تشهد العلاقات الروسية الإثيوبية تتطورًا ملموسًا خلال الفترة الأخيرة ،حيث عُقد اجتماع اللجنة الفنية العسكرية المشتركة بين أثيوبيا وروسيا فى دورته ال١١ يوم 8/7/2021 بأديس أبابا، وذلك لتعزيز التعاون العسكرى بين البلدين و الذى أسفر عن توقيع إثيوبيا وروسيا، يوم 12/7/2021 اتفاقية تعاون عسكرى، إضافة إلى توقيع إثيوبيا وروسيا على مذكرتى تفاهم للعمل معا فى مجال الطاقة النووية فى 17/4/2021.
روسيا تستفيد بشكل كبير من توافقها مع إثيُوبيا، حيث يرسخ وجودها أكثر فى إفريقيا بشكل أكبر، فما هى طبيعة العلاقات والمصالح التى تربطهم ، وإبعاد ذلك التعاون، والأهداف الروسية جراء هذا التعاون، ونتيجة لذلك سيتضح لماذا ساندت روسيا أثيوبيا فى أزمة سد النهضة ؟
تطور العلاقات الروسية الإثيوبية:
البلدين تربطهما علاقات تاريخية قوية منذ عام 1906 فى مختلف المجالات خاصة الدبلوماسية والعسكرية، فعندما كانت الولايات المتحدة الأميركية هى المورد الرئيسى للأسلحة إلى إثيوبيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضى، فمنذ ذلك التاريخ حل محلها الاتحاد السوفيتى، الذى زود الحكومات الاشتراكية المتعاقبة بشحنات ضخمة من الأسلحة والذخائر والمنظومات الدفاعية والهجومية، بلغت قيمتها الإجمالية فى عام 1990 نحو 4 مليارات دولار.
وقد استمرَّت العلاقات فى هذا الصدد بين روسيا وإثيوبيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، إلى أن تم فرض الحظر الأممى على تصدير الأسلحة إلى أديس أبابا فى مايو 2000، والذى استمر لمدة عام واحد، وتم رفعه بعد ذلك فى مارس 2001، منذ ذلك التاريخ، عقدت أديس أبابا صفقات محدودة للتّسليح مع روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة والصين.
كما عملت روسيا على إلغاء ديون بقيمة 163.6 مليون دولار من جانبها وفتح التحرير الاقتصادى فى إثيوبيا وبذلك أكدت فرصًا جديدة للمستثمرين الروس، وشكل هذا أيضًا تحولًا جديدًا من المساعدات الحكومية إلى مبادرة القطاع الخاص من خلال إشراك المستثمرين الروس، وقامت روسيا بتسليم منظومات الدفاع الصاروخى من طراز Pantir-S1 إلى إثيوبيا في نوفمبر 2019.

وقد شهدت العلاقات بين روسيا وأديس أبابا تطورًا كبيرًا منذ أن التقى رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى أكتوبر 2019 على هامش القمة الأفريقية الروسية بمنتجع سوتشى الروسى.
حيث وقعت موسكو وأديس أبابا، على اتفاق حكومى للتعاون فى مجال الاستخدام السلمى للطاقة النووية بين البلدين، وذلك من خلال انعقاد القمة والمنتدى الاقتصادى “روسيا – إفريقيا” المنعقدين فى مدينة سوتشى 2019، وذلك الاتفاق خلق أساسا قانونيا للتعاون بين روسيا وإثيوبيا فى الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية فى مجموعة واسعة من المجالات مثل: المساعدة فى إنشاء وتحسين البنية التحتية النووية لإثيوبيا، التنظيم فى مجال السلامة النووية والإشعاعية، والإشراف على الحماية المادية للمواد النووية، المساعدة فى إنشاء مرافق تخزين المواد النووية والمواد المشعة، والتعاون فى مجال البحوث الأساسية والتطبيقية فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وتدريب وإعداد كوادر مختصة فى هذا المجال.
وتلك الاتفاقية استكمالا لمذكرة تفاهم كانت قد وقعت بين “روس آتوم” ووزارة العلوم والتكنولوجيا الإثيوبية فى موسكو، فى يونيو 2017، حيث تسعى إثيوبيا فى تعاونها مع الحكومة الروسية لاستخدام التكنولوجيا النووية إلى تطوير مجالها الزراعى، وهو ما يساعد فى إضافة القيمة على المنتجات الزراعية الإثيوبية وتحسينها كماً ونوعاً.
وتعمد إثيوبيا فى الوقت الراهن على إنتاج الطاقة من الطاقة الكهرومائة وطاقة الرياح على الرغم من سهولتها إلى أن الحكومة الإثيوبية تسعى لتنويع مصادر الطاقة لتغطية حاجة البلاد المتزايدة من الطاقة وهو مادفعها إلى التوجه نحو روسيا للتعاون فى إقامة مشروع للطاقة النووية.
هذه الاتفاقيات ستكون لها أهمية قصوى فى تحويل العلاقات طويلة الأمد بين البلدين إلى مستوى أعلى، والاتفاقية تركزت على تحويل قدرات قوات الدفاع الوطنى فى مجالات المعرفة والمهارة والتكنولوجيا، و تعزيز التعاون العسكرى بين إثيوبيا وروسيا ، ويأتي ذلك التعاون فى إطار رغبة إثيوبيا تحديث قواتها المسلحة، لا سيما قدراتها فى مجال حفظ السلام ومكافحة الإرهاب، بالتعاون مع روسيا.
النفوذ الروسى في إثيوبيا
وفقا لرؤية روسيا التوسعية، فإنها تسعى للبحث دائمًا عن فرص انتقائية للتعاون، لترسيخ علاقات إستراتيجية مستدامة، إذ يتمثل الهدف الرئيسى لسياسة الأمن الروسية فى تأمين عقود التسلح وترسيخ نفسها كمستثمر حيوى فى تطوير البنية التحتية الدفاعية، وهى الأهداف التى تؤهلها لبناء قاعدة عسكرية ووجود دائم في البحر الأحمر.
وتعد روسيا المورد الرئيسى للأسلحة فى إفريقيا وجنوب الصحراء، وقد زادت مبيعاتها مؤخرًا لدول القرن الإفريقى، فقد استوردت إثيوبيا 71 مليون دولار قيمة الأسلحة فى عام 2019 – أكثر من أى من نظيراتها فى شرق إفريقيا – وتسعى إلى ترقية أنظمة الدفاع الجوى، مما يجعلها عميل الأسلحة الرئيسى لروسيا في القرن الأفريقى.
وأدى استخدام روسيا إستراتيجية إعفاء الديون فى قمة سوتشى، إلى زيادة مبيعات الأسلحة إلى إثيوبيا إذ قررت موسكو إلغاء 163.6 مليون دولار من الديون الإثيوبية، ما أدى إلى عقد اتفاق تعاون فى مجال الدفاع، ويأتى ذلك فى إطار إدراج أديس أبابا في تقرير مجلس الشؤون الدولية الروسى، مايو 2017، باعتبارها أحد أهم خمسة أسواق أسلحة أفريقية لروسيا.

وبجانب النمو فى المعاملات العسكرية بين روسيا والقرن الإفريقى، عمقت روسيا تعاونها الدفاعى مع إثيوبيا، ففى إبريل 2018 وقعت روسيا وإثيوبيا اتفاقية للتعاون الدفاعى فى مجالات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب والتدريب على مكافحة القرصنة، إلا أن التطور فى هذا المجال يتطور ببطء شديد.
أبعاد التقارب الروسى الأثيوبى وتغير توازنات القوي:
خلال السبعينيات، كانت إثيوبيا تعتبر حليفا لأمريكا حتى بعد ثورتها الشيوعية، بينما كانت الصومال المجاورة حليفا للسوفييت، و أسفرت حرب أوجادين عن قيام القوى العظمى بتبادل الرعاية، وبالتالى انتهت بإثيوبيا لتصبح حليفا سوفييتيًا، بينما أصبحت الصومال حليفا للولايات المتحدة.
و أبى أحمد، الذى كان يعتبر فى البداية صديقا للولايات المتحدة، أصبح هناك أزمة بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية بسبب انتهاكاته العسكرية فى تيجراى، وبتنفيذ العقوبات الأمريكية ضد إثيوبيا أتاح ذلك لروسيا انفتاحا إقليميا.
ويتوقع الآن أن تعكس إثيوبيا مسارها الجيوسياسى وأن توطد علاقاتها بالصين بشكل أكبر، مثلما اعتادت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى أن تفعل عندما كانت فى السلطة قبل أن يقرر آبى أحمد إعادة ضبط سياستها الخارجية خلال تجربته التى تبدو الآن فاشلة مع نسخة بلاده من «الجلاسنوست والبيريسترويكا»، و فى هذه الحالة، قد يؤدى احتضان آبى احمد للصين ردا على العقوبات الأمريكية.
وفيما يتعلق بالتوازن الجيوسياسى كواحد من أهم الاتجاهات في القرن الـ21 وسط تحول العالم بشكل لا رجعة فيه إلى التعددية القطبية، يمكن القول إنه سيكون من الأفضل لإثيوبيا أن توازن استباقيا اعتمادها الجيوستراتيجى غير المتكافئ على الصين فقط.
ولتحقيق التوازن فإن روسيا الشريك العملى الوحيد الذى يمكن لإثيوبيا التعامل معه إذا رغبت في تحقيق التوازن مع الصين، خاصة بطريقة ودية لا تخاطر بإثارة أى شكوك حول نواياها الجيوستراتيجية من جمهورية الصين الشعبية لأن موسكو وبكين تتمتعان بعلاقات وثيقة بشكل غير مسبوق.
وكذلك سعت روسيا أيضا إلى العودة إلى إفريقيا فى السنوات الأخيرة، كما يتضح من أول قمة روسية أفريقية على الإطلاق في سوتشي في أكتوبر 2019.
وكذلك أن التواصل مع روسيا فى الوقت الحالى لن يكون لهدف رمزى، بل قد يؤدى إلى عدد كبير من النتائج المفيدة للطرفين لكلا البلدين.
حيث تحتاج إثيوبيا دعما عسكريا موثوقا به أكثر من أى وقت مضى، وروسيا معروفة بصفقاتها العسكرية غير المرتبطة بأى شروط، وكانت الشريك العسكرى الأكبر لأديس أبابا خلال الحرب الباردة القديمة.
إضافة إلى ذلك، فإن العديد من الشركات الروسية مشهورة عالميا بجودة عملها، لا سيما فى مجالات التعدين والمجالات واللوجستية، وبالتالى، يمكن لإثيوبيا بالتأكيد استخدام خبرتها فى السنوات القادمة إذا قررت الشركات الغربية مغادرة البلاد بسبب ضغوط حكوماتها.
كما أن العلاقات الروسية الإثيوبية القوية من شأنها أن تكمل إعادة توجه موسكو الجيوستراتيجى تجاه الجنوب العالمى منذ بداية الأزمة الأوكرانية فى عام 2014 والتى يعتبرها البعض بداية الحرب الباردة الجديدة، لا سيما وأن الدولة الواقعة فى القرن الإفريقى هى من بين أكثر الأسواق الواعدة فى القارة.
فإن إثيوبيا كنقطة دخول إقليمية، يمكن لروسيا توسيع نفوذها فى جميع أنحاء القرن الإفريقى وبالتالى بقية شرق إفريقيا.
لماذا ساندت روسيا إثيوبيا في موقف سد النهضة؟

تعليق واحد
تنبيه: ما بين إرهاب وجوع وغضب .. ماذا يحدث فى بوركينا فاسو؟ - N.V.D