والتنمية ونجدهم أيضاً ملتزمون بالصلاه والعبادات على عكس قادة الشعب الجمهورى السابقين وهو ما دفع نسبة كبيره من مؤيدى العدالة والتنمية إلى التصويت لصالح الشعب الجمهورى .
4- الجيش التركى
سيحرص الجيش التركى على عدم التدخل فى الحياه السياسية وذلك فى ضوء الظروف والإعتيارات التالية :-
ولكننا نرى أن وضع الجيش التركى الأن قد تغير ومن الصعب دخول الجيش فى الحياه السياسية وذلك لما يلى :
(أ) تغير عقيدة الجيش التركى من الداخل إلى الخارج .
(ب) وجود الجيش فى أكثر من منطقة نزاع حدودية مثل العراق وسوريا.
(ج) وصول جيل جديد من القيادة فى الجيش لا يؤمن بتدخل الجيش فى السياسة مثل القيادات السابقة .
(د) أحداث يوليو 2016 والمحاولة الإنقلابية ليست ببعيد حيث رفض الشعب نزول الجيش وقاومه بشكل كبير.
(ه) سينص الدستور الجديد على بعض النصوص التى تجرم تدخل الجيش فى سياسة الدولة ومحاكمة القاده المؤيدين للتدخل فى الشئون السياسية.
ختاماً :
ستشهد تركيا خلال الفتره الرئاسية الأخيرة للرئيس أردوغان تجاذبات عديده إقتصاديه وسياسيه وأيضاً إجتماعيه للتتمخض عن ميلاد جديد لحكم سياسى ليس فيه أردوغان ، ولكن ستبقى تركيا قويه بمؤسساتها التى أصبحت راسخه داخل الدولة التركية ، وبوعى ونضج شعبها المحب لوطنه والمدرك للمخاطر والتغيرات التى تحدث على مستوى العالم .