بدأت عملية “الفجر الصادق” أو مطلع الفجر فى الخامس من أغسطس 2022م، عندما شن الجيش الإسرائيلى هجومًا استهدف اغتيال “تيسير الجعبرى” قائد اللواء الشمالى لحركة الجهاد الإسلامى فى قطاع غزة ، سبقتها عملية اعتقال رئيس الحركة الإسلامية الفلسطينية / جهاد “بسام السعدى” فى “جِنين” ليلة الثانى من أغسطس فى إطار عملية “كاسر الأمواج”[1] التى بدأها فى مارس 2022م ، تم توثيقها عن طريق فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعى آثار موجة من الغضب والاستياء العام يوثق عملية اقتياده ومهاجمته بواسطة كلاب مدربة[2]، كما استهدفت اغتيال قائد اللواء الجنوبى “خالد منصور” فى اليوم الثانى للعملية، وكذلك هاجم سلاح الجو الإسرائيلى أهدافا لحركة الجهاد الإسلامي فى قطاع غزة شملت مستودعات ذخيرة ومواقع عسكرية وقواعد إطلاق صواريخ .
تاسعة البهاء موعد رد حركة الجهاد
حددت حركة الجهاد الإسلامى موعدًا لبدء الرد على الهجمات الإسرائيلية، فى التاسعة مساءًا، أو كما أسمتها، “تاسعة البهاء”، لارتباط هذا التوقيت بقائدها العسكرى السابق للمنطقة الشمالية “بهاء أبو العطا” الذى تم اغتياله فى نوفمبر 2019م، الذى كان يختار دائمًا الساعة التاسعة لبدء إطلاق الصورايخ ردًا على الانتهاكات الإسرائيلية، حتى إذا أطلقت صواريخ على إسرائيل والمستوطنات فى “محيط غزة” فى التاسعة، نُسبت لسرايا القدس دون إعلان، وبدأت بإطلاق 160 صاروخًا من قطاع غزة فى الليلة الأولى فى اتجاه المستوطنات المحيطة بغزة والسهل الساحلي الجنوبى والمنخفضات والوسط؛ ومنها ريشون لتسيون، بت يام، وعسقلان، ورد الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على المواقع التى تم إطلاق الصواريخ منها وهاجم مستودعات ومصانع إنتاج الصواريخ المضادة للطائرات، وشنت الحركة فى الصباح هجوما بالرصاص على المستوطنات المحيطة وهى سديروت، إيبيم، نير عام، ناحال عوز، أشكلون ونتيف هاعسرا، وتوالت الهجمات ورد الفعل الإسرائيلى والعكس حتى بلغت عدد المواقع التابعة للجهاد الإسلامى التى هاجمها الجيش الإسرائيلى حوالى أحد عشر موقعًا، وهاجم سلاحه الجوى أهدافًا فى غزة وخان يونس، ورغم استمرار إطلاق الصواريخ على إسرائيل، إلا أنها ترى أنها فاجئت الجهاد الإسلامى وأنه فى صدمة إثر تلقيه ضربة قاسية لم تكن متوقعة، تم القضاء خلالها على معظم أعضائه البارزين، وأن القيادة فى غزة أصبحت غير منظمة وغائبة عن الوعى جزئياً، كما اعتبرها عملية ردع هامة لجميع القطاعات الأخرى,
الداخل الإسرائيلى
يبدو أن فكرة الردع لم تكن كافية بالنسبة للمواطن الإسرائيلى، الذى فاجأته صفارات الإنذار خلال استعداده لعطلة السبت وإعداده للاحتفال بذكرى خراب الهيكلين فى التاسع من آب، والتى تُذكره دائمًا بالكراهية والاضطهاد اللذان تعرض لهما اليهود دون سبب كما يعتقدون، وربما كان ذلك المحرك الذى دعاهم لتساؤل انتشر على منصات التواصل الاجتماعى؛ ماذا يعنى البدء فى عملية عسكرية دون إطلاق رصاصة واحدة علينا أولاً ! هل يعنى هذا أنه لا يجب أن يكون لدينا سببًا لمهاجمة الغير حتى لو كانوا أعداءًا ، أم أن إسرائيل غيرت سياستها وبدأت تُفكر خارج الصندوق ، لذلك خرج مئات من يهود المستعمرة الألمانية فى حيفا للتظاهر ضد العدوان العسكري على قطاع غزة وحركة الجهاد الإسلامى، كما خرجت تظاهرات لمئات من يهود وفلسطينيى الداخل، فى المدن المختلطة لدعم غزة خلال العملية العسكرية، شارك فيها أعضاء كنيست من القائمة المشتركة في إحداها ، محذرين من أن جولات العنف لاتؤدى إلا للمزيد من العنف والضحايا والمعاناة ، ومشددين على وجوب إيقاف دائرة الإرهاب ، ومعبرين عن أن خروجهم معًا هو الطريقة الوحيدة التى يملكونها للعبير عن رغبتهم فى حل سياسى ومفاوضات حقيقية هدفها التعايش والسلام والعدالة للجميع ، رغم ذلك رأى آخرون فى هذه العملية جرأة غير مسبوقة من الحكومة الحالية لم يُقدم عليها نتنياهو اللاهث وراء التطبيع ، وأعربوا عن تخوفهم من فشلها على مستقبل من أسموه بالسياسى الجديد “يائير لابيد”، وأسموها عملية “الانتخابات الصادقة”، وبدا البعض متشائمًا، يرى الفجر كحارس الأسوار وكغيرها من العمليات التى لن تنتهى غير أنها تُفقدنا الشعور بالأمان[3] ، كما شهدت “شفا عمرو” و”أم الفحم”، وساحة يونا فى “كفر ياسيف” و مفرق ناهاليل فى الجليل، ساحة الساعة في يافا وأمام وزارة الدفاع فى تل أبيب، وقفات احتجاجية ، هادئة نسبيًا لعناصر من الحزب الشيوعى الإسرائيلى والجبهة الديمقراطية للسلامة والمساواة، يحملون لافتات موحدة كتب عليها الدم مقابل الأصوات ، فى إشارة لرفضهم العملية العسكرية على غزة واعتبروها دعاية للانتخابات المُقبلة[4]، رغم ذلك كان الجو هادئا فى الداخل الإسرائيلى بشكل عام خاصة فى المدن المختلطة التى اعتادت على ما يبدو على حالة القتال بين وقت وآخر، وكأن الحرب استقرت فى الوعى الجمعى للطرفين، وكأنها حقيقة لابد من التكيف عليها، مع الحرص على عدم حدوث توتر بين اليهود والفلسطينيين، يرى رئيس حركة “أمنيون” العميد “أمير أفيفى” ، أن الجولة كانت عملًا استثنائيًا ناجحًا على الجانب العملياتى، واستمرارًا للفشل على الجانب الاستراتيجى بالنسبة لإسرائيل، إذ كيف بعد عام واحد فقط من” حارس الأسوار” كعملية شاملة، تجد نفسها فى وقت قصير للغاية فى مواجهة 1000 صاروخ ، ويتعطل الجنوب بشكل كامل لعدة أيام، ولذلك هى مسألة وقت حتى الجولة التالية، مع منظمات تتعافى بوتيرة سريعة يشهدها الجميع ، وتتنامى لديها الثقة لبدء العمل، وأن مفهوم “الردع” لدينا لا علاقة له على الإطلاق بالواقع الذي نعيشه، لذلك مشاعر الجمهور المُتعب من هذه الجولات المتكررة ، دائمًا مختلطة[5]، ورأى الدكتور “ميخائيل مليشتين” رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية فى مركز دايان التابع لجامعة تل أبيب ، أن هذه الجولات لابد وأن تُسمى “القصة المفتوحة”، وأنها لا تدل إلا على الذاكرة الجمعية قصيرة المدى لإسرائيل، وتسمح وتوضح فكرة لا لبس فيها وهى أن حماس صاحبة السيادة الوحيدة فى قطاع غزة، لذلك يوصى بإعادة فحص فاعلية السياسة المدنية الموسعة تجاه الفلسطينيين وقطاع غزة[6] ،
أخيرًا، بدا الجمهور اليهودى والفلسطينى فى الداخل الإسرائيلى بشكل عام بدا الجمهور غير عابئين بعملية “الفجر الصادق”، كما لو كانوا مستمرين على نفس الوتيرة منذ عام؛ وبدت العمليات العسكرية خاصة فى محيط غزة كالروتين؛ هجوم وهجوم مضاد وهجوم مثله بعد عشرات السنوات، روتين يذهب ويعود وسرعان ما تعود الحياة لطبيعتها، لايهم من بدأ الجولة، ولكن الأهم أن تنتهى سريعًا، دون أن يُصاب احد بأذى.
[1] ) שובר הגלים، كاسر الأمواج ، هى عملية عسكرية للجيش الإسرائيلي داخل إسرائيل والضفة الغربية بدأت في 31 مارس 2022م، بعد عدة علميات جهادية كان أبرزها فى بني براك، الخضيرة ، بير شيفع وغيرها، نفذت خلالها قوات الجيش الإسرائيلى بالتعاون مع الشاباك (جهاز الأمن العام ) وحرس الحدود، مداهمات واعتقالات استهدفت أهدافًا فلسطينية، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العملية ، نفذت كتيبة “نيتسان” التابعة لسلاح الاستخبارات الحربى / חיל האיסוף הקרבי أكثر من 527 جهادى فى الضفة الغربية وخط التماس، وهى بشكل عام تُعد استمرارًا لنشاط روتين فى الضفة الغربية، من خلال وحدات مخصصة فى الجيش الإسرائيلى أبرزها وحدة دوفدفان وأخرى دورية موجهة من وحدات جولانى، ناحال ، وجفعاتى ، وتشمل اعتقال مطلوبين بغرض استجوابهم والقبض على جهاديين لإحباط عمليات جهادية ، ومدنيين يعارضون عمليات الجيش الإسرائيلى الذى قام أيضًا بأعمال هندسية على خط التماس للحد من التسلل غير القانونى للداخل الإسرائيلى .
[2]) מבצע מעצרים בג’נין: נלכד ראש הג’יהאד האיסלאמי בג’נין, https://www.ynet.co.il/news/article/rj8jhssac, cited in 6-8-2022,10pm.
[3]הפסיקו את המתקפה על עזה”: הפגנות בערים המעורבות, https://www.israelhayom.co.il/news/local/article/12718042,cited in 6-8-2022,10pm
[4]) המפלגה הקומניסטית הישראלית,,cited in 7-8-2022,11am https://maki.org.il/
[5] ) לאחר הפסקת האש, השאלה שישראל צריכה לשאול את עצמה לקראת הסבבים הבאים
https://www.maariv.co.il/news/military/Article-937354, cited in 8-8-2022,9am.
[6] ) אחרי עלות השחר: הזיכרון הקצר של ישראל https://www.ynet.co.il/news/article/sjnbkooacm,cited in 8-8-2022,9am.