تعتبر جمهورية تنزانيا الاتحادية الواقعة شرق القارة الأفريقية إحدى الدول ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة، نظرًا لموقعها الجغرافي المميز على السواحل الغربية للمحيط الهندي، ذلك المحيط الذي يمر من خلاله ما يقرب من نصف عدد حركة الحاويات في العالم الناقلة للبضائع، وكذا ما يقرب من 80% من شحنات النفط العالمية، كونه ممرًا استراتيجيًا مُهمًا للحركة التجارية بين غرب قارة آسيا والساحل الشرقي للقارة الأفريقية، وأيضًا لما تحتويه من موانئ تجارية تجعلها منفذًا بحريًا مُهمًا للدول الأفريقية الحبيسة، فضلًا عن المواد الخام التي تمتلكها أراضيها من الغاز الطبيعي والنيكل والزنك، وهذا جعلها ضمن أكثر 10 اقتصادات الأسرع نموًا في العالم عام 2020[1]، لاسيما وأنها دولة تتسم نوعًا ما بالهدوء والاستقرار السياسي رغم ما حولها من توترات، وذلك منذ استقلالها عن الاستعمار البريطاني عام 1964 واتحاد دولتي تنجانيقا وزنجبار لتتشكل الجمهورية الاتحادية الحالية، ويقع بها أعلى جبل في أفريقيا وهو جبل كليمنجارو في شمال شرق تنزانيا، كما تُعتبر تنزانيا من أهم دول حوض النيل لتواجد نصف مساحة بحيرة فيكتوريا وهي المصدر الرئيس لمياه النيل الأبيض أحد فرعي نهر النيل في أراضيها، وكذا أن منبع نهر النيل يبدأ من بحيرة تنجانيقا بتنزانيا، لذا تتسم بأهمية عالية بالنسبة للدولة المصرية.
دوافع التنافس الدولي على تنزانيا
أرشيفية
يرتكز الاهتمام الدولي بجمهورية تنزانيا الاتحادية على عدة محددات مُهمة، فجميع القوى الإقليمية والدولية التي تتخذ منهجًا للتقارب من تلك الدولة، لها من الدوافع والأسباب السياسية والاقتصادية والأمنية ما يجعلها تضع نصب أعينها أوجه الاستفادة من موقعها في المجالات المختلفة، فتعتبر الموانئ البحرية التنزانية كإحدى محددات التنافس الدولي وكونها تُمثل أحد مناطق جذب الاستثمارات الأجنبية، ذات أهمية جيواستراتيجية وجيواقتصادية جاذبة، تحتل بها مرتبة متقدمة لسياسات بعض القوى الإقليمية والدولية الطامحة للتواجد في تلك البقعة الاستراتيجية من القارة مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا والإمارات وتركيا والهند، وليست إيران أو إسرائيل ببعيد عن التنافس حول تلك المنطقة، عازمين جميعهم على بناء جسور التعاون مع الحكومة التنزانية وتعزيز أواصر التكامل الاقتصادي معها، لتحقيق أهدافهم في منطقة شرق أفريقيا، وهذا يتمثل في استغلال الموانئ التنزانية اقتصاديًا وتجاريًا، وضمان الحصول على المزيد من الموارد، ويأتي ذلك في ضوء تصاعد التنافس بين موانئ منطقة القرن الأفريقي لتعظيم المكاسب الاقتصادية، فعلى سبيل المثال لا الحصر التنافس بين مينائي دار السلام بتنزانيا ومومباسا بكينيا، خاصة بعد اعتماد بعض الدول المجاورة كأوغندا وبوروندي على الأول في تصريف منتجاتهما التجارية بسبب الأوضاع المتوترة في كينيا، الأمر الذي يضع المنطقة أمام مسارات عديدة مُحتملة من التفاعلات المحلية والإقليمية مستقبلًا، وفي نفس السياق نجد أن الاستراتيجية الصينية تعتمد بصورة أساسية على الموانئ البحرية في كل من مصر وجيبوتي وإثيوبيا وتنزانيا إلى جانب زامبيا وأنجولا[2]، وأخذت في التوسع بإنشاء وربط الموانئ المُهمة على دول الساحل الشرقي لأفريقيا فيما يُعرف باستراتيجية “خيط اللؤلؤ” وتضمنيها في مبادرة الحزام والطريق، كذلك الحال بالنسبة للتقديرات التي تُشير إلى إمكانية التوصل إلى توافقات بين بكين والعاصمة التنزانية “دودوما” بشأن استئناف مشروع ميناء “باجامويو” المتوقف منذ عام 2013 في إطار اتفاقية ثنائية لتأسيس الميناء والمنطقة الاقتصادية، حيث رُفض مطالب بكين بالحصول على عقد إيجار إداري للميناء لمدة 99 عامًا[3]، وفي إطارٍ متوازٍ مع هذا التوجه الصيني، نجد مقاربات أخرى تحاول الحصول على عقود امتياز لإدارة هذه الموانئ الاستراتيجية تدوم لسنوات طويلة، فقد وقعت مجموعة موانئ دبي العالمية “DP World” مع هيئة الموانئ التنزانية اتفاقية امتياز مدتها 30 عامًا لتشغيل وتحديث ميناء دار السلام متعدد الأغراض لربط تنزانيا والمنطقة بالأسواق العالمية[4]، إلى جانب المشاريع اللوجستية في المناطق النائية، ومع تنامي المصالح الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية لتلك القوى لتعزز أهدافها على المدى القصير والطويل، نجد العديد من المقاربات والتوجهات الإقليمية والدولية في الساحل الشرقي الأفريقي ليس فقط في المجالين الاقتصادي والسياسي فحسب، بل في المجالات العسكرية والأمنية والاجتماعية أيضًا، وهذا ما يجعل المنطقة ساحة جديدة لإعادة توازنات القوى الدولية والإقليمية، وليست فقط الدول التي تميل إلى تعميق علاقتها بجمهورية تنزانيا فحسب، بل نجد أن الشركات متعددة الجنسيات الكبرى تحاول الانخراط أكثر في علاقات تشاركية مع دودوما خاصًة في مجال الطاقة، حيث تضمنت خطة مشروع الغاز المسال في تنزانيا إنشاء محطة إسالة برية في ليندي بجنوب شرق البلاد، بقدرة تصل إلى 10 ملايين طن سنويًا على الأقل، بتكلفة تصل إلى 42 مليار دولار، وقد أنهت بالفعل شركات “إكوينور – شل -إكسون موبيل” الأمريكية مفاوضاتها مع الحكومة التنزانية لتطوير محطة تصدير في جنوب البلاد عام 2023[5].
ورغم ما تشهده تنزانيا من تهافت من القوى الدولية للدخول معها في شراكات، إلا أن في باطنه هو صراع دولي بين تلك القوى لاستغلال موارد وموقع تنزانيا أولًا، ثم الدخول إلى أفريقيا والهيمنة على مواردها الهائلة ثانيًا، فنرى تنافسًا بين الصين والهند على التقارب مع تنزانيا، وتقديم عروض سخية اقتصادية من الطرف الأول، وتعاون عسكري من الطرف الثاني، بهدف استمالة الطرف التنزاني، وتعزيز التواجد سواء الاقتصادي أو العسكري في مواجهة الطرف المنافس للحدّ من هيمنته على المنطقة.
محاور التشارك المصري – التنزاني
أرشيفية
ترتكز العلاقات المصرية – التنزانية على مبادئ التعاون في عدٍد من القضايا في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فضلًا عن التفاهمات المشتركة في ملفات التنمية والأمن الإقليمي، وذلك لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تحيط بالقارة، حيث يأتي المحور الاقتصادي على رأس العلاقات بين البلدين، ويتنوع به أطر الشراكة ما بين الاستثمارات والتبادل التجاري من خلال الشركات المصرية والمكاتب الاستشارية المتواجدة هناك، وذلك للمساهمة في إقامة مشروعات وطنية تهدف في الأساس الجانب الإنمائي لتنزانيا، ولعل أنجحها حتى الآن نجاح تحالف شركتي “المقاولون العرب – السويدي للكابلات” بتمويل وإنشاء سد “جوليوس نيريري” كونه أكبر المشروعات القومية، ويُعد دلالة على تعميق التعاون المشترك بين القاهرة ودودوما وتقوية العلاقات الاقتصادية فيما بينهما، وكذا إعلان شركة “السويدي إلكتريك” عن إنشاء مدينة السويدي الصناعية الجديدة، والتي تستهدف جذب استثمارات تزيد قيمتها عن 400 مليون دولار من المستثمرين في جميع أنحاء المنطقة، وخلق فرص عمل تتجاوز 50 ألف فرصة، وقد أشار التقرير الصادر عن هيئة تنمية الصادرات المصرية[6] والذي يوضح حجم الصادرات المصرية إلى جمهورية تنزانيا الاتحادية خلال العقد الأخير وأهم السلع المصرية التي يتم تصديرها وقيمتها، إلى أن إجمالي قيمة الصادرات المصرية بلغت ما يقرب من 355.8 مليون دولار خلال الفترة من 2012 حتى 2022، حيث سجل عام 2012 أعلى قيمة للصادرات المصرية بقيمة 52 مليون دولار، بينما سجل عام 2022 أقل قيمة للصادرات بلغت 11.9 مليون دولار، بنسبة انخفاض 77.1%، وتذبذبت قيمة الصادرات المصرية خلال الفترة محل الدراسة، تارة بارتفاع وتارة أخرى بانخفاض حتى عام 2021 والتي بلغت قيمة الصادرات 45.5 مليون دولار بنسبة ارتفاع 25.3% مقارنة بعام 2020، كما تصدرت مستحضرات وأصناف صيدلية أخرى قائمة السلع المصرية المصدرة إلى جمهورية تنزانيا الاتحادية بقيمة 1.7 مليون دولار عام 2022، في حين أن حجم الواردات التنزانية لمصر كان متواضعًا نوعًا ما، حيث سجلت ما يقرب من 7 ملايين دولار عام 2022، كان أبزرها منتجات البن والشاي والبهارات[7].
وفي مجال الطاقة تعتزم شركة “طاقة دلبيت” التابعة لشركة “طاقة عربية” إنشاء سلسة من 12 محطة للشركة خلال السنوات المقبلة باستثمارات تصل إلى 10 ملايين دولار[8] ، وكان افتتاح أول محطة تموين متكاملة للغاز الطبيعي المضغوط (CNG) وأول مركز تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي في تنزانيا تحت علامة “ماسترجاس” في نوفمبر 2023.
وبالنظر إلى محاور أخرى للعلاقات المتبادلة كملف التعاون المائي، فمنذ عام 2009 وتوقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين لتنفيذ حفر عدد 70 بئرًا جوفيًا والانتهاء من المرحلة الأولى منه فقط[9]، لم تقم الدولة المصرية بأي مشروعات في ذلك المجال إلا مؤخرًا، وربما لهذا السبب قامت جمهورية تنزانيا الاتحادية بالتوقيع على اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل “عنتيبي” عام 2010، والتي تتلخص فكرتها في إعادة تقسيم حصص نهر النيل بين دوله الـ 11، واتخذت فيما بعد خطوات لبناء سدود على أحد روافد نهر النيل بهدف توصيل الكهرباء وإنارة القرى، أسوة بما قامت به إثيوبيا في عملية بناء سد النهضة، أما خلال الخمس سنوات الأخيرة، فقد تغير موقف الحكومة التنزانية تجاه قضية سد النهضة، وكان تأكيدها دومًا بمختلف المحافل الرسمية وغير الرسمية بشتى المستويات على حق مصر في الوصول إلى اتفاق ملزم لملئ السد الإثيوبي، ولعل أبرز الأسباب التي حولت موقفها هو مساعدة مصر في إنشاء سد “جوليوس نيريري”، الذي أكد على دور مصر الرائد في أنها تساعد أشقائها الأفارقة في التنمية، طالما أن المشروعات القومية لأي دولة أفريقية لا تقع بالضرر على أي دولة أخرى.
مسارات التحرك المصري
أرشيفية
تُعتبر جمهورية تنزانيا الاتحادية لاعبًا رئيسًا في منطقة شرق القارة، ومركزًا لأكبر ثلاث تجمعات اقتصادية إقليمية في أفريقيا، فهي أحد أعضاء مجموعة شرق أفريقيا (EAC) ومقر قيادتها بمدينة أروشا التنزانية، وأيضًا عضويتها بمجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC)، وكانت في السابق عضوًا في مجموعة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA)، وعلى الجانب الآخر، تتولى مصر الرئاسة الحالية لوكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية “NEPAD“، والتي تدفع في سبيل زيادة حركة التجارة البينية والاستفادة من المواد الخام والثروات الطبيعية، هذا التشابك بين الدولتين في عضوية التجمعات الاقتصادية الإقليمية، قد يسمح للطرفين الانخراط في شراكات واستثمارات كبرى سواء بشكل ثنائي أو مع دول التكتلات الأفريقية المشار إليها، وبما ينعكس إيجابيًّا على حرية حركة رؤوس الأموال والأفراد ورجال الأعمال المصريين والتنزانيين، ولكي نستطيع وضع تصورات مستقبلية للعلاقات بين البلدين في ظل توقعات تنامي دور التكتلات الاقتصادية الإقليمية، الأمر الذي يتطلب اقتراب الدولة المصرية من جمهورية تنزانيا، فلابد من اتخاذ مسارات تشاركية وتكاملية تحديدًا في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتصنيع والموانئ والسدود والزراعة والأمن الغذائي والري، فضلًا عن قطاعي النقل والخدمات والاتصالات، وذلك من خلال الاستفادة اقتصاديًا أو سياسيًا من عضوية تنزانيا بتلك المنظمات الإقليمية.
أولًا: المسار الاقتصادي
قد يكون من المفيد خلال الفترة القادمة وضع أطر اتفاق بين مصر وتنزانيا حول العديد من القضايا، وتوحيد الرؤى والأهداف فيما بينهما، واستثمار أقصى الإمكانات المتاحة للبلدين سعيًا للوصول للأهداف المنشودة في إطار مبدأ Win -Win Situation، وذلك في إطار ما تصبو إليه الحكومة التنزانية في جذب مزيد من الاستثمارات في شتى القطاعات، وبالمقابل ما تخطط له الدولة المصرية من تعزيز تواجدها في منطقة شرق أفريقيا في ظل احتدام التنافس الدولي والإقليمي على تلك المنقطة، وفي ذلك المسار تتعدد ركائز التعاون والتنمية، ويُمكن الحديث عن أبزرها من خلال الآتي:
- التبادل التجاري والاستثمارات:
- اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز التبادل التجاري بنظام “الصفقات المتكافئة” بين مصر وتنزانيا بصورة خاصة والقارة الأفريقية بشكل عام، خاصًة في القطاعات التي تحظى فيها مصر بميزات نسبية تتعلق بالجودة والسعر إلى تلك الدول والتي تعاني من عجز في الميزان التجاري، ويتم في مقابلها استيراد المواد الخام، بما يحقق فائدة للأطراف.
- تفعيل التجارة التفضيلية مع تنزانيا في إطار اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية “AFCFTA“.
- نقل التجربة المصرية في مجال الإصلاح المالي والاقتصادي من بناء القدرات البشرية وميكنة المنظومتين الضريبية والجمركية، فضلًا عن سبل دمج الاقتصاد غير الرسمي واستكشاف مصادر للتمويل من الأسواق الدولية.
- إحياء مبادرة دمج التكتلات الاقتصادية الأفريقية الثلاث (مجموعة شرق أفريقيا EAC – مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي SADC – مجموعة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESAالذي تم الإعلان عنه عام 2015 بشرم الشيخ، والعمل على حل الإشكاليات العالقة لتحقيق الدمج، والتي ترتكز على منهجية تنموية تستند إلى ٣ محددات، الأول السوق الذي يتجسد في منطقة التجارة الحرة الثلاثية، والثاني تطوير البنية التحتية لتسهيل وتعزيز الارتباط والتواصل وحركة السلع والأشخاص إلى جانب تخفيض نفقات ممارسة العمل التجاري، والثالث التنمية الصناعية مما تؤدى بدورها إلى تعزيز التنافسية ومعالجة قيود كفاءة العرض والإنتاجية.
- التعاون بين مصر ودول المجموعتين (EAC) و (SADC) لتحقيق الأهداف الاقتصادية للأطراف كافة، ومن ثَم تحقيق التكامل الاقتصادي والتجاري، وقد يكون لتنزانيا تأثيرًا واضحًا في ذلك الأمر، كونها ثاني أكبر اقتصاد في دول شرق القارة.
- محاولة إقناع الحكومة التنزانية العودة إلى عضوية مجموعة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (COMESA)، لما لها من ثُقل اقتصادي مستقبلًا قد يفيد الدول الأعضاء، وكذا تطبيق إعفاءات جمركية تُفيد المصدرين المصريين.
- الطاقة والبتروكيماويات:
- الإسراع في مشروع إنشاء محطات التموين بالغاز الطبيعي المضغوط في مناطق عديدة بتنزانيا، وذلك تماشيًا مع الرؤية الوطنية التنزانية للاستثمار في مجال الطاقة والاستفادة من احتياطاتها من الغاز الطبيعي.
- تقديم الخبرات الفنية والإدارية المصرية في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي وتوصيله للمنازل وتسويقه عالميًا، واستخراج مشتقات النفط التي تتدخل في صناعة البتروكيماويات.
- دراسة إمكانية جذب تمويل دولي أو إقليمي لإنشاء خط أنابيب للنفط والغاز من تنزانيا إلى مصر، كبديل لمقترح خط أنابيب نفط شرق أفريقيا (إيكوب)، والذي كان من المُزمع تدشينه بين تنزانيا وأوغندا، وتعطل المشروع نظرًا للدراسات البحثية التي أكدت وجود خسائر في قطاع الزراعة والمساكن لكثير من الشعب الأوغندي[10].
- النقل والملاحة:
- الإسراع في دراسة المقترح بإنشاء خط ملاحي جديد يربط مصر من خلال ميناء سفاجا بميناء دار السلام بتنزانيا، وكذا إنشاء منطقة لوجستية في كلٍ من دار السلام بتنزانيا وكيجالي برواندا لتجميع الصادرات المصرية ونقلها بحرًا إلى تنزانيا ومنها برًا إلى رواندا ثم إلى باقي دول وسط أفريقيا الحبيسة[11].
- التعاون بين هيئة قناة السويس وشركاتها مع هيئة الموانئ التنزانية، لتقديم الخبرات الفنية والملاحية واللوجيستية في موانئ دار السلام وتانجا وزنجبار، فضلًا عن تقديم تسهيلات مرور وحوافز لسفن الشحن التنزانية.
- زيادة استثمارات الشركات المصرية العاملة في مجالات النقل الجوي والبري والبحري والسكك الحديدية.
- البنية التحتية والخدمات:
- بحث إنشاء مشاريع مشتركة لتطوير الطرق البرية السريعة، والاستفادة من الخبرات المصرية في مجال الطرق، وإعطاء فرص لشركات المقاولات المصرية للاستثمار.
- نقل الخبرة المصرية في توليد ونقل الكهرباء النظيفة، وإنشاء مشروعات قومية كما حدث في سد “جوليوس نيريري”.
- تبادل المعرفة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من خلال الاستفادة من التطور التكنولوجي بالدولة المصرية.
- الاستمرار في مجال حفر الآبار الجوفية لتوفير مياه الشرب النقية للمواطنين في المناطق التي تعاني من ندرة المياه، وكذلك إنشاء سدود حصاد أمطار للاستفادة منها في توفير مياه الشرب وللثروة الحيوانية.
- الزراعة والأمن الغذائي:
- تدشين برنامج وطني يهدف إلى عقد شراكات بين القطاع الخاص في المجال الزراعي والبحث العلمي والحكومة التنزانية، للاستثمار في زراعة بعض المحاصيل كالأرز والذرة في الأراضي التنزانية، وتحقيق إنتاجية تكفي احتياجات الدولتين، وتصدير الفائض.
- تدريب صغار المزارعين في تنزانيا على التقنيات الحديثة في مجال الزراعة وأساليب الري والحصاد، لاسيما مواجهة تأثير تغيرات المناخ على المحاصيل الزراعية، مما يُسهم في تحسين جودة المنتجات الزراعية ورفع دخول المزارعين.
- تعظيم الاستفادة من الإمكانات المصرية في مجال الثروة الحيوانية وتربية الماشية، مما يعزز من قدرات تنزانيا في تحسين جودة رؤوس الماشية كونها الثانية أفريقيًا في عدد رؤوس الماشية، وكذا مجال الاستزراع السمكي وأسطول الصيد وطرق التغليف والتعبئة وتسويقها دوليًا.
- زيادة أعداد القوافل البيطرية والخبراء في تصنيع اللقاحات والأمصال، فضلًا عن نقل الخبرات في صناعة الأعلاف، والإسراع في إنشاء مصنع الأسمدة في تنزانيا.
- البيئة والتغيرات المناخية:
- دراسة إنشاء مركز التنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية، نظرًا لتأثر تنزانيا بمواسم هطول الأمطار الغزيرة وتأثيرات ظاهرة النينو المناخية.
- نقل التجربة المصرية في مواجهة تداعيات التغيرات المناخية والتكيف مع آثارها، من خلال التباحث والمساعدة في وضع استراتيجية وطنية للتغيرات المناخية.
- التعاون في مجالات تعزيز الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر والأزرق والهيدروجين الأخضر لتحقيق التنمية المستدامة في مجالات عدة.
ثانيًا: المسار السياسي
إن التواجد المصري في شرق القارة قد يكون أحد الأهداف الاستراتيجية للدولة المصرية في البحث عن حلفاء جدد في المنطقة، لاسيما في دول حوض النيل، نظرًا لما تشهده المنطقة من اضطرابات سياسية وأمنية، وتعاظم حجم المخاطر المحيطة بمصر لتقاربها وترابطها الجغرافي بالإقليم الذي يُمثل امتدادًا طبيعيًا لأمنها القومي، وهذا ما يجعلها تعيد تقييم السياسة الخارجية وفق منظور يحقق مصالح الأمن القومي المصري، والتي من بينها ضمان حماية الحقوق المائية، وتأمين حركة الملاحة الدولية المارة عبر قناة السويس[12]، والعمل على حشد الدعم من الدول الأفريقية التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية قوية تجاه القضايا ذات الأولوية بالنسبة للأمن القومي المصري، ومن ناحية أخرى التكاتف لإيجاد حلول للأزمات الراهنة بالقارة الأفريقية، فتُعتبر جمهورية تنزانيا الاتحادية عضوًا فاعلًا في العديد من التجمعات الإقليمية والدولية ذات البُعد السياسي، كمنظمة تهيئة وتنمية حوض نهر كاجيرا التي أنشئت عام 1977 مع كل من رواندا وبوروندي ثم انضمت أوغندا، وعضويتها في مجموعة دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي، فضلًا عن تجمع الكومنولث ومجموعة الـ 77، وحركة عدم الانحياز، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية وغيرها من المنظمات والتجمعات الدولية[13]، ولا ننسى العضوية الأهم وهي الاتحاد الأفريقي ومؤسساته المختلفة، حيث ستتولى جمهورية تنزانيا الاتحادية رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي خلال الشهر الجاري[14]، وذلك تزامنًا مع مرور 20 عامًا على إنشاء مجلس السلم والأمن الأفريقي، وقد يكون لمصر دورًا مهمًا خلال عضويتها في المجلس بعد انتخابها مُمثلًا عن إقليم الشمال لمدة عامين، وربما تكون الظروف ساعدت في وجود مصر وتنزانيا في المجلس كعضو ورئيس، لاستكمال بناء المسار السياسي على المستوى الإقليمي بين البلدين لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في جميع أنحاء أفريقيا، وسيناقش المجلس التحديات التي تعصف بأمن واستقرار دول القارة، وتهدد مناخ السلام الذي يطمح به شعوبها، كالصراع بين قوات التيجراي والحكومة الإثيوبية، والاتفاق الإثيوبي مع صوماليالاند، والأزمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى الأوضاع المتوترة في مضيق باب المندب واستهداف ميليشيات الحوثيين السفن التجارية التي لها صلة بالولايات المتحدة أو إسرائيل بسبب الحرب في قطاع غزة، لاسيما مع تدخلات بعض القوى الإقليمية في المنطقة سواء لفرض وجودها في المنطقة عسكريًا أو أمنيًا، أو لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي مستغلة الأوضاع الراهنة في القارة.
ثالثًا: المسار الأمني والعسكري
تحرص الدولة المصرية على تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع دول القارة عمومًا ودول إقليم حوض النيل على وجه الخصوص في ظل التحديات الأمنية المشتركة، يُمهد لها في ذلك امتلاكها لقدرات أمنية وعسكرية عالية، تجعلها شريكًا أمنيا وعسكريًا مهمًا، مقارنًة بتكلفة الوجود العسكري الأجنبي في أفريقيا، ومن الضروري خلق مساحة من التفاهم والتواصل بين القاهرة ودودوما حول عدد من الشواغل المصرية والأفريقية، أبرزها أزمة سد النهضة ومشروعات التعاون المائي ومكافحة التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير المشروعة في ضوء اتفاقية التعاون العسكري والاستخباراتي والدفاعي المبرمة بين الطرفين[15].
المكاسب المصرية
إن تعزيز التعاون المشترك لتنفيذ المشروعات التنموية في جمهورية تنزانيا الاتحادية وفي الدول الأفريقية بوجه عام، يعزز من دعم مكانة ومركز مصر أفريقيًا، والتأكيد دومًا على أن الدولة المصرية لا تدخر جهدًا في مساعدة أشقائها الأفارقة، ودعم احتياجاتها التنموية في شتى القطاعات، وكذا نقل تجربتها وخبراتها وتوظيفها لتنمية شعوب دول القارة، ومن زاوية أخرى تحقيق أمن مصر القومي خاصة في دول حوض النيل بالاستفادة من أوجه التعاون والدعم التنموي والفني المُقدم في ضوء السياسة الخارجية المصرية المبنية على ثنائية التنمية والأمن، وربما قد يتصور البعض أن ما تقوم به الدولة المصرية من تقديم خبرات ونقل إمكانات وتبادل معرفة أكثر بكثير مما سوف يعود بالنفع عليها، ولكن في الحقيقة هذا ليس واقعي، فمحفزات الدولة المصرية للانخراط في تلك الأنشطة والمشروعات عديدة، والمكاسب الناجمة عنها ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل يمتد إلى الصعيدين السياسي والأمني، وذلك في ضوء ما تشهده القارة الأفريقية كافة من أنماط متعددة من التفاعلات بين القوى الإقليمية والدولية تفرض تحديات سياسية واقتصادية وأمنية هائلة، فمن ضمن المكاسب:
- التأكيد أن مصر الدولة الأفريقية الرئيسة في مبادرة الحزام والطريق، لاسيما بعد دخول دول أفريقية أخرى في المبادرة قد تُغير خطط ومسارات الجانب الصيني.
- مواجهة توسع تواجد العديد من القوى الدولية والإقليمية في القارة بشكل عام مثل الصين والهند وتركيا والإمارات.
- استثمار ما يُعرف بـ “دبلوماسية السدود” في إقامة سد تنزانيا وتوليد الكهرباء، سيساعد مصر على الربط الكهربائي جنوبًا في اتجاه القارة الأفريقية والاستفادة من الإمكانات الهائلة للطاقة المائية في أفريقيا وتسويق فائض إنتاجها للدول الأوروبية، فضلًا عن طلبات بعض الدول الأفريقية للتعاون مع مصر في مجال بناء السدود على الأنهار، ونقل خبراتها في مجال المياه وتبطين الترع وتطهير المصارف.
- الترويج للصناعات المصرية في السوق التنزانية، قد يفتح أبواب تصدير للمنتجات المصرية ذات الميزة التنافسية في دول شرق أفريقيًا تحديدًا وقد تمتد إلى الجنوب والغرب.
[1] THE BOOM OF ECONOMIC GROWTH IN EAST AFRICA, “The Borgen Project, 14 MAY 2021, https://2u.pw/PEAImzT4
[2] التنافس الدولي على الموانئ البحرية في منطقة القرن الأفريقي، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، https://2u.pw/swHLIuJI
[3] سعي رئيسة تنزانيا لتجاوز الخلافات السابقة مع بكين، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، https://2u.pw/Qf2aBSmg
[4] موانئ دبي تشغل ميناء دار السلام التنزاني لمدة 30 عامًا، موقع الشرق اقتصاد، https://2u.pw/IjvnqioX
[5] مشروع الغاز المسال في تنزانيا يحرز تقدمًا مهمًا نحو الانطلاق، موقع الطاقة، https://2u.pw/qo8lAuc
[6] خريطة الصادرات المصرية، تقرير عن دولة تنزانيا، http://www.expoegypt.gov.eg/map
[7] النشرة السنوية للتبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل عام 2022، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، https://2u.pw/NTCBJaQw
[8] “طاقة عربية” تطلق أول محطة تموين للغاز الطبيعي في تنزانيا، جريدة البورصة، نوفمبر 2023، https://2u.pw/5fCpLAGr
[9] سياسات التعاون الثنائي بين مصر ودول حوض النيل: الموارد المائية نموذجا، السياسة الدولية 2021، https://2u.pw/hI1dQAl
[10] تقرير يهاجم خط أنابيب نفط شرق أفريقيا: كارثة ستفقر آلاف الأوغنديين، موقع الطاقة، 2023، https://2u.pw/k9fOPgLu
[11] مصر تدرس إنشاء خط ملاحي ومنطقة لوجستية للتصدير لدول وسط أفريقيا عن طريق تنزانيا ورواندا، https://2u.pw/D6Xbob3x
[12] السياسة المصرية تجاه إقليم شرق أفريقيا المحددات والآليات والتحديات، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 2021، https://2u.pw/8zRz6
[13] العلاقات المصرية-التنزانية كنموذج للتعاون بين دول حوض النيل، السياسة الدولية، 2022، https://2u.pw/ZAreMWGV
[14] Provisional Program of Work for the Month of May 2024, amaniafrica, https://2u.pw/j22piCph
[15] مصدر سابق، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 2021، https://2u.pw/8zRz6