تتسابق مراكز الدراسات الإسرائيلية في استشراف التداعيات والتحديات الإقليمية والدولية التي سيخلفها الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة مايتعلق بإقليم الشرق الأوسط بشكل مباشر أو غير مباشر.
أوكرانيا – إسرائيل والدروس المستفادة..
بحسب مراكز الدراسات الإسرائيلية، فإن الدولة العبرية – مثلها مثل أوكرانيا – تواجه منذ نشأتها تهديدًا وجوديًا، لأنها مُحاطة بعالم عربي كبير، يرى في استقلالها مهانة لقوميته وكرامته. ويكاد ميزان القوى يبين الطرفين أن يكون مشابهًا لما عليه بين روسيا وأوكرانيا.
صحيح أن روسيا لديها أسلحة نووية، لكن حجم السكان والمساحة والموارد وفجوات القوة بين إسرائيل وجيرانها العرب أكبر بكثير من الفارق بين روسيا وأوكرانيا. ورغم ذلك، فقد تمكنت إسرائيل من الصمود والحفاظ على وحدة ترابها. والأكثر من ذلك أنه منذ عام 1948، لم تقع أي حرب داخل أراضيها. لكن أوكرانيا في المقابل فشلت في الحفاظ على وحدة ترابها، وهي مهددة الآن بفقدان سيادتها كدولة مستقلة لأنها اضطرت لخوض الحرب داخل أراضيها وليس خارجها.
لقد كان على أوكرانيا أن تتعلم من إسرائيل أنها ستخوض الحرب بمفردها، لذا كان يجب عليها أن تبرم تحالفا استراتيجيا مع إحدى الدول العظمى للحصول على الدعم العسكري عندما يتطلب الأمر ذلك. ولقد أدركت إسرائيل أهمية ذلك، فتحالفت في البداية مع الاتحاد السوفييتي ثم فرنسا وأخيرًا مع الولايات المتحدة.
وفيما يخص السلاح النووي، كان من الأفضل بذل الكثير من الجهد وإطلاق القليل من التصريحات، لكن أوكرانيا فعلت العكس، حيث تخلَّت عن سلاحها النووي في تسعينات القرن الماضي، وهي الآن تتحدث عن عزمها استعادة قدراتها النووية فأعطت الذريعة لروسيا كي تلوح بالسلاح النووي في الهجوم عليها.
إسرائيل لن تنخدع بالتطبيع
تثبت الأحداث في أوكرانيا أن العالم في القرن الـ 21 لا يزال يعيش بعقلية العصور الوسطى، والدليل أن دولة أوروبية مستقلة وجدت نفسها فجأة في براثن الاحتلال الروسي، ولذا لا يجب على إسرائيل أن تنخدع باتفاقيات التطبيع مع الدول العربية، وعليها أن تعتمد على قوتها العسكرية الذاتية بل يجب أن تكون هي القوة الضاربة في المنطقة كلها.
ورغم أن الرئيس بوتين بات يمثل مشكلة لإسرائيل، إلا أنه أكثر من حافظ على مصالحها وراعى حقوق الجالية اليهودية داخل روسيا. ومع إدراكه بأن الدولة العبرية حليف للولايات المتحدة، إلا أنه منح سلاح الطيران الإسرائيلي حرية التحليق في سماء سوريا لضرب الأهداف الموالية لإيران هناك. ومع ذلك فإن حكومة تل أبيب لا تتخذ مواقف واضحة حيال الأزمة الأوكرانية وهي تخشى الاصطفاف مع الدول الغربية حتى لا تتضرر مصالحها الاستراتيجية مع روسيا التي أصبحت دولة مجاورة لإسرائيل جراء وجودها العسكري في سوريا.
تداعيات الغزو الروسي
من الواضح أن للغزو الروسي لأوكرانيا تداعيات على أطراف إقليمية عديدة، فبحسب مراكز الدراسات الإسرائيلية ستكون هناك تداعيات على:
1- الدول العربية:
لن تتضح التداعيات الخطيرة للأحداث في أوكرانيا إلا بعد بعد انتهاء المعارك، ولكن حرص بعض الدول العربية على اتخاذ مواقف حيادية علنية، يعكس مدى التغيير الذي طرأ على مكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. فمع تراجع الولايات المتحدة عن قضايا المنطقة تريد الدولة العربية الموالية لواشنطن إبقاء المجال مفتوحا أمام روسيا والصين، لتوجيه رسالة لواشنطن مفادها أن الدول العربية لديها خيارات أخرى غير الولايات المتحدة. ولقد عقدت الجامعة العربية مؤخرا اجتماعا قررت فيه الالتزام بالحيادية وعدم اتخاذ موقف واضح حيال تطورات الأحداث في أوكرانيا. ولعل سبب الموقف العربي المحايد يعود للمصالح المتشابكة مع المعسكرين الشرقي والغربي، فسوريا والجزائر والسودان تربطها اتفاقيات عسكرية مع روسيا. أما مصر ولبنان والجزائر وليبيا ودول أخرى فتعتمد على كل من روسيا وأوكرانيا في استيراد المواد الغذائية ولا سيما القمح لانتاج الخبز.
2- إيران تشعر بالثقة..
إن الأزمة الحالية بين الدولتين العظميين في ظل عجز الولايات المتحدة عن التصدي للقوة العسكرية الروسية، ستُلقي بتداعياتها السلبية على دول الشرق الأوسط ، لكن ربما ستكون لها تداعيات إيجابية على إيران التي باتت تشعر بالثقة في النفس مما سيجعلها تواصل تعنتها في المحادثات النووية وتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، اعتقادًا منها بأن واشنطن ستفضل عدم فتح جبهة أخرى مع إيران أو الدخول في نزاع معها في هذا التوقيت الحرج. كما أن المخاوف من تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، قد تدفع دول الخليج لمواصلة التقارب التدريجي مع إيران.
ومن ناحية أخرى تتخوف تل أبيب من أن يسارع الغرب بإبرام اتفاقية نووية مع طهران حتى يتفرغ للتصدي لروسيا، وتتمثل تداعيات الغزو الروسي على محادثات الملف النووي الإيراني في:
أ- إمكانية تعطيل مسار التوصل إلى اتفاقية نووية جديدة مع طهران، بسبب صعوبة تجميع مندوبي دول التفاوض للتوقيع علي الاتفاقية النووية في الوقت الراهن.
ب- إمكانية دفع الولايات المتحدة للإسراع بالتوقيع على الاتفاقية، للتخلص من ذلك الملف والتفرغ للأزمة التي اندلعت في أوروبا.
3- موقف السلطة الفلسطينية:
تمتنع السلطة الفلسطينية عن اتخاذ موقف واضح من الغزو الروسي لأوكرانيا، مخافة أن يضر ذلك بمصالحها، حيث لا يود الرئيس أبو مازن أن يفقد دعم الرئيس الامريكي بايدن بشأن إعادة فتح مكاتب السلطة الفلسطينية في واشنطن ونقل القنصلية الأمريكية للقدس الشرقية، لكنه في الوقت ذاته، يحتاج للدعم الروسي من أجل تشجيع مبادرته لعقد مؤتمر دولي للسلام.
وبعيدا عن موقف السلطة الفلسطينية، فإن كثيرا من الفلسطينيين يرحبون بالغزو الروسي لأوكرانيا، أملأ في أن يؤدي ذلك لقيام نظام عالمي جديد، تتراجع فيه هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، مما سيؤدي بدوره لإضعاف إسرائيل.
4- الدولة السورية!
قد يسفر الغزو الروسي لأوكرانيا عن تداعيات سلبية على الدولة السورية، لأنها حليف لموسكو وتدعم بشكل علني ما يقوم به الرئيس بوتين ضد أوكرانيا. وخلال مكالمة مع نظيره الروسي قال الأسد إن روسيا لا تدافع عن نفسها فحسب، بل عن العالم كله وعن مبادئ العدالة والإنسانية وأن الدول الغربية تدعم الإرهابيين في سوريا والنازيين في أوكرانيا وأماكن أخرى من العالم. ورغم هذا الموقف السوري المؤيد لموسكو إلا أن بعض المسؤولين في دمشق يخشون من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على النظام السوري في:
أ- المجال الاقتصادي: حيث تعاني سوريا منذ عام 2019 من أزمة اقتصادية غير مسبوقة وهي تواجه نقصًا كبيرا في المنتجات الأساسية مثل القمح والنفط. وتعتبر روسيا من أهم المصدرين للقمح بالنسبة لسوريا حيث تزودها بأكثر من مليون طن سنويا. ولذا فإن استمرار الحرب بين موسكو وكييف سيشكل تحديًا خطيرًا لنظام بشار الأسد.
ب- المجال العسكري: فمع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا سيستغل الجيش الإسرائيلي انشغال روسيا بهجماتها على الجبهة الأوكرانية، ليزيد من غاراته الجوية ليس فقط ضد الأهداف الإيرانية في سوريا بل وضد الأهداف التابعة لنظام الأسد.
ت- شرعية النظام: من شأن الحرب الدائرة في أوكرانيا أن تُلحق الضرر بالمكانة الدبلوماسية للرئيس الأسد، بعدما أخذت بعض الدول العربية تعيد علاقاتها معه وتعترف بشرعيته. لكن تحالف الرئيس السوري مع نظيره الروسي الذي أصبح الآن عدوًا لدودًا للغرب، لا يصب في مصلحة بشار الأسد، بل سيُحبط محاولاته لاستعادة شرعيته الإقليمية.
***************
من خلال ماسبق يمكن استخلاص النتائج التالية:
1- تفضل إسرائيل عدم الزج بنفسها في معترك الحرب الروسية الأوكرانية، وحتى إذا اتخذت بعض المواقف الموالية للغرب فإنها لن تعادي روسيا حفاظا على مصالحها الاستراتيجية والعسكرية في سوريا.
2- مواقف الدول العربية متأرجحة لأن مصالحها مرتبطة بالمعسكرين الشرقي والغربي.
وأخيرا، ينبغي على مصر والدول العربية دراسة تداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية” لاستشراف معالم النظام العالمي الجديد، وبحث كيفية تلاشي الأضرار واستغلال الفرص التي قد تخلفها التطورات الجديدة. كما يجب على الدول العربية أن تتعلم الدرس من تجربة أوكرانيا التي تخلى عنها الغرب وهي تواجه الغزو الروسي بمفردها. فعلى الدول العربية أن تبني خطة للتعاون الأمني المشترك لأنها هي التي ستحمي نفسها بمفردها ولن يقاتل من أجلها أحد.