استضافت بغداد، يوم 28 أغسطس المنصرم، مؤتمرا دوليا للتعاون والشراكة، شاركت فيه تسع دول، ثمان منها مجاورة وأخرى لم يزر ممثلوها العراق منذ التسعينيات؛ الأمر الذي كان له أثر واضح في تعزيز العلاقات البناءة مع دول الجوار، بالإضافة الي حضور جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الاسلامي. وقد تناول هذا المؤتمر عدة قضايا على الساحة الاقليمية المشتركة مثل الأمن الاقليمي المشترك ووضع حد للتدخلات الخارجية في الشأن العربي بشكل عام وفي العراق بشكل خاص، بالإضافة الي مناقشة صعود حركة طالبان في افغانستان وأثره على المحيط العربي وآلية التعامل معه، كما كان العمل الأساسي للمؤتمر هو إعادة العراق لعمقه العربي. وكان لمشاركة كل من مصر وإيران في هذا المؤتمر أثر بالغ الاهمية، وتسعى الدراسة الي تحليل الفرص والتحديات التي واجهت كلا الوفدين.
فرص المشاركة
بمقارنة فرص كلا الجانبين المصري والايراني في هذا المؤتمر، فلا شك أن مصر حظيت بالنصيب الأكبر من تلك الفرص فاغتنمت مصر فرصة مشاركتها لعقد عدة قمم ثنائية تدعم اهداف السياسة الخارجية المصرية خلال تلك المرحلة ممثلة في أحد أهم الأدوار التي تلعبها مصر بوصفها قوة محورية وقائد اقليمي وصانعة سلام اقليمي تحرص علي دعم مواقفها التعاونية، فالتقي الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأمير تميم بن حمد آل ثاني حرصا منه علي دعم المشاركة العربية وازالة مواطن الخلاف والاختلاف، كما التقي بالشيخ صباح الخالد الحمد الصباح رئيس وزراء الكويت و تناول معه العديد من ملفات التعاون والشراكة بين البلدين لتعزيز امن المنطقة، كل ذلك الي جانب اللقاء المصري العراقي الذي عقد فور وصول الرئيس المصري الي بغداد حرصا علي دعم العراق و ارجاعه لحاضنته العربية.
أما على الجانب الإيراني، فقد حضر المؤتمر وزير الخارجية الجديد حسين امير عبداللهيان، والذي سبق له أن تولي العديد من المناصب الدبلوماسية المختصة بالشأن العربي منها مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية ومن المرجح أن تتوجه وزارته خلال الفترة المقبلة بسياستها الي الدول العربية. والملفت أنه على الرغم من توليه تلك المناصب الا انه لم يكن علي دراية كافية بحجم التبادل التجاري الحقيقي بين إيران والعراق فلقد صرح بان حجم التبادل التجاري بين كلا الدولتين يتجاوز 300 مليار دولار وهو لم يتعدى 13 مليار دولار، وفقا لما علق به الوفد العراقي على تلك التصريحات المغلوطة. كما خابت تكهنات بعض المحللين حيال استغلال إيران والسعودية فرصة حضورهما المؤتمر لعقد قمة ثنائية لخفض حالة التوتر في المنطقة، على الرغم من توفر الرغبة السعودية في ازالة هذا التوتر غير ان إيران استمرت في رفض تناول القضايا الإقليمية، والتركيز على العلاقات الثنائية فقط، وهذا لا يعبر عن رغبة حقيقية لتغير الاوضاع الراهنة من دعم الميليشات المسلحة في سوريا والعراق ولبنان بل واستمرار دعم جماعة الحوثيين باليمن.
التحديات
تغلبت الدبلوماسية المصرية علي تحدي ملاقاة قطر في مؤتمر بغداد واستطاعت الدبلوماسية المصرية ان تزيل ذلك العائق بل استغلته أفضل استغلال لتأكيد حرصها علي عودة الوحدة العربية وازالة الخلافات العربية-العربية، كما تغلبت مصر أيضا على محاولات الكثير من التقليل من دورها الريادي في المنطقة، فجاء خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي قويا في دعم مصر للعراق ومنع اية تدخلات خارجية في شئونه الداخلية وفي الوطن العربي ككل، والعمل على توحيد الجهود لمواجهة المخاطر المشتركة وعلي رأسها مكافحة الارهاب.
بينما واجهت إيران العديد من التحديات على عدة مستويات فبداية جاء المؤتمر كمحاولة ارجاع العراق للحاضنة العربية كما اشارت كل الدول العربية في المؤتمر الي ضرورة وقف كل اشكال التدخلات الخارجية في العراق.
تتعامل ايران مع العراق و كأنه جزء من أراضيها فهي اول من تدخل بالسلب في شئونه، كما واجهت تحدي الاخطاء المتعددة التي صدرت من وزير خارجيتها في اول اختبار له، فالي جانب التصريحات المغلوطة بشأن حجم تجارة بلاده مع العراق، تفاجا الجميع بالحرج الدولي الذي وضعت فيه ايران أثناء التقاط الصورة التذكارية لقادة المؤتمر الجماعية، عندما وقف عبد اللهيان في صف الرؤساء و ليس المكان المخصص لوزراء الخارجية وكأن ايران تعلن انها في المقدمة وكأنها لا تابه البرتوكول و الاعراف الدولية و كما انها كانت تتصرف و كأنها منظمة القمة، بدليل أنه تساءل عن غياب سوريا عن المؤتمر.
التقدير
لم تتناسب الثمار التي اتي بها المؤتمر مع التوقعات التي احاطت به على المستوي الايراني فكان من المتوقع ان يأتي هذا المؤتمر بثمار عدة اهمها خفض حالة التوتر بين السعودية وإيران كما كشفت تصريحات رئيسي فيما سبق لكنها تظل مجرد تصريحات دبلوماسية لا تتماشي مع ما يحدث في ارض الواقع فكيف تصل القمم الي السلام في حالة مخالفة تصريحات رئيسي للواقع، كما ان الخطأ البرتوكولي الذي ارتكبه عبد اللهيان يشير الي دور إيران المتدخل في العراق.